مقدمة:
ظهرت حركة الشباب الإسلامية أو حزب الشباب أو حركة الشباب المجاهدين أو الشباب الجهادي أو الشباب الإسلامي في الصومال في عام 2006، حيث كانت الذراع العسكرية لاتحاد المحاكم الإسلامية، غير أنها انفصلت عنها في عام 2007 بدعوى انضمام الأخيرة لتحالف المعارضة الصومالية. وقد مرت الحركة بمجموعة من التحولات التي أثرت على قدراتها ومدى تأثيرها في المشهد السياسي الصومالي سواء بالسلب أو الإيجاب، فالحركة التي نجحت في السيطرة على مساحة كبيرة من أراضي الصومال تعرضت لحملة عسكرية ضخمة في عام 2011 دفعتها إلى الانسحاب من العاصمة مقديشو نحو المناطق الريفية والقرى. غير أن الحركة عادت مرة أخرى إلى المشهد من خلال تنفيذ مجموعة من الهجمات النوعية التي تزايدت وتيرتها في الآونة الأخيرة، كان أبرزها الهجوم الأخير الذي استهدف فندق “الحياة” في العاصمة مقديشو يوم 19 أغسطس 2022؛ ما أثار مجموعة التساؤلات حول مغزى هذه الهجمات ودلالاتها.
وتُحاول هذه الورقة أن تستشرف مستقبل الحركة التي تعد أكبر تنظيم “قاعدي” في أفريقيا، وذلك على ضوء أمرين رئيسيين: أولهما التحولات التي طرأت على الحركة منذ ظهورها على الساحة عام 2006 وتعكس صعودها وهبوطها. وثانيهما تزايد العمليات الإرهابية التي نفذتها الحركة في الآونة الأخيرة، وخاصة بعد مقتل زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري في يوليو 2022.
1. التحولات التي طرأت على شباب المجاهدين:
تعرضت حركة الشباب المجاهدين في الصومال منذ ظهورها على الساحة في عام 2006 إلى مجموعة من التحولات التي ربما أثرت، سواء بالسلب أو بالإيجاب، على قوة الحركة ونشاطها.
أول هذه التحولات هو انفصال الحركة عن اتحاد المحاكم الإسلامية وبداية ممارسة نشاطها العسكري في عام 2007، فقبل هذا التاريخ كانت الحركة جزءاً من اتحاد المحاكم، حيث كانت ذراعاً عسكرية لها. ويُرجع الخبراء في شؤون الحركات الإسلامية في الصومال انشقاق “الشباب المجاهدين” حينها، إلى حدوث صدام بين مؤسسي المحاكم الإسلامية “الحرس القديم”، الراغبين آنذاك في الانخراط بالعمل السياسي والدعوي بعيداً عن السلاح، وجانب من القياديين الشباب الذين عبروا عن طموحهم لتأسيس دولة إسلامية على مساحة تراب “الصومال الطبيعي”، بما يشمل كامل جمهورية الصومال، وأجزاء من جيبوتي وإثيوبيا وكينيا، ومع بدء تنظيم “المحاكم” بنزع سلاح عناصره، وإخلاء معسكراته، حصلت القطيعة الكبرى بين الحرس القديم و”الشباب” الذين قرروا البحث عن بيئة حاضنة لهم.
وقد تصاعدت عمليات حركة الشباب منذ عام 2008 وتركزت على استهداف مؤسسات الحكومة الانتقالية، والمسؤولين والعاملين فيها، فضلاً عن الأفراد ذات الصلة والمصالح الغربية في البلاد وكذلك بعثة الاتحاد الأفريقي لحفظ السلام في مقديشو، وحسب باحثين، فقد أثبتت الحركة أن لديها القدرة على شن هجمات دامية على مناطق وجود المصالح الغربية، وعلى الأعداء خارج الصومال، وقد استفادت الحركــــة من ضعف الحكومة المركزية للسيطرة على مساحات شاسعة من الأراضي، ووصلت إلى ذروة القوة في عام 2011 عندما سيطرت على أجزاء من العاصمة مقديشو وميناء كيسمايو المهم.
ثاني هذه التحولات هو دخول حركة الشباب في صدام عسكري مع الحكومة الصومالية في عام 2011 وتدخُّل كينيا عسكرياً في الصومال في أكتوبر 2011 لمواجهة تهديدات الحركة، فعلى أثر حملة عسكرية حكومية مدعومة من القوة الأفريقية (أميصوم) انسحبت الحركة من مواقعها في العاصمة مقديشو، كما انسحبت من مدينة كيسمايو الساحلية بعد ذلك بعام، لتتبع بعد ذلك أسلوب حرب العصابات في محاولة للتكيف والتعامل مع الهزائم التي تعرضت لها في هذه المرحلة، حيث سعت الحركة إلى تجنب المعارك الأمامية المكلفة، وبدلاً من ذلك بدأت تستنزف قوة الدولة من خلال الهجمات غير المتكافئة.
وقد جاء هذا التحول بعد انسحاب الحركة من مقديشو في عام 2011، وتراجعها إلى بعض المناطق الريفية والقرى، حيث بدأت تنفيذ عمليات في الصومال وخارجها، فعلى سبيل المثال نفذت الحركة منذ عام 2011 وحتى عام 2019 أكثر من 150 هجوماً في كينيا، ليس فقط رداً على التدخل الكيني العسكري في الصومال، ولكن أيضاً لما تمثِّله كينيا من مركز ثقل للمصالح الغربية والإسرائيلية. كما قامت بعمليات انتحارية بلغ عددها 155 عملية منذ سبتمبر 2006 حتى أكتوبر 2017 بحسب بعض الدراسات والتقارير.
وقد استفادت الحركة من تراجعها إلى المناطق الريفية، فحسب بعض الباحثين، فإن هيمنتها في هذه المناطق – حيث توافر الخدمات الأساسية في المناطق الخاضعة لسيطرتها – ساعدها على التوظيف وتوليد الإيرادات من خلال الضرائب، كما أعطاها الفرصة لتنظيم صفوفها وإعادة عناصرها إلى المدن سواء لتنفيذ عمليات إرهابية أو بحثاً عن مصادر تمويل تملأ خزائنها وتقوض سلطة الحكومة. وفي هذا الإطار دأبت الحركة على تنفيذ عمليات بين الحين والآخر في العاصمة مقديشو وفي بعض دول الجوار مثل كينيا وإثيوبيا.
ثالث هذه التحولات، يتمثل في عودة الحركة للظهور من جديد عبر شن عمليات نوعية داخل العاصمة مقديشو، فوفقاً لمؤشر الإرهاب العالمي، الصادر عن معهد الاقتصاد والسلام، لعام 2020، تُعد حركة الشباب من أكثر الجماعات الإرهابية دموية في أفريقيا، حيث تحتل الصومال المركز الخامس ضمن الدول الأكثر تعرضاً لعمليات إرهابية عام 2019، فبحسب التقرير، أسفرت العمليات الإرهابية التي تعرضت لها البلاد خلال عام 2019 عن مقتل 569 شخصاً، كما ذكرت تقارير أن هذا العام شهد تصعيداً إرهابياً متواصلاً لحركة الشباب، التي تمكنت من تنفيذ أكثر من 30 تفجيراً على أهداف حكومية ومدنية في قلب العاصمة مقديشو.
وقد تصاعدت وتيرة الهجمات التي تشنها حركة الشباب المجاهدين داخل وخارج الصومال في الآونة الأخيرة، وكان آخرها يوم الجمعة الموافق 19 أغسطس 2022 حيث اقتحم أعضاء من الحركة فندق “الحياة” في العاصمة مقديشو، في هجوم أسفر عن مقتل 12 شخصاً، بحسب البيانات الرسمية، وهو ما كان استمراراً لسلسلة من الهجمات التي استهدفت الداخل الصومالي، من بينها استهداف سيارة عسكرية وسط مقديشو من خلال لغم أرضي، بداية شهر أغسطس 2022، والهجوم الذي أدى إلى مقتل وزير العدل بولاية جنوب غربي الصومال، حسن إبراهيم لوغبور، نهاية يوليو 2022. ولم تقتصر هجمات حركة “الشباب المجاهدين” على الداخل الصومالي فقط، وإنما امتدت إلى خارج الحدود الصومالية، حيث نفذت الحركة في 21 يوليو 2022 هجمات داخل إثيوبيا، أسفرت عن مقتل 17 من رجال الشرطة الإثيوبية.
وهناك مجموعة من العوامل التي أسهمت في عودة الحركة للظهور من جديدة بعد فترة من تراجع عملياتها؛ أهمها: قرار الرئيس الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، سحب القوات الأمريكية البالغ عددها 700 جندي من الصومال في عام 2020، وبرغم أن هذه القوات عادت مرة ثانية إلى البلاد عام 2022 في ظل إدارة الرئيس الأمريكي الحالي، فإن الحركة تمكنت خلال هذين العامين من إعادة ترتيب صفوفها، حتى تمكنت في النهاية من تنفيذ العديد من العمليات سواء العاصمة مقديشو أو داخل إثيوبيا.
ولعل التحول الأخير الذي طرأ على حركة “الشباب المجاهدين” يشير إلى أنها ربما تكون قد بدأت طوراً جديداً في مسيرتها، حتى إن مؤسسة السحاب التي تعد الذراع الإعلامية لتنظيم القاعدة قد احتفت بالعملية التي نفذتها الحركة ضد فندق “حياة”، زاعمة أن “الشباب المجاهدين” سيتمكنون من بسط سيطرتهم على الصومال كما فعلت حركة طالبان في أفغانستان، ونقلت المؤسسة عن مجلة “أمة واحدة” زعمها في عددها السابع أنه “ليس ببعيد أن يجري في القريب بالصومال ما رأيناه قبل شهور بأفغانستان، فثمة أوجه للتشابه كثيرة وكبيرة قد يلحظها المراقب ممن اهتم بأرشفة الأحداث المعاصرة في البلدين، وشارك في رصد منعطفات حربيهما منذ استعارهما مع مطلع القرن الحادي والعشرين”.
2. مغزى عمليات حركة الشباب” ودلالاتها:
لوحظ ارتفاع نشاط حركة “الشباب المجاهدين” بعد مقتل زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري في 31 يوليو من العام الجاري، حيث أرادت الحركة الأقوى والأكبر المبايِعة لتنظيم القاعدة في أفريقيا، أن تثبت أنها مازالت قوية رغم مقتل الظواهري. والدلالة الأهم هي أن تنظيم القاعدة أراد أن يقوم بإيصال رسائله رداً على مقتل زعيمه، من خلال حركة “الشباب المجاهدين”، صحيح أن “القاعدة” لم تعلن عبر بيان رسمي أن استهداف فندق “حياة” في العاصمة مقديشيو يأتي رداً على مقتل الظواهري، ولكن قد يفهم أن تكثيف حركة الشباب لهجماتها في هذه الفترة يأتي في سياق رد فعل “القاعدة” على مقتل الظواهري.
وهنا يمكن فهم سياق العمليات التي نفذتها حركة الشباب سواء داخل إثيوبيا أو داخل العاصمة مقديشيو؛ وما قد يدلل على إمكانية صحة هذا السياق هو الرابطة القوية التي تربط بين الحركة وتنظيم القاعدة، فحركة الشباب تعد من أقوى الجماعات المبايعة للقاعدة في أفريقيا، فإذا كانت منطقة الشرق الأوسط شهدت ولادة تنظيم “داعش” الذي نجح في إقامة دولته في الرقة والموصل في 29 يونيو عام 2014، فإن أفريقيا ربما تمثل البيئة الحاضنة الأهم لتنظيم القاعدة بحكم علاقته بحركة الشباب الصومالية. وتشير العمليات التي تنفذها حركة الشباب المجاهدين إلى أن تنظيم القاعدة ربما يكثف اعتماده على فروعه من أجل تأكيد وجوده واستمراريته، بل وقدرته على تصدر المشهد الجهادي، بعد سقوط دولة “داعش” في منطقة الشرق الأوسط، مستغلاً قوة هذه الفروع وقدرتها على التحرك وتنفيذ عمليات نوعية في بيئاتها المحلية، بمعنى أن هذه الفروع مثل حركة “الشباب المجاهدين” ستكون بمثابة رديف للتنظيم الأم في حال تعثره.
ولا شك أن قدرة الفروع وفي مقدمتها حركة الشباب الصومالية على التحرك وتنفيذ العمليات ستؤدي إلى نتيجة مفادها أن التنظيم الأم لن يغيب أو يختفي بمقتل زعيمه أيمن الظواهري، صحيح أن “القاعدة” قد تأثرت بمقتل الزعيم صاحب الكايرزما والشخصية المؤثرة داخل التنظيم، لكن غيابه لن يؤدي – في ظل نشاط الفروع – إلى أفول التنظيم، بل قد يحدث العكس.
وهنا يمكن قراءة الهجمات التي شنتها حركة الشباب المجاهدين سواء داخل الصومال أو داخل إثيوبيا في سياق الرد على مقتل أيمن الظواهري، والتأكيد على أن تنظيم القاعدة لا يُعاني أفولاً، بل إنه قد يدخل طوراً جديداً يتسم باتساع نطاق اللامركزية في تحركاته معتمداً في ذلك على فروعه الأخرى وفي مقدمتها حركة الشباب الصومالية.
الدلالة الأخرى المهمة هي أن تكثيف الحركة لعملياتها في الآونة الأخيرة يشير إلى رغبتها في التأكيد على أنها مازالت حاضرة في المشهد الصومالي، وأنها قادرة على التأثير فيه من خلال تنفيذ عمليات إرهابية مؤثرة ونوعية، فالشاهد أن هذه العمليات جاءت في وقت تولى فيه حسن شيخ محمود منصب الرئاسة، ويبدو أن الحركة استهدفت توجيه رسالة إليه بأنها مازالت على الساحة وقادرة على التأثير في المشهد السياسي.
خاتمة:
تعيش حركة الشباب الصومالية تحولات ربما تدفع بها إلى الصعود مرة ثانية، في ظل دعم بعض الدول التي ترغب في أن يكون لها موطن قدم في القرن الأفريقي، ووجود مصادر تمويل ذاتية “منوعة” ومصادر أخرى لها علاقة بالقرصنة وبيع المخدرات. وبالتالي، فإن الحركة تمتلك عدة عوامل مهمة تجعلها قادرة على البقاء والاستمرارية.
وفي ظل ما تتمتع به حركة الشباب من قدرات عسكرية ومالية، فإنه من الواضح أن تكثيف الحركة لعملياتها خلال الآونة الأخيرة قد جاء في جانب منه رداً على مقتل أيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة الذي يعتبر بمنزلة التنظيم الأم للحركة، وفي جانب آخر جاء هذا التكثيف ليؤكد أن الحركة مازالت قادرة على تنفيذ عمليات إرهابية، وعلى أنها في مرحلة صعود بعد فترة من التراجع، وهو ما يمثل رسالة إلى الرئيس الجديد حسن شيخ محمود الذي أعلن رغبته في مواجهة حركة الشباب.
في هذا السياق، فإنه من المرجح أن تشهد المرحلة المقبلة صداماً عنيفاً بين الحكومة الصومالية وحركة الشباب في ظل رغبة كلّ طرف في التأكيد على قوته، فالحكومة من جهتها ترغب في القضاء على الحركة أو على الأقل تحييدها وإضعاف قوتها والحد من نفوذها وتأثيرها في المشهد السياسي، وذلك وصولاً إلى تحقيق الاستقرار في البلاد، فيما ستحاول حركة الشباب من جهتها إثبات وجودها وقدرتها على التأثير من خلال تنفيذ عمليات إرهابية نوعية.
ولا شك أن قرار الرئيس الأمريكي جو بايدن في مايو 2022 بالموافقة على خطة لإعادة مئات من العناصر الخاصة الأمريكية إلى الصومال لمساعدة الحكومة في محاربة حركة الشباب، سيكون له تأثير كبير على المواجهة بين الجانبين، ولاسيما أن هذه العناصر ستقدم دعماً مهماً للحكومة في مواجهة الحركة.
وبرغم أهمية البعد الأمني والعسكري في مواجهة حركة الشباب، فإنه ليس كافياً لنجاح هذه المواجهة، فمن دون البحث عن وسائل لتجفيف البيئة التي تساعد الحركة على الاستمرارية، فإن أي جهود تبذل في هذه المواجهة لن يكتب لها النجاح تماماً، إذ لابد من القضاء على مصادر تمويل الحركة خاصة في المناطق الريفية والقرى التي توجد فيها وتسيطر عليها، ولابد من بذل مزيد من الجهود لتحقيق تنمية اجتماعية في هذه المناطق، وهو ما يتطلب استراتيجية شاملة ينبغي أن يكون للمجتمع الدولي دور فيها من خلال مساعدة الحكومة على تنفيذ هذه الاستراتيجية في أبعادها المختلفة.