لاريب أن مجمل الأوضاع العامة في سورية تغيّرت عمّا كانت عليه في الأعوام الأولى التي تلت إندلاع الأزمة السورية في منتصف آذار 2011، تحديدًا لجهة تفعيل علاقاتها الدولية، التي شهدت تطوراتٍ عدةٍ، على صعيد إعادة بعض الدول العربية والغربية علاقاتها الدبلوماسية وإتصالاتها المعلنة وغير المعلنة مع دمشق. و تجلى ذلك بعد نجاح الجيش السوري وحلفائه في إستعادة غالبية أراضي البلاد، خصوصًا بعد بسط سيطرته على محافظة حمص في الوسط، التي تشكل أهم عقدة مواصلات في البلاد، كونها كبرى المحافظات السورية، وتربط العاصمة دمشق بالشمال والساحل، والأخير بالعاصمة، وكونها مفتوحة على البادية ومحاذية للبنان والعراق.
بالتالي فقد أسقطت القوات السورية وحلفائها وفي مقدمهم حزب الله "حلم الثورة" بعد تطهير "عاصمتها حمص" من الإرهاب. وكانت بداية إسقاط هذا الحلم، والإجهاز على مخطط تقسيم سورية في شكلٍ نهائيٍ من ريف حمص الغربي، إثر الملحمة التي سطّرها الجيش السوري وحليفه حزب الله في مدينة القصيّر المحاذية للحدود اللبنانية في بداية صيف العام 2013، يوم أعاداها الى كنف الشرعية. وسبق ذلك إستعادة القوات السورية لمنطقة بابا عمرو في مدينة حمص في ربيع العام 2012.
وجاء بعد ذلك بنحو ثلاثة أعوام، نجاح الجيش السوري وحلفائه وفي طليعتهم حزب الله في تحرير عاصمة سورية الإقتصادية حلب من المجموعات التكفيرية المسلحة، بعد قصفٍ تهميديٍ جويٍ وصاروخيٍ من القوات الروسية المنتشرة في سورية، وذلك في نهاية العام 2016. ثم تطهير غوطة دمشق الشرقية من الإرهاب في ربيع العام 2018، بإسهام فاعلٍ من حزب الله أيضًا.
إذًا ومن خلال عرض ما تقدم آنفًا بإيجاز، أثبت حزب الله اللبناني أنه شريك دم للجيش السوري في معركة الدفاع المقدس عن سورية، وفقًا للتعبير الذي أطلقه "الحزب" على شهدائه الذين إرتقوا دفاعًا عن لبنان وسورية في الشطر الثاني من الحدود.
فلا تزال إرتدادات الخطر التكفيري على لبنان وشعبه ماثلة أمام أعين الجميع، يوم إستبيحت سلسلة الجبال الشرقية وسواها، وتعرضت مختلف المدن اللبنانية للعمليات الإرهابية والإنتحارية على إمتداد الأراضي اللبنانية، ولم تنته إلإ بعد تصدي المقاومة لهذه المجموعات، إثر إنطلاق عمليات تطهير جرود السلسلة الشرقية في ربيع العام 2015، وتوّجت هذه العمليات بما يعرف بـ "عملية فجر الجرود" التي أنهت الإحتلال التكفيري في السلسلة الشرقية في آب 2017، بعد وصول الرئيس العماد ميشال عون الى الرئاسة الأولى.
بالعودة الى ملف العلاقات الدولية، فكادت العلاقات الثنائية اللبنانية- السورية أن تنقطع لولا مواقف "الحزب" والتيار الوطني الحر الحاسمة والحازمة الرافضة لقطع العلاقات، وإقفال الحدود المشتركة بين البلدين، كما كان يحلو لبعض المراهنين على سقوط الدولة السورية، فقد جاهروا بالمطالبة بطرد السفير السوري في لبنان، غير أن تصدي "الحزب" "والتيار" وبعض أصدقاء سورية الأوفياء بدد وهم هؤلاء المراهنين، وأبقى على التبادل الدبلوماسي والمعابر الحدودية ومطار بيروت مفتوحةً أمام السوريين، في وقتٍ أقفلت فيه معابر سورية البرية مع مختلف الدول المحاذية، وإختفت فيه آنذاك أصوات غالبية الجهات والشخصيات اللبنانية التي كانت محسوبةً على سورية. ولم يبق إلا أصوات الرئيس وعون و"التيار" ورئيسه جبران باسيل و"الحزب" تناشد بعودة دمشق الى جامعة الدول العربية، وضرورة تفعيل العلاقات اللبنانية - السورية. ثم علت أخيرًا أصوات بعض الأطراف التي كانت تنتظر على "ضفة النهر"، بعدما بدا جليًا الإنفتاح العربي على الجارة الأقرب.
وفي إطار التداخل الإجتماعي والسياسي بين لبنان وسورية، وتأثير الجارة على مؤيديها في لبنان وعلى أحد مكونات المجتمع اللبناني في الإنتخابات النيابية المرتقبة، عمد بعض الإعلام على نشر معلومات تتحدث عن تدخلٍ سوريٍ في الاستحقاق النيابي، من خلال الضفط على حلفائه للتصويت لمصلحة لوائح معيّنة، عقب زياراتٍ قامت بها بعض الشخصيات اللبنانية لدمشق، هنا تؤكد مصادر سياسية أن دمشق لا تتدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية، ولديها أولويات داخلية في الظروف الراهنة، وهي غير متابعة للتفاصيل المتعلقة بهذه الإنتخابات، كما كان الوضع عندما كان الجيش السوري وأجهزته الأمنية موجودين في لبنان قبل الإنسحاب في العام 2005، فكانت هذه الأجهزة على إطلاع بمختلف المجريات المتعلقة بالعملية الإنتخابية، بحكم عمل هذه الأجهزة على الأرض".
وتقول المصادر السورية: "اليوم لدى الأجهزة الأمنية السورية إهتمامات أولى من الإنتخابات اللبنانية، وإن أشرف أحد الأجهزة الأمنية السورية على عملية إقتراع الجالية اللبنانية في سورية، فهذا ليس تدخلًا". وتختم بالقول: " من المؤكد والمحسوم القيادة السورية لديها ملء الثقة بحليفها القوي حزب الله، بدليل وجود أسماء بعض المرشحين من أصدقاء سورية على قوائمه الإنتخابية".
وفي شأن ما ورد آنفًا، يعلّق مرجع في فريق المقاومة بالقول: "من يطلب دعم سورية اليوم، كان عليه أن يقف الى جانبها ولو بالموقف أمس".