الملخص
لم تأت الحرب الروسية على أوكرانيا مفاجئة للدول التي تعلم علم اليقين أهمية أن تكون أوكرانيا محايدة وألا تشكل مصدر تهديد لروسيا. هذه الدراسة تحلل الموقف الصيني وتوضح محددات هذا الموقف تجاه الحرب الروسية-الأوكرانية. وتسعى للإجابة على التساؤل الرئيسي والتساؤلات الفرعية التي تتمحور حول ماهية الظروف التي ستحدد السياسات التي ستنتهجها الصين تجاه طرفي النزاع وكيف أثرت الصين في هذه الحرب. وقد تم تطبيق المنهج التحليلي لدراسة وتحليل الظروف المحيطة بالسياسة الصينية. وتوصلت الدراسة إلى نتيجة مفادها أن الصين تعتبر روسيا حليفاً إستراتيجياً، لكن هذا الحلف مرتبط بالمصالح الاقتصادية وبالعداء لأمريكا والغرب أكثر من ارتباطه بالأيديلوجية. وقدمت الدراسة توصيات حول كيفية التعاطي مع التحالف الروسي-الصيني غير المعلن.
المقدمة
يقول جورج فريدمان: "أي نقاش حول المستقبل يجب أن يبدأ بنقاش حول الصين. ربع سكان العالم يعيشون في الصين، ولطالما كان هناك اهتمام كبير بالنقاش حول الصين كقوة عالمية مستقبلية". ويردف في خضم وصف جوانب الضعف لدى الصين قائلاً: "المشكلة في الصين سياسية. الصين متماسكة مع بعضها بسبب المال وليس الأيديولوجية. عندما يحدث انكماش اقتصادي ويتوقف المال عن التدفق، لن يختل النظام المصرفي لوحده فحسب، بل سيختل ويتزعزع النسيج المجتمعي الصيني بأكمله. الولاء في الصين إما يتم شراؤه أو يكون بالإكراه".
يمكننا أن ننطلق من ذاك التصور الواقعي لنفهم أن الصين تبني تحالفاتها على الاقتصاد أكثر مما تبنيه على الأيديولوجيا. فبالرغم من أن الصين تشترك مع روسيا بالفكر الشيوعي والاشتراكي، إلا أن تدفق المال والاستثمارات هو الأساس في تحالفاتها الخارجية. فليست هذه النظرة التي وصفها فريدمان مقتصرة على تماسك الصين الداخلي فقط، بل تكاد تلمسه في كثير من مواقفها الخارجية، وهو يفسر تركيز الصين الدائم على محاولة تحصيل أكبر قدر ممكن من المنفعة من كافة الأطراف، والسعي الدائم لعدم التخندق في صف طرف ضد آخر.
أما الحرب الروسية-الأوكرانية، فارتباطها بتفاعلات النظام الدولي يجعلها ورقة ضغط في المنافسة الدائرة بين القوى الكبرى لرسم وتشكيل النظام العالمي الجديد الذي بدأ يتشكل في الآونة الأخيرة. فأمريكا تسعى إلى إضعاف روسيا، وقد صرح وزير الدفاع الأمريكي أثناء زيارته أوكرانيا في أبريل/نيسان ٢٠٢٢ بأن أمريكا تريد رؤية روسيا ضعيفة، وأن أمريكا وأوروبا ستدعمان أوكرانيا بكل الإمكانيات المتاحة حتى تريا ذلك يتحقق. وترى أمريكا أن إضعاف روسيا سوف يقوض الجهود الصينية الرامية لتشكيل نظام عالمي متعدد الأقطاب تكون روسيا والصين من أهم أركانه.
إشكالية الدراسة
عندما بدأت الحرب الروسية-الأوكرانية، كان الجميع يترقب الموقف الصيني الذي، باعتقاد بعض الدول، سيكون مؤثراً جداً على مجريات الحرب. لكن الذي حدث كان حياداً صينياً جعل موقف الدولة مبهماً. فكان ذلك الموقف تجسيداً للسياسة الصينية الخارجية المعهودة التي لطالما التزمت بها الصين، والتي تتمثل بالإمساك بالعصى من المنتصف والوقوف على مسافة واحدة من جميع الأطراف. ستجيب هذه الدراسة على التساؤل الرئيسي التالي: ما هي الظروف التي ستحدد وتقيد السياسة الصينية تجاه الحرب الروسية-الأوكرانية؟
سيتم ذلك من خلال الإجابة على التساؤلات الفرعية التالية:
- لماذا تولي الصين اهتماما كبيراً لعلاقتها مع روسيا؟
- مع من تقف الصين في النزاع الروسي-الأوكراني؟
- كيف ستساعد الصين حليفتها روسيا في هذه الأزمة؟
- كيف أثر الغزو الروسي لأوكرانيا على السياسة الصينية؟
أهداف الدراسة
تهدف الدراسة إلى الإجابة على التساؤلات السابقة من حيث:
- تحليل الأسباب التي تدفع الصين إلى الاهتمام بعلاقتها مع روسيا.
- توضيح الموقف الصيني من الأزمة وإلى أي طرف تجد نفسها أقرب.
- تحديد الوسائل التي ستستخدمها الصين لمساعدة روسيا في هذه الأزمة.
- توضيح الأثر الذي سوف يتركه الغزو الروسي لأوكرانيا على السياسة الصينية.
أهمية الدراسة
تقدم هذه الدراسة من الناحية العلمية صورة علمية لما تقوم به السياسة الخارجية الصينية في التعامل مع الأزمات الدولية حتى وإن كانت أزمات ضاغطة على السياسة الخارجية الصينية، وهذا أيضاً عطي صورة نمطية تبين مدى القدرة الصينية على التعامل في الأزمات أثناء الظروف الضاغطة.
أما من الناحية العملية، فتقدم إضافة معرفية للمهتمين بالسياسة الخارجية الصينية للاستفادة منها في فهم طريقة التعامل الصيني مع هذه الأزمات والأزمات المشابهة.
منهجية الدراسة
اعتمدت هذه الدراسة على المنهج التحليلي لدراسة وتحليل السياسة الصينية تجاه الأزمة الروسية-الأوكرانية. حيث قامت الدراسة بتحليل طبيعة العلاقة الصينية-الروسية، وطبيعة السياسات التي تدفع الصين لاتخاذ مواقف بذاتها. وقد تم تفنيد المعلومات التي تم جمعها حول دوافع الصين لاتخاذ موقف معين تجاه أطراف النزاع، وتم تحليل كل محور في إطار الوصول إلى الاستنتاجات.
المحاور الرئيسية
أولاً- دوافع الصين لتقوية علاقتها مع روسيا.
ثانياً- الموقف الحقيقي للصين من النزاع الروسي-الأوكراني.
ثالثاً- جوانب القوة لدى الصين في مساعدة حليفتها روسيا.
رابعاً- أثر الغزو الروسي لأوكرانيا على السياسة الصينية.
أولاً: دوافع الصين لتقوية علاقتها مع روسيا
تتعرض الصين لتضييق كبير ومناكفات وضغوطات هائلة من قبل أمريكا مؤخراً، لاسيما منذ عام ٢٠١٧. والسبب الرئيسي يكمن في استشعار أمريكا للخطر الذي يشكله الصعود الصيني، ورغبة أمريكا في احتواء هذا الصعود وتطويقه وترويضه بالشكل الذي يبقي على التفوق الأمريكي ويمنع الصين من مجاراة أمريكا. وفي سبيل ذلك تتبع أمريكا كل الوسائل الممكنة. فعلى سبيل المثال، يرى بعض المراقبين أن أمريكا تخوض حرباً باردة ضد الصين من خلال الجمع بين القوة الناعمة والخشنة، ومحاربة الصين بزرع الفتن بينها وبين حلفائها، وتعزيز تلك الخلافات، والضغط على بعض الدول لتقويض وتقليص الاستثمارات الصينية فيها محاولة بذلك أن تحارب الصين على كافة الصعد الممكنة.
يقول نور الدين إسكندر في مقال منشور في تموز (٢٠٢٠)، أن الإستراتيجية الأمريكية ضد الصين تكَشّفتْ بجلاء في السنوات الأخيرة. وقد تجمعت ضمن خطة جديدة متكاملة في سياق إستراتيجي واحد بعد أن كانت مفككة المعالم. يبدو هذا المشهد مثل تركيب الأجزاء الناقصة في لعبة الجمل المتقاطعة حتى يكتمل المعنى وتتضح الصورة. وفي خضم ذلك، حرصت الولايات المتحدة على الإبقاء على روحية أسلوبها القديم في محاربة القوى العظمى المنافسة لها ولم يختلف المضمون، بل اختلفت الأدوات التي تم تحديثها لتتوافق مع متطلبات العصر والقدرة على التأثير التي تحقق أكبر وأعلى فاعلية.
يرى إسكندر نور الدين أن الولايات المتحدة تسعى إلى محاصرة الصين وتطويقها بأزمات لا تنتهي. فتارة بإذكاء قلق الدول المجاورة تجاه نزاعات حدودية قديمة مع الصين، وتارة أخرى بالمناكفات والمناوشات العسكرية بين فرق البحرية الأمريكية والصينية المتواجدة في بحر الصين الجنوبي. ولا تكتفي بذلك برأيه، بل تنتقل إلى التدخل في نزاعات صينية تعتبرها الصين شؤوناً داخلية مثل قضية هونغ كونغ وتايوان وإقليم الشينجيان. الأمر الذي يجعل الصين تنظر للولايات المتحدة نظرة عداء وتهديد، وذلك يدفعها لأن تسلك كل الوسائل التي تضمن لها مواجهة هذا التهديد والخطر الأمريكي.
ورغم تلك النظرة الأمريكية للصين بأنها تشكل خطراً على المصالح الأمريكية، وبالتالي سعيها لتقويض قوة الصين وإضعافها، يرى بعض المراقبين أن الصين لا تشكل تهديداً حقيقياً على أمريكا. فهنا فريدمان يصور النظام في الصين بأنه يتكئ على ثلاثة محاور رئيسية: أولاً البيروقراطية التي تدير قطاعات شاسعة في البلاد، ثانياً قوة أمنية عسكرية لفرض إرادة الدولة والحزب الشيوعي، ثالثاً التعاليم والمبادئ الأيديولوجية للحزب الشيوعي والتي اختفت تقريباً. وبالرغم من أن الناس لازالوا يؤمنون بداخلهم بقيم مثل نكران الذات وخدمة الشعب، إلا أن هذه القيم قد عفى عليها الزمن في أيامنا هذه ولم تعد مطبقة بين الصينيين. وأصبح التمسك بالأيديولوجية هش إلى درجة أنه لو تعرضت البلاد لأزمة مالية فالحكومة المركزية قد يتعين عليها أن تجد أيديولوجية بديلة عن الشيوعية. هذا برأي فريدمان، عندما تضاف إليه العقلية الصينية المادية البحتة، سوف يمنع الصين من أن تصل إلى مستوى أن تحل محل أمريكا في قيادة العالم. لذلك، فمهما صعدت الصين، لن تكون مؤهلة لتحكم العالم برأي جورج فريدمان.
هذه النظرة تجاه الصين التي عبر عنها فريدمان يتناغم معها كثير من المفكرين وصناع القرار في أمريكا. ومع ذلك، تبقى الصين التهديد الأكبر في نظر الولايات المتحدة لأن فكرة أن تقاسمها دولة مثل الصين في صنع القرار العالمي هو أمر غير مقبول. في المقلب الآخر، تدرك الصين تماماً أن أمريكا ترى فيها تهديداً قادماً وأنها لن تسمح للصين بمجاراتها من حيث القوة، وأنها ستبذل كل قوتها لكبح وتقويض الصعود الصيني وإبقاؤه في حدود معينة تسمح لأمريكا بالاستفادة من الخدمات التي تقدمها الصين دون أن تتمكن الصين من فرض إرادتها على الجانب الأمريكي، فتكون أمريكا بذلك صاحبة الكلمة الفصل واليد العليا دائماً.
إن جزءاً من التنافس بين الصين وأمريكا هو على اقتسام قيادة العالم. فسعي الصين لخلق نظام عالمي متعدد الأقطاب تَجَسّد بسياستها التي سعت على الدوام لمحاربة التفرد الأمريكي في عملية صنع القرار العالمي. انطلاقاً من هذا الجانب، سعت الصين لتعزيز علاقاتها مع الدول كافة، والدول المعادية لأمريكا خاصة. فنجدها توقع شراكة اقتصادية إستراتيجية مع إيران، توازيها شراكة إستراتيجية مع روسيا، في سعي لخلق نوع من التحالف لدول ليست على توافق مع أمريكا، مما يخلق جبهة منافسة قادرة على التأثير في حال تكاتفت الجهود فيما بينها.
فيما يخص روسيا، فقد عززت الصين شراكتها الاقتصادية معها، حيث ارتفع حجم التجارة بينهما ليصل الى مستويات قياسية. هذا الارتفاع الكبير جداً زاد من حرص الصين على شراكتها التجارية مع روسيا. المفارقة هنا أن الصين تولي اهتماما كبيرا لروسيا من الجانب الاقتصادي بالرغم من أن الاقتصاد الروسي ليس من ضمن اقوى الاقتصاديات في العالم، إذ يحتل المركز ١١ بين الاقتصادات الكبرى مع ناتج محلي إجمالي يبلغ ١،٥ ترليون دولار حتى عام ٢٠٢٠، فيما تحتل الصين المركز الثاني عالمياً بعد أمريكا مع ناتج محلي تجاوز ١٥ ترليون دولار.
وبحسب بيانات الجمارك الصينية، بلغ حجم التبادل التجاري بين موسكو وبكين خلال عام ٢٠٢١ رقماً قياسياً، حيث وصل ١٤٦,٨٨٧ مليار دولار، بارتفاع بنسبة ٣٨,٨٪. وبلغ حجم الصادرات الصينية إلى روسيا ١٢,٦١٧ مليار دولار، بارتفاع سنوي بنسبة ٤١,٥٪. فيما بلغ حجم الصادرات الروسية للصين ١٣,٨١٣ مليار دولار، بارتفاع بنسبة ٣٥,٨٪.
إن حرص الصين الشديد على هذه الشراكة يكمن في احتياج الصين لمصادر الطاقة اللازمة لازدهار اقتصادها ولاستمرارية إنتاجها. فالصين أكبر مستورد للطاقة عالمياً بسبب عدم امتلاكها للكميات التي تحتاجها من الطاقة ما يجعل اقتصادها معتمداً بشكل أساسي على واردات الطاقة التي تأتيها من الخارج. وبينما هي أكبر مستورد للطاقة عالمياً، تمثل روسيا ثاني أكبر منتج للغاز الطبيعي بعد أمريكا بحصة إنتاجية تبلغ ٦٣٨ مليار متر مكعب. أما فيما يخص الاحتياطي الروسي من الغاز الطبيعي فبلغ ٤٨،٩ ترليون متر مكعب حتى عام ٢٠٢٠. وبذلك تكون روسيا في صدارة دول العالم من حيث امتلاكها للغاز الطبيعي. بذلك تشكل روسيا شريكاً مهماً للصين، والمحافظة على علاقات قوية مع روسيا يشكل مصلحة قومية عليا للصينيين.
ثانياً: الموقف الحقيقي للصين من النزاع الروسي-الأوكراني
إن قرارات الصين فيما يخص سياستها الخارجية مبنية على الاعتبارات التالية:
- عدم التدخل في شؤون ونزاعات الدول الأخرى.
- مراعاة الوضع الحالي القائم للنظام العالمي.
- مراعاة المنافسة بين القوى الكبرى.
في هذا الإطار، لم تؤيد الصين قرار روسيا بالاعتراف بالأقاليم التي انفصلت عن أوكرانيا، وفي نفس الوقت لم تدن ذلك، كما أنها لم تدن إرسال روسيا قواتها إلى أوكرانيا. كما رفضت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية وصف العمليات العسكرية الروسية بأنها غزو، بالإضافة الى رفضها إعطاء أي رد واضح على موقف الصين مما يحصل في أوكرانيا.
الصين لازالت تمسك العصا من المنتصف، وتلعب دور المراقب، وتتابع تطور الأحداث. فعلى الرغم أنها أقرب للجانب الروسي، إلا أنها لا تستطيع أن تصرح بدعمها له لأن ذلك سيؤدي إلى خسائر لا تريد الصين أن تتكبدها، لاسيما في الجانب الاقتصادي، لأن هذا يتعارض مع طموحاتها الاقتصادية التوسعية التي تتمثل بانتهاج سياسة الإصلاح والانفتاح. لذلك، ومع كل هذا التوتر في العلاقات بين الصين والولايات المتحدة، نرى أن التبادل التجاري بين البلدين وبين الصين وأوروبا لازال يسير في الاتجاه المخطط له صينياً
هذا يقودنا الى النظر في الوضع الاقتصادي بين الصين وأمريكا، حيث أن صادرات الصين لأمريكا وصلت ٤٥١،٨ مليار دولار عام ٢٠٢٠، في حين بلغت الصادرات الأمريكية للصين ١٣٤،٩١ مليار دولار، ما يظهر الفجوة في الميزان التجاري لصالح الصين. لذلك، لا تريد الصين أن تخسر السوق الأمريكي ولا تريد أن تخسر وارداتها من التكنولوجيا الأمريكية.
أما تجارة الصين مع الاتحاد الأوروبي، فبلغت ٥٨٦ مليار دولار أمريكي في عام ٢٠٢٠، مما جعلها الشريك التجاري الأول للاتحاد الأوروبي بصادرات صينية بلغت تقريباً ٤٢٣ مليار دولار أي ما يعادل ٣٨٣،٥ مليار يورو في مقابل صادرات أوروبية بقيمة تعادل ٢٠٢،٥ مليار يورو ٢٢٤ مليار دولار، أي أن الميزان التجاري يميل هنا أيضاً لصالح الصين.
وبسبب هذا التفوق التجاري، لا ترغب الصين بأن تغامر بعلاقاتها مع الجانب الأوروبي والجانب الأمريكي والوقوف بشكل صريح مع روسيا. وفي هذا الإطار، اتخذ أهم مصرفين في الصين موقفاً متناغماً مع قرار أمريكا وأوروبا عندما وضعت هذه المصارف قيوداً على تمويل شراء المواد الأولية من روسيا بعد فرض أمريكا العقوبات على روسيا إثر شنها الحرب على أوكرانيا. هذا الموقف يسلط الضوء على تعقيد السياسة الصينية الخارجية، وربما يزيد الموقف الصيني ضبابية.
بالإضافة الي ذلك، ترى الصين أن تشكيل حلف علني مع روسيا سيشجع خصوم الصين على الاقتراب من بعضهم وهذا سيعزز العلاقات الاقتصادية والعسكرية فيما بينهم وسيدفع الدول الأوروبية بشكل أكبر نحو الجانب الأمريكي وهو ما يتعارض مع التوجه الصيني لتشكيل نظام عالمي متعدد الأقطاب. بالإضافة الي ذلك، تخشي الصين من أن تقوم بعض الدول في محيطها الإقليمي، والتي لها علاقات متوترة مع الصين، بالاتجاه نحو الحلف الأمريكي، وهو ما تخشاه الصين التي لا تريد أن تعادي جيرانها لاسيما تلك التي على خلاف معها، فهي لا تريد خلق أزمات جديدة في محيطها.
عدا عن كل ذلك، تمتلك الصين علاقات قوية مع الطرف الأوكراني وتريد أن تحافظ عليها. فأوكرانيا تعتبر الدول المهمة للمشروع الصيني الاقتصادي الكبير المسمى الحزام والطريق. لذا، فالحفاظ على علاقات طيبة مع أوكرانيا أمر مهم للغاية بالنسبة للصين، وستسعى الصين للإبقاء على مسافة مناسبة من الجميع والاستمرار في الإمساك بالعصى من المنتصف كي تحافظ على مصالحها مع كافة الأطراف.
ثالثاً: جوانب القوة لدى الصين في مساعدة حليفتها روسيا
لفتت زيارة الرئيس الروسي للصين العالم في شباط/ فبراير ٢٠٢٢ أثناء افتتاح دورة الألعاب الأولمبية في بكين. إذ تمخض عن هذه الزيارة التصريح بالشعار التالي: "صداقة بلا حدود وبلا محاذير!".
أتى ذلك في خضم الاتفاق على استثمارات قادمة ودعم سياسي واقتصادي بين الدولتين، مع إظهار التناغم والتفاهم الكبير بينهما. ثم ما لبثت أن شنت روسيا الحرب على أوكرانيا في نهاية الشهر ذاته، ما جعل بعض الدول تظن أن الرئيس الروسي زار الصين ليحصل على موافقتها على غزو أوكرانيا وأنه فعلاً قد حصل على التأييد الصيني.
تبين لاحقاً موقف الصين الوسطي، الذي وصفته بعض الأطراف الغربية بالملتبس تجاه الأزمة، حيث امتنعت الصين عن التصويت على قرار يدين الغزو الروسي لأوكرانيا في كل من الجمعية العامة للأمم المتحدة وفي مجلس الأمن وأعلنت رغبتها وأمنيتها بحل النزاع بالوسائل السلمية. لكن في نفس الوقت، جاء تصريح وزير الخارجية الصيني وانغ يي من بين المواقف الصينية الداعمة لروسيا. حيث أكدت الصين على ضرورة التعامل بجدية مع المخاوف الروسية المتمثلة بتوسع حلف شمال الأطلسي ووصوله إلى حدودها رغم الضمانات الشفوية التي قدمتها أمريكا للروس على إثر انهيار الاتحاد السوفيتي في مطلع التسعينات من القرن الماضي بأن حلف الناتو لن يتوسع بالحد الذي يشكل تهديداً لروسيا.
وفيما يخص العقوبات التي فرضت على روسيا، بدى الرئيس الروسي غير مكترث كثيراً لذلك في بداية الأمر. ولم يأت هذا الموقف من دافع كبرياء روسي زائف، بل استند على الاتفاق مع الصين والذي سبق الغزو ببضعة أسابيع. هذا الاتفاق الروسي – الصيني يجعل الصين بمثابة منفذ اقتصادي وشريان حياة لروسيا، سواء من خلال تصدير الطاقة الروسية للصين التي تحتاج مصادر الطاقة بكميات هائلة، أم من خلال تصدير القمح والنفط وغيرها. إذ نص الاتفاق الأخير بين الطرفين على منع الاحتكار، وتغطية التجارة والاستثمار في كافة المجالات. وبذلك، فإن العقوبات الاقتصادية لن تؤثر بشكل جوهري على روسيا حسب تقديرات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين آنذاك.
إن الاتفاق الروسي-الصيني في شباط من العام ٢٠٢٢ قد نص على إبرام عقد لتوريد الغاز الروسي إلى الصين بما يعادل ١٠ مليار متر مكعب سنوياً من خلال خط أنابيب جديد تبلغ طاقته الاستيعابية ٥٠ مليار متر مكعب من الغاز سنوياً، هذا بالإضافة إلى صفقات تجاوزت الـ ١٥ اتفاقية في إطار شراكة إستراتيجية واسعة النطاق، والاتفاق على تسوية مبيعات الغاز بين الطرفين باليورو عوضاً عن الدولار الأمريكي. جاء تعزيز العلاقات الروسية-الصينية وتعميق التعاون الإستراتيجي بين الدولتين رداً على الظروف الدولية المتغيرة، والتي تخلق نوعاً من اللا مساواة في الحقوق وانتهاك العدالة تجاه الدول الأخرى. حيث ترى الدولتان أن هذا الاتفاق سوف يحمي مصالحهما الوطنية وسيادتهما على أراضيهما وسيضمن الأمن لكلا البلدين.
وقد أوضح المتحدث الرسمي باسم الرئاسة الروسية ديميتري بيسكوف أن الاتفاق تضمن نقاشاً مستفيضاً حول قضايا دولية متعددة من بينها الحوار الروسي مع كل من أمريكا وحلف شمال الأطلسي حول الضمانات الأمنية التي تطلبها روسيا. هذا التصريح يشير إلى احتمالية أن يكون الرئيس الروسي بوتين قد أطلع نظيره الصيني على عزمه شن الحرب على أوكرانيا، وأنه على الأرجح أخذ ضمانات من الصين بأنها ستدعم الموقف الروسي بشتى السبل الممكنة.
وبالعودة إلى جلسة مجلس الأمن، فقد كان للصين موقف داعم لروسيا في هذا الإطار. فأثناء انعقاد جلسة مجلس الأمن الدولي الطارئة للبحث في قيام روسيا بشن الحرب على أوكرانيا، انتقد مندوب الصين الدائم لدى الأمم المتحدة العقوبات أحادية الجانب التي تم فرضها على روسيا، وأكد على أن الصين تعتبرها غير مفيدة، بل رأى أنها ستؤدي إلى تفاقم الوضع لاسيما على الصعيد الإنساني. جاء هذا الموقف داعماً لروسيا في رفض تكبيلها بقيود العقوبات، وبالتالي تعبيراً ضمنياً عن دعم صيني للقيادة الروسية. تعزز ذلك التوجه عندما عبر المندوب الصيني لدى الأمم المتحدة عن رفضه لإرسال أسلحة إلى أوكرانيا واستقدام مقاتلين مرتزقة من الخارج للقتال ضد الجيش الروسي.
بالرغم من أن المندوب الصيني لدى الأمم المتحدة “تشانغ جيون” أطلق مواقف تصب بشكل صريح في صالح روسيا، إلا أنه ختم تصريحه بالعودة لإمساك العصى من المنتصف عندما أكد على ضرورة مواصلة التفاوض المباشر بين الطرفين والسعي بكل الوسائل لإيجاد حل سلمي. وجاء في أحد جوانب التصريح إبداء الرغبة الصينية في الانضمام إلى المجتمع الدولي ولعب دور لبناء الثقة بين طرفي النزاع، بالإضافة إلى حث الصين للدول الأوروبية وحلف شمال الأطلسي على إطلاق حوار متكافئ بينها وبين روسيا يأخذ بالاعتبار المخاوف الروسية ويعمل على طمأنتها. هذا يبين الرؤية الصينية التي تربط سبب اندلاع الحرب بالمخاوف الروسية وليس بسبب رغبة روسيا بالاعتداء على دول أخرى لأن لديها أطماعاً توسعية كما يقول الغرب، وهذا تبنٍّ لوجهة النظر الروسية التي أكدت مراراً وتكراراً على أن تحركها ناجم عن شعورها بالتهديد جراء استمرار حلف شمال الأطلسي بالتوسع شرقاً إلى أن اقترب من حدودها بشكل لم تعد روسيا قادرة على تحمله أو السكوت عنه.
رابعاً: أثر الغزو الروسي لأوكرانيا على السياسة الصينية
يمكن أن نصيغ النقطة الرابعة بالطريقة التالية: كيف استفادت الصين من الغزو الروسي لأوكرانيا؟
إن الموقف الصيني الروسي أقرب الى تحالف غير معلن ضد الغرب. وعلى الرغم من ذلك، فإن للصين مصلحة في انشغال أمريكا بالأزمة الروسية-الأوكرانية وإبعاد أمريكا عن الاهتمام بالشؤون الصينية التي لطالما كانت مادة للخلاف بين الطرفين.
فالصين التي تسعى لأن تكون دولة متقدمة بمستوى الدول المتوسطة التقدم بحلول عام ٢٠٣٥، وقوة عظمى توازي قوة أمريكا بحلول عام ٢٠٥٠، تنظر إلى الولايات المتحدة الأمريكية على أنها الغريم الأكبر لها. وبالتالي، إن كل ما يشتت انتباه أمريكا عن الصين مرحب به من قبل الصينيين.
إن الشراكة الإستراتيجية بين أمريكا والصين التي سادت بعد انتهاء الحرب الباردة بدأت تنحو تدريجياً نحو تنافس إستراتيجي منذ أن بدأت الصين برفع إنفاقها العسكري، وكان ذلك تحديداً بعد الأزمة المالية العالمية بين عام ٢٠٠٧ و٢٠٠٩. جاء ذلك التنافس بعد أن ثبت لأمريكا أن سياستها السابقة لاحتواء الصعود الصين لم تكن ناجحة. وقد تعدت العلاقة ذلك التنافس إلى مناوشات من حين لآخر بين الدولتين لاسيما في السنوات الأخيرة. وينبع التنافس الإستراتيجي من قلق أمريكا من أن تهدد الصين النظام الدولي القائم حالياً والذي تتفرد فيه أمريكا بقيادة العالم. فالصين بسياستها الحالية تسعى لخلق نظام عالمي متعدد الأقطاب، الأمر الذي سيجعل منها ومن روسيا قوتين مؤثرتين في القرار الدولي، وهذا حتماً ما تجهد أمريكا لمنع حدوثه والتصدي له.
من بين الذرائع التي تستخدمها أمريكا لمحاربة الصين دعم القيم والمعايير الغربية التي تتبناها أمريكا وتفتقر إليها الصين، والتي تمثل قيماً ومبادئ أساسية بالنسبة للعالم المتحضر. وفي سبيل ذلك، سعت أمريكا على الدوام لحشد التحالفات ضد الصين، وذلك للعمل على استعادة التوازن الإستراتيجي لها في غرب آسيا والتضييق على الصين في إقليمها ومحيطها وتحالفاتها.
وقد استغلت أمريكا الحرب الروسية الأوكرانية للتجييش ضد الصين، فاستخدمت قضية تايوان لزعزعة حالة الهدوء القائمة بين الصين والدول المحيطة وحلفاء تايوان، زاعمةً أن الصين ستحذو حذو روسيا فيما يخص ضم جزيرة تايوان إلى البر الصيني في حال حققت روسيا أهدافها من الحرب على أوكرانيا التي تراها أميركا حرباً توسعية، وتراها روسيا حرباً دفاعية. وقد كانت أمريكا على الدوام تلوح بوقوفها مع تايوان وتستخدم هذه الورقة لمواجهة النفوذ الصيني.
إن تأكيد روسيا دعمها للسيادة الصينية على تايوان الذي جاء على إثر تأييد الصين لعدم ضم أوكرانيا لحلف شمال الأطلسي أثناء زيارة الرئيس الروسي للصين في شباط ٢٠٢٢، جاء بمثابة الذريعة التي استخدمتها واشنطن للربط بين قضية تايوان بالنسبة للصين وقضية أوكرانيا بالنسبة لروسيا، رغم أن القضيتين مختلفتين ولا تشابه فعلي بينهما. فروسيا تعترف باستقلال أوكرانيا عنها وخوفها ينبع من ميل النظام الحاكم في أوكرانيا نحو الغرب. في المقابل، الصين لا تعترف باستقلال تايوان وتعتبرها جزءاً من الأراضي الصينية وتسعى لاستعادتها.
وعلى عكس ما تروج له أمريكا من أن الصين ستغزو تايوان إذا نجح الغزو الروسي لأوكرانيا، فالمؤشرات تدل على أن ذلك غير صحيح. يكمن السبب بداية بأن الصين لا تعترف بأن تايوان مستقلة عنها أساساً، على عكس الحال في أوكرانيا، وهي تعلم أن استعادة تايوان مسألة وقت فقط وقضية تايوان من القضايا التي لا يمكن للصين أن تبحث فيها أو تساوم عليها. هذا بالإضافة الى إدراك الصين لأهمية تايوان من الناحية الاقتصادية بالنسبة لأمريكا. فالصين تعلم أن أمريكا لن تسمح بعودة تايوان للصين ببساطة أو من خلال غزو عسكري. لذا، فالغزو العسكري غير مطروح في المرحلة الحالية بالرغم من أن الصين قد أعلنت في السابق أنها مستعدة لاستخدام القوة العسكرية في تايوان إذا لزم الأمر. أي أنها لا تستبعد هذا الخيار في سبيل استعادة تايوان، ولكنها ستطرحه في الوقت المناسب، وهي تظن أن هذا الوقت لم يحن بعد.
أما فيما يخص الفائدة التي ستجنيها الصين من الحرب الروسية-الأوكرانية، فإن مجرد وقوف الصين على مسافة مناسبة ومحسوبة بدقة من كافة الأطراف سيشكل فائدة كبيرة ونصراً لها. فلو تطورات الأزمة ودخلت دول أوروبية أخرى الحرب، ستكون أمريكا مضطرة للدخول في الحرب وهذا سيشغلها عن الصين لاسيما في المحيطين الهندي والهادئ، ما سيعزز قوة الصين في هذه المنطقة.
ومن الناحية الاقتصادية، كلما ساءت العلاقة بين روسيا والغرب كلما زاد اعتماد روسيا على الصين وهذا سيصب في صالح الاقتصاد الصيني الذي يعتمد بشكل كبير على واردات الطاقة. وهنا ستحصل الصين على أسعار تفضيلية، وفي نفس الوقت تضمن وجود حليف قوي عسكرياً تستطيع أن تعقد معه تحالفات أمنية توازي التحالف الأمني بين أمريكا وبريطانيا وأستراليا الذي قام أساساً لمواجهة الصين ونفوذها. في هذه الحالة تكون الصين قد ضمنت تأثيرها على روسيا وتكون قد امتلكت القدرة على منع روسيا من بيع أسلحة متطورة لدول إقليمية مجاورة للصين مثل الهند وفيتنام.
وبالنظر إلى ما سبق، نلاحظ أن مكاسب الصين من الحرب الروسية الأوكرانية تتجاوز قضية استعادة تايوان، حيث يأتي – برأي الباحثة – هذا الادعاء الأمريكي في خانة تجييش الرأي العام في الأقاليم الصينية التي تتمتع بحكم ذاتي والراغبة بالانفصال لاسيما إقليم الشينجان وهونغ كونغ، بالإضافة إلى تايوان التي تخشى من أن تستعيدها الصين منطلقة من مبدأ الصين الواحدة. ويأتي ذلك التجييش الأمريكي للضغط على الصين ومحاربتها من خلال هذه الورقة، وبالتالي دفعها لتغيير موقفها من الأزمة ومن تحالفها مع روسيا، مما سيؤدي إلى تقويض روسيا من خلال ضرب تحالفها مع الحليف الأكبر والأهم المتمثل بالصين.
في المقلب الآخر، ظهر تصريح تايواني على لسان وزير خارجية تايوان يؤكد بأن قتال القوات الأوكرانية ضد الجيش الروسي قد ألهم شعب جزيرة تايوان، مما دفع الحكومة التايوانية لتقديم ملايين الدولارات من باب المساعدة والدعم للاجئين الأوكرانيين. وبالرغم من ذلك الانحياز للطرف الأوكراني، اعترفت تايوان أن وضعها مختلف عن أوكرانيا من حيث الحاجز الطبيعي الذي يفصلها عن الصين والمتمثل بمضيق تايوان، بالإضافة إلى أهمية الدور الذي تلعبه تايوان في صناعة وتوريد أشباه الموصلات، الأمر الذي يجعل شن هجوم صيني عليها مستبعداً لاسيما في المدى المنظور على عكس الحال بين روسيا وأوكرانيا. إن المصالح الدولية، لاسيما الأمريكية، تقتضي الدفاع عن تايوان بشكل مباشر لحمايتها ومنع سيطرة الصين عليها، بينما ليس لدى الغرب مصالح كبرى في أوكرانيا حتى تتدخل بشكل مباشر لحمايتها. يأتي هذا التصريح التايواني، لو جاز التعبير، من مبدأ “شهد شاهد من أهله”، للتأكيد على أن الوضع في تايوان مختلف عنه في أوكرانيا، مما يحبط المزاعم الأمريكية التي ربطت بين انتصار روسيا في حربها ضد أوكرانيا وتحركات صينية مزعومة نحو غزو تايوان تيمناً بالانتصار الروسي.
التوصيات والاستنتاجات
إن التقارب الروسي-الصيني أساسي وجوهري لكلا البلدين بسبب العداء الذي يواجهانه من المنظومة الغربية عموماً، وأمريكا خصوصاً. وعلى الرغم من أهمية أوكرانيا بالنسبة للصين كشريك اقتصادي لكون أوكرانيا واقعة ضمن نطاق مشروع “الحزام والطريق”، إلا أن كونها حليف للغرب يحدد مكانتها لدى الصين بجزئية الاقتصاد بشكل أساسي. لذا، فالصين ستسعى دائماً لعدم الظهور بصورة منحازة لطرف ضد. وقد نستشهد بهذه الطريقة الصينية المعقدة في إدارة الأمور من خلال فهم دوافع الصين من قيام أهم مصرفين صينيين (بنك الصين وبنك آي سي بي سي) بفرض قيود على تمويل شراء المواد الأولية من روسيا.
بالرغم من أن الصين ترفض فرض عقوبات على روسيا، إلا أن أهم مصرفين فيها التزما بالعقوبات التي فرضتها أمريكا! هذا يمثل نموذجاً للعقلية الصينية التي تسعى لأن تستفيد من كافة الظروف وكافة الأطراف لأقصى درجة ممكنة دون أن تضطر لدفع أثمان مقابل مواقف سياسية بذاتها. فالصين لن تضع نفسها في مواجهة مع أمريكا والغرب لأجل روسيا أو غيرها طالما لم تمس هذه المواجهة الأمن القومي الصيني الذي تحدده الصين بعدة نقاط أساسية أهمها مبدأ صين واحدة، والنفوذ في بحر الصين الجنوبي والشرقي، وحماية مشروعها الكبير "الحزام والطريق".
يمكن للغرب وأمريكا أن يستغلوا قدرة الصين على الموازنة بين الأمور بدقة متناهية والمتمثل باحترام الصين للعقوبات الدولية على روسيا وفي نفس الوقت الاحتفاظ بالعلاقات القوية بين الصين وروسيا، فيستعينون بالصين للعب دور هام في حل النزاع الروسي-الأوكراني من ناحية، والروسي مع حلف الناتو من ناحية أخرى. فرغبة الصين في صنع مكانة دولية لها سوف تجعلها تُقّبِل على لعب دور الوسيط بكل حماسة لأن نجاحها في هذا الدور سيظهرها على أنها قوة دولية فاعلة في حل النزاعات، وهو ما تسعى إليه الصين في سياستها الخارجية مؤخراً، لاسيما أن تاريخها موصوم بالحياد وعدم لعب أدوار في حل النزاعات الدولية. هذه فرصة ثمينة لن تضيعها الصين في حال سعت أمريكا والغرب للصين كوسيط لحل الأزمة. ولكنني أظن أن أمريكا ليست معنية بحل النزاع قبل إضعاف روسيا في هذه المرحلة وهو الغاية التي تسعى أمريكا للوصول إليها. لذا، فإن منح الصين دوراً أكبر لحل النزاع يبدو مستبعًدا في هذه المرحلة.
في النهاية، لا أحد في هذه المرحلة يستطيع التنبؤ بما ستؤول إليه الأوضاع في هذا النزاع. إلا أن ما تحقق حتى الآن من إنجاز عسكري على الأرض كاف لبدء مفاوضات جدية يبن الطرفين. وبالنظر الى الجانب الإنساني بعيداً عن معايير الربح والخسارة، فإن استمرار العمليات العسكرية ليس سوى استمرار للخسائر لكلا الجانبين، لا سيما من الجانب البشري. وكلما دفعت الشعوب ثمناً بشرياً للحروب، كلما تعمقت الفجوة بين الأمم المتحاربة وأصبح ردم الهوة أصعب. لذا، فإن الجلوس على طاولة التفاوض وتكريس الدول الصديقة والحليفة جهودها لتقريب وجهات النظر بات واجباً وإلزامياً في هذه المرحلة.