• اخر تحديث : 2024-11-15 12:27
news-details
تقدير موقف

خارطة الواقع الجنوبي ما بعد تشكيل المجلس الرئاسي


تشهد المحافظات الجنوبية في اليمن تطورات متسارعة سياسية وعسكرية وأمنية، خصوصاً بعد تشكيل المجلس الرئاسي، مطلع نيسان/إبريل الماضي، التطورات التي تبدو في مجملها ناتجة عن الخطوات المرتجلة لإشهار المجلس الرئاسي، والتي أدت إلى تعميق الخلاف بين المكونات المنخرطة ضمن توليفة الرئاسي، إضافة إلى أن هذه التطورات أظهرت الخلاف بين الرياض وأبو ظبي إلى السطح، خصوصاً في ظل تمسك كل دولة بخارطة نفوذها حسب الواقع المفروض عسكرياً، منذ ما قبل تشكيل المجلس الرئاسي.

سياسياً:

تبدو الخارطة السياسية للمكونات في الجنوب، إلى ما قبل إشهار المجلس الرئاسي، منقسمة بين فريقي ما كانت تسمى قوات الشرعية، والمجلس الانتقالي الجنوبي، غير أن تأسيس المجلس، أطاح برئيس الشرعية ونائبه، ليحل رئيس مجلس القيادة رشاد العليمي، بديلاً عنهما، وقبل الانخراط في مهمة توحيد جميع القوات في إطار المجلس الرئاسي، انخرطت سياسيًا قيادات المكونات والميليشيات في إطار المجلس، لكنها ظلت متحفظة بقواتها بعيداً عن مشروع الدمج والهيكلة في إطار المجلس الرئاسي.

ونتيجة التقارب بين معظم مكونات المجلس الرئاسي، فيما يتعلّق بمشروع هذا الكيان الجديد، بدا لافتاً معضلة المجلس الانتقالي القائم مشروعه تحت عناوين الانفصال وحل القضية الجنوبية، وهي العناوين التي أدت إلى تباين حادّ بين مكوّنات الرئاسي من جهة، والمجلس الانتقالي من جهة أخرى، ومع تصاعد حدّة الخلاف بين الطرفين، تحوّلت عدن إلى ميدان لهذا الصراع، وشكّلت مناسبة عيد الوحدة اليمنية في 22 مايو الماضي، منعطفاً أظهر الصراع إلى السطح بين الفريقين، سواء فيما يتعلق ببرنامج إحياء الفعالية في عدن، والتي رفض الانتقالي الفكرة مهدداً بإفشال أي مهرجان احتفائي داخل عدن، أو من حيث تحديد مناسبة 21 مايو يوم إعلان فك الارتباط الذي أعلنه الرئيس علي سالم البيض أثناء حرب 94، وهي المناسبة التي اعتادت مكونات الحراك الجنوبي إحياءها منذ انطلاق الحراك الجنوبي في العام 2007.

لكن الخلاف لم يقتصر على ذلك، واتسعت رقعته بسبب الإعلان عن مسودة قانون القواعد المنظمة لعمل المجلس الرئاسي، والتي اعتبرها المجلس الانتقالي، أنها تعطي كامل الصلاحيات لرئيس المجلس رشاد العليمي، خصوصاً فيما يتعلق بتعيينات الوزراء والسفراء والمحافظين والقيادات الأمنية في المحافظات، فضلاً عن الحق الحصري في توقيع الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالأمن والدفاع والاقتصاد.

يرى الانتقالي إن تلك الصلاحيات، تعطي للعليمي السلطة المطلقة، في تصفية وتذويب حضور المجلس الانتقالي في إطار المجلس الرئاسي، من هنا رفض الانتقالي بشدّة الموافقة على هذا القانون، وفي محاولة لاستعراض حضوره ونفوذه العسكري والأمني، دفع بقيادات أمنية وعسكرية تفرض تحويل عدن إلى قاعدة انطلاق للمجلس الرئاسي.

عسكرياً:

إلى قبيل تشكيل المجلس الرئاسي، كانت عين المجلس الانتقالي على حضرموت والمهرة، على اعتبار إن المحافظتين تسيطر عليهما قوات حزب الإصلاح، الخصم الرئيس للانتقالي في الجنوب، غير أن تشكيل المجلس الرئاسي، حرف مسار المعركة العسكرية بتجاه عدن، وذلك بعد أن دفعت الإمارات بقوات طارق صالح إلى عدن، أثناء الترتيبات لانعقاد الجلسة الأولى للمجلس الرئاسي، والذي تعامل معها المجلس الانتقالي بإنها محاولة التفاف وسحب البساط من المجلس الانتقالي في عدن، من قبل الرئاسي، وسارع لنشر قواته على مداخل مدينة عدن منعاً لتدفق القوات التابعة لطارق صالح إلى عدن، إلا أن القوات كانت تصل إلى عدن وفق تسهيلات تقدمها الإمارات لتلك القوات.

وفي محاولة من المجلس الانتقالي للتمدّد شرقاً بتجاه أبين، حيث معقل القوات الموالية للرئيس عبد ربه منصور هادي، والتي تتمركز في منطقة شقرة، تحت اسم محور أبين، وتضم عدة ألوية من الحماية الرئاسية وقوات متفرقة، يقودها سند الرهوة، عيّن الانتقالي القيادي الموالي له عيد روس الشاعري، قائدا للواء 39 مدرع، الذي كان يقوده عبدالله الصبيحي، الموالي لهادي، الذي توفي إثر مرض، غير أن هذا التعيين جاء كمحاولة اختراق محور أبين، بعد الانقلاب على هادي، لكن القائد العام لمحور أبين سند الرهوة، رفض التعيين، الأمر الذي أدى إلى تدخل رئيس المجلس الرئاسي رشاد العليمي لوقف القرار.

وبرغم إن هذه الخطوات في ظاهرها تبدو بين المكونات المحلية، لكن الحقيقية إنها فقط بمثابة الصدى للخلاف بين الرياض وأبو ظبي، ومن يمنع نفاد هذه القرارات، هي الرياض، خصوصاً وأبو ظبي تحاول التوغّل في مناطق نفوذ تابعة للسعودية، لأن الخارطة العسكرية بين الدولتين، تفصل بينهما منطقة شقرة في محافظة أبين، وهي نقطة التماس بين القوات المدعومة من السعودية التي تسيطر على المحافظات الشرقية وصولاً إلى شقرة، بينما تسيطر الإمارات على المناطق الغربية.

وبرغم المشاريع المعلنة المتعلقة بالدمج والهيكلة للميليشيات المحلية، إلا أنّ الرياض وأبو ظبي لم تتجاوزا الخارطة العسكرية السابقة، وبقيت كل القوات في نطاق تموضعها على الواقع العسكري المرسوم ما قبل تشكيل المجلس الرئاسي.

أمنياً:

بعد تشكيل المجلس الرئاسي، شرعت الإمارات في هيكلة الجهاز الأمني والاستخباراتي في المحافظات الجنوبية، وبدا الصدام بين المكونات الموالية للإمارات، خصوصاً بين الجهاز الأمني وجهاز مكافحة الإرهاب التابع للمجلس الانتقالي، والجهاز المرتبط بعمّار صالح، حيث تسعى أبو ظبي إلى تمكينه من الجهاز الأمني في المحافظات الجنوبية.

يرفض رئيس جهاز مكافحة الإرهاب شلال شايع، تسليم الجهاز لعمّار صالح، ويحاول توسيع فروع الجهاز ليشمل كل المحافظات الجنوبية، في وقت تنشط عناصر الأمن القومي السابق، الذي كان يقوده عمّار قبل سقوط نظام صالح، في عدن وبقية لمحافظات، وبرغم إن الجهازين يرتبطان بشكل مباشر بالولايات المتحدة وحتى إسرائيل، إضافة إلى أبو ظبي، إلا أن الخلاف أفشل توحيد الجهاز الأمني تحت قيادة عمّار، الأمر الذي جعل من الأخير يستهدف شلال شائع، في تفجير بمديرية المعلا نجا منه شائع.

ولم يقتصر الخلاف بين الطرفين على الجانب الأمني، بل إن عمّار صالح، يسعى إلى السيطرة على المؤسسات الإعلامية والمنظمات المدنية في المحافظات الجنوبية المدعومة من الإمارات، ومنذ تأسيس المجلس الرئاسي، تمكن من استقطاب العديد من المؤسسات الإعلامية، وحتى الشخصيات المؤثرة سواء إعلامية أو سياسية وقبلية، وخلال الأشهر الماضية التقى بالمئات من العناصر الجنوبية في عدن من أجل تعزيز النشاط السياسي للمؤتمر.

وبدا لافتاً في الأشهر الأخيرة، بأن المخصصات المالية للشخصيات الجنوبية المرتبط بالإمارات، تحوّل عبر عمّار صالح، وليس عبر الإماراتيين مباشرة، فيما تحوّل مخصصات بعض التابعين للمجلس الانتقالي من شركات محلية في حضرموت، تؤكد المصادر بانها من عوائد النفط في حضرموت.

ختاما:

 إلى جانب التغييرات السياسية والعسكرية والأمنية، تشهد المحافظات الجنوبية في اليمن تصاعداً للنشاط الأمريكي والبريطاني والإسرائيلي في موازاة النشاط السعودي والإماراتي، وفي الوقت الذي تنشط فيه القوات الأمريكية في عدن وقاعدة العند، تنشط القوات البريطانية في المهرة، فيما القوات الإسرائيلية يقتصر نشاطها على جزيرتي سقطرى وميون.

ومع تصاعد الحضور الإقليمي والدولي في الجنوب، يتضاءل دور المكوّنات المحلية في تحقيق سلطة موحدة تدير المحافظات الجنوبية، ولعلّ السبب الرئيسي في ذلك يرجع إلى المصلحة المشتركة لتلك الدول مجتمعة، في أن تظل المحافظات الجنوبية تحكمها جماعات متفرقة ترتبط بالرياض وأبو ظبي.