بعد نحو شهر من بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، أصدرت جماعة الإخوان المسلمين (جبهة إبراهيم منير/ جبهة لندن)، بياناً مطولاً ضمن سلسلة الرسائل الأسبوعية التي تخصصها الجماعة للتوجيهات التربوية والشرعية لأعضائها، حول الحرب في أوكرانيا، دعا فيه منير، القائم بأعمال المرشد العام، المجتمع الدولي إلى التدخل لإيقاف هذه الحرب، والبحث عن حل سلمي للصراع الذي وصفه بأنه أوشك على التحول لحرب عالمية ثالثة.
ومثلت هذه الرسالة أول موقف رسمي تسجله الجماعة، منذ بدء الجيش الروسي عمليته في أوكرانيا في فبراير الماضي، بيد أنها سُبقت ببيانات ورسائل أخرى أصدرتها جمعيات وكيانات مرتبطة بالجماعة في أوروبا حول موقفها من تلك العملية، بينما انحاز الفرع الأوكراني للجماعة المسمى “مجلس مسلمي أوكرانيا/ منظمة الرائد”، بشكل واضح إلى موقف كييف، معلناً “وقوفه- كمؤسسة أوكرانية- إلى صف بلاده، دفاعاً عن وحدتها وسيادتها وسلامة أراضيها، مع إدانة مظاهر الترهيب والعدوان الروسية كافة”، وفق تعبير رئيس المجلس سيران عريفوف.
ولا يُعد موقف جماعة الإخوان المسلمين وفروعها الأوروبية، أمراً مستغرباً بالنظر إلى الأدوار السابقة التي لعبتها الحركة في مناطق الصراعات والبؤر الملتهبة، سواء في أوروبا (كحالة البوسنة والهرسك)، أو في آسيا (أفغانستان)، حتى في إطار الدول التي كانت جزءاً من الاتحاد السوفييتي السابق كجمهورية الشيشان، التي دعم فيها الإخوان الجماعة الانفصالية، منذ تسعينيات القرن الماضي، لكن المثير للاهتمام أنها المرة الأولى، تقريباً، التي تنخرط فيها الجماعة أو فروعها الخارجية في دعم دولة غير مسلمة في حربها مع دولة أخرى.
وتحاول هذه الورقة تسليط الضوء على موقف جماعة الإخوان المسلمين من الحرب الدائر ة حالياً بين روسيا وأوكرانيا، والأهداف التي تسعى الجماعة إلى إدراكها، من الانخراط في هذا الصراع.
أولاً: الإخوان.. تاريخ من التوظيف في الصراع الجيوسياسي ضد روسيا
تاريخياً، انحازت جماعة الإخوان المسلمين، في أكثر من مناسبة، إلى موقف الولايات المتحدة الأمريكية والغرب عموماً، ضد روسيا ومن قبلها الاتحاد السوفييتي السابق، وارتبط هذا الانحياز بالصراع الجيواستراتيجي بين معسكري الشرق، الذي مثلته روسيا ومن قبل الاتحاد السوفييتي، والغرب الذي مثلته الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها، وذلك في مرحلة الحرب الباردة (1947: 1991) وما تلاها.
وقد انخرطت الجماعة في دعم الحركات والمجموعات المسلحة المناهضة لروسيا، منذ الغزو السوفييتي لأفغانستان، عام 1979، ولعبت دوراً بارزاً في تسهيل عمليات الدعم المالي واللوجيستي لتلك المجموعات، بناءً على تفاهمات عقدتها مع الولايات المتحدة ودول إقليمية أخرى، وهي التفاهمات التي ظلت سرية لفترة من الوقت، إلى أن كشفتها العديد من الشهادات والاعترافات التي سجلها قادة الإخوان وغيرهم.
وفي هذا الإطار، أوفدت الجماعة عام 1979، مجموعة من قادتها البارزين على رأسهم كمال السنانيري، القيادي البارز بالجماعة، صهر منظّرها سيد قطب، وأسامة بن لادن، الذي كان عضواً في الجماعة، حتى فصله منها، إلى ثمانينيات القرن العشرين، وعبدالله عزام الفلسطيني، إلى باكستان لتولي ما عُرف بملف الدعم والإغاثة الإنسانية وإدارته.
وكان للجماعة الأم في مصر، الدور الأبرز في تسهيل عملية وصول الدعم اللوجيستي للمقاتلين في أفغانستان، بالتنسيق مع الجماعة الإسلامية الباكستانية (فرع الإخوان المحلي في باكستان)، وذلك قبيل تأسيس التنظيم العالمي لجماعة الإخوان (التنظيم الدولي) في عام 1981، الذي تولى إدارة ملفات العمل الخارجي والتنسيق بين فروع الجماعة المختلفة، ومع ذلك ظلت الجماعة الأم تشغل مكانة محورية في قلب التنظيم الدولي وفي إدارة أعماله، نتيجة سيطرة المجموعة المصرية على مكتب الإرشاد العالمي (المكتب التنفيذي للتنظيم الدولي)، والقطاعات الجغرافية السبعة للتنظيم العالمي والموزعة على قارات العالم.
وقد التزمت الجماعة في هذا الصراع بالأدوار التي رسمتها لها الولايات المتحدة والأنظمة الإقليمية التي عقدت اتفاقات وتفاهمات مع الجماعة، فلم تنخرط، غالباً، في الأعمال القتالية، واقتصر دورها على إيصال المساعدات والأموال إلى الجماعة الإسلامية في باكستان وإلى قادة الفصائل الأفغانية وعلى رأسهم عبد رب الرسول سياف، رئيس الاتحاد الإسلامي الأفغاني، وأحد أبرز قادة الإخوان في أفغانستان.
وأدت تلك التفاهمات إلى حالة من التمرد في صفوف الجماعة، خاصةً أن مجموعة من أفرادها منهم أسامة بن لادن وعبدالعزيز العلي، أحد قادة النظام الخاص (الجناح العسكري) ومن الرعيل الأول للإخوان، رفضت الالتزام بالخطوط المرسومة لهم من القيادة العليا للجماعة وانخرطت في العمل العسكري، وهو ما تسبب في فصل الأول من الجماعة، ليؤسس، لاحقاً، تنظيم “القاعدة”.
وعندما، اندلع التمرد المسلح في الشيشان في ديسمبر 1994، دعمت جماعة الإخوان المجموعة الانفصالية في الجمهورية السوفييتية السابقة، ولعبت دوراً في عمليات التمويل والدعم اللوجيسيتي للمقاتلين الشيشانيين، تحت ستار عمليات الإغاثة الإنسانية، التي تمت بإشراف الجماعة الأم في مصر، وقطاع وسط آسيا بالتنظيم الدولي للجماعة. فقد استغلت الجماعة في مصر وجودها في داخل لجنة الإغاثة بنقابة الأطباء المصرية، في دعم الجماعة الانفصالية في الشيشان، بحسب تعبير أشرف عبدالغفار، القيادي الإخواني البارز الذي شغل منصب أمين لجنة الإغاثة في نقابة الأطباء المصرية سابقاً، ومنصب المسؤول، سابقاً، على قطاع وسط آسيا بالتنظيم الدولي للإخوان.
بالإضافة إلى ذلك، تُشير معلومات أجهزة الأمن الروسية إلى أن جماعة الإخوان تولت تدريب مقاتلين أجانب ونقلهم إلى شمال القوقاز (الشيشان)، بالإضافة إلى دعم التنظيمات المسلحة التي تشكلت في الجمهورية السوفييتية السابقة، وتمويلها للقتال ضد الحكومة الاتحادية الروسية، وكذلك سعت إلى تعطيل المسار السياسي في الشيشان عبر تقديم تمويل بملايين الدولارات لتخريب الانتخابات الرئاسية، وهو ما دفع موسكو إلى حظر الجماعة رسمياً على أراضيها، عام 2003.
ومن اللافت للنظر أن انخراط الإخوان في دعم الحركات المناهضة لروسيا، تزامن مع نشاط مكثف للجماعة في شرق أوروبا وفي داخل دول الاتحاد السوفييتي السابق كأوكرانيا وغيرها، إذ تأسس مجلس مسلمي أوكرانيا “منظمة الرائد” ، عام 1997، كأحد المنظمات التابعة لاتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا (بات يعرف بمجلس المسلمين الأوروبيين أو مجلس مسلمي أوروبا، منذ عام 2017)، الفرع الرسمي للإخوان في القارة العجوز الذي انفصل، ظاهرياً فقط، عن التنظيم الدولي للجماعة في عام 2017، بسبب المخاوف من إدراج الجماعة على قوائم الإرهاب في الولايات المتحدة الأمريكية.
ومنذ تأسيسه، عمل الفرع الأوكراني لجماعة الإخوان بحرية كبيرة نسبياً، وأسس 9 من المنظمات والمراكز الإسلامية في العاصمة كييف، ومدن دنيبروبيترفسك (وسط البلاد)، وزوبوريجا (جنوب شرق)، وسومي (شمال شرق)، ولفيف (غرب)، وخاركيف (شرق)، وكذلك أدار الفرع جمعيات إسلامية عدة منها: جمعيتا النور والأنصار في كييف، والمسار في أوديسا (جنوب)، والمستقبل في دنبيرو (شرق وسط أوكرانيا)، وغيرها، وشرعت أجهزة الأمن والاستخبارات الأوكرانية في التدقيق في أنشطة المنظمة، منذ عام 2018، وداهمت مقرها في مارس 2018، كما ألقت القبض على إمام مصري يعمل بجمعية الفجر التابعة لـ” منظمة الرائد” في مدينة بولتافا (شمال شرق)، في مايو 2020، الذي كان موضوعاً على قائمة المطلوبين لدى “الإنتربول” لتورطه في قضايا إرهاب بمصر، قبل أن تُطلق سراحه لاحقاً.
ثانياً: استغلال “الإخوان” الصراع القائم بين روسيا وأوكرانيا
عمدت “منظمة الرائد” إلى توظيف الصراع الأوكراني- الروسي، الذي نشب منذ أزمة شبه جزيرة القرم في عام 2014، لتحقيق مصالحها الخاصة وإظهار نفسها كمنظمة أوكرانية وطنية لا ترتبط بأي جماعة ذات امتداد دولي، وكذلك كسر حالة الحصار والتقييد الذي حاولت أجهزة الأمن والاستخبارات الأوكرانية فرضه عليها بسبب علاقتها بجماعة الإخوان وترويجها لمشروعها وأيديولوجيتها، فوظفت “منظمة الرائد” منصاتها الدعائية للترويج لأن حملة التدقيق التي تعرضت لها من قِبل أجهزة الأمن والاستخبارات الأوكرانية، مدعيةً أن القائمين على هذه الحملة في الأجهزة الأوكرانية تأثروا بالدعاية التي تشنها روسيا والانفصاليين الموالين لها في شرق أوكرانيا (دونباس) والتي تشوه المنظمة الإخوانية.
ومع بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، في فبراير 2022، كثفت “منظمة الرائد” من أنشطتها الميدانية والدعائية، مركزةً على أعمال الإغاثة وتقديم الدعم للاجئين الأوكرانيين، والمواطنين الأجانب الذين فروا من مناطق القتال في شرق أوكرانيا، بالإضافة إلى المشاركة في دعم قوات الجيش الأوكراني بالعتاد غير القتالي كالخوذات والدروع.. إلخ، معلنةً وقوفها الكامل في صف كييف في مواجهة روسيا
ونقلت “منظمة الرائد” مقر عملها الرئيسي، في الأسابيع الأولى للغزو الروسي، من العاصمة كييف إلى مركز محمد بن أسد في لفيف (غرب أوكرانيا)، حيث جرى تنسيق أعمال المنظمة وتسيير قوافل نقل اللاجئين إلى رومانيا والمشاركة في عمليات الإغاثة، قبيل عودة العمل للمقر الرئيسي في كييف، منتصف إبريل 2022.
وفي السياق نفسه، انحازت فروع الإخوان الأوروبية إلى الجانب الأوكراني ضد روسيا، فوصف مجلس مسلمي أوروبا (اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا سابقاً)، العملية العسكرية الروسية بأنها “مأساة إنسانية واعتداء على دولة ذات سيادة سيكون له عواقب كارثية على مستقبل العلاقات الإقليمية وبين الشعوب من ناحية أخرى”، كما دان عدد من الجمعيات والمراكز الإسلامية المرتبطة بجماعة الإخوان في دول: ألمانيا، وبريطانيا، ورومانيا وهولندا وإيطاليا وغيرها الغزو الروسي، ودعا إلى المشاركة في حملة الإغاثة وتقديم الدعم للاجئين والمهاجرين من أوكرانيا.
وأعلن اتحاد الهيئات والجاليات الإسلامية في إيطاليا (الفرع الإيطالي لاتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا)، فتح أبواب مراكزه جميعها أمام اللاجئين الأوكرانيين، وعمل أعضائه في أنحاء إيطاليا على تنظيم مبادرات محلية لجمع الأغذية والأدوية للتبرع بها لأوكرانيا، بالتعاون مع المنظمات الكاثوليكية. وحث اتحاد الجاليات الإسلامية في إيطاليا جميع الإيطاليين والأوروبيين إلى التبرع لحملته ويجب توفير كل مورد ممكن للترحيب بكل محتاج، حتى تتمكن المراكز التابعة له من دعم اللاجئين، كما دعا المجتمع الدولي إلى التدخل من أجل وقف القتال في أوكرانيا.
وبدورها، شاركت الرابطة الإسلامية في رومانيا في عمليات إجلاء اللاجئين الأوكرانيين والمواطنين الأجانب الذين غادروا أوكرانيا وإيوائهم، وقدّم المركز الثقافي الإسلامي في بوخارست (عاصمة رومانيا) معونات لـ” منظمة الرائد” الأوكرانية، شملت مستلزمات إعاشة للاجئين، ونقلت تلك المعونات للمركز الثقافي الإسلامي التابع للمنظمة في مدينة تشيرنفتسي، على الحدود الأوكرانية – الرومانية، بينما طالب طه عامر، رئيس هيئة العلماء والدعاء في ألمانيا، المرتبطة بالإخوان، المؤسسات الإسلامية/ الإخوانية في الدول التي تستقبل اللاجئين لإظهار بسالة في دعم الأوكرانيين.
ويمكن افتراض أن تصعيد الإخوان ضد روسيا لا يحظى بتوافق كامل داخل فروع الإخوان الأوروبية ذاتها، رغم الموقف الرسمي الذي أبدته تلك الفروع، وذلك خشية رد فعل موسكو أو قيامها بالتضييق على فرع الإخوان في روسيا والمسمى “اتحاد المنظمات الإسلامية- فرع روسيا”، ولعل التعليقات التي أبداها المجلس الأوروبي للأئمة، وثيق الصلة بمجلس مسلمي أوروبا، على بيان إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا والمنشور على صفحة الأخير عبر موقع “فيسبوك” للتواصل الاجتماعي، والتي طالب فيها المجلس الأوروبي للأئمة من مجلس مسلمي أوروبا أن يكون حيادياً ولا ينحاز لمواقف الدول الأخرى من الصراع في أوكرانيا، لكيلا تتأثر الجاليات المسلمة في روسيا بهذا الموقف، دليل على تباين مواقف المؤسسات المرتبطة بالإخوان من الصراع الحالي.
ومن الواضح أن فروع جماعة الإخوان في القارة العجوز، حرصت على تأكيد تماهيها مع موقف الدول الأوروبية التي تنشط فيها، عبر رفض العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا وإدانتها، والانخراط في الأعمال غير القتالية كعمليات الدعم اللوجيستي والإغاثة الإنسانية، وذلك لإظهار نفسها كحليف موثوق به للدول الغربية، بما يتيح لها كسب أرضية جديدة، وتخفيف حملة الضغط والتدقيق الذي تقوم بها أجهزة الأمن والاستخبارات ضد الإخوان في عدد من الدول الأوروبية.
وعلى المنوال نفسه، التزمت الجماعة الأم في مصر (إخوان مصر)، الصمت طوال شهر، منذ بدء العملية العسكرية الروسية، إلى أن أصدرت جبهة إبراهيم منير (جبهة لندن)، بياناً عنونته بـ “نداء إلى عقلاء العالم بإيقاف الحرب الروسية – الأوكرانية”، دعت فيه للبحث عن حل سلمي للأزمة، لافتةً النظر إلى أن النظام العالمي الحالي وعلى رأسه منظمة الأمم المتحدة فشلت في أداء الدور المنوط بها، وصارت أداة لتعزيز مصالح الدول الخمس الكبرى، وأن الحرب كشفت موقف الغرب العنصري من أزمة اللاجئين، ففي حين فتحت أوروبا أبوابها أمام اللاجئين الأوكرانيين، تعاملت بتمييز سلبي مع اللاجئين الآخرين ومنهم اللاجئون السوريون، على حد تعبير القائم بأعمال المرشد العام للإخوان إبراهيم منير.
ودعا الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، والمقرب من جماعة الإخوان، لبدء حوار بين روسيا وأوكرانيا قائم على روابط الجيرة ومصالح الطرفين، مطالبا الجمعيات والمؤسسات إلى توصيل المساعدات الإنسانية والغذائية والصحية إلى اللاجئين، كما حث الاتحاد الدول التي لها علاقات مع الطرفين المتحاربين كتركيا وباكستان إلى القيام بجهود الوساطة من أجل إنهاء الحرب.
وربما، كان الموقف الذي اتخذته جماعة الإخوان وفروعها الأوروبية، أحد الأسباب التي دفعت المنصات الروسية الدعائية، المملوكة والمقربة من الحكومة الاتحادية في موسكو، إلى مهاجمة الجماعة، ملمحة إلى أنها تحالفت مع “كييف” ودعمت الكتائب الشيشانية التي تقاتل ضد روسيا مثل ” كتيبة الشيخ منصور”، و”كتيبة جوهر دودايف”، فضلاً عن اتهامها أوكرانيا بتوظيف التكتيكات الدعائية المضللة نفسها للإخوان المسلمين في حربها مع روسيا.
ومن الملاحظ أيضاً، أن فرع الإخوان في روسيا / اتحاد المنظمات الإسلامية فرع روسيا، الذي تأسس في عام 2006، اختفى من المشهد بصورة تامة، قبيل بدء العملية العسكرية الروسية، ولم يصدر عنه أي بيان لتأييد العملية أو إدانتها، وحذف القائمون عليه النسخة العربية من موقعه الإلكتروني وكذلك صفحاته على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، بينما جرى إيقاف النشر على النسخة الروسية للموقع منذ أشهر عدة. وقد تكون هذه الخطوة تمت بضغط من أجهزة الأمن الفيدرالية الروسية، نتيجة موقف جماعة الإخوان وفروعها الأوروبية، المتماهي مع الدول الغربية والمناهض لروسيا، فيما يتعلق بالصراع داخل أوكرانيا، لكن لا يمكن الجزم بذلك في الوقت الحالي.
ثالثاً: أهداف الإخوان من الانخراط في الحرب الروسية – الأوكرانية
ونظرة تحليلية إلى طبيعة النشاط والانخراط الإخواني في الصراع الحالي بين روسيا وأوكرانيا، يتبين أن الجماعة تسعى إلى الاستثمار في الأزمة الحالية لإحراز أكبر مكاسب ممكنة في الوقت الحالي وكذلك في المستقبل، ومع أن المكاسب المرجوة يتوقع أن تصب في مصلحة التنظيم/ الفرع المحلي للإخوان “منظمة الرائد”، بالمقام الأول، فإنه يُرجح أن تنعكس المكاسب والإنجازات التي يحققها هذا الفرع على وضع الشبكة الإقليمية للحركة (إخوان أوروبا)، وكذلك على التنظيم الدولي لها.
وبناءً على ذلك، يمكن القول إن أهم الأهداف التي تسعى جماعة الإخوان إلى تحقيقها في الوقت الحالي، هي:
1. تعزيز الوجود الإخواني في شرق أوروبا
تسعى جمعيات الإخوان وفروعه في أوروبا بشكل عام وفي شرق أوروبا بشكل خاص، لتعزيز حضورها في داخل القارة العجوز، وكسب أرضية جديدة للعمل مستفيدةً من الظروف التي خلقها الغزو الروسي لأوكرانيا، وتركيز العديد من تلك الدول وخاصة في شرق القارة على التصدي لما تصفه بالتهديد الروسي المحتمل، كما يحاول الفرع الأوكراني لجماعة الإخوان “منظمة الرائد” تعزيز حضوره في داخل البلاد في الوقت الحالي، مستفيداً من تركيز الأجهزة الأمنية والاستخبارية جهودها على مواجهة التدخل الروسي في البلاد.
وتهدف جماعة الإخوان إلى كسر القيود والحصار الأمني الذي فرض عليها في العديد من الدول الأوروبية، على مدار السنوات القليلة الماضية، وترويج أنها منسجمة مع القيم والمصالح الأوروبية للإفلات من حملات التدقيق الرسمية في أنشطتها، وكذلك إحراز نصر معنوي بكسر الجمود أو الفجوة النفسية التي وجدت بين بعض فروع الجماعة في أوروبا والمجتمعات المحلية، كي تعود من جديد إلى حالة الفاعلية والتغلغل والانتشار في داخل المجتمعات المسلمة في الغرب.
كما تحاول الجماعة توسيع شبكتها التنظيمية عبر التعاون مع جمعيات خيرية ومراكز إسلامية أجنبية تحت ستار العمل الإغاثي والإنساني، وفي هذا الإطار تعاونت “منظمة الرائد” بالفعل مع إدارة الكوارث والطوارئ التركية (آفاد)، ومؤسسة “وقف الديانة التركية”، وجمعية ( (Anda التركية، كما تعاونت مع ممثلي الهيئة الديمقراطية المغربية لحقوق الإنسان (منظمة غير حكومية)، وجمعية مانيتوبا الإسلامية الكندية في أعمال الإغاثة.
وبالإضافة إلى ما سبق، تعيد الجماعة تقديم قادتها ورموزها إلى المجتمعات الإسلامية المحلية في أوروبا، وترويج هؤلاء الرموز على أنهم قادة دينيون يُقتدى بهم، كما حصل مع القيادي الإخواني المصري جمال عبد الستار الذي استضافته “منظمة الرائد” لإعطاء محاضرة عبر تطبيق زوم، في الـ 23 من إبريل 2022، وبهذا تضمن الجماعة استمرار تأثيرها في هذه المجتمعات المسلمة، وترويج رموزها في الغرب.
وربما تهدف هذه الجهود إلى تهيئة مناخ مناسب لانتقال دعاة وقادة من جماعة الإخوان إلى شرق أوروبا، وأوكرانيا بشكل خاص، بعد أن تضع الحرب الدائرة أوزارها، وهو أمر غير مستبعد، على الإطلاق، بالنظر إلى أن العديد من قيادات الجماعة وشبابها قد انتقلوا بالفعل إلى أوكرانيا، ومنهم القيادي الإخواني معتز عبد المولى، إمام جمعية الفجر التابعة لـ” منظمة الرائد” في مدينة بولتافا الأوكرانية، والموضوع على قائمة المطلوبين لدى الشرطة الدولية.
2. جمع التبرعات والمساعدات
استغلت “منظمة الرائد”، الفرع الأوكراني لجماعة الإخوان، الصراع الدائر في البلاد حالياً، في جمع التبرعات بحجة استخدامها في تنفيذ الأعمال الإغاثية، وأعلنت المنظمة فتح حسابات بنكية للتبرع لصالح الأعمال التي تقوم بها، ونشرت إعلانات تطالب بالتبرع لها عبر شبكة الإنترنت، ومواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك فعلت جمعيات أوروبية أخرى مرتبطة بالإخوان.
وتدفقت التبرعات والمساعدات من دول أوروبية عدة منها هولندا، ورومانيا إلى “منظمة الرائد” التي تتولى توزيع هذه المساعدات، بناءً على رؤيتها الخاصة، في مدن أوكرانية عدة، وتقول المنظمة إنها تنفق الأموال التي ترد إليها على أبواب متعددة، منها: مساعدة المحتاجين في المناطق التي سيطرت عليها روسيا داخل أوكرانيا، وإطعام اللاجئين، وإمداد المرضى بالأدوية، بجانب مساعدة الأجانب الراغبين في مغادرة الأراضي الأوكرانية.
ويُحتمل أن يتم تخصيص جزء من حصيلة الأموال التي جمعت لصالح أعمال الإغاثة لدعم أنشطة الجماعة سواء في أوروبا أو خارجها، لا سيما أن الخبرة السابقة في التعامل معها تشير إلى أن الجماعة وظفت الأموال التي جمعتها في عمليات الإغاثة في العديد من الأنشطة التنظيمية.
3. تجنيد أعضاء جدد واستقطابهم
تركز جماعة الإخوان وفرعها الأوكراني، في الوقت الحالي، على استقطاب أعضاء جدد وتجنيدهم، وتكوين (تربية وتأهيل) أعضائها الحاليين، وتولي “منظمة الرائد” اهتماماً خاصاً بتجنيد النساء/ الأخوات، والأطفال/ “أشبال الدعوة”، مستعينة بالوسائل الإخوانية التقليدية التي تشمل استقطابهم من خلال إشراكهم في أنشطة الجماعة، وتلقينهم أيديولوجيا الجماعة بشكل مباشر عن طريق الدروس واللقاءات الدورية.
خاتمة
استفادت جماعة الإخوان المسلمين وفروعها الأوروبية، لا سيما الفرع الأوكراني (منظمة الرائد)، من الصراع القائم بين روسيا وأوكرانيا، إذ وظفت الجماعة حالة السيولة التي عاشتها أوكرانيا والحشد الأوروبي لدعم نظام كييف، لكي تنتشر وتزيد من حضورها داخل شرق أوروبا.
وركزت فروع الإخوان الأوروبية على المشاركة في جمع التبرعات والمشاركة في عمليات الإغاثة الإنسانية، دون المشاركة في العمليات القتالية، واضطلع الفرع الأوكراني “منظمة الرائد” بالدور الأكبر في هذا الصدد، بيد أنه تلقى دعماً مؤزراً من جمعيات ومراكز الإخوان في دول أوروبا المختلفة، وهو ما يشير إلى وجود تنسيق عالي المستوى بين تلك الجمعيات وبعضها، خاصةً أنها تعمل تحت مظلة موحدة من نسج التنظيم الدولي للإخوان.
وقد خدم الصراع في أوكرانيا، بصورة غير مباشرة، مصالح الفرع المحلي للإخوان “منظمة الرائد” وأسهم في توسيع نشاطها وإكسابها زخماً واهتماماً كبيرين خاصةً لإسهامها في الدور الإغاثي والإنساني والطبي، وهو الأمر الذي يُتوقع أن ينعكس على مستقبل الوجود الإخواني في البلاد ومنطقة شرق أوكرانيا بعد انتهاء الحرب الحالية، لاسيما أن المنظمة أصبحت تحظى بدعم وإشادة من قِبل السلطات الرسمية في كييف وفي مقدمتها رئيس الوزراء الأوكراني.
ويبدو أن الجماعة تواصل العمل لترسيخ وجودها في شرق أوروبا، خصوصاً في أوكرانيا، وتحويلها إلى أحد الملاذات الآمنة المحتملة، بعد انتهاء الصراع الروسي – الأوكراني، مع أنه لا يمكن الجزم بما إذا كان التعامل الأوكراني الرسمي المتراخي مع جماعة الإخوان وفرعها المحلي سيظل على وتيرته الحالية، في ظل حالة عدم الضبابية وعدم اليقين التي تسود الأوضاع في البلاد حالياً.