• اخر تحديث : 2024-03-28 03:17
news-details
إصدارات الأعضاء

بعد "الانفتاح" التركي على سوريا... هل تحذو الدول العربية حذو أنقرة؟


على الرغم من الضجة التي أثارها بعض الإعلام في الآونة الأخيرة عن التقارب السوري- التركي، غير أن عودة العلاقة الثنائية بين البلدين إلى ما كانت عليه قبل اندلاع الأزمة السورية عام 2011، وانخراط أنقرة كركنٍ أساسي في المحور المعتدي على سوريا، لجهة احتضان المجموعات المسلحة، وقياداتها المسماة "الائتلاف السوري المعارض"، وتقديم مختلف أنواع الدعم لها، غير أن عودة هذه العلاقة إلى طبيعتها، لا تزال بعيدة المنال، وتعتريها تعقيدات سياسية كبيرة، على الرغم من بدء المفاوضات بين الجانبين السوري والتركي منذ أشهر الآيلة إلى تمهيد الطريق أمام عودة تطبيع هذه العلاقات، تحديداً بين جهازي الاستخبارات في البلدين، بإقرار أعلى المراجع السياسية التركية.

 أما الحديث عن عقد لقاء مرتقب بين الرئيسين بشار الأسد ورجب الطيب إردوغان في وقت قريب، فهذا الكلام غير واقعيٍ راهناً. فعادةً يأتي انعقاد اللقاءات بين الدول على المستوى الرئاسي، تتويجاً لمصالحة أو معاهدة أو اتفاق. أما العلاقة السورية-التركية، فلا تزال في بدايتها، ولم تتخطَّ الطابع التقني حتى الساعة. 

ولكن ليس مستغرباً أن تجمع قمة "شنغهاي للتعاون"، المزمع عقدها في أيلول/سبتمبر المقبل في أوزبكستان الرئيسين السوري والتركي، فهذا الأمر بحد ذاته، يسهم في تخفيف التوتير في العلاقة بين البلدين، ولكنه متوقف على مشاركة الأسد في هذه القمة أولاً. وعندئذ ليس مستغرباً أن تحصل "مصافحة مجاملة" بين الرئيسين السوري والتركي على هامش انعقاد القمة المذكورة، في ضوء المساعي الروسية-الإيرانية لرأب الصدع بين دمشق وأنقرة. وفي حال مشاركة الأسد في القمة أولاً، ثم في حال حصول المصافحة المفترضة ثانياً، فهذا لا يعني أن العلاقات الثنائية السورية-التركية عادت إلى الحال التي كانت عليها قبل اندلاع الحرب الكونية على سوريا، وبالتالي إعادة تفعيل "اتفاق أضنة" عام 1998. فالعودة إلى تطبيق هذا الاتفاق غير متاحةٍ في الوضع القائم والأمر الواقع الراهن في المناطق الحدودية المشتركة السورية-التركية، والى ما بعد هذه المناطق أيضاً. على اعتبار أن هذا الاتفاق يجيز للقوات التركية التوغل في الأراضي السورية بعمق خمسة كيلومترات، لحماية الأمن القومي التركي.

 أما اليوم، فقد بات وجود الجيش التركي في الأراضي السورية وجوداً احتلالياً داعماً للمجموعات الإرهابية التي تقوّض الاستقرار السوري، ولتبرير هذا الاحتلال، رأى إردوغان أن الجيش التركي ينتشر في سوريا، بموجب اتفاق "أضنة" الذي يتيح له القيام بعملياتٍ عسكريةٍ هناك.

دمشق ترفض هذه الذرائع التركية جملةً وتفصيلاً، وهذا ما عبّر عنه بوضوحٍ وزير الخارجية السورية فيصل المقداد من موسكو أخيراً، الذي شدّد على ضرورة أن تحترم تركيا السيادة السورية أولاً، ولو من باب الافتراض، فيما لو وافقت دمشق على كلام الرئيس التركي، فمعنى ذلك أنها "لحست توقيعها"، وبالتالي تكون قد شرّعت الاحتلال التركي، والأخطر من ذلك أن الموافقة السورية على كلام إردوغان المذكور آنفاً، تتيح للأخير، تفسير اتفاقية أضنة، كما يشتهي ووفقاً لمصالحه الانتخابية وسواها، تحديداً لجهة البند الذي يتيح للجيش التركي القيام بعمليات عسكرية في الأراضي السورية، فحتماً سيستند النظام التركي إلى هذا البند، ويستكمل هجماته على المكوّن الكردي السوري، على اعتبار أن أنقرة تصنّف بعض التنظيمات الكردية، "إرهابية"، وهذا ما لن تقبل به دمشق في أي ظرف من الظروف.

أضف إلى ذلك، أن ضرب الكرد ومحاولة عزلهم، سيدفعانهم إلى مزيد من الارتماء في الحضن الأميركي، الذي سيعمل بدوره لتقويض أي اتفاقٍ سوريٍ-تركيٍ، خصوصاً أنه بمسعىً مشترك روسي-إيرانيٍ. وبهذا الصدد، توافرت معلومات عن وصول وفدٍ عسكريٍ أميركيٍ إلى مطار الحسكة في الأيام القليلة الفائتة، للاجتماع بقيادة "قوات سوريا الديموقراطية" (قسد)، بغية التنسيق معهم في مهمات لم يكشف عنها. وجاء ذلك عقب إعلان أنقرة عزمها على التفاوض مع دمشق. كذلك لدى سوريا حرص على عدم عزل أو تطويق أي مكونٍ من مكونات الشعب السوري، لأن ذلك يؤدي إلى نشوء كونتونات طائفية وإثنية داخل الحدود السورية، وهذه أكبر المحرّمات في السياسة السورية. 

إذاً، هناك تعقيدات كبيرة ومتعددة في ملف العلاقات السورية-التركية، وهي بحاجةٍ إلى جولاتٍ مطولةٍ من البحث، كي تعود إلى ما كانت عليه، وحتماً هذا الأمر غير متاحٍ في المدى المنظور، بل يتطلب وقتاً طويلاً، خصوصاً في ضوء الخلاف القائم بين الجانبين على تحديد الأولويات، وتمسك سوريا بانسحاب كل الاحتلالات من الأراضي السورية، واعتبار التنظيمات التي تدعمها تركية، تنظيمات إرهابية، ومنها "الجيش الوطني" في ريف حلب وسواها.

وفي الحصيلة، يمكن توصيف هذا "الانفتاح" التركي على سوريا، بأنه يحمل رسالةً إيجابيةً للجانبين الروسي والإيراني، خصوصاً عقب لقاء طهران الذي عقد بين إردوغان والرئيسين الروسي والإيراني، فلاديمير بوتين وإبراهيم رئيسي في تموز الفائت. كذلك يندرج هذا "الانفتاح" في إطار عودة تركيا على انتهاج دبلوماسية "الصفر مشاكل مع جيرانها"، والأبرز من كل ما ذكر، فلا ريب أن هذا "الانفتاح" يشكّل حاجةً انتخابيةً لإردوغان في الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها عام 2023، على اعتبار أن الانفتاح على سوريا، يسهم في حل أزمة النازحين السوريين إلى تركيا، وتداعياتها الاقتصادية على الشعب التركي. ومن ناحيةٍ أخرى، لا ريب في أن بداية هذا "الانفتاح" تسهم في تبريد الأجواء في المنطقة ككل. وقد يدفع الدول العربية إلى تعزيز علاقاتها بسوريا أيضاً، إثر هذا الانفتاح التركي، لا سيما أن "الفيتو" الأميركي حال دون تعزيز هذه العلاقات على المستوى المطلوب.