يبدو أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحكومة "باجلي"، زعيم حزب الحركة الوطنية اليميني المتطرف، يجهوزن هذه الايام لشن هجوم على سوريا. ويقول أردوغان وباجلي؛ "بقاء تركيا وأمنها القومي مرهون بالهجوم على سوريا! لأنه يجب خنق التهديدات الإرهابية لحزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب التركي في أسرع وقت ممكن، ويجب عدم السماح لهذه الجماعات بتحدي الأمن القومي لتركيا".
والسؤال هنا هو: ما مدى صحة هذا الادعاء؟ وللإجابة الدقيقة على هذا السؤال، تجدر الإشارة أولاً وقبل كل شيء إلى أن موضوع وجود حزب العمال الكردستاني في شمال سوريا واضح جدًا ولا يحتاج إلى مناقشة. لأنه إضافة إلى "حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري"، فإن الفرع العسكري لهذا الحزب هو "وحدات الحماية الشعبية" وأيضًا القوة المشتركة التابعة لـ PKK، المسماة بـ "قوات سوريا الديمقراطية"، كلهم يقدمون عبد الله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني المسجون كزعيم لهم، وفي جميع القضايا السياسية والتنفيذية والعسكرية يأخذون الأوامر من قادة حزب العمال الكردستاني وبالشراكة وبالتواطؤ مع الأمريكيين الذين احتلوا مناطق في شمال سوريا وحتى سيطروا على موارد راميلان النفطية. ومع ذلك، فقد صرحت الحكومة السورية مرارًا وتكرارًا أن هذه الجماعات ليس لها شرعية.
وهذا البيان مهم لأنه لا ينبغي الطعن في هجمات تركيا التدخلية وتجاوزاتها المتكررة على الأراضي السورية، من أجل دعم هذه الجماعات. وبدلاً من ذلك، فإن المحصلة النهائية هي أن هجمات تركيا غير مبررة من حيث القانون الدولي والأمن القومي وآداب حسن الجوار، وأن محاولة محاربة حزب العمال الكردستاني على الأراضي السورية هي مجرد قضية منحرفة تُخفي وراءها الأهداف والمطالب الرئيسية لتركيا على الأراضي السورية. بعبارات بسيطة، يفتقر حزب العمال الكردستاني في سوريا، كمجموعة حقوق عمالية مدعومة من الولايات المتحدة، إلى الشرعية ولا يمكن اعتباره مدافعًا عن الأراضي السورية. ولكن تجدر الإشارة أيضًا إلى أن هجوم تركيا على شمال سوريا بحجة محاربة حزب العمال الكردستاني هو ادعاء كاذب.
ولقد كان مؤيدو هذه القضية يحاولون تصوير الهجمات التركية على شمال سوريا بأنها هجمات غير شرعية وذلك لأنه إذا لم يكن الأمر كذلك، فلن يكون لحزب العمال الكردستاني نفوذ عسكري كبير دون دعم الولايات المتحدة. وذلك لأنه أولاً، معظم قوات حزب العمال الكردستاني التابعة للحزب في سوريا هم من المراهقين والشباب الريفيين ذوي الحد الأدنى من التدريب العسكري والقدرات الدفاعية، وثانيًا، تعمل الحدود البالغ طولها 900 كيلومتر بين تركيا وسوريا، إضافة إلى العشرات من مرافق المراقبة الأرضية والجوية على مدار 24 ساعة، على منع حزب العمال الكردستاني من شن هجوم على تركيا من داخل سوريا.
بعض الأسئلة البسيطة من المسؤولين الأتراك
من أجل توضيح الأسباب والدوافع الرئيسية للهجمات التدخلية التركية على سوريا، نذكر بعض الأسئلة المهمة:
1. كررت تركيا مرارًا وتكرارًا أن قوات حزب العمال الكردستاني التابعة للحزب الكردستاني المتمركزه في غرب نهر الفرات وفي مدينة عفرين تهدد الأمن القومي التركي، وأن تواجد هذه المجموعة في عفرين يجب أن ينتهي. ولقد اتخذت تركيا الإجراءات اللازمة، ودخلت سوريا واحتلت عفرين ومئات القرى المحيطة بها. ثم سلمت المناصب التنفيذية في هذه المناطق إلى التركمان والمعارضة العربية. والسؤال هو: الآن هل استطاع اردوغان فرض الأمن وهل قضى على التهديدات الإرهابية، وهل تركيا مستعدة لتسليم عفرين للحكومة السورية أو تسليم أمن جزء من منطقة عفرين إلى جيش دمشق؟
2. جمعت تركيا أكثر من 125 مجموعة مسلحة معارضة لبشار الأسد، وقامت بدمجها في مجموعة تسمى الجيش السوري الحر، وأنشأت قوة جديدة تسمى الجيش الوطني السوري المزيف. وتضم المجموعة أكثر من 120.000 من الموهوبين الذين وفرت حكومة أردوغان أسلحتهم ومعداتهم ومرافقهم ورواتبهم الشهرية وطعامهم وحتى ملابسهم. فهل الحكومة التركية مستعدة لحل جيش المعارضة السورية والتوقف عن دعمه لتطبيع علاقاته مع الحكومة السورية؟
3. يعتقد المسؤولون الأتراك أن الفراغ في السلطة والأمن في شمال سوريا أدى إلى سيطرة حزب العمال الكردستاني على مناطق حدودية رئيسية وموارد سورية مهمة. والسؤال هنا: إذا سيطرت سوريا على جميع المناطق الحدودية في المستقبل، فهل تركيا مستعدة لسحب قواتها من هذا البلد؟
4. مسألة أخرى مهمة تتعلق بأمن شمال سوريا هي أن تركيا تستطيع تدمير أهداف في عمق الأراضي السورية دون استخدام القوات البرية والوحدات المدرعة. وحتى الآن، قتل الجيش التركي العديد من قادة حزب العمال الكردستاني في سوريا بإطلاق صواريخ على طائرات مسيرة مسلحة. وقبل يومين، في وسط مدينة القامشلي، عاصمة محافظة الحسكة في سوريا، تعرض قيادي رفيع المستوى في حزب العمال الكردستاني، كان النائب الأول للقيادي "عبدي"، لإطلاق صاروخ من طراز UAV، كما قتل سائقه وحارسه الشخصي.
وفي حالات قليلة أخرى، نفذت تركيا هجمات مماثلة حول الكوباني وتل رفعت ومنبج وتل أبيض والمالكية، ونجحت بسهولة. والسؤال هو: بالنظر إلى أن تركيا يمكنها بسهولة استخدام الطائرات دون طيار لاستهداف قادة حزب العمال الكردستاني الرئيسيين على الأراضي السورية، فلماذا تختار الخيار الأرضي بدلاً من استخدام هذه الطريقة منخفضة التكلفة؟
5. في العديد من الجماعات المسلحة المعروفة باسم الجيش الوطني السوري، والتي تخضع لقيادة ودعم تركيا، هناك متطرفون لا يلتزمون بأي من القواعد المعتادة للجيش في الحرب والهجوم، والعديد من الأعمال الإجرامية. فهل تركيا مستعدة لتحمل المسؤولية عن كل الأعمال الإجرامية التي ارتكبها هؤلاء الأشخاص في الماضي وفي المستقبل؟
تظهر هذه الأسئلة والتحديات المذكورة أعلاه حقيقة أن تركيا في سوريا تسعى إلى فتح أراضي واحتلال أجزاء من الدولة المجاورة، وهي تفعل ذلك تحت ستار الأمن القومي. وفي هذا السياق، خلقت جماعة حزب العمال الكردستاني، كما خلقت العديد من المشاكل للشعب والمدنيين في العراق وشمال العراق، أجواءً في سوريا توسع الميول المحتلة لتركيا على حساب الشعب المضطهد في سوريا.
ويقول محللون إن أردوغان يرى على الأرجح أن الظروف مواتية لشن هجوم عسكري على شمال سوريا على الصعيدين الدولي والمحلي، ما يجعل الوقت مناسباً لشن عملية في سوريا. فالروس منشغلون بالحرب في أوكرانيا، ويحتاج الأمريكيون إلى أردوغان للتنازل عن اعتراضاته على توسع الناتو ليضم فنلندا والسويد. وفي هذا السياق، قال رئيس الأبحاث في معهد أبحاث السياسة الخارجية في فيلادلفيا آرون شتاين: "إن الأتراك يشعرون أن ثمة فرصة لمحاولة الحصول على تنازلات من الغرب". ووفقاً لـ"أسوشيتد برس" يمكن أيضاً استغلال الهجوم على سوريا لحشد الناخبين القوميين الأتراك في وقت يتدهور فيه اقتصاد البلاد، حيث بلغ معدل التضخم 73.5%. ومن المقرر أن تجري تركيا انتخابات رئاسية وبرلمانية العام المقبل، والتوغلات السابقة في سوريا لطرد "وحدات حماية الشعب" عززت دعم أردوغان في الانتخاب السابقة.
وعلى الرغم من أنه لا توجد مؤشرات حتى الآن على حشد عسكري تشير إلى غزو وشيك، لا ينفي هذا إمكانية استدعاء الجيش التركي بسرعة إلى حد كبير. لكن المقاتلين الأكراد السوريين يقولون إنهم يأخذون التهديد التركي الأخير على محمل الجد، ويستعدون لهجوم محتمل. كما يحذرون من أن التوغل سيؤثر على قتالهم المستمر ضد "داعش"، وقدرتهم على حماية السجون في شمال سوريا، حيث يُحتجز الآلاف من المتطرفين، وكثير منهم من الأجانب، منذ هزيمة تنظيم التنظيم قبل ثلاث سنوات.