• اخر تحديث : 2024-04-26 21:42
news-details
قراءات

بعد "قمة جدة": أبعاد الحراك الدبلوماسي في طهران


بعد يومين على انعقاد قمة جدة للأمن والتنمية، كانت طهران تستقبل الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، والرئيس الروسي، فلاديمير بوتين. وعلى الرغم من سعي بعض التحليلات إلى الفصل بين الحدثين، والقول ببرنامج  زيارات معد بصورة سابقة على جولة بايدن شرق الأوسطية، إلا أن طبيعة النشاط السياسي والدبلوماسي الذي شهدته وتشهده المنطقة يقول بعكس ذلك، ورغم تشابك الملفات بالنسبة لدولة مثل تركيا إلا أن هذه الزيارة وتوقيتها يقولان بمصالح ترجحها تركيا وتسعى من أجلها إلى تعزيز العلاقة مع طهران في القمة التي جاءت ضمن إطار "عملية أستانا للسلام" الرامية لإنهاء النزاع السوري المتواصل منذ العام 2011، وعقب توعد أنقرة بالقيام بعملية عسكرية في شمالي سوريا. أما روسيا، فتأتي زيارة رئيسها، فلاديمير بوتين، إلى طهران باعتبارها ثاني زيارة خارجية له بعد شنِّ الغزو الروسي على أوكرانيا، في فبراير/شباط 2022.

هناك معطيات عديدة تجعل من "قمة طهران" ردًّا جيوسياسيًّا قويًّا، على زيارة الرئيس الأميركي لشركائه الأساسيين في الشرق الأوسط، بعد الإعلان الأميركي عن عزم واشنطن على عزل روسيا وإيران سياسيًّا. وفي القمة الثلاثية التي تجمع بوتين بالرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، والرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ستكون سوريا وأوكرانيا وصادرات الحبوب من أبرز الموضوعات التي ستناقشها المحادثات في طهران.

جولة بايدن واستهداف إيران

حمل المقال الذي كتبه بايدن في الواشنطن بوست مفاتيح شرحت أهداف زيارته قبل أن تبدأ من إسرائيل، وكان من أهمها:

- عزل إيران ودفعها للعودة لتطبيق الاتفاق النووي.

- العمل مع الشركاء والحلفاء في المنطقة لضبط الأنشطة النووية الإيرانية.

- دعم وحماية إسرائيل والدفع نحو تعزيز وتيرة التطبيع.

- مواصلة الضغط الاقتصادي والدبلوماسي على إيران.

وسعت إسرائيل إلى توظيف الزيارة لتعزيز التعاون الأمني ضد إيران، وهو ما قد يشير إلى تصاعد الهجمات وحروب الظل بمشاركة ومباركة أميركية.

بوضوح، سعى الرئيس الأميركي، جو بايدن، خلال جولته شرق الأوسطية ليقدم تطمينات أمنية وسياسية لإسرائيل، لكن ما جرى الحديث عنه بشأن بناء تحالف أمني شرق أوسطي -كان من الواضح أنه يستهدف إيران بصورة أساسية- لم يصل إلى نتيجة. فقد سارعت الإمارات لنفض يدها من مثل هذا التحالف وخرجت من الأردن تصريحات مشابهة، وأرسلت العربية السعودية رسالة مفادها أنها تمد يدها إلى طهران. ومع ذلك، لا يمكن تجاهل تسارع وتيرة التطبيع بين إسرائيل ودول عربية وفي مقدمتها السعودية، وهو ما ترى فيه طهران تهديدًا أمنيًّا مباشرًا علَّق عليه وزير الدفاع الإيراني، العميد محمد رضا آشتياني، بقوله: إن إتاحة موطئ قدم للكيان الصهيوني في المنطقة لن يؤدي إلا لزعزعة الأمن. ووصف الوجود الأميركي في المنطقة بأنه "استفزازي وأن جولة بايدن الأخيرة في المنطقة لا تأتي في إطار تعزيز الاستقرار والأمن المستدام الإقليمي".

وبمواجهة السعي الأميركي لـ"عزل إيران"، تواصل طهران تكرار رفضها للمفاوضات المباشرة مع واشنطن ولا ترى جدوى في ذلك، وكشف رئيس المجلس الإستراتيجي للسياسات الخارجية في إيران، كمال خرازي، للجزيرة أن بلاده لا قرار لديها بتصنيع قنبلة نووية رغم أن لديها القدرات الفنية لذلك، وأنها أجرت مناورات موسعة بهدف ضرب العمق الإسرائيلي في حال "استهداف منشآتنا الحساسة".

تدرك طهران أن سؤال الأمن والاستقرار سؤال محوري في الخليج ولذلك فهي ترى أن "منطقة الخليج بحاجة إلى آلية أمنية تحول دون هيمنة أية قوة، سواء إقليمية أو عالمية. ويتطلب تحقيق هذا الهدف وضع جميع دول المنطقة على جدول أعمالها إجراءات لبناء الثقة في مجالات مثل إدارة موارد المياه، وحماية البيئة، والأمن النووي، والأمن الطاقوي، والسياحة، والتعاون الاقتصادي، والتجارة، والاستثمار، والقضاء على الفقر، وتمكين المواطنين". ويتحدث رئيس المجلس الإيراني الإستراتيجي للسياسات الخارجية، كمال خرازي، عما يسميه "تعزيز الحوار الأخوي والصريح بين دول المنطقة، بمنأى عن الوجود والتدخل الأجنبي، مفتاحًا لحل المشاكل". ولذلك، فإن المحادثات السعودية-الإيرانية التي أنجزت عدة جولات في بغداد ويُتوقع أن تنتقل إلى المستوى الدبلوماسي قد تكون هي المنشودة لتعزيز هذا الحوار.

تركيا والعقوبات على إيران

حال وصوله إلى طهران، اجتمع الرئيس التركي مع القائد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران وكذلك مع الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، ورغم مسحة التعاون الاقتصادي البارزة في المحادثات؛ حيث جرى توقيع اتفاقيات تعاون اقتصادي بين البلدين وجرت إعادة التأكيد على الهدف القديم/الجديد برفع حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى 30 مليار دولار، رغم ذلك فقد برزت الأبعاد الجيوسياسية في هذه الزيارة بصورة كبيرة.

في هذا اللقاء وقبله، أكد خامنئي على مجموعة من القضايا، أهمها:

- لقد دافعنا على الدوام عن مواقف تركيا الداخلية ووقفنا ضد التدخل في شؤونها.

- القضية السورية تُحل بالتفاوض.

- وحدة الأراضي السورية وأن عملًا عسكريًّا في الأراضي السورية لن يصب في مصلحة أمن تركيا ولا سوريا.

- الترحيب بعودة قرة باغ إلى أذربيجان، لكن الجمهورية الإسلامية قطعيًّا ستعارض سياسة إغلاق حدود إيران وأرمينيا، لأن هذه الحدود هي طريق اتصال يعود لآلاف السنين.

- فلسطين هي قضية المسلمين الأولى وتوجه بعض الدول نحو الكيان الصهيوني لن يقف في وجه الشعب الفلسطيني الذي ستؤول الأمور  إلى صالحه.

أما أردوغان، فقد صرح من طهران:

- كنا -ولا نزال- ضد العقوبات على إيران.

- ندعم توقعات إيران المشروعة في الاتفاق النووي.

- نشجع الشركات التركية على الاستثمار في إيران.

- موقف تركيا من وحدة أراضي سوريا واضح.

- في قمة أستانا، الموضوع السوري مطروح بصورة خاصة على جدول الأعمال ونأمل أن نحقق نتائج طيبة.

روسيا: الأمن والاقتصاد

وصل بوتين إلى طهران واستقبله وزير النفط الإيراني، وجاءت زيارة بوتين بعد يوم على إعلان شركة النفط الوطنية الإيرانية (NIOC) وشركة غازبروم الروسية عن توقيع مذكرة تفاهم تبلغ قيمتها حوالي 40 مليار دولار، وُصفت بأنها أكبر صفقة وقَّعتها إيران في مجال النفط، وتختص بتطوير ثلاثة حقول غازية و6 حقول نفطية إيرانية، وبذلك تدخل روسيا رسميًّا وبقوة على سوق الطاقة الإيرانية. وأعلن المتحدث باسم الرئاسة الروسية، ديمتري بيسكوف، أنه قد يتم بعد فترة وجيزة، التوقيع على معاهدة تعاون شاملة بين روسيا وإيران. وفي منتصف يونيو/حزيران 2022، تم تسليم النسخة الروسية من نص هذه المعاهدة الشاملة إلى الجانب الإيراني. ويتوقع بعد إجراء بعض التعديلات الإضافية "مع مراعاة رأي الجانب الإيراني، أن يتم الاتفاق عليها، سيكون من الممكن التوقيع عليها في المستقبل القريب".

ويحضر أيضًا ما تحدثت عنه الولايات المتحدة الأميركية من سعي روسيا لشراء طائرات مسيرة إيرانية وهو ما نَفَتْه إيران في وقت سابق. وقد توعدت واشنطن طهران في حال ثبت بيعها مسيَّرات إلى موسكو.

وفي اجتماعه مع الرئيس الروسي، ركز خامنئي على عدد من القضايا:

- التعاون طويل الأمد بين إيران وروسيا.

- الناتو كيان خطر.

- "إيران ليست سعيدة بما يحدث للناس العاديين في الحرب، لكن، في قضية أوكرانيا، لولا الخطوة الروسية لقام الطرف الآخر بإشعال فتيل الحرب".

- أنَّ "دول الناتو لا تعرف حدودًا، ولو فُتح الطريق أمامها، ولم تتم مواجهتها في أوكرانيا، لأشعلت فتيل الحرب بعد فترة بذريعة شبه جزيرة القرم".

- التعامل بحذر مع "السياسات الخادعة للغرب".

- يجب طرد الأميركيين من شرق الفرات.

- يجب حذف الدولار تدريجيًّا من المعاملات المالية العالمية.

أما الرئيس الروسي، فقد أشار خلال لقائه الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، إلى أن العلاقات الثنائية تشهد تطورًا كبيرًا وتسير بوتيرة جيدة وهناك أرقام قياسية لحجم التجارة بين موسكو وطهران. ولعل تطورات أوكرانيا وموجة العقوبات غير المسبوقة على روسيا جعلتها تتقارب مع إيران وتجد كثيرًا من المشتركات مع الجمهورية الإسلامية. وكان من الواضح أن الموقف من حلف الناتو يتصدر المواقف السياسية للبلدين. وفي الربع الأول فقط من العام الحالي، ارتفع حجم التجارة البينية بين البلدين بنسبة 10%، وبلغ 4 مليارات دولار.

وبدا تركيز طهران على قضية الإرهاب في علاقتها مع روسيا، وهو ما برز في حديث الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، خلال اجتماعه مع بوتين؛ حيث قال: "الآخرون يدَّعون أنهم يحاربون الإرهاب لكن التعاون الثنائي أثبت أننا صادقون في وعودنا". وإضافة إلى الأبعاد السياسية، تعوِّل طهران على دور اقتصادي من خلال منظمة شنغهاي، والاتحاد الاقتصادي الأوراسي، وتقدم نفسها ميدان تعاون حيوي ومتعدد المجالات.

البيان الختامي المشترك

في البيان المشترك، أعرب رؤساء إيران وروسيا وتركيا عن التزامهم الراسخ بسيادة سوريا ووحدة أراضيها، رافضين الجهود المبذولة لخلق حقائق جديدة على الأرض بذريعة مكافحة الإرهاب، بما في ذلك "مبادرات الحكم الذاتي غير المشروعة"، ومواجهة أجندات انفصالية تهدف إلى إضعاف السيادة، وسلامة أراضي سوريا. وأدان البيان استمرار الهجمات العسكرية الإسرائيلية على سوريا، وأكد البيان على ضرورة الحفاظ على الهدوء من خلال تنفيذ جميع الاتفاقات المتعلقة بإدلب، داعيًا المجتمع الدولي لتحمل مزيد من المسؤولية في تقاسم أعباء إسكان اللاجئين السوريين الراغبين في العودة إلى بلدهم.

خلاصة

على وقع محاولات عزلها سياسيًّا، نشطت طهران في ساحات دبلوماسية موازية واستضافت قمة لثلاث دول مؤثرة يسعى قادتها لتعزيز المصالح المشتركة وتعظيم أدوارها في القضايا والأزمات الدولية والإقليمية. تؤكد الدول الثلاث أنها صاحبة القول الفصل بالنسبة لسوريا وترسل رسائل بمعارضة السياسة الأميركية في الإقليم. من طهران، تؤكد أنقرة وقوفها ضد العقوبات على إيران وسعيها لتعزيز التبادل التجاري مع جارتها التي تنافسها في ساحات عدة، وتسمع رفضًا إيرانيًّا لنيتها القيام بعمل عسكري في شمال سوريا، وتجتمع مع روسيا وإيران بغية بحث قضايا معقدة في مقدمتها سوريا. أما روسيا، فتتقدم نحو إيران مدركة حاجتها لتعطيل تأثير العقوبات الأميركية وتدخل سوق الطاقة الإيرانية باتفاقية ضخمة، وهي السوق التي سبق لشركة "توتال الفرنسية" أن هجرتها بفعل ضغط العقوبات الأميركية، حين انسحبت رسميًّا، عام 2018، من مشروع بملايين الدولارات وذلك بعد انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق النووي.