احتضنت العاصمة النيجيرية، أبوجا، اجتماعاً ثلاثياً، في 20 و21 يونيو 2022، بين وزراء الطاقة في الجزائر والنيجر ونيجيريا، لبحث مشروع خط الغاز العابر للصحراء الكبرى، فقد أعلن وزير الطاقة الجزائري، محمد عرقاب، أنه تم وضع اللبنات الأولى للمشروع، الذي يعود لأكثر من 15 عاماً، حيث تم تشكيل فريق فني وتكليفه بإعداد دراسة الجدوى، كما تم الاتفاق على عقد اجتماع آخر في الجزائر بين الوزراء الثلاثة قبل نهاية يوليو الجاري.
إحياء مشروع قديم:
تسعى الدول المصدرة للنفط والغاز للاستفادة من الطلب المتزايد على الطاقة، بالتزامن مع الارتفاع الهائل في أسعارها بسبب الحرب الروسية – الأوكرانية. وفي هذا السياق، شهدت الفترة الأخيرة تحركات جزائرية مكثفة لإعادة إحياء مشروع خط الغاز الذي يربطها بنيجيريا، والذي ينتهي بنقل الغاز إلى السوق الأوروبية، وهو ما يمكن عرضه على النحو التالي:
1. اجتماع ثلاثي في أبوجا: ترأس وزير الدولة للموارد البترولية النيجيري، تيميبري سيلفا، اجتماعاً ثلاثياً استضافته أبوجا، حضره وزير الطاقة الجزائري، محمد عرقاب، ووزير البترول والطاقة النيجري، ماهاماني ساني محمدو، تم خلاله بحث آليات تنفيذ مشروع خط الغاز العابر للصحراء الكبرى، وذلك تماشياً مع "إعلان نيامي" الذي وقعته الدول الثلاث في فبراير الماضي، والذي أنطوى على ضرورة تشكيل فريق مشترك يقوم بتقديم دراسة جدوى للمشروع.
2. مشروع قديم: تعود بداية الحديث عن مشروع خط الغاز بين الجزائر ونيجيريا إلى أكثر من 40 عاماً ماضية، وتحديداً في الثمانينيات، قبل أن توقع شركة النفط الجزائرية سوناطراك أول مذكرة تفاهم للمشروع (MoU) مع شركة النفط النيجيرية في عام 2002، ولكن تعطل المشروع لعدة أسباب، منها تأخر نيجيريا في تمرير قانون قطاع النفط الجديد، والذي تم تمريره مؤخراً، فضلاً عن انخفاض مستويات الطلب في ذلك الوقت.
وفي عام 2009 تم توقيع اتفاقية بين الجزائر ونيجيريا انضمت لها النيجر، بيد أن المشروع تعثر منذ ذلك الوقت، ليعاد طرحه مرة أخرة في يوليو عام 2016، خلال القمة السابعة والعشرين للاتحاد الأفريقي، من خلال نيجيريا التي أعادت فتح الملف مرة أخرى، ثم عادت الدول الثلاث للمباحثات مرة أخرى في سبتمبر 2021، حيث أعلن وزير الطاقة النيجيري أن بلاده تستعد للبدء في مشروع الغاز العابر للصحراء، بعدما انتهت الدراسات التقنية وتحديد منطقة العبور، قبل أن تعلن الدول الثلاث في فبراير الماضي، الاتفاق على احياء المشروع القديم من خلال خريطة طريق تم التوافق عليها في نيامي، وتم تقدير تكلفة المشروع بحوالي 13 مليار دولار.
3. سياق دولي وإقليمي مضطرب: تأتي هذه التحركات الجزائرية في إطار التصاعد المضطرد في مستويات الطلب على الطاقة مقابل تراجع مستويات العرض، بالتوازي مع الارتفاع الحاد في الأسعار، مع تحركات غربية مكثفة لمحاولة توفير بدائل متنوعة للنفط والغاز بعيداً عن روسيا.
وعلى المستوى الإقليمي، تشهد المنطقة المغاربية تصاعداً حاداً في وتيرة التنافس بين المغرب والجزائر على الحضور ومناطق النفوذ في القارة الأفريقية، فضلاً عن مساعي كل طرف لتشكيل تحالفات إقليمية داعمة له.
تداعيات ممتدة:
عكست التحركات الجزائرية الراهنة لإحياء خط الغاز مع نيجيريا في هذا التوقيت العديد من الدلالات المهمة، والتي يمكن عرضها على النحو التالي:
1. تصاعد التنافس الجزائري – المغربي: جاءت التحركات الجزائرية لإحياء مشروع خط الغاز عبر الصحراء بالتوازي مع جهود المغرب لإنشاء خط غاز مع نيجيريا "جي أم إي" (GME)، في خطوة اعتبرتها الجزائر أنها تعكس مساعي الرباط لإجهاض مشروعها القديم، فقد تم الترتيب للاجتماع الثلاثي الأخير في أبوجا بعد أيام من مصادقة البرلمان النيجيري على دخول شركة البترول الوطنية النيجيرية في اتفاقية مع المنظمة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "إيكواس" لدعم خط الغاز الذي يربط أبوجا والرباط.
وبدأت المغرب طرح مشروعها البديل مع نيجيريا منذ ديسمبر 2016، مع زيارة ملك المغرب إلى أبوجا، حيث تم إطلاق مشروع ربط إقليمي، يتمثل في خط انابيب غاز يبدأ من نيجيريا إلى المغرب مروراً بنحو 11 دولة في غرب أفريقيا، بطول يبلغ نحو 5660 كيلومتراً، وصولاً إلى إسبانيا وأوروبا، حيث من المفترض أن يتيح نقل حوالي 40 مليار متر مكعب سنوياً من الغاز، وتم الاتفاق على إطلاق دراسة الجدوى في 2017، قبل أن يتم توقيع الاتفاق بين البلدين بشأن هذا المشروع في يونيو 2018، خلال الزيارة التي قام بها الرئيس النيجيري، محمد بخاري، إلى الرباط.
وفي ظل قطع العلاقات الدبلوماسية بين الجزائر والرباط، ووقف العمل بخط الغاز الذي يمر عبر الأراضي المغربية نحو إسبانيا، والذي كان يوفر للمغرب احتياجاتها من الغاز، تزايد اهتمام الدولتين بالمشروع النيجيري، ليمثل أحد محددات التنافس الراهن بينهما، وهو ما انعكس على تصريحات وزير الطاقة الجزائري، والذي ألمح إلى أن مشروع الخط المغربي يواجه تحديات أمنية ومالية، على العكس من الخط الجزائري الذي تم بالفعل إنشاء البنية التحتية اللازمة له، مشيراً إلى أنه يمكن الانتهاء منه خلال ثلاث سنوات فقط.
وعلى الجانب الآخر، أشارت المغرب بشكل غير رسمي إلى التهديدات الأمنية، التي تواجه الخط الجزائري نظراً لمروره بمنطقة دلتا النيجر، بالإضافة إلى توجيه انتقادات ترتبط بعلاقة الجزائر القوية بروسيا، خاصةً بعد الخلافات الأخيرة بين الجزائر وإسبانيا، والتي اعتبرتها بعض التقديرات تعكس بعض ملامح الاستخدام الجزائري ملف الغاز لخدمة أهداف سياسية.
2. استهداف السوق الأوروبية: من المفترض أن يمتد خط الغاز العابر للصحراء الكبرى، وفقاً للمشروع المقترح، من "واري" بنيجيريا، مروراً بـ "حاسي الرمل" بالنيجر، وصولاً للجزائر وأوروبا، وذلك بقدرة تصل لنحو 30 مليار متر مكعب سنوياً، حيث يبلغ طول هذا الخط نحو 4128 كيلومتراً، منها حوالي 2310 كيلومترات داخل الأراضي الجزائرية.
وفي هذا السياق، وجهت الجزائر رسائل طمأنة للقوى الأوروبية بشأن إمدادات الغاز، حيث ألمح وزير الطاقة الجزائري، محمد عرقاب، في أعقاب زيارته الأخيرة إلى نيجيريا، بأن بلاده لديها مخزون هائل من الغاز لتزويد السوق الأوروبية، بما في ذلك ألمانيا، مشيراً إلى أن الأزمة الراهنة بين الجزائر وإسبانيا لن تؤثر على إمدادات الأولى لأوروبا، لكنه لوّح إلى أن ذلك لا يعني استبعاد مراجعة أسعار الغاز الموردة إلى مدريد.
3. غموض الموقف النيجيري: لايزال موقف نيجيريا بشأن اختيار أحد المشروعين، الجزائري، أو المغربي، غير واضح. وتشير بعض التقديرات إلى أن أبوجا قد تمضي قدماً في المشروعين الجزائري والمغربي في ظل التطلعات النيجيرية للولوج إلى السوق الأوروبية واستثمار الفرصة الراهنة التي تمخضت عن الحرب الروسية – الأوكرانية.
وحافظت أبوجا خلال الفترة الماضية على التوزان في علاقتها مع المغرب والجزائر، وتبني استراتيجية الترقب لحين معرفة أي من الخطين سيحقق تقدماً حقيقياً، بالتالي أبدت نيجيريا موافقتها المبدئية على المشروعين، منتظرة اتخاذ خطوات فعلية بعد الانتهاء من دراسة الجدوى.
4. تعزيز موثوقية الطاقة الأفريقية: باتت القارة الأفريقية تحظى باهتمام دولي كبير في ظل أزمة الطاقة العالمية الراهنة، وهو ما يصب في اتجاه تعزيز الموثوقية الدولية في الطاقة الأفريقية، والاتجاه لمزيد من الاستثمارات في البنية التحتية في القارة، وهو ما سيزيد معدلات الاعتماد على النفط والغاز الأفريقيين خلال السنوات المقبلة.
وعلى الرغم مما قد يعنيه ذلك من احتمالية انخراط دولي أوسع لمحاولة وضع مقاربة جديدة تخفف من حدة التهديدات الأمنية المتفاقمة في أفريقيا، لتوفير مستويات أعلى من الأمان على إمدادات الطاقة، بيد أن هذا الأمر ربما تتمخض عنه مؤشرات سلبية تتعلق بتصاعد وتيرة التنافس الدولي والإقليمي في القارة الأفريقية، ما قد يفرز نتائج عكسية على الأوضاع الأمنية هناك.
تحديات تمويلية وأمنية:
هناك عقبات تواجه المشروعين الجزائري والمغربي، وذلك على النحو التالي:
1. مدى توافر التمويل اللازم: عانت الجزائر ونيجيريا أزمات اقتصادية خلال السنوات الماضية، وهو ما يجعل هناك عقبات محتملة أمام هذا المشروع، ما لم يتم توفير تمويل خارجي، خاصةً أنه على الجانب الآخر، هناك عدة جهات خارجية أبدت استعدادها للمشاركة في تمويل خط غاز نيجيريا – المغرب، بما في ذلك روسيا. كما أعلن وزير الدولة للموارد البترولية النيجيري، تيميبري سيلفا، مطلع يونيو الجاري أن بلاده اتفقت مع المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "إيكواس" لبناء خط الغاز نيجيريا – المغرب.
ويضاف لذلك مشاركة صندوق أوبك للتنمية الدولية في تمويل جزء من المشروع، بقيمة بلغت حوالي 14.3 مليون دولار، وكذا مشاركة البنك الإسلامي للتنمية في جزء من هذه الدراسة. وعلى الرغم مما سبق، فإنه يجب الأخذ في الاعتبار التكلفة الكبيرة لهذا المشروع، والتي تبلغ نحو 25 مليار دولار، ما يعني وجود تحديات مالية أمام هذا المشروع أيضاً.
2. الأعباء الأمنية المرتفعة: يمر خط نيجيريا – المغرب بـإحدى عشرة دولة في غرب أفريقيا، وتعاني هذه المنطقة هشاشة أمنية وتصاعداً في وتيرة النشاط الإرهابي، الأمر الذي يجعل خط نيجيريا – الجزائر أقل خطورة، لكن ذلك لا يعني انعدام التهديدات الأمنية، في ظل مرور هذا الخط على منطقة دلتا النيجر، التي تشهد اضطرابات أمنية متفاقمة، وبالتالي فثمة تحديات أمنية تواجه الخطين بسبب الطبيعة غير المستقرة في غرب أفريقيا، لكن هذه التهديدات ربما تكون أكبر في حالة الخط المغربي لاعتبارات مروره بدول أكثر.
وفي الختام، على الرغم مما يعكسه المشروعان، الجزائري والمغربي، من استمرار التنافس بين البلدين، فإن هناك منظوراً مغايراً بالنسبة لأبوجا، والتي تسعى في المقام الأول إلى تعزيز وصولها للأسواق الأوروبية، ولا يهمها كثيراً فكرة المنافسة بين الجزائر والمغرب، بل على العكس ربما تتم الاستفادة من هذه الوضعية من أجل دفع الدولتين للمضي قدماً في المشروعين معاً بشكل تكاملي، الأمر الذي يخدم في النهاية مصلحة أبوجا، ناهيك عما تمثله هذه الخطوة من خدمة للمصالح الأوروبية التي ستدعم كثيراً هذا التوجه.