كتب فرزدق حيدر في موقع 180post تقريرًا حول المناظرة الأولى بين المرشحين الجمهوري دونالد ترامب والديموقراطي جو بايدن للانتخابات الأميركية فجر اليوم الأربعاء، وجاء فيه:
المصارعة ـ المناظرة الأولى بين المرشحين الجمهوري دونالد ترامب والديموقراطي جو بايدن للانتخابات الأميركية لم ترقَ بشهادة معظم المحللين والمعلقين الى حوار بين شخصين يناقشان شؤون الأميركيين وشؤون أكبر دولة عظمى، بل كانت أقل بكثير. إنها جولة صراخ أو جولة إهانات.
في المواجهة الأولى بين ترامب وبايدن، قبل 35 يوماً من موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، لم يكن ترامب مهتماً لأثر كلماته أو تأثير صورته على الناس، بعكس بايدن الذي يحتاج إلى انتصار حقيقي وظيفته الأولى تغيير الصورة النمطية التي رسخها خصمه له وزادها تثبيتاً أداءه هو شخصياً. لذلك، كان بايدن مُطالباً بأن يُثبت أولاً للديموقراطيين أنه جدير بالرئاسة وثانياً للأقليات المتبقية المترددة من الأميركيين الذين لم يحسموا رأيهم بعد، علماً أن الفارق بين الإثنين، يضيق تبعاً لآخر استطلاعات الرأي لمصلحة ترامب.
بهذا المعنى، كان على بايدن (77 سنة) أن يظهر أنه ليس كما يصفه ترامب أو يصوّره بـ”بايدن النعسان” أو “بايدن الخرفان”. إذاً المسألة تقع على عاتق بايدن ولا تقع على أحد غيره. أما ترامب (74 سنة)، فعليه أن يكون ترامب. الرجل الذي لا يأبه بالغير. الذي يستطيع أن يتجاهل الحقائق أو يقلبها.. وهذا ما فعله حقاً في المناظرة الأولى التي شاهدها عشرات ملايين الأميركيين ومثلهم وأكثر في جميع أنحاء العالم، والتي جرت في مدينة كليفلاند في أوهايو، وهي ولاية متأرجحة لا يملك فيها أيٌ من الحزبين أغلبية وازنة.
هذه الانتخابات الأميركية مغايرة لكل ما سبقها هى تأتي في خضم وباء كوفيد ـ 19، الذي يحتل المرتبة الأولى في اهتمامات الرأي العام في الولايات المتحدة والعالم. لذلك لم تكن معظم الحملات الانتخابية عبارة عن تفاعل مباشر مع الجمهور أو اختلاط معه، بل كان يجري التوجه للشعب الأميركي ومحاكاة أموره اليومية، في أغلب الأحيان، من خلال العالم الافتراضي، سواء أكان شاشة صغيرة أم كبيرة، وخاصة بالنسبة إلى بايدن الذي تحاشى الاختلاط بالناس، وذلك على عكس ترامب الذي كان وما زال يصعد الى الطائرة الرئاسية ليلتقي بمؤيديه في الكثير من المطارات، وخاصة في المدن والولايات الأكثر تنازعاً بين الحزبين الديموقراطي والجمهوري مثل بنسلفانيا وكارولينا الشمالية وويسكانسون وفلوريدا وأوهايو حيث جرت المناظرة فجر اليوم الأربعاء.
وانسحب منطق كورونا على مسرح المناظرة الأولى الذي تم تعقيمه. ووفقاً للبروتوكول الصحي المتّبع بسبب كوفيد-19، لم يتصافح ترامب وبايدن، لحظة وصولهما إلى منصة المناظرة بل توجه كل منهما إلى مكانه، فيما جلس جمهور صغير، ومع تباعد اجتماعي، في القاعة، وكان بين الحاضرين زوجتا المرشحين ميلانيا ترامب وجيل بايدن وبعض أفراد العائلتين وقد ارتدوا الكمامات.
ظهر ترامب وكأنه في حلبة مصارعة أكثر منه في مناظرة تلفزيونية أمام أكثر من ثمانين مليون أميركي. ابتدأ الشوط الأول بالهجوم الشخصي على جو بايدن فكانت اللكمة الأولى لأولاد الأخير، خاصة أنه رفض اعتبار مقتل إبن بايدن في الحرب في الشرق الأوسط “عملاً وطنياً”، وهذا ما كان قد فعله ضد جون مكاين الذي أُسر في حرب فيتنام حين أُسقطت طائرته فقال عنه أنه خاسر مع أنه جمهوري مثله، وزاد ترامب أن إبن بايدن، هنتر “فاسد” وقبض ثلاثة ملايين دولار من الروس”. حاول بايدن أن يتحدث عدة مرات، ولكن ترامب كان يقاطعه في كل نقطة يريد أن يتحدث عنها، فظهرت المناظرة وكأنها جولة صراخ من جهة واحدة حيث تخطى ترامب كل الأعراف في مثل هذه المناظرات، بين شخصين يحاولان الوصول الى قلوب الأميركيين. وبالفعل كانت مناظرة لم يشهد الشعب الأميركي مثيلاً لها منذ أكثر من خمسين سنة.
ترامب بجوابه الملتبس يحضّ العنصريين على عمل شيء ما أو انتظار إشارته. هكذا كلام تحريضي يأتي من رئيس الولايات المتحدة هو كلام خطير وغير مسبوق ولو حصل في بلد آخر، كان يعني الدعوة إلى الحرب الأهلية.
كانت المناظرة مقسمة الى أجزاء عدة وأولها المحكمة العليا ومنها تفرعت الى كورونا، أوباما كير، الاقتصاد، الضرائب، المناخ والعرق إلخ… بدأت المناظرة بسؤال طرحه كريس والاس (71 سنة)، الصحافي في “فوكس نيوز” (المنحازة إلى ترامب) الذي أدار المناظرة بإتقان. سأل عن تعيين القاضية إيمي باريت لعضوية المحكمة العليا، بعد شغور منصب القاضية «الليبرالية»، روث بادر غينسبرغ التي توفيت مؤخراً. قال ترامب “لقد فزنا في انتخابات 2016 ولنا الحقّ في ذلك (التعيين)”. وسارع بايدن للرد “علينا الانتظار حتى نرى نتيجة هذه الانتخابات.”
وفيما كان كل منهما يحاول الحديث، كان الآخر يقاطعه إلى درجة أن بايدن اتهم ترامب بالكذب قائلاً: “كلّ ما يقوله حتى الآن كذب. أنا لست هنا لأبرهن أكاذيبه. الكلّ يعلم أنّه كذّاب”، وخاطبه بالقول “هلا تخرس يا رجل”!
وبعد دقائق قليلة من أصل التسعين دقيقة، ولدى حديث بايدن عن الذكاء، رد عليه ترامب، وكانت عيناه تقدحان شرراً، قائلاً: “أنت لا تمتّ إلى الذكاء بصلة، جو. 47 عاماً ولم تفعل شيئا”، فما كان من بايدن إلا أن قال له “اخرس أيها المهرج”، فقال له ترامب: “أنت دمية في يد اليسار الراديكالي”، معتبراً أنّه إذا فاز بالانتخابات “سيكون رئيساً ضعيفاً أمام الجريمة والعنف”!
كان ترامب في معظم الأحيان يخوض “حفلة نقار وتنقير” مع محاوره كريس والاس، وكأنه يتعمد تجاهل جو بايدن أو يركز على مواصفات شخصية خصمه وليس موقف الأخير من القضايا التي تهم الرأي العام. أيضاً كان ترامب يتحدث عن نفسه وأنه الأعظم في تاريخ الولايات المتحدة. وفي لحظة معينة، قال له بايدن “أنت أسوأ رئيس عرفته الولايات المتحدة أبداً”. وعندما وصل الحديث الى المهاترات الشخصية، قال بايدن في رده على ترامب “أنت دمية عند (فلاديمير) بوتين”. لم يمنع انخراط بايدن في حفلة الصراخ أن يحاول عرض ما يريد فعله للاقتصاد وصولاً الى أن تكون الولايات المتحدة رائدة في الطاقة المستدامة والصناعة إلخ… لكن ترامب كان له بالمرصاد بمزيد من التهكم الشخصي.
ولعل أخطر ما قاله ترامب في المناظرة الأولى هو عندما سئُل عما إذا كان سيدعو العنصريين الى التراجع عن مواقفهم أو أنه سيشجب تحركاتهم العنصرية، فكان رده أنه سيدعوهم الى “التراجع والاستعداد”. لكأن ترامب بجوابه الملتبس يحضّ العنصريين على عمل شيء ما أو انتظار إشارته. هكذا كلام تحريضي يأتي من رئيس الولايات المتحدة هو كلام خطير وغير مسبوق ولو حصل في بلد آخر، كان يعني الدعوة إلى الحرب الأهلية، وهو إن دلّ على شيء، إنما على أن ترامب لن يعترف إلا بفوزه هو شخصياً، وأن الولايات المتحدة ستحبس أنفاسها في لحظة صدور النتائج، بسبب ما يمكن أن تكون عليه صورتها في الساعات والأيام والأسابيع التالية.
في الختام، كان لافتاً للانتباه أن حملتي المرشّحين الرئاسيين تبادلتا الاتهامات، قبيل بدء المناظرة، فقال فريق ترامب إن حملة بايدن نكثت باتفاق ينصّ على خضوع المرشحين قبل المناظرة لتفتيش للتثبت من عدم حيازتهما سمّاعات إلكترونية، وطالبت بفواصل عدّة خلال المناظرة، غير أن حملة بايدن نفت ما قالته حملة ترامب، وقالت نائبة مدير حملة نائب الرئيس الأميركي السابق كايت بيدنغفيلد إن فريق ترامب طلب من كريس والاس عدم الإتيان على ذكر حصيلة وفيات كوفيد-19 ولو مرة واحدة خلال المناظرة، علماً أن والاس رفض أن يشاركه أحد في وضع الأسئلة أو التحكم بها وبالتالي كان الرابح الأبرز في المناظرة الأولى، من خلال الإدارة المحايدة، برغم تحيز قناته (فوكس نيوز) للمرشح الجمهوري، لكن برغم ذلك تعرض إلى انتقادات حتى من زملائه في المحطة نفسها بأنه كان منحازاً إلى بايدن، فيما طالب صحافيون أميركيون بإلغاء باقي المناظرات.
يذكر أن المناظرة الثانية ستجري في 15 أكتوبر/تشرين الأول في ميامي، بولاية فلوريدا، أما المناظرة الثالثة، فستجري في 22 أكتوبر/تشرين الأول في ناشفيل، بولاية تينيسي. كما سيواجه نائب الرئيس الحالي مايك بنس، السيناتور كامالا هاريس (المرشحة لمنصب نائبة بايدن) في 7 أكتوبر/تشرين الأول في “سولت ليك سيتي”، بولاية يوتا.