عاشت المنطقة في السنوات الست الماضية على وقع طبول الحرب وقرقعة السلاح. وتولدت عن ذلك ازمات انسانية واقتصادية، واضطراب في العلاقات السياسية بين دول المنطقة وشعوبها. حروب لم تتوقف وتعددت اشكالها واهدافها ومدياتها الزمنية. من الحرب على سوريا والعراق الى الحرب على لبنان واليمن والشعب الفلسطيني وقطر، والتي تقاطعت مع ازمات الربيع العربي وتمايزت عنها.
بعض هذه الحروب اخذ شكل الحصار والضغط المالي والاقتصادي، بوسائل الحرب الناعمة، وبعضها ظهر بشكل ارهاب مسلح وفتن مذهبية وقومية ووطنية، وهي اخر نسخ الحروب الاميركية الصهيونية على الشعوب، وبعضها كان بالنار والصواريخ والطائرات ومعارك الجيوش الميدانية، في ما يعرف بالحروب التقليدية.
وإذا تساءلت عن القاسم المشترك بين كل هذه الحروب والازمات، لأمكنك القول انه النظام السعودي، الطرف الاخر الدائم في اي معادلة سلبية او عدوانية او مواجهة عسكرية.
لذا فليس من المبالغة الحديث عن حروب محمد بن سلمان في العقد الاخير، والتي لم تضع كلها اوزارها بعد.. نعم، النظام السعودي تحول في السنوات الماضية الى أكبر ممول ومشارك ومفجر لحروب المنطقة الاخيرة، على خلاف الصورة التي حاول ملوك السعودية السابقون ان يرسموها لأنفسهم ولمملكتهم في العقود المنصرمة.. وبما يجعل النظام السعودي منافسا رئيسيا للكيان الصهيوني كسبب للتوتر والحروب وعدم الاستقرار في المنطقة.
وقبل الاطلالة على حيثيات كل واحدة من هذه الحروب على حدة، لا بد من السؤال عن الاسباب والدوافع، التي تحرك شهية هذه العائلة الحاكمة لخوض غمار الحروب، وعن الاهداف التي تسعى الى تحقيقها، والاستراتيجية العامة التي تتبناها لعلاقاتها الاقليمية.. وبالتالي ما هي النتائج التي انجزتها حتى الان، وما الذي تنتظره المنطقة في مستقبلها القريب والبعيد من هذه القوة الاقليمية الاقتصادية الكبيرة..
في اخر ما قرأته في الصحافة السعودية مقال تساءل فيه أحد كتاب صحيفة الشرق الاوسط السعودية، ان كانت اميركا تسعى لأن يبغضها العرب.. ومما قاله: ان الملف النووي الإيراني قضية كبرى بالنسبة لدول المنطقة ولدول العالم، وان المفاوضات في فيينا غير مبشرة!! لعدة أسبابٍ منطقية (برأيه)، أولاً، فريق التفاوض الأميركي يشهد استقالاتٍ بسبب «اندفاع» غير محسوبٍ لإرضاء الجانب الإيراني. وثانياً، استبعاد دول الخليج العربية والدول العربية قاطبة من المشاركة في تلك المفاوضات، ليس مؤشراً بحالٍ على أي نوعٍ من التوازن السياسي. وثالثاً، ليس «السلاح النووي» فقط هو ما يقلق دول الخليج والدول العربية، بل استراتيجية التوسع وبسط النفوذ الإيرانية عبر «الجماعات» و«التنظيمات» الإرهابية و«الميليشيات»، مع التدخل السافر في سياسات عددٍ من الدول العربية في العراق وسوريا ولبنان واليمن.
ويضيف الكاتب موضحا نياته الكامنة: ان رفع العقوبات عن النظام الإيراني سيجعله يعيد النشاط والتوسع في تلك الاستراتيجية المضرة بدول المنطقة والعالم، ومجرد التفاوض على رفع «الحرس الثوري» الإيراني من قوائم الإرهاب دليلٌ مخيفٌ على موافقة معلنة على سياساتٍ ستنشر «استقرار الفوضى» و«الإرهاب» بشكل غير مسبوقٍ فيما لو حصل، رغم معارضة قوية داخل «الكونغرس» الأميركي نفسه.
وهذا المقال، وهو ليس الوحيد على اية حال، يلخص محورية التفكير السياسي للنظام السعودي، وللنخبة النجدية المتحلقة حوله، والاسس التي يبني عليها النظام توجهاته تجاه قضايا المنطقة، والعلاقات بين شعوبها ودولها وقواها السياسية. والاشارة الى هذا المقال لا تعني اهمية خاصة له، ولكاتبه، بل هي مجرد استشهاد بنموذج تجده في عشرات بل مئات المقالات، التي تزخر بها الصحافة السعودية، وعلى لسان المتخصصين بالشأن السياسي الخارجي او غير المتخصصين، من الهواة الذين يسودون الصفحات عندما لا يجدون ما يكتبون فيه، لان قاعدة الهجوم على إيران وما يسمونه امتداداتها في المنطقة، لازمة دائمة في الاعلام السعودي.
وهذا الاعلام يقوم بوظيفتين اساسيتين في هذه المرحلة: توجيه الرسائل السياسية لمن يعنيهم الامر، والضخ التعبوي لفرض سياسات معينة على الرأي العام السعودي اولا، وفي عموم المنطقة التي يستطيع ان يؤثر فيها ثانيا.
سياسة التوتير وابقاء ابواب الصراع مشرعة على افق المواجهة السياسية والعسكرية، لا تقتصر على الجانب الاعلامي، بل اندفعت السعودية منذ تسلم الملك سلمان السلطة، وتمكن ولي العهد محمد بن سلمان من احكام قبضته على مفاصلها، الامنية والعسكرية والاقتصادية، وامساكه بمفاصل اتخاذ القرار، اندفعت نحو مغامرات عسكرية سبق ان انكفأت عنها طيلة العقود الخمسة الماضية، بعد انتهاء الحرب مع مصر الناصرية على الاراضي اليمنية.
وإذا عدنا الى المقال المذكور اعلاه فإننا نجد العناصر الاساسية التالية فيه والتي تشكل خلفية الاستراتيجية السياسية السعودية:
1- اعتبار السعودية نفسها جزءا من الجهد الاميركي لتطويع المنطقة، واخضاعها للهيمنة الاميركية، وبالتالي فان المصالح السعودية هي دائما في الحضن الاميركي، وعلاقة التبعية الذيلية معه. والنقد السعودي للسياسات الاميركية في بعض المراحل لا يتعدى كونه نوعا من العتب على زعيم المحور، الذي يتلاعب بمشاعر ادواته. وهذا العتب يبلغ حد الغضب احيانا لأسباب اخرى، تتعلق بالعلاقات البينية بين الراعي الرسمي للنظام وتركيبته، التي افترقت قليلا عن رؤية ومخططات المؤسسات الاميركية. لكن الامر لا ينتظر ان يتجاوز هذا الحد من التجاذب حتى الان، حيث تسيطر على النخبة السعودية مشاعر مضطربة، يهدئ من روعها املان يراودنها:
- اما ان تنجح الضغوط السعودية، ومعها الضغوط الاسرائيلية، في عرقلة ما يسميه السعوديون الاندفاعة الاميركية لتوقيع الاتفاق النووي.
- او ان يستعيد الجمهوريون، وجناحهم اليميني المحافظ، البيت الابيض، فتعود اميركا الى نهجها السابق في مرحلة دونالد ترامب، التي تزامنت مع وصول محمد بن سلمان الى السلطة، وصياغة استراتيجيته العدوانية الاستبدادية.
2- البرنامج النووي الايراني هو قضية كبرى بالنسبة للسعودية. وكما ان السعودية تختصر العرب بنفسها، فإنها تختصر العالم بالولايات المتحدة. فهي ترى ان اميركا تغضب العرب بتراجعها امام إيران، وهذا كلام غير صحيح الا إذا كان العرب هم السعودية، ومن تستطيع التأثير عليه منهم.. وكذلك في ما يخص العالم الذي يدفع بكل ثقله، حتى الدول الغربية والاوروبية، لإنجاز الاتفاق وعودة الولايات المتحدة الى التزاماتها فيه، لان السواد الاعظم من دول العالم يرى مصلحة له في ذلك، ولا يشعر بأي مخاوف من امتلاك ايران القدرات النووية غير العسكرية.
الموقف السعودي الذي لا يمثل اجماعا حتى في دول مجلس التعاون الخليجي، يتماهى عمليا وفقط، مع الموقفين الاسرائيلي والاميركي الذي يمثله المحافظون الجدد المتصهينون غالبا..
3- السعودية اسوة بالكيان الصهيوني تستحضر دائما لتبرير عدوانيتها، عداءها لقوى المقاومة العربية التي نشأت في ظروف مختلفة، وشكلت رافعة جديدة للقضية الفلسطينية، وأحبطت الشق الصهيوني في الازمات التي تعرضت لها دول المنطقة، وأدت الى سقوط انظمة وحروب اهلية وصراعات، يمكن تلخيص جانب من نتائجها، بأنها ارست معادلات قوة تتعارض مع الاستراتيجية الاسرائيلية في تدمير الدول العربية، وخلق فراغ أمنى وعسكري لمصلحة التفوق والنفوذ الصهيوني.
فالعراق مثلا، وبصرف النظر عن صراعاته الداخلية وطبيعة نظامه الدكتاتوري السابق، وسياساته الغبية المرتهنة للاستراتيجية الاميركية، يبقى جيشه مصدر تهديد للكيان الصهيوني. لذا فان اول خطوة قام بها المندوب السامي الاميركي بول بريمر، لدى تسلمه سلطة احتلال العراق، كانت حل الجيش العراقي، واعادة بناء جيش تحت اشراف واشنطن وبحسب مقاييسها!! وهو الجيش الذي لم يصمد امام اول هجوم ارهابي من مجاميع "داعش"، وهو ما هدد وجود الكيان العراقي ووحدته..
لكن الشعب العراقي ومرجعياته الدينية والسياسية، بادرت الى معالجة هذا الخلل بشكل سريع، وتم انشاء الحشد الشعبي، الذي تحول الى قوة حقيقية كبيرة، استعادت مكانة العراق في المعادلة الاقليمية، بل عززت موقعه في الصراع مع الصهيونية وكيانها المؤقت.
وكل قوى محور المقاومة باتت على هذه الصورة. نشأت في ظرف وطني ملح، الا انها بنت قوة عسكرية حقيقية، واصطفت في مواجهة الكيان الصهيوني على مستوى الصراع الاقليمي، دون ان تكون لها اي استراتيجية اخرى. فهي قوى تصدت لأزماتها الوطنية بنجاح، وعززت قدرات بلدانها للحفاظ على موقفها القومي، بحسب قرارات وميثاق الجامعة العربية، والثقافة العربية التي ارستها سبعة عقود من المواجهة مع المشروع الصهيوني.
لكن ذلك أحبط الاوهام الصهيونية بفرض الاستسلام والتطبيع وتصفية القضية الفلسطينية، وتحويلها من صراع وطني وتحرري من الاستعمار الى قضية انسانية لتشغيل اللاجئين واعادة توطينهم.
ولكن لماذا يشعر النظام السعودي بالخطر ذاته، والقلق ذاته، والاحباط اياه، التي يشعر بها كيان الاحتلال، جراء تعاظم دور وفعالية قوى المقاومة التي يسميها الميليشيات، وينعتها بالإرهابية ايضا، في استعارة من القاموس الصهيوني؟
الاجابة عن هذا السؤال معقدة ومركبة، ولكننا إذا عدنا للأدبيات السعودية فإن السبب المباشر هو الدعم الايراني لهذه "المقاومات"، وهذا الدعم الذي لا ينكره اصحابه جاء ايضا لأسباب مختلفة وفي ظروف مختلفة.. ويتجاهل السعوديون عن قصد ان الدعم الايراني لهذه القوى في مهمتها الوطنية العظمى، جاء في مرحلة غياب جميع مراكز القوة العربية التقليدية. مصر وكامب ديفيد، العراق ومضاعفات احتلال الكويت، سوريا والحروب الدائمة عليها انتهاء بالحرب العالمية الاخيرة، الجزائر وعشريتها السوداء.. مما خلق حالة خطيرة من فراغ القوة في المنطقة وانعدام الحضور العسكري للعرب، لو لم تملأه إيران بدعم قوى المقاومة، لخلت الساحة لجيش الاحتلال، وتمكنت ربما الدولة الصهيونية من ان تحقق هدفها بإنشاء اسرائيل الكبرى.
لكن القيادة السعودية التي ربطت نفسها منذ عقود طويلة بالقاطرة الاميركية، سياسة وثقافة واقتصادا، وتبنت قوى الردة والرجعية في عموم المنطقة، وجدت نفسها في صف الكيان الصهيوني، في مواجهة إيران ومحور المقاومة.
وليس صحيحا ان سياسات النظام السعودي المعادية لحركات التحرر والمقاومة في المنطقة، كانت ردة فعل على احداث معينة، بل هي نتيجة سياسة راسخة تبناها ال سعود، منذ مدة طويلة، الا انها تفاقمت في المرحلة الاخيرة بسبب بلوغ الصراع مراحل حاسمة، عرت الازدواجية السعودية، وكشفت جوهرها! كما ساهمت في ذلك طبيعة وظروف صعود الامير محمد بن سلمان الى السلطة.
فالسعودية كانت على اطلاع على السياسات الاميركية تجاه لبنان وسوريا، منذ اقرار الكونغرس الاميركي قانون تحرير لبنان وسوريا، وبدء العمل لإخراج الجيش السوري من لبنان، تمهيدا لإعادته للوصاية الاميركية، والانتقام لهروب المارينز من لبنان بعد تفجيرات 1983.. التحرش السعودي الاميركي اتى بعد وفاة الرئيس حافظ الاسد، وما تبع ذلك من تحركات ميدانية لحلفاء السعودية لمحاصرة المقاومة وتجريدها من السلاح بذريعة انجاز تحرير الاراضي اللبنانية المحتلة.
وفي العام 2006 وفي الساعات الاولى للعدوان الاسرائيلي على لبنان، وبدء الحرب التدميرية غير المسبوقة في التاريخ، خرجت الخارجية السعودية بتصريح غريب وغير متوقع، حملت فيه المقاومة الاسلامية مسؤولية الحرب، واتهمتها بالمغامرة. ومن ثم تبنت السعودية ودعمت سياسة حكومة فؤاد السنيورة لاستكمال اهداف العدوان الاسرائيلي الفاشل، والعمل لنزع سلاح المقاومة حتى بعد انتصارها في حرب تموز.
وكما كانت السعودية من بين الدول التي دعت اسرائيل لمواصلة الحرب على لبنان، فإنها واصلت بنفسها هذه الحرب بأساليب اخرى، وبدأت منذ ذلك التاريخ حربا اعلامية شعواء لا تتوقف، لتشويه صورة المقاومة وتحريض الداخل اللبناني والمحيط العربي عليها، ومحاصرتها بالاحلاف الطائفية والتهديد بالفتنة المذهبية.
ان ما شهدناه في السنوات الاخيرة من تصنيف المقاومة على قائمة الارهاب السعودية، واجبار بعض الدول الخليجية على تبني ذلك، وتهديد الجالية اللبنانية في الخليج بالطرد والاستيلاء على مدخراتها، ودعم المجموعات الارهابية التي نشطت على الاراضي اللبنانية ابان الحرب السورية، وهي تجاهر باستهداف المقاومة وحواضنها الشعبية، وصولا الى محاصرة لبنان واعتقال رئيس وزرائه السابق سعد الحريري، لتفجير الحرب الاهلية، وانتهاء بافتعال ازمة على خلفية تصريحات وزير الاعلام اللبناني جورج قرداحي قبل ان يكون وزيرا.. والدعوة العلنية الى اخراج حزب الله من اي حكومة لبنانية، واسقاط لوائحه وتحالفاته في المجلس النيابي... كل ذلك خطوات سعودية مدروسة في مواجهة المقاومة التي تعتبرها ذراعا ايرانية، بل باتت السعودية وحلفاؤها يخوضون المواجهة تحت شعار تحرير لبنان من الاحتلال الايراني.
الا ان ذروة الهياج والجريمة التي بلغتها سياسات الاحقاد السعودية تمثلت في عدوانها الصارخ والوحشي على اليمن، شعبه ومقاومته ومقومات دولته الموحدة، ومستقبله..
هذه الحرب التي ارادها محمد بن سلمان الرد على ما يسميه التهديدات الايرانية، ورافعة للدور السعودي الاقليمي، الذي ارادته الاستراتيجية الاميركية في عهد ترامب، بديلا للقوة العربية، والقادر على انجاز التسوية كما خططت لها الصهيونية العالمية.
لقد اختار محمد بن سلمان اليمن الذي يسميه حديقته الخلفية، ساحة لبطولاته لأسباب عدة. من بينها:
- العلاقات التاريخية والوصاية التي كان يفرضها على اغلب القوى السياسية في هذا البلد منذ خمسين عاما.
- تحكمه في اقتصاد اليمن ومعيشة ملايين اليمنيين العاملين في السعودية.
- الاهتمام الصهيوني الخاص بالممرات المائية وبالبحر الاحمر، وهو ما سيؤمن الدعم للعدوان السعودي على الصعيد اللوجستي (وهذا ما حصل فعلا) وعلى صعيد ضمان تأييد اللوبي الصهيوني الاميركي لهذه الحرب والتغطية على جرائمها (وهذا ما حصل ايضا).
- المصلحة الاميركية المباشرة في ضمان السيطرة على موارد اليمن النفطية والمعدنية والبشرية، وموقعه الاستراتيجي للربط بين البحار وبوابة العبور الى افريقيا والعمق الاسيوي.
- واخيرا استسهال الانتصار في هذه الحرب، نسبة الى الخلل الهائل في ميزان القوى بين الجيش اليمني والترسانة العسكرية السعودية الضخمة، اضافة الى القدرات السعودية التسليحية والمالية والاقتصادية.
هنا ايضا كما في لبنان خاض النظام السعودي الحرب تحت شعار ضرب النفوذ الايراني، وكسر محور المقاومة الذي تشكل من القوس الشيعي كما أطلقت عليه الدوائر الصهيونية، لوضعه في حلقة الصراع المذهبي الاقليمي.
وليس خافيا ان اليد السعودية كانت خلف اول رصاصة أطلقت في الازمة السورية، واول شعار مذهبي تكفيري رفعه بعض المندسين في مظاهرات درعا.. كما كانت السعودية الداعم الاكبر لمختلف العصابات المسلحة التي نشطت على الاراضي السورية، وكان لها فصيلها الخاص بقيادة زهران علوش وبمسمى جيش الاسلام حول دمشق، ومساهمتها في كل مراحل العدوان على سوريا، وتحويل مساجدها الى منابر للدعوة للقتال وتجنيد الارهابيين وشحنهم الى سوريا، وهي لا تزال الى اليوم تحاصر الشعب السوري، وتمنع انتقال سوريا الى مرحلة التعافي واستعادة دورتها الاقتصادية الطبيعية... كل ذلك يجري وسط محاولات حثيثة تتحدث عنها الصحافة السعودية جهارا نهارا لفك ارتباط سوريا بالجمهورية الاسلامية..
مصادر التهديد السعودي
ان ما يجري في فلسطين المحتلة وفي غزة، رغم خصوصية الوضع الفلسطيني، وما يجري في العراق، يندرج في ذات الإطار الذي تواجه فيه السعودية مَن تعتبرهم قوى المحور الايراني، والاذرع الايرانية في المنطقة العربية!! فالسعودية بدفع من العقل الصهيوني، باتت لا ترى الا الشبح الايراني في اي قوة تحرر عربي، او مقاومة للمشاريع الامبريالية.. فكل من يقاوم الاحتلال الاميركي والهيمنة الصهيونية في المنطقة يندرج ضمن المحور الايراني.. وهكذا تكون المنطقة تواجه انقساما عاموديا بين محورين: ايراني واسرائيلي.. ونجاح الحملة السعودية الصهيونية في الحديث عن الخطر الايراني، وتسعير الخلافات واشعال الحروب على هذه الخلفية، بدءا من عدوان صدام الاثم، الى الحرب اليمنية العبثية الاجرامية، كل ذلك يجعل من المملكة السعودية جزءا من المحور الصهيوني في المنطقة، كأمر واقع بانتظار الفرصة المناسبة لإعلان ذلك.
ودون اي مبالغة او اتهام سياسي، فان النظام السعودي استغل في السنوات الماضية، وحتى الان، كل موارده وامكاناته لضرب محور المقاومة الذي يسميه المحور الايراني:
1- فالسعودية خاضت الحروب حيثما أمكنها، لإظهار قوتها وضرب قوى محور المقاومة، وتعزيز مكانتها لقيادة المنطقة في غياب مراكز القوى التقليدية في العالم العربي.
2- دعمت وحرضت قوى سياسية وطائفية لشن الحروب الاهلية، ومنع استقرار الدول التي تضنفها في محور المقاومة.. وخصوصا في العراق ولبنان والاراضي الفلسطينية.
3- تواصل التحريض الاعلامي لتشويه قوى المقاومة ومنع الحوار بين المكونات الاجتماعية والسكانية في الدول المستهدفة.
4- تستخدم قدراتها المالية لشراء الذمم والاقلام والمؤسسات الاعلامية التي تحرض على الانقسامات والصراعات السياسية والعسكرية.
5- تساهم في الحصار المالي وتحجم عن تقديم المساعدات والقروض للقوى والدول المستهدفة، وخصوصا للمنظمات والشعب الفلسطيني تحت الاحتلال والحصار. وهي تساهم بشكل فعلي في حصار غزة وملاحقة ومحاكمة انصارها في الخارج.
6- تؤمن الغطاء السياسي والمالي لكل المشاريع الاميركية لمحاصرة وخنق الدول العربية، والمنظمات والقوى التي تتهمها بانها جزء من محور المقاومة.
7- هناك شبهات شبه مؤكدة وتقارير من مصادر غربية تؤكد التعاون والتنسيق الامني والسياسي مع اجهزة الكيان الاسرائيلي وتبادل المعلومات المخابراتية والتسهيلات اللوجستية لاستهداف قوى المقاومة.
8- تقارير اعلامية متقاطعة تؤكد التطبيع غير المباشر مع الكيان الصهيوني، على المستوى الديني والثقافي عبر جولات ولقاءات وانشطة وزير العدل السابق وامين عام رابطة العالم الاسلامي الشيخ محمد العيسى.. القريب من النظام واداته على الصعد التي يتحرك فيها. اضافة الى اخرين من الشخصيات السعودية السياسية والاعلامية الذين يطلون برؤوسهم موسميا، لنشر ثقافة التطبيع وتهيئة الرأي العام السعودي والعربي لذلك.
9- بدء النظام السعودي مرحلة التعاون الاقتصادي والاستثمار غير المباشر في الشركات الاسرائيلية، واخرها ما كشفته صحيفة "وول ستريت جورنال" الاميركية عن صندوق استثمارات يقوده جاريد كوشنير صهر الرئيس الاميركي السابق، والذي موله الامير محمد بن سلمان بملياري دولار اميركي.
10- مشاركة السعودية في اي جهد سياسي لقلب موازين القوى وهزيمة قوى المقاومة، حيثما أمكنها ذلك، وتشكيل التحالفات وتمويل اي جهة تجاهر في العداء للمقاومة، وهو ما يمكن الاستدلال عليه مما تقوم بها في العراق ولبنان.
11- سياسة الترغيب والترهيب لاختراق البيئة الحاضنة للمقاومة، وتهديد كل من يعلن تأييده لها بمصدر رزقه، واستقطاب المنشقين والعملاء المناوئين للمقاومة.
ان عداء النظام السعودي لقوى المقاومة مفتوح ولا حدود له، وما نعرفه عن الاعتداءات واشكال التآمر ليس كل شيء في جعبة هذا النظام، الذي يستند في سياساته العدوانية هذه على عقيدة راسخة وايمان باستحالة ايجاد هوامش لقاء وقواسم مشتركة. وحتى القضية الفلسطينية التي كانت لعقود طويلة من المسلمات حتى في سياسات ملوك السعودية السابقين، خسرت مكانتها هذه في اعراف وسياسات الملك سلمان وابنه.. وتحولت الى قضية خلافية يأخذ فيها النظام السعودي الجانب الاخر.
والنظام السعودي بارع في استغلال الخلافات المذهبية فهو لا يتهيب من تشويه المقدسات ونبش التراث واشاعة كل مفاسد التاريخ، باعتبارها عوامل فرقة وصراع لا يزال مستمرا.
الا انه بالإضافة الى العوامل الاستراتيجية العامة التي تحكم سلوك هذا النظام فلا بد من الاشارة الى خصوصيات مرحلة محمد بن سلمان التي تجعله أكثر شراسة وعدوانية.. ومنها ازمة شرعية النظام على المستوى الداخلي، ما يجعله يشعر بالقلق المستمر، اذ انه لم يعد قادرا على رفع سيف الوهابية والغطاء الديني الذي تستر به اسلافه، ولم يلتزم حتى بقانون الوراثة العائلي، وتجاوز ترتيبات هيئة البيعة التي اسسها النظام لضمان استقرار البلاد وانتقال السلطة بين ابناء الملك عبد العزيز ومنهم الى الجيل الثالث.. وازمة علاقته غير المستقرة مع الراعي الاجنبي، والتي تزداد حدة مع كل هزيمة اميركية وفقدانها المكانة المهيمنة عالميا، او تراجع اهتمامها في المنطقة..
فالنظام مهتز بشرعيته الداخلية وضمانته الخارجية، لذا فهو خائف من اي موجة تغيير في موازين القوى الاقليمية والدولية. وقد تحول على ما يبدو الى رهينة للشعارات التي رفعها والاحلام التي أغرق نفسه وجمهوره فيها.. وهو ينظر الى عدوانه على اليمن وكأنه حبل مشنقة يهدد ملكه، بعد ان راهن على هذه الحرب لتكون انجازه التاريخي، لكسب المشروعية في السلطة، والحضور الاقليمي الفاعل، كقوة عسكرية واقتصادية يمكنها ان تكون قطب المحور العربي.
كل ذلك ينهار امام عينيه، وتخرج المخاطر والمخاوف كالعفاريت تحيط به، ما يجعله يصب جام غضبه وحقده على محور المقاومة، الذي يعتبره السبب الرئيسي في فشله وضياع جنة الاحلام الوهمية الموعودة.
وهذا ما يجعله خطرا ومصدر تهديد دائم لشعوب المنطقة ودول محور المقاومة.