• اخر تحديث : 2024-05-10 13:04
news-details
إصدارات الأعضاء

مباركة عربية لعودة النازحين السوريين إلى ديارهم... ولمهمة اللواء إبراهيم؟


الحكومة اللبنانية حسمت أمرها، وأعادت ملف متابعة عودة النازحين السوريين من لبنان إلى بلادهم، إلى عهدة المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، وسط إستمرار السجال الحاد بين فريق عمل رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، ووزير شؤون المهجرين في حكومته عصام شرف الدين من جهة، وبينه وبين وزير الشؤون الإجتماعية هيكتور حجار من جهةٍ ثانيةٍ، في شأن الملف المذكور آنفًا، تحديدًا لجهة صلاحيات الوزارة المختصة في متابعة هذا الملف. وفي الوقت عينه، يؤكد وزير "المهجرين" أنه حاز على تكليفٍ رسميٍ، بالتنسيق مع الجانب السوري، لإعادة النازحين إلى بلاهم، متهمًا ميقاتي، بعرقلة العودة المأمولة، نتيجة ضغوط خارجية على رئيس الحكومة، صحاب المصالح المرتبطة بالخارج، لذلك سيعرقل إتمام العودة، خوفًا على مصالحه، وإسترضاءً لدول الغرب التي نصبته رئيسًا للحكومة، التي تمنع بدورها هذه العودة، وتربطها بـ "الحل السياسي" للأزمة السورية. ناهيك بالأرباح الطائلة التي تحققها بعض الجمعيات، وسواها من الجهات والأشخاص، المستفدين من أزمة النزوح السوري إلى لبنان. 

وفي الحقيقة، إن كلام شرف الدين، لم يأت من فراغ. ولاريب أن التجارب مع ميقاتي غير مشجعةٍ على الإطلاق. وهنا، يذكر أن في العام 2013، في عهد الرئيس العماد ميشال سليمان، وخلال تولي ميقاتي رئاسة حكومته الثانية، طرح المجلس الأعلى اللبناني- السوري، بشخص أمينه العام نصري خوري، على الحكومتين اللبنانية والسورية، مبادرة لإعادة النازحين المنتشرين في لبنان إلى ديارهم السورية، على أن يصار بعدها إلى تسمية لجنة مشتركة لبنانية- سورية، للتنسيق بين الجانبين، لتسهيل العودة، غبر أنه بعد موافقة دمشق على هذه المبادرة، إنسحب منها الجانب اللبناني، بذريعة ممارسة ضغوطٍ خارجيةٍ على الحكومة اللبنانية آنذاك، لثنيها عن تسهيل العودة المرتجاة. إذاً ما يقوله شرف الدين، ليس غريبًا عن ممارسات ميقاتي، فحتى الساعة، لم تعقد حكومته إجتماعًا واحدًا على متسوىٍ وازنٍ مع الحكومة السورية، للتنسيق في شأن المصالح والشؤون المشتركة بين البلدين، من أجل تفعليها، وفي مقدمة هذه الشؤون، ملف عودة النازحين، الذي يشكل عبئًا كبيرًا على الخزينة اللبنانية، في وقت يعاني فيه لبنان، أزمةً إقتصاديةً ومعيشيةً غير مسبوقةٍ في تاريخه الحديث.

بعدما أصبح 82% من اللبنانيين تحت خط الفقر، و91 % من النازحين السوريين كذلك، جلّهم مقيم في المخيمات والأكواخ في الظروف المناخية القاسية، ويبلغ مجمل عددهم المسجل رسمياً بنحو 863000 ألف نازح، بحسب أرقام جهٍة رسميةٍ لبنانيةٍ معنيّة بملف النزوح. وتكشف أن حجم مجمل المساعدات المخصصة للنازحين الى لبنان، لم يتعد ثمانية مليارات دولار منذ إندلاع الأزمة السورية في منتصف آذار 2011 حتى العام 2022، علمًا أن أعباء النزوح الى لبنان، رتبت على الخزينة نحو خمسة وأربعين مليار دولار، وفقاً لتقديرات جهات رسمية لبنانية معنيّة، من خلال إستفادة هؤلاء النازحين من الخدمات التي تقدمها مؤسسات الدولة وفي طليعتها مصرف لبنان، وشركة الكهرباء والبلديات، كدعم المحروقات، والطحين، والدواء، والكهرباء من دون رسوم، ورفع النفايات عن الطرق، على سبيل المثال، لا الحصر.

اليوم، عاد ملف النازحين إلى الجهاز الأمني المعني بمتابعة أوضاع الأجانب الموجودين في لبنان عمومًا، أي الأمن العام، خاصة وأن للأمن العام واللواء إبراهيم تجربةً ناجحةً في تأمين عودة النازحين إلى بلادهم، بعدما أعاد نحو 15 ألف نازحٍ مسجلٍ لدى  المفوضية الأمم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين في لبنان، ما بين العامين 2018 و2019، ضمن قواقل العودة، غير أن تفشي جائحة كورونا، حال دون الإستمرار في عملية إعادة النازحين التي بدأها الأمن العام. 

وفي هذا السياق، هناك معطياتٍ تؤكد أن هناك مباركةً عربيةً لعودة الملف إلى عهدة اللواء إبراهيم، لما لديه من علاقات جيدة مع مختلف الأطراف الإقليميين والدوليين المعنيين بهذا الملف، أضف إلى ذلك، أنه يتمتع بمهارةٍ عاليةٍ في إدارة التفاوض، فقد حقق نجاحاتٍ عديدةٍ، كتحرير راهبات معلولا من الخطف، لدى "جبهة النصرة" في تنظيم "القاعدة" في العام 2014.

العامل المستجد والأهم الذي طرأ على الملف، هو التأييد العربي للبحث الجدي في عملية إعادة النازحين السوريين إلى ديارهم. ويوضح مرجع مقرّب من المقاومة، أن التطور في الموقف العربي، جاء في إطار الرد على "الإندفاعة التركية" تجاه سوريا، بدعمٍ روسيٍ- إيرانيٍ، أو للحد من تأثيرها على الأقل، ومن حضور هذه الدول الثلاث في المنطقة، على حد تعبير المرجع. 

أما المعارضة السورية فتعتبر أن إعادة الملف إلى اللواء عباس إبراهيم، متعلق بالتوزانات الداخلية اللبنانية، على إعتبار أنه موثوق من غالبية الأطراف اللبنانيين، خصوصًا المتخوفين من دمج النازحين في المجتمع اللبناني، كالكنيسة المارونية، على سبيل المثال، لا الحصر. وتؤكد مصادر المعارضة أن جلَ النازحين الموجودين في لبنان، يطمحون بالهجرة إلى أوروبا، نظرًا للأوضاع الإقتصادية الصعبة في لبنان.

ويبقى الموقف السوري الرسمي واضحاً من دون أي إلتباس، فالدولة السورية أزالت كل العوائق أمام العائدين، كذلك قدمت جميع التسهيلات، وهذا ما أكده وزير الخارجية والمغتربين السوري فيصل المقداد، للمفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي، خلال لقائهما الأخير، في الأيام القليلة الفائتة. يذكر أن "المفوضية" جهزت وتجهز المدراس اللبنانية، لاستقبال التلامذة النازحين للعام الدراسي المقبل، ما يسهم في عرقلة "العودة"، بالاضافة الى المساعدات التي تقدمها المنظمات الدولية وغير الحكومية الى النازحين في لبنان، والتي تشكّل سبباُ لبقائهم.

في النتيجة، يبقى التقصير الأساسي في دور السلطات اللبنانية لتأمين "العودة"، فهي ملزمة حكمًا بالتواصل مع الحكومة السورية، لتسجيل زيجات، وولادات النازحين في لبنان لدى الدوائر المختصة في سوريا، ولإصدار بطاقات الهويات السورية لمن فقد هويته من النازحين إلى لبنان، وسواه من ذلك، من مستلزمات "العودة"، لكن لم تتخذ الحكومة اللبنانية أي خطوةٍ جديةٍ وفعليةٍ في هذا المجال حتى الساعة.