• اخر تحديث : 2024-11-22 10:05
news-details
قراءات

الرسائل الاستراتيجية الثلاث للمناورات الجزائرية – الروسية


أعلنت وزارة الدفاع الروسية إجراء المناورات العسكرية "درع الصحراء 2022" مع الجزائر في ولاية بشار بالقرب من الحدود الجزائرية – المغربية، خلال شهر نوفمبر المُقبل. وتتزامن هذه المناورات مع احتفال الجزائر بمناسبتين؛ الأولى هي الذكرى الستين للاستقلال، والثانية مرور ستة عقود من التعاون الاستراتيجي بين الجزائر وروسيا.

وفيما يلي، سنحاول تسليط الضوء على دوافع هذه المناورات العسكرية، والرسائل التي يسعى الجانبان الجزائري والروسي لتمريرها إلى أطراف عديدة على المستويين الإقليمي والدولي.

1. توسيع الشراكة الروسية – الجزائرية لمواكبة التحولات الدولية والإقليمية:

فرضت التحولات الدولية والإقليمية على الجزائر إعادة النظر في عقيدتها الأمنية والعسكرية، ومراجعة ميثاق الشراكة الاستراتيجية مع روسيا، بهدف تطويره ليأخذ في الاعتبار التحديات الجديدة في الجوار الإقليمي للجزائر، وفي أفريقيا. وتخضع الاتفاقية حالياً مع موسكو للمراجعة والتنقيح، حيث سيتم توسيعها لتصبح "شراكة استراتيجية مُعمّقة وشاملة"، وتشمل مجالات أخرى غير التسليح والتعاون العسكري، وهي المجالات التي غفلت عنها وثيقة عام 2001.

ومن المُرجح أن يتم توقيع اتفاقية الشراكة الجديدة أثناء زيارة الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، إلى روسيا قريباً، وستأخذ هذه الاتفاقية في الاعتبار التحولات الدولية الراهنة، بما فيها تداعيات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا على موازين القوى في النظام الدولي.

وتتزامن مناورات "درع الصحراء" مع مرور 60 عاماً من العلاقات الدبلوماسية بين الجزائر وروسيا، حيث تُعد الجزائر أحد أهم مُستوردي السلاح من موسكو، وشهدت وارداتها من السلاح الروسي ارتفاعاً ملحوظاً في الفترة ما بين 2016 و2020، بنسبة 64% مقارنةً بالفترة 2011 - 2015، بحسب إحصائيات "معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام" (SIPRI). وعلى الصعيد الدبلوماسي، ساندت الجزائر حليفتها روسيا في الأمم المتحدة، وصوتت بـ "لا" ضد استبعاد روسيا من مجلس حقوق الإنسان التابع للمنظمة الدولية، في أبريل 2022.

2. تحقيق التوازن الاستراتيجي في منطقة الجوار الجزائري:

لا شك أن توقيت مناورات "درع الصحراء 2022" ليس صدفة، إذ إنها تأتي في سياق دولي وإقليمي مُتغير؛ فعالمياً مازالت الحرب في أوكرانيا لم تضع أوزارها، والعقوبات الاقتصادية الغربية ضد روسيا لم تحقق أهدافها بشكل كبير.

وعلى الصعيد الإقليمي، تأتي هذه المناورات في سياق شديد الحساسية بالنسبة للجزائر، في ظل التحركات العسكرية والأمنية لبعض دول الجوار الجزائري، وتوقيعها اتفاقيات للتعاون الاستخباراتي مع أطراف إقليمية أخرى؛ وذلك في إشارة إلى توقيع المغرب وإسرائيل اتفاقية تعاون عسكري واستخباراتي. وقد أفضى هذا التعاون العسكري، في يونيو 2022، إلى إجراء التدريبات العسكرية "الأسد الأفريقي 2022"، التي نظمها المغرب والولايات المتحدة، بمشاركة مراقبين إسرائيليين.

وفي ضوء هذه التطورات، تسعى الجزائر إلى تعزيز قدراتها الدفاعية التقليدية والإلكترونية. وبالتالي، فإن هدف الجيش الجزائري من تنظيم مناورات "درع الصحراء 2022" مع القوات الروسية، هو تعزيز قدراته الدفاعية لمواجهة التحديات الجديدة على الحدود. وستُخصص هذه المناورات للأعمال التكتيكية في مكافحة الإرهاب، وسيشارك فيها 80 جندياً روسياً، وحوالي 80 جندياً جزائرياً، بولاية بشار على الحدود مع المغرب، وفقاً لوكالة "سبوتنيك" الروسية.

وتجدر الإشارة إلى أن ميدان المناورات كان موقعاً سابقاً للجيش الفرنسي استخدمه لتطوير أسلحة باليستية وقاذفات فضائية، واسترجعته الجزائر في عام 1967. ويبدو أن السلطات الجزائرية، من خلال اختيار هذا الميدان بالذات، أرادت توجيه رسالة إلى باريس مفادها أن المنطقة تدخل عهداً جديداً يتسم بأفول النفوذ الفرنسي في الإقليم، ونهاية عقيدة "فرانس أفريك" حتى في المستعمرات الفرنسية السابقة.

وفي إطار هذه المعطيات، بات من الضروري إجراء مراجعة شاملة للعلاقات الجزائرية – الفرنسية، ولخريطة المصالح الفرنسية في الجزائر، انطلاقاً من مبدأ "الند للند"، ولعّل البداية ستكون مع قرار مجلس الوزراء الجزائري إدراج اللغة الانجليزية في مرحلة التعليم الابتدائي ابتداءً من العام الدراسي المُقبل.

وجدير بالذكر أن "درع الصحراء 2022" هي المناورات الثانية التي يجريها الجيشان الجزائري والروسي، بعد تلك التي أجرتها البحرية الجزائرية مع نظيرتها الروسية في البحر الأبيض المتوسط في نوفمبر 2021، لتعزيز الأمن الإقليمي. وتمحورت هذه المناورات حول المراقبة البحرية بمشاركة غواصات، وتمت محاكاة سيناريو معركة بحرية حقيقية ضد عدو في أعماق البحر. وقد أبدت الولايات المتحدة قلقها من تلك المناورات، على اعتبار أنها تعزز من النفوذ الروسي في شمال أفريقيا وفي الساحل وفي أفريقيا جنوب الصحراء، وهي مناطق نفوذ تقليدية لحلفاء واشنطن.

3. إضعاف النفوذ الفرنسي في الساحل وأفريقيا جنوب الصحراء:

منذ وصول الرئيس فلاديمير بوتين إلى السلطة في روسيا عام 2000، صاغ استراتيجية عالمية لبلاده انطلاقاً من رؤيته لما يجب أن تكون عليه مكانة روسيا في النظام الدولي. ويُمني بوتين النفس باستعادة أمجاد الاتحاد السوفيتي السابق، حيث يعتبر تفككه "أكبر كارثة جيوستراتيجية في القرن العشرين". وبالنظر إلى مكانة الجزائر الجيوستراتيجية باعتبارها دولة محورية في إقليمها، فإن الشراكة الاستراتيجية الجزائرية – الروسية بمفهومها الواسع تشمل تنسيقاً بين البلدين في أفريقيا، قاعدته المصالح المشتركة وفي مقدمتها إضعاف النفوذ الفرنسي في القارة السمراء.

وقد نجحت موسكو منذ سنوات في بناء شبكة من العلاقات الواسعة مع الدول الأفريقية، على حساب القوى الأوروبية وتحديداً فرنسا. ولا يقتصر الوجود الروسي في أفريقيا على الجانب العسكري، إذ يتسع ليشمل قطاعات أخرى مثل الزراعة، واستخدام الطاقة النووية لأغراض سلمية.

ووفقاً للبعض، فإنه من بين الأهداف الرئيسة لسياسة فرنسا في الساحل وأفريقيا جنوب الصحراء، إضعاف الجزائر، حيث تتحرك باريس في هذا الاتجاه عبر نشر الفوضى في العمق الاستراتيجي للجزائر (مالي، والنيجر، وتشاد، وبوركينا فاسو)، ومحاولة إنهاك جيشها وإلهائه بسلسلة من الأزمات الأمنية في جوارها الإقليمي، وذلك ضمن مخطط أوسع يستهدف استدراج الجزائر إلى حروب استنزاف، حتى يسهل الانقضاض على الجبهة الداخلية وزعزعة استقرارها بـ "حروب الجيل الرابع"، كما حدث في عام 2019 عقب استقالة الرئيس السابق، بوتفليقة، واندلاع الحراك الشعبي، حيث شهدت الجزائر آنذاك أكبر حملة تحريض ضد الجيش وقيادته، وضد مؤسسات الدولة ورموزها.

وتأتي مناورات "درع الصحراء 2022" في سياق سحب فرنسا كامل قواتها من مالي عقب فشلها في تحقيق الاستقرار والأمن والقضاء على الإرهاب، وهو ما أجّج مشاعر العداء ضد الوجود العسكري الفرنسي في هذه المنطقة. وعلى سبيل المثال، شهدت بوركينا فاسو، يوم 12 أغسطس 2022، تظاهرات غاضبة في العاصمة واجادوجو، رافضة للوجود العسكري الفرنسي في البلاد. ورفع هؤلاء المتظاهرون العلم الروسي، ولافتات تطالب بإنهاء الوجود الفرنسي وتفكيك قواعدها العسكرية.

وتخشى أوروبا من أن تستغل روسيا إخفاقات الجيش الفرنسي في منطقة الساحل وأفريقيا جنوب الصحراء، لتملأ الفراغ، حيث توظف موسكو تنامي مشاعر العداء ضد القوات الفرنسية، وتروج لخطاب معادٍ للقوى الاستعمارية "الإمبريالية" التي تنهب ثروات أفريقيا، وهي القوى ذاتها المسؤولة عن تخلف دول القارة. كما تستخدم روسيا في مواجهة فرنسا والغرب، "حروب الدعاية والدعاية المُضادة على منصات التواصل الاجتماعي". ومن جهتها، تشن المخابرات الفرنسية والأوروبية حملة دعائية ضد قوات "فاغنر" الخاصة الروسية، وتتهمها بالعمل ضد المعايير الديمقراطية الغربية، باعتبارها تساند الأنظمة الديكتاتورية في أفريقيا، وتؤيد الانقلابات العسكرية في القارة، على حد ذكرها. كما تروج المخابرات الفرنسية والغربية لصورة سوداوية لما سيكون عليه الإقليم بعد انسحابها، حيث ستسقط المنطقة في قبضة الجماعات الإرهابية، وفقاً لهذا السيناريو.

إجمالاً، تتمثل الغاية الأساسية لمناورات "درع الصحراء 2022" بين روسيا والجزائر المُقررة في نوفمبر المُقبل، في تعزيز القدرات الدفاعية والعسكرية للجيش الجزائري في مواجهة التحديات الجديدة والمتزايدة بالإقليم، وحماية المصالح الحيوية للبلاد.