• اخر تحديث : 2024-11-22 10:05
news-details
تقدير موقف

دلالات جولة وزير الخارجية الروسي لأربع دول أفريقية


بدأ وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في 24 يوليو 2022، جولة أفريقية، هي الأولى للمنطقة منذ بداية الأزمة الأوكرانية نهاية فبراير 2022، بدأها بمصر، مروراً بالكونغو وأوغندا، واختتمها بزيارة إثيوبيا. وتتزامن هذه الزيارات مع الجولة الأفريقية الأولي للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في فترة ولايته الثانية.

أبعاد جولة لافروف:

بدأ وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، جولة أفريقية تضمنت أربع محطات رئيسية، وهو ما يمكن تفصيله على النحو التالي:

1. تقديم تطمينات لمصر: بدأ وزير الخارجية الروسي جولته بمصر، حيث عقد اجتماعاً مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، وكذا وزير الخارجية، سامح شكري، وأكد لافروف خلالها أن بلاده ستلبي طلبات الحبوب المصرية.

كما ألمح إلى أنه بحث مع المسؤولين المصريين ملفات التعاون التكنولوجي والتجارة البينية، لاسيما أن القاهرة تعد الشريك الأول لموسكو في القارة الأفريقية، حيث يبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين حوالي 5 مليارات دولار.

وتمثل هذه الزيارة أهمية ذات أبعاد اقتصادية نسبياً بالنسبة للقاهرة، خاصة فيما يتعلق بالمنطقة الاقتصادية الروسية التي يجري بناؤها في منطقة قناة السويس، ومحطة الضبعة النووية، فقد سبق زيارة الوزير الروسي إلى مصر إعلان شركة روس أتوم بدء العمل في بناء المحطة. كذا ثمة تعويل مصري على الدور الروسي لإقناع أديس أبابا بالتوصل إلى اتفاق حول سد النهضة.

2. اكتساب نفوذ جديد في الكونغو: تأتي زيارة لافروف إلى الكونغو لتمثل الزيارة الأولى لمسؤول روسي رفيع إلى برازافيل، حيث التقى رئيس الكونغو، دينيس ساسو نغيسو، ووزير الخارجية، جان كلود جاكوسو. وتسعى موسكو لكسب موطئ قدم جديد في وسط أفريقيا عبر بوابة برازافيل لتعزيز النفوذ الروسي.

وتعمل إحدى الشركات الروسية حالياً، وبناء على مذكرة التفاهم الموقعة في عام 2019، على إنشاء خط أنابيب نفطي ضخم، يستهدف نقل النفط من مدينة "بوانت نوار" في الشمال إلى ميناء "بوانت نوار" المطل على المحيط الأطلسي، والمحطة الوسطى في لوتيتي، وهو يعد أحد أكبر مشروعات البنية التحتية في تاريخ الكونغو، بقدرة تبلغ حوالي 2.1 مليون طن سنوياً، كما سيكون قادراً على نقل مجموعة واسعة من المنتجات النفطية.

3. تعزيز الشراكة مع أوغندا: قام لافروف، في محطته الثالثة، بزيارة العاصمة الأوغندية كامبالا، في محاولة لاستقطابها تجاه موسكو، على الرغم من توجهها التاريخي الغربي. فقد التقى لافروف الرئيس الأوغندي، يوري موسيفيني، والذي عمد إلى التأكيد على قوة علاقة بلاده بروسيا، وأنه لا يمكن أن تتحول موسكو لعدو بسبب تنافسها مع الولايات المتحدة فقط. كما أكد أن كامبالا ستتعاون مع موسكو في عدة مجالات، منها الطاقة والفضاء والزراعة واللقاحات.

4. توسيع التعاون مع إثيوبيا: مثلت إثيوبيا المحطة الأخيرة في جولة لافروف الأفريقية، حيث التقى وزير الخارجية، دمقي مكونن، ورئيسة إثيوبيا، سهلورك زودي، عمد خلالها إلى محاولة الرد على الاتهامات الغربية لموسكو بأنها مسؤولة عن تفاقم أزمة الغذاء في شرق أفريقيا. كما عمل لافروف على طمأنة إثيوبيا فيما يتعلق بإمدادات القمح من البحر الأسود، خاصةً أن أديس أبابا تستورد حالياً نحو 40% من احتياجاتها من الحبوب من روسيا وأوكرانيا.

وتضمنت مباحثات لافروف في إثيوبيا مشروعات الطاقة والبنية التحتية، فقد سبق وأن وقعت شركة "روس أتوم" النووية الروسية، في السابق، مع وزارة الابتكار والتكنولوجيا الإثيوبية على خريطة طريق للتعاون المشترك لبناء محطة للطاقة النووية ومركز للأبحاث النووية في أديس أبابا، بالإضافة إلى بحث ملف التعاون الدفاعي بين الجانبين، لاسيما في ظل استمرار التهديدات الأمنية التي تعانيها إثيوبيا. فقد أكد لافروف أن موسكو وأديس أبابا تستعدان للبدء في تنفيذ خطط جديدة تتعلق بالتعاون العسكري التقني بينهما، مؤكداً دعم بلاده لإثيوبيا في تحقيق الاستقرار الداخلي.

دوافع متعددة:

عكست جولة لافروف للقارة وجود جملة من الأهداف التي تسعى موسكو لتحقيقها، والتي يمكن عرضها على النحو التالي:

1. تأكيد النفوذ الإقليمي: عمد لافروف إلى عقد لقاء مع مندوبي الجامعة العربية بالقاهرة، أشاد خلاله بالمواقف العربية المعتدلة إزاء الأزمة الأوكرانية الراهنة، وأكد نية بلاده توسيع التعاون مع الدول العربية، والعمل على زيادة حجم التبادل التجاري بين روسيا وهذه الدول، والذي يبلغ حالياً حوالي 20 مليار دولار، مع مناقشة التحضيرات لعقد الدورة السادسة لمنتدى التعاون الروسي – العربي.

ومن ناحية أخرى، عقد لافروف اجتماعاً مع ممثلي الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا، وذلك بهدف تعميق العلاقات بين موسكو والدول الأفريقية. وعمد لافروف خلال اجتماعه مع عدد من الدبلوماسيين الأفارقة في السفارة الروسية بأديس أبابا إلى محاولة تقديم روسيا باعتبارها حليفاً أكثر موثوقية بالنسبة لدول القارة مقارنة بالقوى الأوروبية، كما بحث لافروف مع الدبلوماسيين الأفارقة جدول أعمال القمة الروسية – الأفريقية الثانية التي يفترض أن تستضيفها موسكو العام المقبل.

ومن أبرز الرسائل التي عمد وزير الخارجية الروسي إلى بثها خلال جولته، سواء في المقال الذي نشره لافروف في العديد من الصحف الأفريقية أو خلال لقاءاته أثناء الجولة، هو ما يتعلق بالوضع الجيوسياسي الراهن في النظام الدولي، وضرورة تغييره، حيث كرر الوزير الروسي انتقاداته للمساعي الغربية المكثفة للمحافظة على استمرارية النظام الدولي الأحادي القطبية، ومنع تشكيل نظام جديد قائم على التعددية القطبية.

2. كسر العزلة الغربية: يلاحظ أن الترحيب الذي حظي به لافروف في جولته الأفريقية الأخيرة عكس قوة تأثير موسكو في القارة، وهو ما وضح سابقاً حينما امتنعت 17 دولة أفريقية عن التصويت على إدانة روسيا في الجمعية العامة للأمم المتحدة، إلى جانب تغيب ثماني دول أخرى، وتصويت دولة واحدة ضد القرار.

 

3. مواجهة اتهامات أزمة الغذاء: ركز لافروف خلال جولته على دحض الادعاءات الغربية بأن بلاده مسؤولة عن أزمة الغذاء الحالية وارتفاع أسعاره، إذ ألقى باللوم على العقوبات الغربية والحصار المفروض عليها، وهو الأمر الذي بدأ يجد صدى لدى بعض الدول الأفريقية. وتجدر الإشارة إلى أن حوالي 40% من واردات القمح إلى أفريقيا تأتي من روسيا وأوكرانيا، ومن ثم تأثرت هذه الإمدادات كثيراً بسبب الحرب الأوكرانية الحالية.

4. استبدال النفوذ الأمريكي: عمد لافروف إلى انتقاد السياسات الغربية تجاه أفريقيا. ودعا الدول الأفريقية لعدم دعم عالم تحكمه الولايات المتحدة التي ترغب في فرض إرادتها على الجميع وفرض نموذج أحادي القطبية، محذراً هذه الدول من احتمالات أن تكون التالية أمام الغضب الأمريكي.

وتتبع روسيا استراتيجية واضحة في أفريقيا، تسعى من خلالها تقديم نفسها كبديل أكثر موثوقية عن الغرب، وتستغل في ذلك حالة السخط لدى بعض الدول الأفريقية من الوجود الغربي، مقابل تعاطف هذه الدول مع الموقف الروسي. وفي هذا الإطار عمل لافروف خلال جولته الأفريقية على محاولة تخفيف حصة الدولار في التجارة البينية مع الدول الأفريقية، والعمل على استبداله بالعملات المحلية.

تصاعد التنافس الدولي:

هناك توجهات متنامية من قبل القوى الدولية للانخراط بشكل مكثف في القارة الأفريقية، وهو ما يمكن عرضه على النحو التالي:

1. توسع روسي محتمل: جاءت زيارة لافروف إلى القاهرة للحفاظ على التعاون المشترك، خاصةً في ظل الحصار الاقتصادي المفروض على موسكو، كما أن اختيار لافروف الكونغو وأوغندا وإثيوبيا في جولته الأفريقية الأولى بعد الحرب الأوكرانية يعكس حرص موسكو على توسيع حضورها في القارة خلال الفترة المقبلة، بحيث لا يقتصر على الساحل الأفريقي، ولكن يمتد إلى وسط وشرق القارة الأفريقية، لاسيما في ظل التحركات الفرنسية والغربية بشكل عام للبحث عن تحالفات جديدة في القارة.

2. مساعٍ أمريكية لاستعادة نفوذها: جاءت جولة لافروف بالتوازي مع الزيارة التي يقوم بها المبعوث الأمريكي إلى منطقة القرن الأفريقي، مايك هامر، إلى كل من مصر وإثيوبيا، لعلاج مشكلة سد النهضة، والحفاظ على النفوذ الأمريكي.

كما تسعى واشنطن لاستضافة قمة الزعماء الأفارقة في ديسمبر 2022، والتي ستكون الأولى منذ القمة التي عقدها الرئيس الأسبق باراك أوباما في 2014، كما أعلنت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية أنها ستقدم حوالي 1.3 مليار دولار كمساعدات لدول القرن الأفريقي المتضررة من الجفاف، على غرار إثيوبيا والصومال وكينيا.

3. تحركات أوروبية منفصلة: تسعى الدول الأوروبية للتحرك بشكل فردي للبحث عن مصالحها في أفريقيا لإيجاد بدائل عن الغاز والنفط الروسي بعد الحرب الأوكرانية، فضلاً عن التمسك بدورها التقليدي في القارة. وفي هذا السياق، تأتي الجولة الأفريقية التي يقوم بها الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، والتي تتضمن بنين والكاميرون وغينيا بيساو، بالتوازي مع جولة وزير الخارجية الروسي، حيث يسعى ماكرون لاستعادة النفوذ الفرنسي المتراجع في أفريقيا.

وعلى المنوال ذاته، بدأت إيطاليا تحركات مكثفة خلال الأشهر الأخيرة لإيجاد موطئ قدم لها في أفريقيا، لتأمين إمداداتها من الطاقة، وهو ما ينطبق على الموقف الألماني أيضاً ولكن بوتيرة أقل، وكذلك الحال بالنسبة لبريطانيا التي تعمل على استعادة حضورها داخل القارة الأفريقية.

4. الاستفادة من التعددية القطبية: يكرس التنافس الدولي الراهن على أفريقيا حالة الاستقطاب، لكن على الجانب الآخر يمثل فرصة بالنسبة لبعض الدول الأفريقية لتحقيق مزيد من المكتسبات، على غرار حالة أوغندا، والتي تسعى لموازنة علاقاتها بالغرب وروسيا، كما توفر زيارة لافروف لأوغندا دعماً سياسياً للرئيس موسيفيني الذي يسعى إلى تسهيل عملية انتقال السلطة لابنه موهوزي كاينيروغابا.

وفي الختام، يبدو أنه على الرغم من الجهود الأمريكية والأوروبية الحثيثة لعزل روسيا دولياً، فإن موسكو لا تزال تحظى بقبول لدى الكثير من الدول الأفريقية، وهو ما يعزى إلى العديد من المحددات، سواء العلاقات الاستراتيجية والاقتصادية التي تربط بعض هذه الدول بموسكو، أو بسبب القناعة بانتقائية التدخل الغربي في الأزمات الدولية، ومن ثم عدم الرغبة في الانخراط في استقطابات دولية لا جدوى منها.