• اخر تحديث : 2024-05-02 13:29
news-details
مقالات عربية

ما بين الأردنيين والأسرة المالكة


عندما لا يستشير الملكُ ولا يتشاور مع أردني أو مع حكومة أو مؤسسة أردنية بشأن قراراته في الشأنين الخارجي والداخلي ولا يطلعهم عليها قبل اتخاذها، وكذا الحال مع الرجال الذين بقربه ومع أفراد الأسرة المالكة، ولا يعتبرهم سوى منفذين، نقول بأنه مُستبد ونقطة على السطر.  ولكن عندما يستعيض عن الكل الوطني هذا بجهات خارجية معادية، وبطبقة سياسية فاجرة ناهبة منافقة وتكون النتائج كارثية بلا حدود، فما  طبيعة هذا الاستبداد وما علاقة الملك بالدولة وشعبها، وأين يكون مركز الوطن وإنسانه.

دلالات ومؤشرات نستخلصها من هذا أهمها اثنتان: الأولى، أن لهذه القيادة عالمها الخاص من خارج الأردن والأردنيين، ولا تفكر ولا تريد أن تفكر بما يفكرون ولا بمصالحهم، وترى مصالحها  تلتقي وتتحقق مع مصالح تلك الجهات الخارجية التي  تتضارب مع مصالح الأردنيين ووجود دولة لهم ووطن، وبالتالي مع مؤسسة عرش هاشمي متوارثة في الأردن. والثانية، فحين تفعل القيادة هذا واقعاً وتستمر بنهجها، بينما تصرح بكلام أخر معزول عن الواقع، فإنها من ناحية تترك الأردنيين ومعهم مؤسسات الدولة في حالة عدم اليقين وغموض الرؤية، وتعمل من ناحية ثانية على تطبيع الأردنيين مع حالة غربتهم عن الدولة والوطن والشأن العام.

والمحصلة، عندما يكون فيها الأردنيون خلال عقدين من الزمن، كرة قدم لم يبق فيها مغز ابرة إلّا وضرب ويضرب ويركل مع الريح، ويُصبح الأردن ملعباً يُغمر بالغزاة والعتاة وضحاياهم، ومن كل زق رقعة، وعندما يكون فيها إفقار البلاد وإفلاسها، وتجويع العباد وظلمهم وتجريدهم من حقوق المواطنة، ويعم فيها الفساد في الحكم وفي كل السلطات ويموت مضمون الدولة ويُحكم على شكلها بالموت مع وقف التنفيذ بأمر السيد الأمريكي. فإننا نكون أمام البنية الفوقية للإحتلال التي تقوم على بنيته التحتية التي جرى تأسيسها مع تأسيس النظام على هامش مأرب إنجاح احتلال فلسطين واستكمال المشروع الصهيوني.

هنا يتساءل المواطن الأردني كصاحب وطن، هل جاءتنا العائلة الهاشمية للأردن على ظهور الدبابات غازية أو قادة لحساب غزاة الصهيونية بموجب عقد تملك علينا وتقبلناه ووقعنا معها كمستسلمين لخدمة المشروع الصهيوني وقامت الدولة على هذا؟، أم جاءتنا كعائلة هاشمية عربية نفخر بنسبها الشريف بموجب عقد شراكة معها لمقاومة المشروع الصهيوني وبناء الأردن وحمايته؟.

هذا تاريخ موثق لا يقبل التزوير.  فكيف لهذه القيادة أن تُخلص بعقدها مع المستعمرين وتغدر بعقدها مع الأردنيين  ويتحول الملك إلى مُستبد بالوكالة ويفعل بالأردن والأردنيين ما لم يفعله حاكم في التاريخ بوطن وبشعب، مستقوياً بذات المستعمرين، جملة مفيدة بملء العقل والقلب تقال. "إن من يحتل أرضك أو  يظاهر على احتلالها هو عدوك"، فأين هذا من الملك وهو ينخز الكبش من دُبره ويُكِبِّر علم الاحتلال المرفوع على تراب الأردن ويرفعه في بيت الحكم  ويفرش السجاد تحت أقدام العدو المحتل كي، فهل ليُقنعنا  بكل ازدراء بأننا محتلون واللعبة انتهت، وبأن على الأردنيين أن يدركوا هذه الحقيقة ويتعايشون معها. لا.. فاللعبة لم تنته والأمور بخواتيمها ولا حاجة للملك  في توضيحه، فاستحقاقات الاحتلال في الأردن قائمة ويعيشها الأردنيون ما بين حالة الإنكار النفسية لهول ما يجري وبين الهدوء الذي يسبق العاصفة، وطبيعة العلاقة والتعاون بين النظام الأردني وكيان الاحتلال ووكيله الأمريكي في الأردن لا تندرج تحت مفهوم التطبيع.

إنها حالة تُجسد احتلالاُ  قائماً  يجري بصمت  ويتقنن بكل رموزه ومضامينه الاقتصادية والعسكرية والسياسية والقضائية، ولهذا الاحتلال خلفيته التاريخية المتزاوجة مع المستجدات السياسية والعسكرية الإستراتيجية.

 ولعل عدم خضوع الجرائم الأخلاقية والجنائية والاقتصادية التي يمارسها يهود اسرائيل في الأردن ووكيلهم الأمريكي  للقوانين الأردنية والمقاضاة، هو تجسيد لأوطئ وأقذر وأذل أنواع الاحتلالات اللاغية لحقوق الإنسان واستباحته. وفي ذاكرة الأردنيين العديد من الجرائم الجنائية والاقتصادية التي ارتكبها يهود إسرائيل وصهاينة أمريكا ضدهم وأخرها تلك التي ارتكبت بحق شرف مواطنة أردنية وأصدر القضاء الأردني قراراً بعدم مساءلة المجرم  لمجرد أنه قُدِّم كعسكري أمريكي. وفي هذا السياق فإن اتفاقية التعاون العسكري التي أبرمها الملك مع الأمريكان مُنفرداً هي اتفاقية احتلال سلمي كاملة الأركان والأمر أشبه بفلسطين حين وضعت تحت الاحتلال البريطاني وسلمت  للصهاينة اليهود.

الأردنيون بحاجة إلى ثورة مفاهيمية سياسية على واقعهم التقليدي والدوران حوله، تُخرجهم من حالة الإنكار لما هم فيه وما ينتظرهم ومن عبثية عشق الجرح بلا إيلام. وتقنعهم بأولوية الانقلاب على فكفكة النظام لمفهوم الشعب وإعدام هويته السياسية وتفكيك الدولة بالمزاد والنهب، وتوقفهم  عن انتظار الحلول من الملك أو سواه، وعن طلب ما يريدونه وهم قاعدون، والتوجه لتحديد الجرح والهدف دون تمييع بمسائل أخرى، وأن يعلموا أنهم هم الضائعون وليس النظام ولا أمريكا، وأن يبحثوا عن أنفسهم .... وبأنهم ما داموا مستمرين بقواعد لعبة النظام فسيبقى مستمراً في موقفه وفي قيادة عربة التدمير للنهاية. إنها للنظام وظيفة واستثماراً بلا معيق له، وللأردنيين  ثقافة مكتسبة لا بد من أن تذهب مع شدة الرياح وتحل محلها ثقافة الوطن الموروثة الأصيلة، فاللعبة محلها وطن وشعب. 

إلّا أن الطريق ليس مسدوداً أمام قيادة النظام بشعب حين يقف لجانبها. وبإمكانها في هذا الظرف المناسب أن تستبق الأسوأ. ولن يحدث هذا قبل إدراكها بأن الأردنيين ليسوا قمحاً يُحصد ولا دجاجاً بياضاً  يُقتنى ولا غنيمة حرب وقعت بيدها أو بيد غيرها، وتدرك بأن الأردنيين هم الشعب الذي لا يرحب بأية قيادة تنكر عليه حقه بأن يكون هو مصدر السلطة والسلطات وصاحب السيادة على دولته ووطنه وقراره كشعب، ولا يقبل بمن يقف ضد خياره العروبي الرافض للاعتراف بالكيان الصهيوني. فيكفي هذه القيادة تنكراً لعهدها مع الأردنيين وتسخيرها الأردن لخدمة الاحتلال الصهيوني في فلسطين وحمايته لقرن وما زالت. ويكفيها استبداداً بفرض نفسها عليه بنهج التبعية بحديد ونار المستعمرين والمحتلين.

ولا إخلاء من المسؤولية لكبار رجال الأسرة الحاكمة.  وبقدر ما يتعلق الأمر بالأمير حمزة، فإن خلافه أو خلاف غيره مع نهج الملك لا يعنينا طالما أنه لا يمس النهج السياسي المسؤول عن فساد كل النهوج، ومنبع كل ما يعاني منه الأردن والأردنيين. وأيضاً طالما أنه لا يمس قضية وطن يُحتل ولا يقع  في صلب حقوق الأردنيين في اطار سلطة الشعب في ملكية دستورية كخيار ديمقراطي ما زال قائماً.  فسلطة الشعب هي حاضنة كرامته ووحدها القادرة على صنع دولة المواطنة المصانة وكسر ظهر الفساد وحماية الوطن، ووحدها القادرة على  كلمة لا لأمريكا ولا للصهيونية.