نشر موقع "ستراتفور" تقريراً حول أبرز الاتجاهات المتوقعة خلال الربع الرابع من عام 2022، سواء ما يتعلق بالاتجاهات العالمية المحتمل حدوثها، أو التوقعات المتعلقة بأقاليم العالم المختلفة، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي:
اتجاهات عالمية
خلص التقرير إلى عدد من الاتجاهات العالمية ذات التأثيرات الممتدة خلال الربع الأخير من عام 2022، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي:
1– تفاقم أزمة الطاقة في القارة الأوروبية: بحسب التقرير، من المُتوقَّع أن تتعمق أزمة الطاقة في أوروبا خلال الربع الرابع من العام الجاري مع استمرار ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي والكهرباء، هو ما من شأنه أن يتسبب في اضطرابات مالية كبيرة للأسر والشركات بحلول نهاية فصل الشتاء. ومن غير المُرجَّح أن تقطع روسيا الغاز الطبيعي بالكامل عن أوروبا لعدة أشهر ما لم يتبنَّ الاتحاد الأوروبي حداً أقصى لسعر الغاز الطبيعي الروسي، وهو أمر غير مُتوقَّع حدوثه.
2– تأرجح الدول الغربية على حافة الركود: وفق التقرير، فإن ارتفاع أسعار الطاقة والتضخم سيُؤدِّيان إلى تشديد السياسات النقدية لخفض التضخم وخلق النمو، وهو ما قد يؤدي إلى الركود الاقتصادي في معظم دول الغرب في وقتٍ ما. وقد يصبح الركود أكثر احتمالاً إذا أوقفت روسيا تدفق الغاز إلى شمال أوروبا؛ لأنه سيجبر معظم الحكومات الأوروبية على تقليل استهلاك الطاقة؛ ما سيؤثر سلباً على النشاط الاقتصادي. ومن المرجح أن يظل النمو الاقتصادي في الربع الرابع منخفضاً في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ومنطقة اليورو، ومن غير المرجح أن يردع هذا البنوك المركزية عن زيادة أسعار الفائدة.
3– استمرار الحرب الأوكرانية مع تزايد العقوبات: من المتوقع، وفق التقرير، استمرار الحرب الروسية الأوكرانية حتى نهاية عام 2022 دون تحرك ذي مغزى نحو وقف إطلاق النار، ولن يتمكن أيٌّ من الطرفين من تحقيق مكاسب حاسمة على الرغم من جهود التعبئة الروسية التي سوف تستغرق شهوراً حتى تتحقق بالكامل. وسيستمر الغرب في دعم أوكرانيا، ومن المرجح أن يكون هناك عقوبات إضافية ضد روسيا رداً على استفتاءات ضم أجزاء محتلة من أوكرانيا إلى روسيا. وبمجرد حلول فصل الشتاء، وفي ظل صعوبة استمرار حركة النقل مع تجمُّد الطرق والأرض الموحلة، فإن قدرة موسكو على تعبئة مزيد من الموارد لإرسالها إلى أوكرانيا سوف تتراجع، وكذلك من غير المرجح أن تمتلك أوكرانيا القوة البشرية والموارد اللازمة لاستعادة أجزاء كبيرة من الأراضي التي تسيطر عليها روسيا.
4– اضطرابات في مناطق مختلفة من العالم: من شأن زيادة الطلب الأوروبي القوي على الغاز الطبيعي المسال، أن يُبقِي الأسعار العالمية مرتفعةً على دول أخرى، وهو ما سوف يقوض النمو الاقتصادي لدول مثل الهند واليابان، كما يمكن أن يعزز الاضطرابات الاجتماعية والاقتصادية في دول مثل باكستان وبنغلادش وغانا واليابان وكوريا الجنوبية، ومن جانب آخر سيعزز ذلك توجه الصين نحو استخدام الفحم خلال فصل الشتاء. وفي الأمريكيتين سيؤدي ارتفاع أسعار النفط إلى مزيد من الضغط على الحكومات وتأثر برامج الإنفاق الاجتماعي تأثراً سلبياً.
توقعات الهندوباسيفيك
كشف التقرير عن التوقعات المحتملة لمنطقة الهندوباسيفك؛ وذلك على النحو التالي:
1– كشف مؤتمر الحزب الشيوعي آفاق سياسة بكين الخمسية: وفقاً للتقرير، من المُحتمَل أن يكشف مؤتمر الحزب الشيوعي الصيني المقرر عقده في 16 أكتوبر 2022 عن ملامح السياسة الصينية المحلية والخارجية خلال السنوات الخمس المقبلة، الذي سيشهد على الأرجح التجديد للرئيس الصيني شي جين بينغ لفترة ثالثة غير مسبوقة، إضافةً إلى تعيين المسؤولين في المناصب العليا من الحزب الشيوعي وفي المكاتب البيروقراطية. وأوضح أنه إذا شُغلت هذه المناصب بكوادر ذات انتماءات مهنية أو سياسية تابعة للرئيس الصيني – وهو ما رجحه التقرير – فمن المحتمل أن تستمر الاتجاهات الاقتصادية والسياسية الحالية للصين على مدار السنوات الخمس المقبلة بما في ذلك استراتيجية صفر كوفيد التي من المحتمل أن تستمر حتى منتصف عام 2023، بالإضافة إلى سياسة تقليص مديونية العقارات، والمديونية الخاصة بميزانية الحكومات المحلية.
2– استبعاد حدوث تصعيد كبير من جانب الصين بشأن تايوان: رغم أن التقرير توقَّع استمرار التوترات في تايوان، فإنه استبعد حدوث تصعيد كبير من قِبل الصين، ورجَّح أن يكون انتقامها معتدلاً لعدة أسباب، من بينها وجود توقعات بأن تستمر الوفود التشريعية الغربية والمسؤولون الغربيون في زيارة تايوان، وهي زيارات ستشمل، على الأرجح، شخصيات منخفضة المستوى؛ لذلك لن تخاطر الصين بشن حرب تجارية أو الهجوم على تايوان، علاوةً على رغبتها في عدم المخاطرة بالمزيد من الاضطرابات في قطاع الشحن البحري عبر فرض حصار على موانئ تايوان.
ومن المُتوقَّع كذلك أن يُكثِّف المُرشَّحون من الحزبَيْن الجمهوري والديمقراطي في الكونغرس زياراتهم إلى تايوان قبيل انتخابات التجديد النصفي في شهر نوفمبر 2022؛ لإظهار عدائهم للصين، بينما لن تلجأ بكين إلى تنفيذ تدريبات عسكرية بالذخيرة الحية على نطاق واسع على غرار ما فعلت عقب زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي إلى تايوان. وعلى الرغم من أن الانتخابات المحلية المقررة في تايوان في نوفمبر 2022 قد تثير غضب الحكومة الصينية إذا فاز بها الحزب الديمقراطي التقدمي، فإن رد فعلها سيظل محدوداً.
3– تباطؤ للانتعاش الاقتصادي بمنطقة جنوب شرق آسيا: توقَّع التقرير أن يتباطأ النمو الاقتصادي في الدول الواقعة بمنطقة جنوب شرق آسيا بما يزيد الضغط على الميزانيات الوطنية بفعل عوامل عدة، وعلى رأسها انكماش التصنيع في المنطقة بسبب سياسات الإغلاق التي تفرضها الصين والتي تتسبب في تخفيض إنتاج المصانع الصينية، وما لذلك من انعكاسات على المصانع في جنوب شرق آسيا، بالإضافة إلى انخفاض عدد السياح الصينيين الوافدين إلى المنطقة، والتأثيرات السلبية لضعف الطلب الاستهلاكي من الغرب بسبب تشديد السياسات النقدية، إضافةً إلى الركود الذي يلوح في الولايات المتحدة، وما لذلك من تداعيات على صادرات منطقة جنوب شرق آسيا.
وفي محاولة من حكومات منطقة جنوب شرق آسيا لمواجهة التحديات المالية التي تواجهها، فإن من المُحتمَل أن ترفع أسعار الغذاء والوقود، وهو ما سيفتح الباب أمام الاضطرابات الاجتماعية، خاصةً في دول مثل إندونيسيا. وستقترب العديد من دول المنطقة بقدر خطير من التخلُّف عن سداد ديونها من القروض المرتبطة بمشاريع البنية التحتية إلى الدائن الرئيسي لدول المنطقة، وهي الصين، بما في ذلك لاوس التي من المحتمل أن تشهد زيادة في معدلات الهجرة إلى الدول المجاورة للبحث عن فرص عمل، لافتاً إلى إمكانية الإطاحة برئيس الوزراء الماليزي إسماعيل صبري في انتخابات مبكرة، بما يؤخر تنفيذ سياسات التعافي الاقتصادي في ماليزيا.
4– اندلاع اضطرابات اجتماعية في تايلاند من جراء عدم اليقين السياسي: بحسب التقرير، من المُرجَّح أن تشهد تايلاند احتجاجات واسعة النطاق على خلفية الدفع المستمر لإقالة رئيس الوزراء برايوت تشان أوتشا، الذي ينتظر حالياً حكماً أولياً في 30 سبتمبر 2022 بشأن دستورية الحد الأقصى لفترة ولايته، بعد اتخاذ قرار بتعليق أدائه لمهامه، ولفت إلى أن هذه القضية من المحتمل أن تتسبب في غضب شعبي؛ نظراً إلى أن بديله المحتمل سيكون من حزبه الحاكم: بالانج براتشارات. ولفت التقرير إلى إمكانية دعوة التحالف الحاكم إلى إجراء انتخابات مبكرة. ونوه التقرير بأن جميع هذه الأمور تؤدي إلى توترات سياسية تغذيها الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمرُّ بها البلاد على خلفية ارتفاع الأسعار واستمرار التراجع في قطاع السياحة. وأشار التقرير إلى سيناريو غير مُرجَّح، ولكن في حال تحقُّقه سيكون له تأثير كبير – على حد قول التقرير – ويدور حول انضمام عمال المصانع إلى الاحتجاجات، وهو ما يُحتمَل أن يعرقل عملية تصدير الآلات والسلع المُصنَّعة إلى الصين والولايات المتحدة وفيتنام واليابان.
اتجاهات أوروبية
يمكن تناول أبرز الاتجاهات المحتملة في القارة الأوروبية خلال الربع الرابع من عام 2022؛ وذلك على النحو التالي:
1– تزايد الاضطرابات الاجتماعية والسياسية من جراء تباطؤ الاقتصاد: من المرجح أن تزداد الاضطرابات الاجتماعية والسياسية وما يرتبط بها من احتجاجات وزيادة في النشاط العمالي في أوروبا، بما في ذلك بريطانيا وفرنسا وإسبانيا، بفعل مزيج من العوامل، يتمثل أبرزها في استمرار ارتفاع معدلات التضخم من جراء تواصل ارتفاع أسعار الطاقة، علاوةً على استمرار توجه البنك المركزي الأوروبي وبريطانيا نحو تشديد سياستهما النقدية، بالإضافة إلى تفاقم الأزمات المرتبطة بتكاليف المعيشة، وتزايد حالة عدم اليقين الجيوسياسية. ونوه التقرير إلى أن من المحتمل أن تحدث حالة من التداخل بين مطالب بعض السكان الأوروبيين برفع العقوبات على روسيا بهدف التخفيف من حدة أزمة الطاقة مع الاضطرابات الناجمة عن زيادة تكاليف المعيشة، ولكن ليس إلى الحد الذي يدفع الكتلة الأوروبية إلى تغيير موقفها من الحرب الأوكرانية، في حين أن من المُحتمَل أن تفرض الدول الأوروبية ضرائب غير مُتوقَّعة على الشركات الكبيرة لتوفير مصادر إضافية لإيراداتها، بالإضافة إلى اللجوء إلى الإعانات وتوفير المساعدات المالية للسكان.
2– تواصل المسعى الأوروبي نحو البحث عن أنواع وقود بديلة للغاز الطبيعي: من المتوقع أن تستمر المساعي الأوروبية لمواجهة إمكانية تعرضها للتداعيات السياسية والاقتصادية المحتملة من جراء ارتفاع أسعار الطاقة، بينما تواصل روسيا تخفيض إمداداتها من الغاز إلى الدول الأوروبية، وهو ما يدفع الأوروبيين نحو تعزيز مخزوناتهم من الغاز الطبيعي قبل فصل الشتاء واتخاذ قرارات لتخفيض استهلاك الغاز وربما لتقنينه، وهو ما سيتسبب في إلحاق العديد من الأضرار بمختلف الأنشطة الاقتصادية. وعلاوةً على ما سبق، من المرجَّح أن تتحوَّل أوروبا نحو الاعتماد على أنواع الوقود البديلة للغاز الطبيعي؛ للحد من اعتمادها على روسيا؛ حيث إن التدفقات المتزايدة للنفط الخام والمنتجات النفطية من آسيا والشرق الأوسط تدعم اتجاهات تحول أوروبا من الغاز إلى النفط قبل فرض حظر على النقل البحري الروسي.
3– تعثر جهود تنفيذ الخطط الاقتصادية في إيطاليا وفرنسا وألمانيا: توقع التقرير أن تفرز الأحداث السياسية في إيطاليا وفرنسا وألمانيا تأخيرات في قدرة حكومات الدول الثلاث على تنفيذ السياسات الاقتصادية الضرورية للتعامل مع ارتفاع تكاليف المعيشة. ورغم ذلك رجَّح التقرير ألا تتسبَّب التداعيات المترتبة على ذلك في انهيار هذه الحكومات. ورجَّح التقرير أن تصطدم الحكومة الإيطالية الجديدة بالاتحاد الأوروبي حول عدد من القضايا، ولكن ليس لدرجة المخاطرة بخروج إيطاليا من الاتحاد الأوروبي. وذكر التقرير أن من المحتمل أن تتسبب الحكومة الشعبوية في إيطاليا في اضطرابات بأسواق الديون. بينما توقع التقرير أن تشهد ألمانيا خلافات بين أعضاء الحكومة الائتلافية حول الإجراءات التي يجب أن تُتَّخذ للتخفيف من ارتفاع تكاليف المعيشة، وحول مقدار الدعم الذي يجب أن تقدمه البلاد لأوكرانيا في خضم حربها مع كييف. وفيما يتعلق بفرنسا، فمن المحتمل أن يلجأ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى المعارضة في البرلمان لتنفيذ بعض السياسات، وما يعنيه ذلك من تقديم حكومته تنازلات من شأنها تعطيل السياسات الإصلاحية.
4– ارتفاع احتمالية نشوب حرب تجارية بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا: رجح التقرير استمرار ارتفاع مخاطر إمكانية اندلاع حرب تجارية بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا خلال الربع الأخير من عام 2022 بسبب القضايا المرتبطة بخروج لندن من الاتحاد الأوروبي؛ حيث ستستمر الحكومة البريطانية الجديدة برئاسة ليز تراس في التهديد بإلغاء أجزاء من بروتوكول أيرلندا الشمالية أو التحايل عليه بحجة أنه يهدد السلام في أيرلندا الشمالية، وربما تعلق البروتوكول من خلال المادة الـ16، في ظل إصرار الاتحاد الأوروبي على الحفاظ على بعض الضوابط الجمركية. ولفت التقرير إلى أن هناك إمكانية للتفاوض بين الجانبين لحل الخلافات بينهما، نظراً إلى الاهتمام الذي يوليه كلٌّ منهما للحفاظ على محادثتهما التجارية من الانهيار، ورجَّح أن اتفاقية التجارة الحرة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي لن تنهار على خلفية ارتفاع احتمالات نشوب حرب تجارية بينهما.
توقعات الشرق الأوسط
كشف التقرير عن توقعات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي:
1– استبعاد التوصل إلى اتفاق مع إيران بشأن برنامجها النووي: أكد التقرير أن من غير المحتمل أن تتمكن القوى الغربية من التوصل إلى اتفاق مع إيران بشأن برنامجها النووي قبل نهاية العام الحالي على الأقل، وهو ما يُهدِّد بنشوب صراع إقليمي في منطقة الشرق الأوسط، خاصةً بين إسرائيل وإيران؛ حيث إن القيادة الإسرائيلية من المتوقع أن تتطلع إلى زيادة وتيرة هجماتها ضد البرنامج النووي الإيراني. ويرى التقرير أنه إذا انهارت المفاوضات النووية في فيينا بالكامل، فإنه بسبب انعدام الثقة بين المفاوضين، سيكون من غير المرجح التوصل إلى اتفاق نووي خلال الأشهر أو السنوات المقبلة؛ لذلك ستتجه طهران إلى تعميق علاقتها بروسيا والصين والدول غير المتحالفة مع واشنطن.
2– تباطؤ النمو الاقتصادي في الدول الواقعة بمنطقة شمال أفريقيا: قدم التقرير رؤيته فيما يتعلق بكل من مصر والمغرب باعتبارهما دولتين واقعتين في منطقة الشمال الأفريقي؛ فبالنسبة إلى مصر، توقع التقرير لجوء الحكومة المصرية المُحتمَل إلى إجراء إصلاحات مالية بهدف تأهيلها للحصول على قرض إضافي من صندوق النقد الدولي؛ لما تعانيه من ارتفاع معدلات التضخم وتقلبات العملة، وهو ما سيتمخض عنه زيادة المشاعر المناهضة للحكومة، وهو ما قد يدفع الأخيرة إلى تخفيف بعض هذه الإصلاحات. وفيما يتعلق بالمغرب، أكد التقرير أن اقتصاديات شمال أفريقيا التي تتأثر بعدة عوامل مدفوعة في أحد جوانبها باعتمادها على السلع المستوردة من روسيا وأوكرانيا وخاصةً المغرب، ستستمر في التباطؤ؛ حيث إن الحكومة المغربية من المحتمل أن تنخفض شعبيتها بينما تكافح لتعزيز الاستقرار الاقتصادي، نظراً إلى ما تواجهه من تضخم وجفاف ألحق أضراراً اقتصادية هائلةً، وخاصةً في القطاع الزراعي.
3– استمرار فشل العراق في تشكيل حكومة نتيجة التوترات الشيعية: رجَّح التقرير استمرار التوترات بين الجماعات الشيعية في العراق خلال الربع الأخير من عام 2022، بما يعوق تشكيل الحكومة، وهو ما قد يستدعي تدخُّل إيران ويتسبب في تفاقم المخاطر الأمنية، بما في ذلك اندلاع أعمال عنف وتشجيع الميليشيات على حمل السلاح بما يقوض سلطة الدولة ويهدد عمليات تصدير النفط العراقي. ورجَّح التقرير أن تلعب طهران دوراً لتهدئة الأوضاع والدفع باتجاه تسوية سياسية في العراق، نظراً إلى ارتباط مصالحها في بغداد بوجود درجة من درجات الاستقرار في الأخيرة. ومع ذلك لن تتمكن من التوصل إلى حل يُرضي جميع أطراف الصراع في العراق، بما يعوق قدرة الحكومة على معالجة الأزمات الاقتصادية.
4– تردي الوضع الاقتصادي والأمني بلبنان نتيجة الخلافات السياسية: شدد التقرير على أنه بالرغم من الأزمة الاقتصادية الحادة التي تواجه لبنان، فإنه لن يتمكن من الوفاء بالمتطلبات اللازمة لتأمين الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي؛ لذلك ستستمر المساعدات الدولية الموجهة لأغراض إنسانية فقط؛ حيث من المتوقع أن يفشل لبنان في الوفاء بالمواعيد السياسية والتشريعية النهائية للحصول على القرض الدولي، وهو ما سيترتَّب عليه تفاقم الأزمة الاقتصادية وزيادة المخاطر المرتبطة بالانهيار الأمني. وحذر التقرير من أن الاضطرابات الاجتماعية المرتبطة بالأزمات الاقتصادية من المحتمل أن تتفاقم في لبنان، وهو ما قد يزيد المشاعر المعادية لحزب الله اللبناني، بما قد يدفع المحتجين إلى تنفيذ أعمال عنف ضد الجماعة؛ ما سيدفعها إلى الرد أو محاولة صرف الانتباه عن المشاكل الداخلية بتعمُّد التصعيد المحسوب مع إسرائيل.
5– إجراء السعودية إصلاحات جديدة لتحقيق رؤية التنمية لعام 2030: يرى التقرير أن من المتوقع أن تلجأ السعودية إلى إجراء المزيد من الإصلاحات على المستويين التنظيمي والاجتماعي لجذب المستثمرين في ضوء تراجع معنويات المستثمرين على خلفية الحالة العامة للاقتصاد العالمي؛ حيث إن مبادرة الاستثمار المستقبلي في المملكة ستكون –وفقاً للتقرير – بمنزلة بداية دعامة جديدة لرؤية 2030. وأكد التقرير أن مخاوف المستثمرين من الملف الحقوقي للسعودية ومخاطر دخولها في حرب ضد إيران تراجعت في عام 2022، وهو ما سيُتيح للرياض فرصة لجذب استثمارات جديدة عبر مؤتمر مبادرة الاستثمار المستقبلي في المملكة المقرر عقده في أكتوبر المقبل.
توقعات أوراسيا
يمكن تناول أبرز الاتجاهات المحتملة في أوراسيا خلال الربع الأخير من عام 2022؛ وذلك على النحو التالي:
1– استمرار التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا: من غير المرجح أن تثمر جهود وقف إطلاق النار أو عقد اتفاق سلام لاحق لإنهاء حرب روسيا في أوكرانيا خلال الربع الأخير من عام 2022؛ وذلك في ظل عدم تمكن روسيا من السيطرة على الأراضي المتبقية من إقليم دونباس، في حين أن موسكو لن تنسحب من نهر دنيبر على الرغم من استمرار الهجمات الأوكرانية على القوات الروسية الموجودة في الضفة الغربية للنهر.
2– انخفاض الدعم المحلي الروسي للحرب الأوكرانية: وفقاً للتقرير، فإن حظر الاتحاد الأوروبي للنفط الروسي يدخل حيز التنفيذ في 5 ديسمبر المقبل، بجانب احتمال تحديد سقف سعر للنفط من قبل مجموعة السبع الكبرى، فضلاً عن أن صعوبة إمداد موسكو المشترين البديلين عن الدول الأوروبية، بسبب نقص الناقلات، سيؤدي إلى حدوث تسريح في العمالة بقطاع النفط الروسي، وسيزيد الضغط على ميزانية روسيا؛ الأمر الذي يقود إلى انخفاض في الدعم المحلي للحرب، خصوصاً مع إعلان التعبئة الجزئية.
3– إحراز تقدُّم في المفاوضات بين أرمينيا وأذربيجان: توقَّع التقرير إحراز تقدُّم في المفاوضات بين أرمينيا وأذربيجان، على اعتبار أن بقية شروط الاتفاقية الثنائية لوقف إطلاق النار لعام 2020 ستكتمل خلال الربع الأخير لعام 2022. وأضاف التقرير أن من غير المُرجَّح التوصل إلى اتفاق سلام خلال هذا الربع بسبب استمرار أزمة الأرمن في ناجورنو كاراباخ.
4– اتجاه كازاخستان إلى تعزيز علاقاتها بروسيا: أكد التقرير أن الرئيس الكازاخستاني “قاسم جومارت” سيولي أهمية كبيرة لتعزيز علاقات بلاده بروسيا، ويشمل ذلك أشكال التعاون التقليدي عبر منظمة معاهدة الأمن الجماعي؛ وذلك على الرغم من استياء موسكو من تعهد كازاخستان بتطبيق انتقائي للعقوبات على روسيا؛ لتجنب الوقوع تحت طائلة عقوبات ثانوية من قبل الغرب.
اتجاهات أمريكا اللاتينية
يمكن توضيح أبرز الاتجاهات المتوقعة في قارة أمريكا اللاتينية؛ وذلك على النحو التالي:
1– تباطؤ النمو الاقتصادي إثر زيادة الإنفاق العام بالبرازيل: إذا فاز المرشح اليساري “لولا دا سيلفا” في الانتخابات الرئاسية في أكتوبر المقبل حسبما تشير استطلاعات الرأي، فإن الحكومة البرازيلية الجديدة – بحسب التقرير – ستزيد الإنفاق الاجتماعي، وستدعم الفئات العامة من الشعب، لافتاً إلى أن ذلك من شأنه أن يضغط على ميزانية الدولة ويساهم في تباطؤ النمو الاقتصادي؛ بسبب اتباع البنك المركزي سياسات تقشفية؛ ما يُؤثِّر بدوره على قطاع الأعمال.
2– حالة عدم يقين في تشيلي بسبب صياغة دستور جديد: أكد التقرير أن رفض حكومة تشيلي لإعادة كتابة دستور 2022، واتجاهها نحو صياغة دستور جديد، سيؤدي إلى شيوع حالة من عدة اليقين تدفع الأسر والشركات إلى تأخير قرارات استثماراتها؛ بسبب انتظارهم معرفة القوانين بالدستور الجديد؛ ما يؤثر سلباً على النشاط الاقتصادي، خاصةً أن الدستور الحالي يُشكِّل تحولاً كبيراً عن دستور البلاد السابق المؤيد للأعمال التجارية.
3– تحسُّن المناخ الأمني بكولومبيا من جراء اتفاقيات السلام: طبقاً للتقرير، فإن حدوث تقدُّم بمفاوضات السلام المحلية، بجانب بوادر حسن النية في وقف إطلاق النار التي أعلنها الرئيس “جوستافو بيترو” من جهة، والجماعات المسلحة المختلفة في البلاد من جهة أخرى، من المقرر أن تؤدي إلى تحسين المناخ الأمني في كولومبيا الذي سيُساعد في تأمين سلاسل توريد قطاعَي الزراعة والطاقة، اللذَيْن كانا يتعرَّضان للهجمات من قبل الجماعات المسلحة.
4– اضطرابات في المكسيك إثر تراجع قطاع التصنيع: وفقاً للتقرير، سيتم تقليل استيراد واشنطن والدول الأوروبية للسلع المُصنَّعة في المكسيك بسبب ظروف تلك الدول الاقتصادية، بالإضافة إلى أن الجفاف في شمال المكسيك سيرفع أسعار الحبوب. وتوقَّع التقرير أن يؤدي هذا الأمر إلى تفاقم مستوى البطالة في البلاد، على نحو قد يؤدي إلى اضطرابات تهدف إلى إضعاف اتحاد العمال المكسيكيين لصالح النقابات المستقلة التي تضغط من أجل زيادة الأجور وتوسيع المزايا التي تقدمها الحكومة لمن يعانون من البطالة.
توقُّعات جنوب آسيا
يمكن تناول أبرز توقعات جنوب آسيا؛ وذلك على النحو التالي:
1– تعميق الفيضانات أزمةَ باكستان الاقتصادية: أشار التقرير إلى أن التأثير الطويل الأمد للفيضانات التي ضربت باكستان في الأشهر الأخيرة، ستساهم في تدهور الاقتصاد الباكستاني، وخصوصاً على قطاع الزراعة؛ ما سيؤدي إلى مفاقمة انعدام الأمن الغذائي، على الرغم من استمرار باكستان في تلقي الدعم من صندوق النقد الدولي. وفي الوقت نفسه، توقَّع التقرير أن كلًّا من الاستقطاب السياسي والأزمة الاقتصادية، بجانب مواجهة رئيس الوزراء السابق “عمران خان” مع القضاء والجيش؛ تُهدِّد جميعها بعودة الاضطرابات الاجتماعية الواسعة النطاق.
2– تفاقم الوضع الأمني المتدهور داخل أفغانستان: طبقاً للتقرير، فإن علاقة طالبان بالجماعات المتطرفة ستُعِيق وصول نسبة كبيرة من المساعدات الإنسانية الخارجية إلى البلاد، وخصوصاً عقب اغتيال زعيم تنظيم القاعدة “أيمن الظواهري” في كابول، وهو الأمر الذي سيؤدي في الوقت ذاته إلى المزيد من التدهور في الوضع الأمني في ظل استمرار هجمات تنظيم “داعش”.
3– استمرار مسعى الحكومة الهندية إلى مكافحة التضخم: أكد التقرير أن الاستهلاك المحلي ووجود احتياطي نقدي أجنبي مرتفع يبلغ 564 مليون دولار، سيسمح للبنك المركزي الهندي بالتدخل لدعم الروبية ضد الانخفاضات مقابل الدولار، مع استمراره في رفع أسعار الفائدة لمواجهة التضخم بدرجة محدودة، لافتاً إلى أن من المُرجَّح أن تفرض الهند قيوداً على الصادرات بسبب انخفاض محصول الأرز نتيجةَ عن عدم انتظام الأمطار.
4– استكمال سريلانكا جهود إصلاح اقتصاد البلاد: توقع التقرير أن تضغط الحكومة في سريلانكا للتفاوض مع كبار الدائنين، مثل الصين والهند، لإعادة هيكلة ديون البلاد. ولفت التقرير إلى أن من المقرر أن تنفذ الحكومة إجراءات تشمل إجراء إصلاح ضريبي، وزيادة استقلالية البنك المركزي، وخفض قيمة العملة لتعزيز الصادرات خلال الربع الأخير من عام 2022.
اتجاهات أفريقيا جنوب الصحراء
كشف التقرير عن اتجاهات محتملة في أفريقيا جنوب الصحراء، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي:
1– استمرار الحرب الأهلية الدائرة في شمال إثيوبيا: توقَّع التقرير استمرار الحرب الأهلية في شمال إثيوبيا، مستبعداً توصل الحكومة الفيدرالية وجبهة تحرير شعب تيجراي إلى تسوية تفاوضية خلال الربع الأخير من العام الجاري؛ بسبب عدم اهتمام أديس أبابا بعرض جبهة تيجراي لوقف إطلاق النار، والقدرات العسكرية المتطابقة نسبياً بين قوات الجيش الإثيوبي وجبهة تحرير تيجراي؛ ما سيؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في البلاد، واستمرار تعثُّر مفاوضات إعادة جدولة الديون، ونفور الاستثمارات من البلاد، واستنزاف احتياطيات العملة، وضعف القدرة على تحمُّل الديون، وارتفاع معدلات الفقر، بحسب توقعات التقرير.
2– إعاقة الانقسامات إدارة الأزمات في جنوب أفريقيا: توقَّع التقرير أن تؤدي الانقسامات الداخلية داخل حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الحاكم في جنوب أفريقيا، إلى إضعاف سلطات الرئيس سيريل رامافوزا، وأن تعيق أيضاً قدرة الحكومة على تمرير الإصلاحات الاقتصادية الهيكلية التي تشتد الحاجة إليها لمعالجة الوضع الاقتصادي والاجتماعي المتدهور. ورجَّح التقرير إعادة انتخاب رامافوزا رئيساً للحزب الحاكم في شهر ديسمبر المقبل، رغم انخفاض معدلات تأييده، متوقعاً أيضاً تنظيم المعارضة وجماعات المصالح ونقابات العمال تظاهرات من المحتمل أن تكون عنيفة.
3– حدوث اضطرابات اجتماعية في بعض دول المنطقة: توقَّع التقرير تأثُّر اقتصادات أفريقيا جنوب الصحراء سلباً بتشديد الولايات المتحدة وأوروبا السياسات النقدية لخفض التضخم؛ إذ ستتفاقم معدلات التضخم في الدول التي تحتفظ بالديون المُقوَّمة بالدولار واليورو، مثل غانا وكينيا وجنوب أفريقيا، وستشهد – بحسب التقرير – انخفاضاً بقيمة العملات المحلية، كما ستزيد مخاطر تخلُّف دول مثل إثيوبيا وغانا وكينيا وموزمبيق عن سداد الديون. وسيؤدي ارتفاع الطلب على الطاقة خلال الشتاء بأوروبا إلى زيادة الأسعار على مستوردي الوقود المكرر، خاصةً نيجيريا التي تستورد أكثر من 90% من منتجات الوقود المكرر. وتوقَّع التقرير حالة من عدم الاستقرار السياسي بدول المنطقة نتيجة اضطرابات اجتماعية متوقعة.
4– انشغال الرئيس الكيني بمواجهة الأزمة الاقتصادية: رجَّح التقرير سعي الرئيس الكيني الجديد ويليام روتو إلى تشكيل أغلبية برلمانية وتعيين حلفائه في المناصب التشريعية العليا؛ ما يعني تمرير خطة روتو للإصلاحات الاقتصادية، التي تتضمَّن زيادة تحصيل الضرائب، وزيادة الإنفاق الاجتماعي على الشركات الصغيرة والمتوسطة. وتوقَّع التقرير اقتراب كينيا من أزمة مالية خلال الربع الأخير من العام الجاري ما لم تحاول إعادة التفاوض بشأن اتفاقيات القروض، في حين استبعد التقرير تخلُّف كينيا عن سداد ديونها في هذه الفترة؛ لأن الموعد النهائي لاستحقاق الديون الرئيسي القادم للبلاد عام 2024. ورجَّح التقرير أن تزيد سياسات روتو احتماليةَ تخلُّف نيروبي عن سداد ديونها على المدى المتوسط.