• اخر تحديث : 2024-05-15 19:58
news-details
قراءات

ناتو شرق أوسطي: تمخض ولادة تحالف عربي - إسرائيلي


في اجتماعه الوداعي الأخير مع وزراء حكومته، أعلن نفتالي بينت أن الأيام القريبة القادمة ستحمل بشريات وأخبارًا جيدة للإسرائيليين، ولم يكن من الصعب معرفة ما الذي يقصده من تلميحه، فأخبار إسرائيل الداخلية لا تحمل أيّ جديد جيد، من الأسعار إلى الصحة إلى الانشقاق الداخلي، وليس له علاقة بالأسرى، فالموقف الإسرائيلي معروف بتعنته وتجاهله المنهجي لقضية الأسرى، كما ليس له علاقة بتصدير الغاز إلى أوروبا، فهذا أمر يحتاج إلى الكثير من الإجراءات والتجهيزات وسيستغرق وقتًا طويلًا نسبيًا. 

الأمر الوحيد الذي نعتقد بأنه المقصود هو تقدم العلاقات مع السعودية، والتي سيرتبط الإعلان عنها بزيارة الرئيس الأمريكي إلى المنطقة، بدءًا من 13 يوليو الجاري، والتي سيزور فيها إسرائيل وأراضي السلطة ثم سيقلع إلى السعودية لإجراء محادثات تتعلق بالعلاقات الثنائية، بما في ذلك إعادة الدفء لعلاقة ادارة بايدن بالرياض، في ظل توتر العلاقة على خلفية مقتل خاشقجي وتعهد بايدن بجعل السعودية دولة منبوذة؛ طبعًا مقابل ما حصل عليه من قبول سعودي بزيادة ضخ النفط إلى الأسواق العالمية، للمساعدة في الحد من غلاء الأسعار، الناتج عن الحرب الروسية على أوكرانيا. 

ولي العهد محمد بن سلمان يطمح لالتقاط صورة منفردة له مع بايدن، وهو مستعد مقابل ذلك لأن يظهر سخاءً قياسيًا، وستتوج زيارة بايدن للرياض بلقاء يجمعه مع معظم رؤساء المشرق العربي، وسيركز اللقاء على بناء قوة دفاعية إقليمية، للتصدي لما يسمى بالخطر الإيراني.

لكن جولة بايدن التي يرغب في أن يطلق عليها "جولة النصر" تستهدف مثلما صرح عقب الإعلان عن الزيارة، تحقيق المزيد من الأمن للمنطقة ولإسرائيل، وأمن إسرائيل ومركزيتها في المنطقة هي - مع موضع النفط - جوهر أهداف الزيارة، وتعزيز أمن إسرائيل ينطوي على هدف أمريكي داخلي بالنسبة لبايدن، لتعويض محبي إسرائيل من الحزبيْن عن خرق وعده بمقاطعة محمد بن سلمان ونبذ السعودية.

لذلك، فإن الزيارة تتطلع لاستكمال تطبيق وتوسيع "اتفاقيات ابراهام" التطبيعية، تلك الاتفاقية التي وقعت في عهد ترامب عام 2018، حيث يتضح أنها لم تكن مجرد حبر على ورق أو مجرد طقوس احتفالية بلا مفاعيل حقيقية على الأرض؛ بل توجت واقعًا بُني في السر على مدار سنوات طويلة، وأسست بقوة لحاضر جديد يؤسس لبناء إقليمي ما كان لأحد أن يتصوره قبل عشر سنوات، ففي خطوات متلاحقة ومتسارعة مليئة بالكثير من الأحداث من علاقات وزيارات وقمم واقتصاد وسايبر ومفاهيم سياسية نكاد لا نستطيع رصدها من تسارعها، وكأن ثمة خارطة طريق سرية للتطبيع متفقًا عليها، وعلى كل مرحلة من مراحلها وعلى أدوار اللاعبين، وعلى مستوياتها من غزو ثقافي للشبكات الاجتماعية والإعلام عمومًا إلى التجارة وإلى اختراق الغاز الإسرائيلي لشركات الطاقة العربية، فلا شيء يسير بشكل عشوائي أو بالصدفة، ومن يتردد أو يتحفظ أو يشعر بالحرج يتم الضغط عليه وحصاره وإغراقه، والمصيبة أن خارطة طريق التطبيع والتعاون الأمني مع إسرائيل حلّت محل خارطة طريق التسوية، وأصبح الفلسطينيون رسميًا بلا حول ولا قوة على مستوى التضامن الرسمي العربي.

استعادة السعودية لجزيرتيْ تيران وصنافير من مصر شكّلت مدخلًا مهمًا و"شرعيًا" للمملكة السعودية لتتقدم خطوة مُهمة من إسرائيل، حيث تشترط اتفاقية "كامب ديفيد" ان مستقبل الجزيرتيْن يتم تحديده بموافقة إسرائيل، وفي الزيارة المرتقبة لبايدن سيتم توقيع السعودية على اتفاق مع إسرائيل يسمح لها بالسيادة على الجزيرتيْن مقابل فتح سمائها للطائرات الإسرائيلية المتجهة باتجاه الشرق وإقلاع طائرات من مطار بن غوريون تحمل الحجاج إلى المملكة.

قطار التطبيع الرسمي العلني الذي أطلقت صافرته "اتفاقيات ابراهام" استوجب تعديلات على مكانة إسرائيل وعلاقتها بالجيش الأمريكي، فقبل الاتفاقيات كانت تتبع للقيادة الأمريكية في أوروبا، وكانت إسرائيل تشكو من أن القيادة الأمريكية في أوروبا ليست على اطلاع بتحديات المنطقة واستجابتها للمطالب الإسرائيلية محدودة؛ بعد الاتفاقية كان لابدّ من نقل علاقة الجيش الإسرائيلي بالقيادة المركزية للجيش الأمريكي الموجودة في الخليج العربي في البحرين وقطر، وهو أمر مهم للمساعدة في بناء علاقات أمنية عربية - إسرائيلية، بتنسيق واشراف قيادة الجيش الأمريكي في الخليج.

"اتفاقيات ابراهام" أنتجت لاحقًا "قمة النقب" التي عقدت في مارس الماضي، وأعلنت تشكيل ما سُمّي بمنتدى النقب الذي عقد دورته الأولى في البحرين في 27 من يونيو المنصرم، وقال بيان للجنة أن الاجتماع أظهر "الفرص المهمة التي أتاحها تحسين العلاقات بين إسرائيل وجيرانها". ومن الملفت للنظر أنه في الوقت الذي عُقدت بهِ "قمة النقب" بحضور وزراء خارجية دول التطبيع، عُقد في الوقت نفسه لقاء للقيادات العسكرية العربية مع رئيس الأركان الإسرائيلي في شرم الشيح، في مارس الماضي، وهو الخبر الذي نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال".

جمع لقاء شرم الشيخ - بحسب الصحيفة - بين أفيف كوخافي، رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، واللواء فياض بن حامد الرويلي، رئيس أركان القوات المسلحة السعودية، وشارك الفريق الركن سالم بن حمد النابت الذي يقود القوات المسلحة القطرية، وكذلك كبار القادة من الأردن ومصر، حيث أرسلت البحرين (التي نادرًا ما يسافر قائدها العسكري)، والإمارات العربية المتحدة، ضباطًا أقل رتبة. وتم خلال الاجتماع وضع العديد من اللبنات الأساسية لنظام دفاع جوي إقليمي محتمل، واتفق على إنشاء نظام تحذير وإنذار للتهديدات الصاروخية.

الملك عبد الله، ملك الأردن، أعلن قبل أيام أثناء زيارته لأمريكا أنه سيكون من أوائل المشجعين لإنشاء ناتو، والملك ليس ساذجًا وهو يدرك أن إنشاء أيّ تحالف عسكري بين دول المنطقة لابدّ له أن يحدد تحديات وأهداف مشتركة، ولابدّ أن تكون مظلته أمريكية - إسرائيلية، لا سيما في ظل حالة التطبيع وتماهي الأهداف والسياسات، وتحول إيران لعدو مشترك لأنظمة دول التطبيع وإسرائيل.

ناتو عربي - إسرائيلي هو هدف، ومرحلة لابدّ يخطط قادة التطبيع للوصول إليها، لكنه أمر لا زال مبكرًا، لأنه بحاجه لإعداد وخطوات حقيقية تسبقه، في مقدمتها علاقات سعودية - إسرائيلية رسمية. لا زال حلم الناتو في مرحلة المخاض، وولادته ليست أمرًا مُسلّما بهِ، فما يُبنى بين زعماء التطبيع على مدار سنيين قد تسحقه عاصفة الشعوب في لحظة من لحظات التاريخ. مع ذلك، فخطورة ما تقوم بهِ المملكة السعودية، حتى وإن كان بجرعات تطبيعية علنية محدودة، له تأثير كبير ومدوٍ في العالم الإسلامي ودول آسيا وافريقيا، فتطبيع السعودية يبعث برسائل تطبيعية مشجعة للآخرين.