مقدمة
في أثناء زيارته لإسرائيل، عقد الرئيس الأميركي جو بايدن، في 14 تموز/ يوليو 2022، اجتماعًا افتراضيًا ضمّ إليه قادة مجموعة اقتصادية جديدة تعرف باسم I2-U2، وتشمل إلى جانب الولايات المتحدة الأميركية، كلًا من الهند وإسرائيل والإمارات العربية المتحدة. وقد أثار الإعلان عن إنشاء المجموعة تساؤلات كثيرة عن أهدافها وتوقيت إنشائها وحقيقة المصالح التي تجمع أطرافها. وعلى الرغم من أن البيان المشترك الذي صدر عن الاجتماع أكد أن الهدف من إنشاء المجموعة هو "التركيز على نحو خاص على الاستثمارات المشتركة والمبادرات الجديدة في مجالات المياه والطاقة والنقل والفضاء والصحة والأمن الغذائي"، فإن الاعتقاد السائد هو أن أهدافًا استراتيجية تقف وراء تأسيس المجموعة؛ أخذًا في الاعتبار الظروف التي أدت إلى إنشائها وطبيعة العلاقات والمصالح التي تربط بين أطرافها. وقد أشار إلى ذلك الناطق باسم الخارجية الأميركية، نيد برايس، حين قال إن النقاشات بين الأطراف الأربعة تناولت تعميق "التعاون الاقتصادي والسياسي في الشرق الأوسط وآسيا، بما في ذلك التجارة، وتغير المناخ، والطاقة والأمن البحري".
ظروف تأسيس مجموعة I2-U2
مثلت "اتفاقات أبراهام"، التي رعتها إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، لدمج إسرائيل في النظام الإقليمي للمنطقة العربية، الأرضية التي نشأت على أساسها المجموعة الاقتصادية الجديدة I2-U2؛ إذ تأسست هذه المجموعة في تشرين الأول/ أكتوبر 2021، خلال اجتماع ضمّ وزراء خارجية الولايات المتحدة وإسرائيل والإمارات، بهدف متابعة تطبيق اتفاقات أبراهام التي أطلقت في أيلول/ سبتمبر 2020 عملية تطبيع العلاقات بين الإمارات والبحرين من جهة وإسرائيل من جهة أخرى. وقد انضمت الهند، التي أصبحت تربطها بإسرائيل علاقات استراتيجية، إلى المجموعة بعد أيام قليلة، وذلك في أثناء زيارة وزير خارجيتها، سوبرامنيام جاي شانكار، إلى إسرائيل. وإثر ذلك، عُقد اجتماع افتراضي ضمّ الأطراف الأربعة أثناء وجود وزير الخارجية الهندي في إسرائيل بالتزامن مع مشاركة طائرات من سلاح الجو الهندي في مناورات "العلم الأزرق 2021" التي استضافتها إسرائيل. وفي حين بدا مفهومًا إنشاء مجموعة ثلاثية تضم أطراف اتفاقات أبراهام (إسرائيل والإمارات والولايات المتحدة)، فإن انضمام الهند إلى المجموعة أثار تساؤلات عديدة عن غاياته، وكذلك عن سبب اختيار إسرائيل مكانًا لإعلان الهند الانضمام إليها.
مصالح أطراف مجموعة I2-U2
يرتبط أطراف مجموعة I2-U2 الأربعة بشبكة واسعة من المصالح الاقتصادية والاستراتيجية والأمنية، كما تتفق نظرتها حيال العديد من القضايا الإقليمية والدولية وعلى رأسها موضوع التعامل مع الحركات الإسلامية (والحقيقة أن أيديولوجية الحزب الحاكم في الهند معادية للإسلام وليس للحركات الإسلامية)، وذلك على الرغم من وجود تباينات بشأن قضايا أخرى مثل تفاوت نظرة الهند إلى إيران مقارنة بباقي أعضاء المجموعة، وعدم مشاركة الإمارات وإسرائيل نظرة الهند والولايات المتحدة العدائية إلى الصين. وقد طوّرت الهند والإمارات وإسرائيل ثنائيًا علاقاتها فيما بينها على امتداد السنوات الماضية؛ ما جعل ممكنًا في نهاية المطاف إنشاء تجمّع إقليمي يضمّها برعاية أميركية.
1. العلاقات الهندية - الإسرائيلية
على الرغم من إنشاء علاقات دبلوماسية بينهما منذ عام 1992، فإن العلاقات الهندية – الإسرائيلية تطورت تطورًا كبيرًا في أعقاب وصول حزب بهاراتيا جاناتا القومي إلى الحكم في الهند في عام 2014؛ فقد وصل حجم التبادل التجاري بين إسرائيل والهند إلى أكثر من أربعة مليارات دولار نهاية عام 2016 مقارنة بمليار دولار عام 2000. وفي عام 2017، قام ناريندرا مودي بأول زيارة لرئيس وزراء هندي إلى إسرائيل، تبعتها زيارة قام بها رئيس وزراء إسرائيل السابق، بنيامين نتنياهو، إلى الهند في كانون الثاني/ يناير 2018. وقد شمل تطور العلاقات الهندية - الإسرائيلية مجالات عديدة، بما فيها البحث والتطوير والتصنيع المشترك في قطاع الدفاع والعلوم والتكنولوجيا والتجارة والابتكار والزراعة والصحة والاتصالات والمياه والمدن الذكية. لكن قطاع الدفاع والأمن يبقى الأكثر أهمية في مسار تطور العلاقات بين البلدين. وخلال سنوات قليلة، تحوّلت إسرائيل الى أحد أهم ثلاثة مصدّري السلاح إلى الهند. وخلال زيارة وزير الخارجية الهندي إلى إسرائيل في تشرين الأول/ أكتوبر 2021، وقّع البلدان اتفاقية للتعاون الدفاعي مدتها عشر سنوات. وقبل ذلك، وقّعت الحكومتان الإسرائيلية والهندية، في نيسان/ أبريل 2017، صفقة تُعدّ الأكبر في تاريخ الصناعات العسكرية الإسرائيلية بقيمة وصلت إلى مليارَي دولار. وتُعدّ الهند حاليًا أكبر مستورد للسلاح الإسرائيلي؛ إذ تستورد نحو 45 في المئة من كل ما تنتجه إسرائيل من سلاح. وإسرائيل مصدر سلاح مريح للهند، لأنها لا تربط صادراتها بأيّ شروط خلافًا للولايات المتحدة.
2. العلاقات الهندية - الإماراتية
أدى النمو الاقتصادي الكبير للهند، الذي رافقته زيادة موازية في احتياجاتها من الطاقة، إلى إعطاء بُعد استراتيجي لعلاقاتها مع منطقة الخليج؛ فقد تحوّل أمن الطاقة وأمن الممرات البحرية إلى قضايا أساسية في هذه العلاقات، وأخذت الهند تضع نصب عينيها تعزيز علاقاتها مع دول الخليج وبناء شراكة استراتيجية معها لتأمين احتياجاتها من النفط والغاز الضروريَّين لاستمرار نموها الاقتصادي. وتُعدّ الهند ثالث أكبر مستورد للنفط في العالم في الوقت الحاضر، وتوفر منطقة الخليج نحو 70 في المئة من احتياجات الهند من النفط المستورد؛ تأتي الغالبية العظمى منها من دول الخليج العربية، والباقي من إيران. وعلى الرغم من أن علاقات الهند مع جميع دول الخليج شهدت تطورًا، فإنها أخذت أبعادًا خاصة مع الإمارات، ولا سيما بعد وصول حزب بهاراتيا جاناتا إلى الحكم. وفي شباط/ فبراير 2016، أجرى ولي عهد أبوظبي حينها، محمد بن زايد، زيارة إلى الهند. وفي كانون الثاني/ يناير 2017، حل بن زايد في الهند مجددًا باعتباره ضيف الشرف في احتفالاتها بعيدها الوطني. وفي المقابل، أجرى رئيس وزراء الهند، مودي، زيارة إلى أبوظبي في شباط/ فبراير 2018، ثم زيارة أخرى في آب/ أغسطس 2019، جرى فيها تقليده وشاح زايد، وهو أعلى وسام في الإمارات، وفيها أيضًا وقّع البلدان اتفاقية شراكة وتعاون استراتيجي شملت مجالات الطاقة والاستثمار والدفاع وأمن الملاحة. وقد بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 57 مليار دولار عام 2019. وقد وقّع البلدان، في شباط/ فبراير 2022، اتفاقية شراكة اقتصادية شاملة لزيادة التبادل التجاري من مستواه الحالي البالغ 60 مليار دولار إلى 115 مليارًا خلال خمس سنوات. وكناية عن التطور الذي بلغته العلاقة بين البلدين، أصرت الإمارات على دعوة الهند لحضور مؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية الذي عُقد في أبوظبي مطلع عام 2019، على الرغم من تهديد باكستان بمقاطعة المؤتمر. وفي وقت لاحق من العام نفسه، ألغت الهند الحكم الذاتي في كشمير المستمر منذ سبعة عقود.
وفي حين تسعى الإمارات، من خلال تطوير علاقاتها مع الهند، لتعزيز حضورها في قطاعات التكنولوجيا والأمن والدفاع، فإن الجانب الأيديولوجي يؤدي دورًا مهمًا أيضًا في تفسير تطور علاقاتها بالهند، وكذلك بإسرائيل، حيث تتفق الإمارات مع إسرائيل والهند في تعريفها للإرهاب، وهي تهدف جميعها إلى وضع القوى الإسلامية على اختلافها في سلة واحدة بغرض القضاء عليها، بما في ذلك التعاون المشترك للتضييق على منظمات إسلامية تنشط في تمثيل مصالح المسلمين في أوروبا والولايات المتحدة وإغلاق مقارها.
3. العلاقات الإماراتية - الإسرائيلية
على الرغم من وجود تاريخ طويل من العلاقات السرية بين الإمارات وإسرائيل تعود، بحسب بعض المصادر، إلى نحو عقدين من الزمن، فإن هذه العلاقات تطورت على نحو لافت على الصعيد الأمني، خاصة بعد توقيع اتفاقات أبراهام عام 2020؛ إذ في 18 آب/ أغسطس 2020، أجرى رئيس الموساد الإسرائيلي السابق، يوسي كوهين، زيارة إلى الإمارات، التقى فيها مستشار الأمن الوطني الإماراتي، طحنون بن زايد، وناقشا "آفاق التعاون في المجالات الأمنية". وفي آذار/ مارس 2021، وقّعت مجموعة التكنولوجيا المتقدمة في قطاع الدفاع بالإمارات (إيدج)، مذكرة تفاهم مع شركة الصناعات الجوية الإسرائيلية، وذلك لتطوير الإنتاج الأمني والعسكري المشترك بين البلدين، وبناء نظام متقدم للدفاع ضد الطائرات من دون طيار. وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، زار رئيس قسم تصدير الأسلحة في وزارة الدفاع الإسرائيلي، يائير كولاس، معرض دبي الدولي للطيران، صحبة سبع شركات أمنية وعسكرية وسيبرانية إسرائيلية، وذلك لتعزيز الإنتاج الأمني والعسكري المشترك بين البلدين، وتصميم وتصنيع سفن غير مأهولة قادرة على تنفيذ هجمات مضادة للغواصات من فئة "إم-170". وعلى المستوى السياسي، قام نفتالي بينيت بأول زيارة لرئيس وزراء إسرائيلي إلى الإمارات في كانون الأول/ ديسمبر 2021، ثم عاد إلى زيارتها من جديد في حزيران/ يونيو 2022 مع تواتر أنباء عن قيام إسرائيل بنصب منظومات رادار في الإمارات لاعتراض أيّ هجمات تنطلق من إيران. واقتصاديًا، ازداد حجم التبادل التجاري بين الإمارات وإسرائيل من 125 مليون دولار في عام 2020 إلى 700 مليون دولار في عام 2021. وفي آذار/ مارس 2022، أعلنت الإمارات عن إنشاء صندوق بقيمة 10 مليارات دولار للاستثمار في قطاعات استراتيجية في إسرائيل، من ضمنها الطاقة والمياه والفضاء والرعاية الصحية والتكنولوجيا الزراعية.
التوافق الثلاثي والموقف الأميركي
بهذا المعنى، يمكن القول إن اتفاقات أبراهام مثّلت الأرضية لجمع الشركاء الثلاثة (الهند والإمارات وإسرائيل) في إطار تحالف إقليمي آسيوي - شرق أوسطي ترعاه واشنطن ويحقق لأطرافه مصالحها في ضوء تقارب وجهات نظرها إزاء العديد من القضايا والملفات. وبمجرد انطلاق التطبيع العلني بين إسرائيل والإمارات، جرى الإعلان، في عام 2020، عن تأسيس الفدرالية الدولية لغرف التجارة الهندية – الإسرائيلية، واختيار دبي لتكون مقرها الدولي الرئيس، وقد حضر افتتاح المقر رؤساء البعثات الدبلوماسية الهندية والإسرائيلية في أبوظبي وسفير الإمارات في الهند، إضافة إلى عدد كبير من رجال الأعمال الهنود في الإمارات. وفي 14 شباط/ فبراير 2021، نظمت لجنة الشؤون العامة الأميركية - الإسرائيلية (أيباك) ندوة افتراضية بعنوان "الهند، إسرائيل، والخليج: فرص جديدة". وتنظر إسرائيل إلى دبي باعتبارها جسرًا مهمًا للوصول إلى السوق الهندي الكبير، إذ تستضيف دبي نحو 500 مجموعة استثمارية هندية، كما تستضيف المقرات الرئيسة لكل شركة هندية تعمل في منطقة الشرق الأوسط، فضلًا عن أن لـ 23 بنكًا هنديًا فروعًا في مركز دبي المالي العالمي. وفي المقابل، تعتبر نيودلهي أن وجود رحلات مباشرة بين دبي وتل أبيب يساعد في توثيق علاقات الشركات الهندية بإسرائيل. وقد سارعت الممثلية الإسرائيلية في دبي إلى إقامة علاقات مع رجال الأعمال الهنود في الإمارات، في حين أعلنت شركات هندية عديدة في دبي عن بدء نشاط لها في إسرائيل في مجالات الرعاية الصحية وصناعة الأدوية والخدمات المالية، وتجارة الذهب والمجوهرات وغير ذلك. وتُبدي الدول الثلاث اهتمامًا كبيرًا بتطوير تعاونها في مجال التكنولوجيا والذكاء الصناعي، الذي تتقدم فيه إسرائيل والهند، في حين تملك الإمارات رأس المال للاستثمار في هذا القطاع. وكان لافتًا، بحسب استطلاع للرأي أجراه معهد بروكنغز في عام 2019، أن الإمارات وإسرائيل تُعتبران الشريكين الأكثر موثوقية بالنسبة إلى النخب السياسية الهندية.
وبوجود الولايات المتحدة طرفًا في هذا التجمع الإقليمي، تأمل الدول الثلاث أن تصل إلى التكنولوجيا الأميركية المتطورة في مجالات الأمن والدفاع والفضاء والصحة والتقنيات الناشئة، وتأمل أيضًا أن تصل إلى أفضل الأسلحة والتكنولوجيا والتعاون في احتواء الجماعات الإسلامية التي تعتبرها التهديد الأكبر لها.
أما واشنطن التي تتطلع إلى أن يحل التعاون مع الهند في الخليج، ولو جزئيًا، محل الصين، فتطمح إلى أن يؤدي تعاون الدول الثلاث إلى نشوء وتطور بُعد دفاعي أمني لهذا التجمع الإقليمي يفيد في مواجهة الصين، ليس على المستوى الدفاعي فحسب، بل في إطار التنافس التجاري معها أيضًا، خاصة مع ظهور تصورات عن ربط موانئ هندية، مثل مومباي، بموانئ في اليونان عبر ميناء جبل علي في دبي، وإنشاء خط موازٍ للسكك الحديدية من الإمارات عبر السعودية والأردن وصولًا إلى ميناء حيفا. وترى واشنطن أنها معنيّة بدعم مثل هذه المشاريع؛ لأنها تعني إعادة هيكلة سلاسل الإمداد العالمية وخطوط التجارة الدولية بعيدًا عن الصين وعن مشروع الحزام والطريق، وبما يتسق مع الرؤية التي طرحتها الدول الصناعية السبع الكبرى في اجتماعها الأخير، أواخر حزيران/ يونيو 2022، بمقاطعة بافاريا في ألمانيا بتوفير نحو 600 مليار دولار لتمويل مشاريع بنية تحتية تنافس مشاريع الصين العملاقة وتحدّ من تمددها.