أعلن المكتب الاعلامي للمنطقة العسكرية الجنوبية الروسية، في 8 أغسطس 2022، أن التدريبات العسكرية الروسية – الجزائرية لمكافحة الإرهاب "درع الصحراء 2022" سوف يتم تنظيمها لأول مرة في الجزائر في نوفمبر المقبل. وستجري هذه المناورات على الحدود المتاخمة للمغرب، فضلاً عن أنها تأتي بعد شهرين فقط من انتهاء مناورات "الأسد الأفريقي" التي قادتها الولايات المتحدة في الرباط.
تعاون روسي – جزائري متنامٍ:
تشهد العلاقات الجزائرية الروسية تنامياً ملحوظاً في الوقت الراهن، وهو ما يمكن عرضه على النحو التالي:
1. تدريبات مشتركة لمكافحة الارهاب: أعلنت موسكو أن التدريبات العسكرية المشتركة مع الجزائر "درع الصحراء" ستوف تجري في الجزائر للمرة الأولى في نوفمبر القادم، وذلك في قاعدة "حماقير" الوقعة بين ولاية "بشار" وولاية "تندوف"، على الحدود المتاخمة للمغرب، حيث تستهدف هذه المناورات التدريب على الكشف عن المجموعات الارهابية وتدميرها. ومن المفترض أن يشارك في هذه التدريبات حوالي 80 عسكرياً من تشكيلات البنادق الآلية المتمركزة شمال القوقاز، بالإضافة إلى 80 عسكرياً من الجزائر. وتم الاتفاق على هذه المناورات بين الجانبين في أبريل الماضي.
2. مناورات عسكرية متتالية: تعد المناورة العسكرية المرتقبة بين روسيا والجزائر هي الثانية من نوعها بين البلدين خلال أقل من 12 شهراً، حيث أجريت المناورات الأولى لـ "درع الصحراء" في أوسيتيا الشمالية في أكتوبر الماضي، وتضمنت مشاركة نحو 200 جندي من القوات الخاصة من الجانبين. وركزت هذه المناورات على عمليات اقتحام نقاط ارتكاز المجموعات المتمردة وتحرير الرهائن، فضلاً عن اختبار تقنيات مكافحة الارهاب. وأجرى البلدان كذلك مناورات بحرية مشتركة في نوفمبر الماضي، كما يجري حالياً التحضير لمناورات بحرية جديدة بين الجانبين قبل نهاية العام الجاري.
3. شراكة استراتيجية جديدة: أكد السفير الجزائري، إسماعيل بن عمارة، في مايو الماضي، أنه يجري حالياً بحث مشروع ارتباط استراتيجي بين البلدين، يستهدف تعزيز العديد من مجالات التعاون المشترك، وهو ما أكده السفير الروسي لدى الجزائر، إيجور بيلايف، والذي أشار إلى الاستعداد لإطلاق وثيقة استراتيجية جديدة بين موسكو والجزائر تستهدف تعزيز العلاقات بين الجانبين.
دوافع عديدة:
تباينت التقديرات بشأن دوافع قيام الجزائر وروسيا بالاتفاق على تنفيذ مناورة "درع الصحراء 2022"، والتي يمكن عرضها على النحو التالي:
1. الرد على مناورات "الأسد الأفريقي": جاء إعلان موسكو عن هذه المناورات بعد نحو شهرين فقط من انتهاء مناورات "الأسد الأفريقي" المشتركة بين الولايات المتحدة والمغرب، والتي استضافتها الأخيرة وجرت على الحدود المتاخمة للجزائر، وهي المناورات التي أثارت غضب الجزائر، ليس فقط لتوتر العلاقات بين الجزائر والمغرب، ولكن لمشاركة إسرائيل فيها للمرة الأولى.
ويؤكد ذلك تغيير مكان استضافة المناورات الروسية – الجزائرية، فقد أعلنت موسكو، في أبريل الماضي، أن المناورات سوف تعقد في ولاية "أدرار" في الجنوب الجزائري، ليتم بعد ذلك تغيير مكانها وتحويلها إلى قاعدة حماقير بين ولايتي "بشار" و"تندوف"، التي تبعد نحو 50 كيلومتراً فقط عن الحدود المغربية.
وتأتي المناورات المرتقبة رداً كذلك على مناورات "التبادل الجوي المغربي 2022" الفرنسية – المغربية والتي استضافتها الرباط في مايو 2022، واستهدفت تعزيز التشغيل البيني للطائرات المقاتلة بين البلدين، كما سبقتها مناورات أخرى بين باريس والرباط في مارس الماضي، تحت مسمى "شركي 2022".
2. التنسيق بشأن الأوضاع الأمنية في مالي: تأتي المناورات الجزائرية – الروسية في ظل الانسحاب الفرنسي منها، وتنامي الحضور الروسي هناك، فضلاً عن تصاعد وتيرة النشاط الإرهابي في شمال مالي على حدود الجزائر، الأمر الذي بات يمثل تهديداً للأخيرة، وتسعى الجزائر وروسيا إلى تنسيق التعاون الأمني بينهما لمواجهة التهديدات الإرهابية، خاصةً مع اتهامات باماكو الأخيرة لفرنسا بدعم الجماعات الإرهابية.
3. توظيف الجزائر لتقاربها مع روسيا: تعد الجزائر ثالث أكبر مستورد للسلاح الروسي في العالم، بعد الهند والصين. وتسعى الجزائر للاستفادة من علاقاتها الاستراتيجية مع موسكو لمواجهة منافسها التقليدي الرباط. ويلاحظ أن موافقة الجزائر على المشاركة في هذه المناورات مع روسيا في ظل الضغوط الغربية الراهنة ضد موسكو بسبب الحرب الأوكرانية، فضلاً عن رفض الجزائر إدانة روسيا في الأمم المتحدة، يكشف عن سعي الجزائر للحصول على دعم موسكو لها في ملف الصحراء الغربية، لموازنة التعاون المغربي المتزايد مع الولايات المتحدة.
4. مساعي الجزائر للانضمام إلى "بريكس": يلاحظ أن تنامي العلاقات العسكرية بين روسيا والجزائر سوف يدعم مساعي الأخيرة للانضمام إلى مجموعة بريكس، من خلال الحصول على دعم موسكو في هذا الأمر. وكان الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، ألمح مؤخراً إلى أن بلاده تسعى للانضمام إلى مجموعة بريكس، مشيراً إلى أنها باتت تمثل بديلاً عن مراكز القوى السياسية والاقتصادية التقليدية.
5. رسائل روسية للغرب: تسعى موسكو لبث رسائل ضمنية للغرب مفادها أنها لا تزال قادرة على تعزيز حضورها وتعاونها مع شركائها الدوليين والاقليميين، وأن قدراتها لم تتأثر بسبب الحرب الأوكرانية، كما يروج الغرب لذلك، مع التلويح بأنها ستواصل تحركاتها الخارجية باعتبارها قوة عظمى في النظام الدولي.
ارتدادات محتملة:
يمكن رصد جملة من الارتدادات المحتملة عن التعاون العسكري المتنامي بين روسيا والجزائر، وذلك على النحو التالي:
1. تصاعد التنافس الدولي في شمال أفريقيا: ثمة اتجاه لتصاعد وتيرة التنافس الروسي – الأمريكي في شمال أفريقيا، فقد تزامن الإعلان عن هذه المناورات بالتوازي مع جولة وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، للقارة الأفريقية، والتي أعلن خلالها عن استراتيجية واشنطن الجديدة الرامية إلى تعزيز الحضور والنفوذ الأمريكي فيها.
وفي الواقع، لم تعد الصين بعيدة كثيراً عن هذا التنافس، حيث تعمل بكين على تعزيز حضورها في أفريقيا، وتحظى شمال أفريقيا بأهمية خاصة في الاستراتيجية الصينية، خاصة الجزائر، وهو ما انعكس في تنامي الاستثمارات الصينية هناك، مع اتجاه بكين لبناء ميناء بحري في مدينة "شرشال"، فضلاً عن تطوير ميناء "الحمدانية". كما أن بكين تحولت خلال السنوات الأخيرة لمصدّر مهم للأسلحة للجزائر، كان آخرها صفقة المسيرات من نوع "رينبو سي إيتش 5" التي تعقادت الجزائر مع الصين لشرائها في يناير 2022.
2. تنسيق روسي – جزائري في مالي: يبدو أن ثمة تنسيقاً مشتركاً بين الجزائر وروسيا لتحقيق الاستقرار ومكافحة الإرهاب هناك، وهو ما وضح في إعلان المجلس العسكري الحاكم في باماكو التوصل إلى اتفاق مع تنظيمات مسلحة في شمال مالي، يتم بموجبه دمج نحو 26 ألفاً من المتمردين داخل الجيش المالي، وذلك بما يتفق مع اتفاق السلام الموقع في الجزائر عام 2015. كما رحبت بالاتفاق الأخير بين الأطراف في مالي. ويرجح ما سبق أن تشهد الفترة المقبلة مزيداً من التنسيق بين الجزائر وروسيا حول مالي تترتب عليه زيادة الحضور الجزائري في باماكو.
3. زيادة الانخراط الجزائري في الساحل: لا تقتصر التطلعات الجزائرية فقط على مالي، بل تسعى لتوسيع تمددها في الساحل لتعزيز مصالحها الاقتصادية والسياسية، ومواجهة النفوذ المغربي المتنامي هناك، ويحظى التوسع الجزائري في الساحل بدعم روسي، لاسيما في ظل تحركات الجزائر لإعادة إحياء مشروع "الطريق العابر للصحراء"، والذي يعبر نحو 6 دول، تتضمن مالي وتشاد والنيجر وتونس ونيجيريا، بالإضافة للجزائر، وذلك بطول 10 آلاف كيلومتر تقريباً، فضلاً عن التحركات الجزائرية لإحياء مشروع "خط الغاز العابر للصحراء الكبرى" بالتعاون مع النيجر ونيجيريا.
4. تعزيز دور روسيا في مكافحة الارهاب: تعكس طبيعة المناورات الجزائرية – الروسية تعكس وجود توجه لدى موسكو لتوسيع انخراطها في ملف مكافحة الإرهاب في شمال أفريقيا، لمنافسة الدور الأمريكي والأوروبي في هذا الملف، خاصةً أن المنطقة التي ستحتضن هذه المناورات تعد بؤرة نشاط إرهابي بالقرب من الحدود مع المغرب ومالي وموريتانيا.
ويعزز هذا الطرح طبيعة المناورات المرتقبة بين موسكو والجزائر، والتي يفترض أن يشارك فيها حوالي 80 عسكرياً فقط من كل جانب، والذي يتناسب مع طبيعة الأهداف المتعلقة بمكافحة الارهاب بخلاف المناورات التقليدية بين الجيوش، والتي تشهد مشاركة أكبر وأسلحة متنوعة.
5. سباق تسلح بين الجزائر والمغرب: تتعدد المؤشرات على حدوث سباق تسلح بين البلدين، وهو ما وضح في المناورات العسكرية المتكررة لكليهما خلال الأشهر الأخيرة، فضلاً عن مساعيهما لزيادة إنفاقهما العسكري. فقد بلغ الإنفاق العسكري الجزائري في عام 2020 حوالي 9.7 مليار دولار، فيما رصدت الجزائر قد حوالي 13 مليار دولار للإنفاق العسكري في ميزانية العام الجاري، في مقابل 4.8 مليار للمغرب، وإن كانت الرباط تسعى خلال الفترة المقبلة لزيادة حجم إنفاقها العسكري.
وتستعد الجزائر للحصول على نحو 14 مقاتلة روسية من طراز "سوخوي – 34"، وتشير مصادر إلى إبرام الجانبين اتفاقاً لحصول الجزائر على مقاتلة "سوخوي – 57" الشبحية، إلى جانب صفقات تسليح أخرى أبرمتها الجزائر مع الصين.
وفي المقابل، تتبنى المغرب حالياً خطة ترقية شاملة لقواتها، حيث عقدت الرباط صفقات مع إسبانيا للحصول على فرقاطات وسفن حربية، بالإضافة إلى صفقة شراء صواريخ جو – أرض من الولايات المتحدة، وكذا عقدت الرباط صفقة لشراء طائرات مسيرة من تركيا، فضلاً عن صفقة دفاع جوي بنحو 500 مليون دولار مع إسرائيل.
وثمة تخوفات من أن يؤدي سباق التسلح بين البلدين إلى تصاعد التوتر حول الصحراء الغربية، خاصة إذا ما اتجهت جبهة البوليساريو لشن هجمات جديدة.
وفي الختام، يبدو أن شمال أفريقيا سيشهد خلال الفترة المقبلة تصاعداً في حدة التنافس والاستقطاب الدولي، لاسيما بين الولايات المتحدة وروسيا، وهو ما سيؤثر على كثير من المفات الشائكة في المنطقة، على غرار الملف الليبي وملف مكافحة الارهاب، ناهيك عن زيادة حدة التوترات بين الجزائر والمغرب.