• اخر تحديث : 2024-05-02 20:55
news-details
أبحاث

مؤتمر مراكش: خطة جديدة للتحالف الدولي ضد تنظيم داعش في إفريقيا


احتضنت مدينة مراكش بالمغرب، في 11 مايو/أيار 2022، المؤتمر الوزاري السابع للتحالف الدولي ضد تنظيم "داعش"، وذلك لأول مرة في بلد إفريقي. التحالف الذي تأسس سنة 2014، بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، ويضم حاليًّا 85 دولة، علاوة على منظمات دولية مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي وتجمع الساحل والصحراء، سعى في مؤتمره الأخير إلى لفت الانتباه نحو تصاعد التهديد الإرهابي لتنظيم داعش في القارة الإفريقية، وخصوصًا في منطقة الساحل والصحراء، التي تتسم بعدم الاستقرار الأمني، نتيجة تآكل هياكل الدولة الوطنية بسبب تدهور شرعية النخب السياسية الحاكمة، ما جعلها في السنوات الأخيرة بيئة جاذبة للجماعات الإرهابية والمتطرفة، التي تستفيد من الأزمات الأمنية المركبة، لعل من أبرز تجلياتها عجز بعض الدول عن تأمين حدودها، وتوفير الحاجيات المعيشية الأساسية لمواطنيها.

ويبدو أن تصاعد المد الإرهابي في إفريقيا، في العقد الأخير، دفع دول التحالف إلى تطوير استجابة متأنية يمكن تعقب عناصرها عبر أربع محطات مهمة:

- تتمثل المحطة الأولى في الاجتماع الإقليمي للمديرين السياسيين للتحالف الدولي ضد "داعش" في مدينة الصخيرات، في يونيو/حزيران 2018، الذي سعى إلى تعزيز التنسيق والتعاون بين دول "تجمع الساحل والصحراء" و"التحالف الدولي ضد داعش".

- المحطة الثانية جرت في يونيو/حزيران 2021 وتجلَّت في احتضان المغرب للمكتب الإقليمي لمحاربة الإرهاب في إفريقيا التابع لمكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، بهدف تطوير وتنفيذ برامج لتعزيز قدرات ومهارات الدول الإفريقية فيما يتعلق بأمن الحدود، والتعاون الجنائي وإدارة السجون، وتفكيك التطرف العنيف عبر التأهيل وإعادة الإدماج.

- أما في ديسمبر/كانون الأول 2021، فقد أُعلن في محطة ثالثة عن إنشاء مجموعة التركيز الخاصة بإفريقيا Africa Focus Group بقيادة مشتركة بين المغرب والنيجر وإيطاليا وأميركا، دورها إجراء تقييمات مستمرة للتهديدات الإرهابية، وبناء القدرات المدنية للمساعدة في مكافحة الإرهاب، وتنسيق هذه الجهود مع المبادرات القائمة في الميدان.

- ثم المحطة الأخيرة المتمثلة في انعقاد المؤتمر الوزاري لدول التحالف في مراكش الذي ستبحث هذه الورقة في مخرجاته وأبعاده، انطلاقًا من التساؤل حول العناصر الجديدة في خطة التحالف الدولي ضد داعش في إفريقيا، وهل تقتصر على مكافحة الإرهاب أم أنها تسعى وراء أهداف جيوستراتيجية غير معلنة لأميركا وحلفائها في إفريقيا عمومًا ومنطقة الساحل والصحراء خصوصًا.

أولًا: العناصر الجديدة في خطة التحالف الدولي ضد داعش في إفريقيا

بالعودة إلى مخرجات مؤتمر مراكش حيث جرى الحديث عن "خطة محيَّنة" تقوم على "مقاربة متعددة الأطراف"، وفي سياق تطور مواقف التحالف الدولي ضد داعش في إفريقيا منذ 2018 على الأقل، كما سبقت الإشارة، يمكن الوقوف على العناصر التالية في الخطة المحيَّنة الجديدة:

 

أولًا: إن إلحاق هزيمة بتنظيم داعش لا تزال تشكِّل "أولوية للتحالف الدولي"، بدعوى أنه مستمر كتهديد جدِّي للأمن والسلم العالميين، رغم الانتكاسات الكبيرة التي تعرض لها في العراق وسوريا. ومن ثم فقد جرى التأكيد على مواصلة قتال داعش وغيرها من الجماعات الإرهابية عبر مسارين: المسار العسكري، في إشارة إلى العمليات القتالية التي تقوم بها القوات العسكرية للدول الأعضاء في التحالف ضد الجماعات الإرهابية عمومًا، وتنظيم داعش خصوصًا؛ ثم المسار المدني، من خلال ما يقوم به المدنيون في ردع التنظيم، ودعم الأمن والاستقرار، ومكافحة التمويل الإرهابي، وتفكيك الخطاب المتطرف، ومقاضاة المقاتلين الإرهابيين الأجانب، ثم التأهيل وإعادة الإدماج، وهي مداخل تعتبرها دول التحالف متكاملة وفعالة لإلحاق الهزيمة الدائمة بتنظيم داعش، الذي لا يزال يشكِّل تهديدًا جديًّا في مناطق مختلفة، وأساسًا في مناطق الشرق الأوسط، وإفريقيا، وفي جنوب شرق آسيا.

ثانيًا: التركيز أكثر في المرحلة المقبلة على مواجهة داعش ومختلف الجماعات الإرهابية في القارة الإفريقية، من خلال تثمين مخرجات الاجتماعات الثلاثة الأولى لمجموعة التركيز الإفريقية (Africa Focus Group)، التي عقدت اجتماعات لها في بروكسل وروما ومراكش، وكُلِّفت المجموعة بمساندة جهود مكافحة الإرهاب التي يقودها الأعضاء الإفريقيون في التحالف، وتشمل تلك الجهود ما يلي: تبادل التقييمات حول التهديدات الإرهابية في إفريقيا؛ والتنسيق والتعاون بشأن دعم القدرات وبحث الطرق الأكثر فعالية وكفاءة في مكافحة داعش والتنظيمات الأخرى، بما في ذلك تبادل المعلومات وإدارة الحدود بشكل استباقي؛ وتحقيق وتأمين الاستقرار في المناطق التي تُحرَّر من الجماعات الإرهابية، وتطوير مداخل للردع، ثم الوقاية من التطرف العنيف وتفكيك خطاباته.

ثالثًا: بناء تصورات مشتركة حول المصادر المغذِّية للإرهاب في إفريقيا، وخصوصًا في منطقة الساحل والصحراء، حيث جرى الاتفاق، لأول مرة، على الربط بين الجماعات الإرهابية والحركات الانفصالية، على اعتبار أن هناك تحالفًا موضوعيًّا بينهما، يؤدي إلى زعزعة الاستقرار وتعميق هشاشة السلطات المركزية؛ كما جرت الإشارة، لأول مرة كذلك، إلى انتشار الشركات العسكرية الخاصة التي تُحدث مزيدًا من الضعف للدول الإفريقية، وهو ما يخدم التنظيمات الإرهابية والعنيفة مثل داعش والقاعدة وغيرهما، وبالتالي تعميق القضايا الكامنة وراء انعدام الأمن في إفريقيا.

رابعًا: إسناد جهود مكافحة داعش للسلطات الوطنية في الدول الإفريقية الأعضاء في التحالف، وعددها 15 دولة علاوة على دول "تجمع الساحل والصحراء"، على أساس أن يقود المدنيون تلك الجهود، وفقًا للاحتياجات الخاصة لكل دولة، وبتنسيق مع التحالف الدولي ضد داعش. والتركيز على الجهود المدنية، معناه إشراك وإدماج الهيئات الدينية، والشباب والنساء، والمجتمع المدني، في منع ومكافحة التطرف العنيف، وإيجاد حلول مستدامة للأسباب الجذرية التي تؤدي إلى الإرهاب، بما في ذلك إعادة إعمار المناطق التي سيطرت عليها داعش ثم طردت منها بإعادة تأهيلها وتنميتها، ويعني كل ذلك تجاوز المقاربة الأمنية في التعاطي مع الظاهرة الإرهابية، نحو مقاربة إنسانية شاملة.

العناصر السابقة أشار إليها البيان الختامي للاجتماع الوزاري في مراكش صراحة أو ضمنًا، وتنطوي على دلالات وأبعاد عديدة؛ من أبرزها اقتناع دول التحالف بأن إفريقيا قد "أصبحت هدفًا للإرهاب"، بدليل المؤشرات التي تُقدَّم في هذا السياق، ومنها تمركز 27 تنظيمًا تصنِّفه الأمم المتحدة ضمن خانة التنظيمات الإرهابية، بعضها بات يستعمل تكتيكات جديدة مثل استخدام الطائرات بدون طيار، واستعمال العملات الرقمية في التمويل، وتمركز ضحايا الإرهاب العالمي في إفريقيا بنسبة 48 في المئة خلال 2021، وهو الوضع الذي يكلف إفريقيا خسائر بلغت خلال العقد الماضي نحو 171 مليار دولار، وهي المؤشرات التي تنعكس سلبًا وبشكل مباشر على الاستقرار السياسي والاجتماعي.

في ضوء تلك المؤشرات، يُراهن التحالف الدولي على الدول الإفريقية الأعضاء للتصدي لتنظيم داعش، من خلال تثمين المقاربة المغربية في محاربة التطرف والإرهاب، كونها مقاربة متعددة الأبعاد، ترتكز، من جهة أولى، على البعد الأمني الاستخباراتي أساسًا، لكنها تُوظِّف الأبعاد الإنسانية والتنموية والدينية في استراتيجية مكافحة الإرهاب، كما تلحُّ، من جانب آخر، على التنسيق والتعاون الدولي والإقليمي على مستوى وضع الاستراتيجيات والخطط، وعلى المستوى العملياتي كذلك، وهي الثغرات التي سبق أن نبَّه إليها مؤشر الإرهاب العالمي لسنة 2022 في سياسات الدول الإفريقية ضد الإرهاب.

طبعًا، يعوِّل المغرب على الدعم الأميركي والغربي، للقيام بأدوار القيادة الإقليمية في الساحل والصحراء ضد الجماعات الإرهابية، خصوصًا أنه وُصف أكثر من مرة من قبل الأميركيين بأنه "شريك مستقر في تصدير الأمن في شمال إفريقيا، والدولة الإفريقية الوحيدة المساهمة في الحملة العسكرية لمحاربة داعش في العراق وسوريا". لكن للمغرب، أيضًا، رهاناته الخاصة من وراء السعي نحو تصدر جهود التحالف ضد الإرهاب في منطقة الساحل والصحراء، لعل من أبرزها تكريس دوره كقوة إقليمية في المنطقة، يمكن التعويل عليها في تثبيت الأمن والاستقرار الإقليمي، وفي الوقت نفسه توسيع جبهة الدعم الدولي والإفريقي لأطروحاته الخاصة بحل النزاع حول الصحراء الغربية.

ومن شأن التوجهات السابقة أن تثير مع الوقت مواقف متحفظة لدول إفريقية وازنة، كما عبَّرت عن ذلك الجزائر مثلًا، التي لم تلتحق بعد بعضوية التحالف الدولي ضد داعش، لكنها تظل فاعلًا أساسيًّا في مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل والصحراء. فقد أعلنت الجزائر تحفظها على بعض عناصر الخطة الجديدة للتحالف في إفريقيا، وخصوصًا الربط بين الحركات الإرهابية والجماعات الانفصالية، وهو ما عبَّرت عنه صراحة في بيان رسمي؛ حيث هاجمت ما وصفته بـ"الخلط المتعمَّد بين حركات التحرر والإرهاب"، خصوصًا أن المؤتمر تحول في جانب منه إلى منصة للتعبير من قبل بعض الدول الأعضاء في التحالف عن دعمهم لخطة المغرب المتعلقة بمنح الحكم الذاتي في الصحراء، وهي الخطة التي ترفضها الجزائر التي تحتضن، منذ أربعة عقود، جبهة البوليساريو التي تطالب بانفصال الصحراء عن المغرب. كما أن التحفظ الجزائري ينطوي على اعتراض آخر مفاده رفض التعاون والتنسيق مع المغرب في أية مبادرات جديدة للتحالف ضد داعش في منطقة الساحل والصحراء، وتُظهر مواقف الجزائر بعض التحديات الرئيسة التي ستواجه الخطة الجديدة للتحالف في إفريقيا.

ثانيًا: التحديات الرئيسة أمام خطة التحالف في إفريقيا

رغم أهمية مؤتمر مراكش ومخرجاته، إلا أن هناك تحديات عويصة تواجه الخطة الجديدة للتحالف الدولي ضد داعش في إفريقيا عمومًا، وفي منطقة الساحل والصحراء خصوصًا، لعل من أبرزها التحديات التالية:

التحدي الأول: يتمثل في التناقض القائم بين التطلعات المحلية للشعوب في منطقة الساحل والصحراء والمصالح الجيوسياسية للدول الغربية التي تقود التحالف؛ فمن جهة أولى، تكشف خطط التحالف الدولي المعلنة لمكافحة الإرهاب عن رؤية غربية قاصرة حتى الآن، كونها تقدم نموذجًا أمنيًّا متناقضًا في منطقة الساحل، تحاول فيه المقاربة الأمنية الغربية أن تجهز على تطلعات المجتمعات المحلية، عبر اعتماد تدبير أمني للأزمات يستند على خطاب أمني رنَّان موجه للجمهور الغربي، في إطار الحرب العالمية ضد التطرف العنيف، وتصوير المنطقة كأنها قاعدة إسناد للخلايا المتطرفة العنيفة الموجودة في أوروبا، قصد صرف الانتباه عن الهدف الغربي الأساسي المتمثل في الحفاظ على احتكار مستمر للوصول إلى الموارد الطبيعية الموجودة بدول الساحل والصحراء. ومن جهة ثانية، ثمة رؤية محلية ذات ثقل مجتمعي وازن، ترى أن تجفيف الأسباب الجوهرية المؤدية إلى التطرف والإرهاب لا يمكن أن يتحقق دون تنمية اقتصادية حقيقية، تُجيب على الانتظارات الواقعية للشعوب المحلية، الغنية بمواردها النفطية والمعدنية، وهي رؤية تعتبر مخططات القوى الغربية ملتبسة، بل مصدرًا إضافيًّا لانعدام الأمن وانتشار الجماعات الإرهابية في المنطقة.

يتجسد التحدي الثاني في حالة التنافس والصراع بين القوى الدولية الكبرى في منطقة الساحل والصحراء، خصوصًا بين أميركا وأوروبا من جهة، وروسيا والصين من جهة ثانية، حول الموارد والنفوذ. في هذا الصدد، تعكس الإشارة الصريحة التي تضمَّنها البيان الختامي لمؤتمر مراكش إلى الشركات العسكرية الخاصة ودورها في تدهور الأمن والاستقرار، وإضعاف الدولة المركزية، هذا النوع من التنافس بل الصراع المحموم بين الطرفين، علمًا بأن من الشركات العسكرية الخاصة التي وردت الإشارة إليها في البيان الختامي لمؤتمر مراكش هناك شركة "فاغنر" الروسية، التي دخلت المنطقة في السنوات الأخيرة، وأبرمت اتفاقيات عسكرية وأمنية مع بعض دول الساحل والصحراء مثل إفريقيا الوسطى سنة 2018، ومالي في سنة 2021 إثر القرار الفرنسي بالانسحاب من هناك؛ حيث باتت "فاغنر" تمثل الطموح الجيوسياسي لروسيا في قارة إفريقيا ككل.

ولعل الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إلى الجزائر، في 10 مايو/أيار 2022، أي يومًا واحدًا قبل انعقاد مؤتمر مراكش، كان الغرض منها تنسيق المواقف بين الحليفين العسكريين إزاء مخرجات المؤتمر، وخصوصًا ربط التدهور الأمني بالتحالف الموضوعي بين الجماعات الإرهابية والحركات الانفصالية، وبالدور المتصاعد للشركات العسكرية الخاصة في شرق القارة وغربها كذلك. التناقض بين روسيا وحلفائها من جهة، وأميركا وحلفائها من جهة ثانية، يشير إلى أن منطقة الساحل والصحراء، الممتدة من موريتانيا غربًا نحو القرن الإفريقي شرقًا ومن صحراء الجزائر شمالًا نحو خليج غينيا جنوبًا، ستكون ساحة صراع محتدم بين القوى الإقليمية والدولية على النفوذ والموارد في المستقبل؛ ما يجعل الإرهاب وكأنه مجرد ذريعة للتغطية عن حقيقة التناقضات المتنامية هناك.

التحدي الثالث تمثله هشاشة الدول الإفريقية في منطقة الساحل والصحراء على مستويين: الأمني: بحيث تفتقر أجهزتها الأمنية والعسكرية إلى الكفاءة والقدرات لفرض سيطرتها على كامل التراب الوطني، وحماية وتأمين حدودها الوطنية، والتغلب على انتشار الجريمة المنظمة؛ على المستوى التنموي، بحيث تتجلَّى هشاشة تلك الدول في ضعف قدرتها على تأمين الحاجيات الأساسية لمواطنيها، في الغذاء والصحة والتعليم والشغل. وقد أدى هذا الوضع إلى تهجين العمل الإجرامي والعمل الإرهابي في عدة دول مثل مالي والنيجر وتشاد وبوركينافاسو، بل إن قوة تنظيم داعش، مثلًا، باتت تكمن في قدرتها على استغلال الوضع الاجتماعي والتنموي المتردي لتدمير الهياكل الحكومية المحلية، ومن ثم الهجوم المباشر على قوات الأمن والدفاع الحكومية، وجرِّها إلى المواجهة المباشرة مع السكان المهمَّشين، الذي يضطرون إلى تشكيل تنظيمات محلية للدفاع عن أنفسهم، وبالتالي مزيد إضعاف للسلطات المركزية، الوضع الذي تستفيد منه الجماعات الإرهابية سواء في عمليات التجنيد التي تقوم بها، أو في تسهيل اندماجها وتوثيق علاقاتها بالمجتمعات المحلية.

ويتجلى التحدي الرابع في تحولات الإرهاب العالمي وقدرته على التكيف والتطور المستمرين، يظهر ذلك في تركيزه بشكل متزايد على الأنشطة السيبرانية، واستعمال وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية في التعبئة والتجنيد، وكذلك في استعمال العملات الرقمية للحصول على التمويل، كما أنه بات يستعمل وسائل تقنية متطورة في الإعداد وتنفيذ مخططاته، مثل الطائرات المسيَّرة للاستطلاع والمراقبة، وهي تحولات دفعت البعض إلى القول: إن داعش أقامت "خلافة افتراضية" بعدما فقدت خلافتها الحقيقية في الواقع بالعراق وسوريا.

ومن التحولات كذلك، سيولة تنظيم داعش التي مكَّنته من الانتشار في مناطق مختلفة خارج الشرق الأوسط، خصوصًا في إفريقيا وجنوب شرق آسيا، وهو الاختيار الذي دفعه إلى تغيير بنياته التنظيمية نحو اعتماد أسلوب لا مركزي في التخطيط والتنفيذ والتمويل، يتمتع فيه أعضاؤه ومكوناته بحرية المبادرة والحركة، ويجعل من التسلسل الهرمي الذي تنتقل بموجبه الأوامر والتعليمات من القمة إلى القاعدة شيئًا من الماضي، وهذا التحول في بنية التنظيم تجعل عمل أجهزة استخبارات دول التحالف في الرصد والمراقبة صعبًا ومعقدًا. علاوة على ذلك، تتجه التنظيمات الإرهابية، ومنها داعش، نحو تبني الأسلوب الإجرامي في تنفيذ مخططاتها، وفق "متتالية الجريمة والإرهاب"، في إشارة إلى الترابط الوثيق بين الأمرين، كما أكدت ذلك مسارات جهاديين أوروبيين "كانوا منخرطين في بعض الأنشطة الإجرامية قبل ارتكابهم أعمال عنف سياسي"، وهي تحولات تشكِّل تحديات أمام خطط التحالف الدولي، كما سبقت الإشارة.

خلاصة القول: إن عناصر الخطة الجديدة للتحالف الدولي ضد داعش في إفريقيا، وكذا التحديات التي تواجهها في منطقة الساحل والصحراء، تكشف أن أهداف مؤتمر مراكش تتعدى مكافحة الإرهاب الداعشي نحو التأكيد على الطموحات الاستراتيجية لأميركا وحلفائها في القارة السمراء، وهو المسعى الذي يمكن فهمه في ظل تنامي النفوذ الروسي والصيني هناك. ولعل التناقض بين التوجهات الاستراتيجية للقوى الكبرى وحلفائها في إفريقيا لن يجعل منها هدفًا للجماعات الإرهابية فقط، التي تنشط أكثر في ظل تفشي الصراعات والأزمات، بل سيجعل منها ساحة جديدة لحروب هجينة حول الموارد والنفوذ في المستقبل، قد يوظف فيها الإرهاب للتعمية عن الحقائق الجيوسياسية لا أكثر.