• اخر تحديث : 2024-11-22 10:05
news-details
تقدير موقف

تصاعد التحديات الأمنية لأديس أبابا داخلياً وخارجياً


تشهد إثيوبيا، خلال الأشهر الماضية، تصاعداً للتهديدات على الجبهات المختلفة، سواء الداخلية أو الخارجية، وإن كان هذا لا ينفي أن الحكومة الفيدرالية الإثيوبية جلست على طاولة المفاوضات مع الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي. وتجلى ذلك خلال زيارة المبعوث الأمريكي الخاص للقرن الأفريقي، مايك هامر في نهاية يوليو لإثيوبيا، حيث بحث جهود إرساء سلام دائم بين الطرفين.

أزمات مركبة:

تعاني إثيوبيا من العديد من الأزمات والتهديدات الأمنية، والتي يمكن تفصيلها على النحو التالي:

1. صراعات داخلية من دون تسوية: واجهت الدولة الإثيوبية عدداً من الأزمات الداخلية، والتي لاتزال محاولات علاجها تواجه تحديات كبيرة، ويتمثل ذلك في التالي:

أ- تفاقم التوتر في أوروميا: تشهد إثيوبيا بؤرة أزمة محتملة، مع مقتل ما لا يقل عن 260 شخصاً ينتمون إلى الأقلية العرقية من الأمهرة في منطقة أوروميا بغرب إثيوبيا في نهاية يونيو الماضي. وتفيد بعض الروايات بأن جيش تحرير أورومو هو المسؤول عن هذا الهجوم.

وأعلنت جبهة تحرير غامبيلا وجيش تحرير أورومو عن عملية مشتركة لتحرير غامبيلا في منتصف يونيو. وفي بداية يوليو، تم الإعلان عن مقتل حوالي 160 شخصاً، ليتم إلقاء باللوم على جيش تحرير أورومو مرة أخرى، إلا أن الجماعة نفت هذه الاتهامات، موجهة اتهاماً للحكومة الفيدرالية وميليشيات الأمهرة بالمسؤولية عن الحادث.

ب- تعثر المفاوضات بين أديس أبابا وتيغراي: أعلنت الحكومة الإثيوبية، في 17 أغسطس، تسليمها مقترح سلام للاتحاد الأفريقي لحل الصراع مع الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، مع تأكيدها على أهمية توقيع اتفاق شامل لوقف إطلاق النار أولاً، وذلك قبل الدخول في مفاوضات مباشرة مع الجبهة لإرساء السلام. كما شكلت أديس أبابا لجنة للسلام للإعداد للمفاوضات.

واعتبر المتحدث باسم "جبهة تحرير شعب تيغراي"، جيتاشيو رضا في تغريدة على تويتر أن "ما يسمى بلجنة السلام، تمارس لعبتها المعتادة المتمثلة في التحايل على المجتمع الدولي، بينما تستفز قواتها على نحو نشط على جبهات عدة"، واتهمت أديس أبابا، في 18 أغسطس، الجبهة برفض إجراء محادثات سلام، وهو ما ينذر بتجدد الصراع بين الجانبين من جديد.

ويلاحظ أن تدهور الأوضاع الإنسانية والاقتصادية قد يكون عاملاً ضاغطاً على الجانبين للعودة للمفاوضات، إذ إن إقليم تيغراي يعاني قطع الخدمات الحيوية، مثل الاتصالات والكهرباء، والخدمات المصرفية. كما أن هناك ما يقرب من خمسة ملايين من تيغراي بحاجة ماسة إلى الغذاء والدواء، بما في ذلك ما يقدر بنحو 116 ألف طفل يعانون سوء التغذية الحادة.

وعلى الجانب الآخر، فإن الحكومة الإثيوبية تواجه أزمات اقتصادية حادة، حيث بلغ معدل التضخم السنوي 37% في شهر أبريل الماضي، وقدرت الأمم المتحدة في أوائل عام 2022 أن ما يصل إلى 30 مليون إثيوبي، ثلاثة أرباعهم من النساء والأطفال، بحاجة إلى مساعدات عاجلة. وانطلاقاً مما سبق، تدرك أديس أبابا أهمية استئناف جهود السلام، سعياً للحصول على المنح الدولية، وجذب الاستثمارات الأجنبية، للخروج من مأزقها الاقتصادي.

2. نزاعات حدودية قائمة: لاتزال إثيوبيا تعاني عدداً من الأزمات الحدودية مع الدول المجاورة لها، والتي يمكن تفصيلها على النحو التالي:

أ- الأزمة الحدودية مع السودان: شهدت المنطقة الحدودية بين السودان وإثيوبيا تفاقم التوترات الحدودية، والتي تبلورت من خلال إعدام 8 أسرى سودانيين في منطقة الفشقة السودانية في يونيو الماضي، وما تبعه من تراشق للمدفعية بين الجانبين على الحدود.

وامتد التصعيد بين الطرفين إلى استدعاء الجانب السوداني لسفيرها من إثيوبيا للتشاور، في حين استدعت الخارجية الإثيوبية السفير السوداني لإدانته عملية القتل، إذ تنكر أديس أبابا مسؤوليتها عن الحادث.

ومن غير المتوقع أن يتطور النزاع الحدودي إلى حرب شاملة بين الطرفين، نظراً لأن كلا البلدين يواجهان أزمات داخلية محتدمة، وأوضاع اقتصادية متردية، تجعل من الصعوبة بمكان خوض الطرفين حرباً شاملة. وما يؤكد ذلك إطلاق رئيس وزراء إثيوبيا، آبي أحمد، تغريدة إيجابية تجاه السودان، في 29 يونيو 2022، على موقع تويتر، أكد فيها أنه على الرغم من وجود توترات مع السودان، فإنه المطلوب، وفقاً له، هو التكاتف والتعاون لحل المعضلات، في مؤشر على عدم استعداد إثيوبيا على خوض أي صراعات حدودية خلال الفترة المقبلة.

ب- اختراق الشباب الحدود الإثيوبية: تصاعدت التوترات في المنطقة الحدودية بين الصومال وإثيوبيا، وتحديداً في إقليم أوجادين، إذ تمكنت حركة الشباب، في منتصف يوليو من إرسال 500 عنصر لها، والذين تسللوا إلى داخل الإقليم، ونفذوا هجمات إرهابية. وعلى الرغم من تأكيد رئيس إقليم أوجادين، مصطفى محمد عمر، فإن المواجهات انتهت وأسفرت عن مقتل 200 إرهابي، فإنه حتى نهاية يوليو الماضي، شنّت القوات الإثيوبية غارات جوية على المنطقة الحدودية بين الصومال وإثيوبيا بمحافظة كول بإقليم أوجادين لاستهداف مسلحين من حركة الشباب الصومالية، وهو ما يكشف عن ضراوة هجوم الشباب الأخير.

كما توعد القيادي في حركة الشباب، فؤاد محمد خلف الملقب بـ "شونغلي" الحكومة الإثيوبية بهجمات جديدة، مضيفاً أن النصر سيكون حليفهم، وهو ما يعني أن حركة الشباب قد تستمر محاولتها في التركيز على تنفيذ هجمات في الداخل الإثيوبي. ويبدو أن الهدف من هذا الهجوم كان محاولة لتأسيس وجود للحركة داخل الأراضي الإثيوبية، ومحاولة إيجاد أنصار لها في الإقليم ذات الأغلبية من العرقية الصومالية.

وأعلن مسؤولون إثيوبيون عن إنشاء منطقة عازلة داخل الصومال لتحجيم نشاط الشباب، مما شكل انتهاكاً للسيادة الصومالية، ودفع مقديشو للاعتراض على هذا الأمر. وتجدر الإشارة إلى أن إقليم أوجادين هي أحد المناطق المتنازع عليها بين إثيوبيا والصومال، إلا أن إثيوبيا تقوم بإدارته. وتراجعت السلطات الصومالية، في 23 يناير 2022، عن قرار سابق أصدرته في 2017، يعتبر "جبهة تحرير أوغادين" في إثيوبيا كياناً إرهابياً، وهو ما يعني إمكانية تجدد الصراع بين البلدين على الإقليم من جديد.

3. أزمة إنسانية محتدمة: أشار مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إلى أن عدد القوافل الإنسانية إلى عاصمة تيغراي، ميكيلي، قد بلغ نحو 4308 منذ بداية أبريل حتى 19 يوليو، إلا أن المنظمة أوضحت عدم كفاية تلك المساعدات. كما أشار برنامج الأغذية العالمي إلى احتياج أكثر من 9 ملايين مواطن لمساعدات إنسانية.

ومن جهة أخرى، فإن المناطق التي سيطرت عليها الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي خلال العام الماضي ما زالت محرومة من الخدمات الأساسية، مثل الكهرباء والاتصالات والخدمات المصرفية. وفاقم هذه التحديات تعرض البلاد لأشد موجة جفاف تشهدها المنطقة منذ أربعة عقود، والتي تسببت في نفوق الملايين من الماشية وزيادة سوء التغذية.

وعلاوة على ما سبق، نزح حوالي 2.5 مليون مواطن داخل البلاد، فضلاً عن فرار حوالي 3 آلاف شخص يومياً من تيغراي إلى شرق السودان، فمع بداية مارس 2022، تم قبول حوالي 60 ألف إثيوبي كلاجئ وطالب للجوء في السودان.

الملفات العالقة مع تيغراي:

تأتي أزمة المفاوضات بين الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي والحكومة الفيدرالية على رأس التحديات التي تواجه الحكومة الإثيوبية، ويتمثل أبرز الملفات الخلافية بين الطرفين في التالي:

1. اختيار الوسيط في المحادثات: لاتزال هناك اختلافات بين الحكومة الإثيوبية وجبهة تيغراي حول من سيقوم بدور الوسيط في تلك المحادثات، وأين يجب أن تتم. ويفضل زعيم الجبهة، ديبريتسيون جيبريمايكل، أن تضطلع الحكومة الكينية بدور الوساطة، بينما يرفض جيبريمايكل وساطة مبعوث الاتحاد الأفريقي للقرن الأفريقي، الرئيس النيجيري السابق، أولوسيغون أوباسانجو، نظراً لانحيازه إلى أديس أبابا، وفقاً للجبهة. من جانبها، تدعم الحكومة الفيدرالية وساطة أوباسانجو.

2. استعادة غرب تيغراي: قدم ديبرتسيون، في 15 يونيو، أبرز مطالب تيغراي الرئيسة، وأهمها عودة منطقة تيغراي الغربية إلى إدارته الإقليمية. فقد قامت قوات الأمهرة، المتحالفة مع الحكومة الإثيوبية، بالسيطرة على غرب تيغراي في نوفمبر 2020، معلنة أن غرب تيغراي هي أرضهم التاريخية، بل وشردت مئات الآلاف من سكان تيغراي.

كما شهدت المنطقة انتشاراً للجنود الإريتريون في المنطقة أيضاً، جزئياً، لتدريب حلفائهم من ميليشيات الأمهرة. ويلاحظ أن أي تحرك للحكومة الفيدرالية لتأكيد السيطرة الأمنية أو الإدارية للأمهرة على المنطقة، سوف تواجه بمعارضة شرسة من تيغراي وتفتح الباب أمام تجدد المواجهات المسلحة.

3. الاعتراف بقوات تيغراي: يتمثل المطلب الآخر المهم للتيغراي في احتفاظ الإقليم بالقوات العسكرية التي تم إنشاؤها، وخاضت بها الحرب ضد الحكومة الفيدرالية. ومن المحتمل أن تصر أديس أبابا على أن تقوم الجبهة بتقليص حجم قواتها العسكرية، لأنها تمثل تهديداً مستمراً للحكومة الفيدرالية ومنطقتي أمهرة وعفر المجاورتين.

4. إجراء استفتاء لانفصال تيغراي: كرّر زعيم الجبهة ديبريتسيون رغبة تيغراي في إجراء استفتاء على الانفصال عن إثيوبيا، وهو حق يكفله الدستور، ويمكن تطبيقه إذا اعترفت الحكومة الفيدرالية بإدارته كسلطة إقليمية قانونية، غير أنه من غير المرجح أن تتبنى أديس أبابا فكرة الاستفتاء. فقد أكد متحدث باسم الحكومة الإثيوبية، في 2 يونيو، أن وحدة أراضي إثيوبيا غير قابلة للتفاوض.

وفي الختام، يمكن القول إنه على الرغم من توالي الأزمات الداخلية والخارجية خلال الأشهر الماضية بالدولة الإثيوبية، فإن الوضع السياسي الإثيوبي يتسم بالجمود والإخفاق في إحداث أي تقدم يُذكر في ملف تيغراي، إذ لا توجد دلائل على وجود حلول جذرية لتلك الأزمة في المستقبل القريب، مع وجود احتمالية لاندلاع أزمات أخرى موازية.