• اخر تحديث : 2024-04-26 21:42
news-details
قراءات

هل تنجح المعارضة التركية في اختيار مرشح توافقي للانتخابات الرئاسية القادمة؟


حصل كمال كليتشدار أوغلو رئيس حزب "الشعب الجمهوري" أكبر أحزاب المعارضة بتركيا، يوم 25 سبتمبر 2022، على دعم ثلاثةٍ من منافسيه المُرشَّحين المُحتمَلين لخوض انتخابات الرئاسة التركية المقبلة المقررة في يونيو 2023، وهم: رئيس بلدية أنقرة منصور ياواش، ورئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، ورئيسة حزب الخير المعارض ميرال أكشنار. ورغم هذا فإن ثمَّة عقبات تمنع أوغلو ليصبح مرشحاً موحداً لأحزاب المعارضة التركية، ومنها عدم إعلان رئيس حزب "الديمقراطية والتقدم" وزير الاقتصاد الأسبق علي باباجان دعمه، وإعلان رئيس حزب "المستقبل" المعارض وزير الخارجية الأسبق أحمد داوود أوغلو ترشُّحه للانتخابات الرئاسية المقبلة، واستمرار الخلافات بين أحزاب المعارضة حول بعض السياسات التنفيذية، فضلاً عن غموض موقفهم تجاه حزب "الشعوب الديمقراطي" الكردي المعارض؛ ما يشكك في احتمالية توافق أحزاب المعارضة التركية على مرشح مُوحَّد للانتخابات الرئاسية المقبلة.

إشكاليات رئيسية

يُعَد "تحالف الأمة" المُمثِّل الرئيسي للمعارضة التركية، ويضمُّ أحزاب (الشعب الجمهوري، والخير، والسعادة، والدواء، والمستقبل، والديمقراطية والتقدم)، وقد اجتمعت هذه الأحزاب للمرة الأولى في فبراير 2022، وأعلنت عن عزمها خوض الانتخابات الرئاسية المقبلة بمُرشَّح توافقي واحد يُمثِّلها. ورغم إعلان الرئيس التركي الحالي رئيس حزب "العدالة والتنمية" الحاكم رجب طيب أردوغان رسمياً ترشُّحه للانتخابات في 9 يونيو 2022، فإن أحزاب المعارضة لم تُعلِن مرشَّحها المُوحَّد للانتخابات الرئاسية المقبلة؛ وذلك لعدة عوامل، منها:

1الجدل حول شخصية المُرشَّح المُوحَّد للمعارضة: يتكوَّن تحالف المعارضة التركية من ستة أحزاب أعلن اثنان منها فقط توافقهما على ترشُّح كمال كليتشدار أوغلو للانتخابات المقبلة، وهما (حزب الشعب الجمهوري، وحزب الخير)، بينما يُفضِّل حزبا "الديمقراطية والتقدُّم" و"السعادة" أن يكون المرشح مثلهما؛ ذا خلفية إسلامية، وطرحا اسم الرئيس السابق عبد الله غول مرشحاً رئاسياً للمعارضة؛ لأن له شعبية في الكتل التصويتية لحزب "العدالة والتنمية" الحاكم، ويمكنه منافسة أردوغان بسهولة. بدوره اشترط غول توافق كل أحزاب المعارضة عليه ليقبل خوض الانتخابات، فيما أعلن رئيس حزب المستقبل أحمد داوود أوغلو عزمه الترشح للانتخابات الرئاسية؛ ولذا حتى اليوم لا يوجد مُرشَّح مُوحَّد للمعارضة التركية لخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة، فيُقدَّم للناخبين ويُروَّج له كما يفعل أردوغان الذي بدأ بالفعل يُعِدُّ للانتخابات المقبلة.

2إقصاء الأكراد من المعارضة: يُعَد حزب "الشعوب الديمقراطي" الكردي الممثل الرئيسي للأحزاب الكردية في تركيا، ويحصل على 10% من الأصوات؛ ما يجعله كتلة وازنة في أي استحقاق انتخابي، كما أن له تأثيراً كبيراً على الكتل التصويتية في المحافظات الجنوبية (ديار بكر، وماردين، وغازي عنتاب). وقد أعلن الحزب في شهر سبتمبر 2022 رسمياً عن تأسيس تحالف انتخابي يساري هو "العمل والحرية" لخوض الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة، ولم ينضمَّ حزب "الشعوب الديمقراطي" إلى تحالف الأمة المعارض لخلافات بين الطرفَيْن.

وفي مارس الماضي بدأ رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كليتشدار أوغلو يتقرَّب من الأكراد لاستقطاب أصواتهم، فأجرى جولة في محافظة ديار بكر الكردية في زيارة نادرة أطلق عليها "جولة المصالحة"، ووعد بإطلاق سراح رئيس حزب الشعوب صلاح الدين دميرطاش السجين منذ 5 سنوات بتهم تتعلَّق بالإرهاب حال فوزه بالانتخابات، بيد أن الرئيس المشترك لحزب الشعوب مدحت سنجار، انتقد ضمنياً أحزاب المعارضة التركية؛ لأنها لا تُقدِّم الدعم الكافي للقضية الكردية، وأكد أن "أحزاب المعارضة لا يمكنها تحقيق الفوز دون إقناع المجتمع بالتغيير، وطرح برنامج متسق بشكل مقنع لحل ديمقراطي للمشكلة الكردية".

كما برزت أزمة بين الحزب الكردي والمعارضة بعد تصريحات نُسبت إلى ميرال أكشنار مطلع سبتمبر الحالي أكدت فيها أنها لن تجلس على طاولة بها مقعد لحزب الشعوب الديمقراطي، بمعنى رفضها التحالف الرسمي مع الحزب. ورغم أنها تراجعت عن تلك التصريحات وأشادت بالمواطنين الأكراد في تركيا وتعهَّدت بحمايتهم، فإن الحزب الكردي يدرك تماماً "اللعبة الانتخابية"؛ حيث تتسابق الأحزاب على استقطاب الأصوات الكردية دون طرح رؤية متكاملة لحل القضية الكردية بعد استهدافهم واضطهادهم من قبل النظام التركي منذ عام 2016 عقب اتهام "دميرطاش" بالتورط في الانقلاب العسكري الفاشل آنذاك.

3غياب برنامج انتخابي موحد: اتفق تحالف “الأمة” المعارض على ضرورة العودة إلى نظام الحكم البرلماني، وإنهاء حكم الرئيس “أردوغان”، وطرح مرشح موحد للمعارضة دون تحديد برنامج انتخابي موحد لقوى المعارضة أو الاتفاق على برنامج اقتصادي موحد وواضح ومُقنِع يحظى بدعم الناخبين لإنهاء الأزمة الاقتصادية بالبلاد، كما لم يتفقوا على آليات تنفيذية لتحقيق أهدافهم، أو فريق عمل سياسي مشترك يحظى بثقة الناخبين؛ ما يشير إلى أن المعارضة تفتقد “رؤية واضحة وموحدة” لحل المشكلات الآنية بالدولة التركية، وتعتمد على إطلاق شعارات فضفاضة دون تحديد سياسات عمل لتنفيذها؛ ما سيؤدي إلى فقدان ثقة الناخبين بها.

4الخلافات الأيديولوجية الحزبية: ربما يمكن تفسير استمرار الخلافات بين أحزاب تحالف المعارضة بوجود خلافات أيديولوجية جذرية بينها؛ فحزب "الشعب الجمهوري" يتبنَّى سياسات اشتراكية ديمقراطية علمانية. أما أحزاب (السعادة، والمستقبل، والديمقراطية والتقدم) فلها سياسات إسلامية محافظة. وأما حزب "الخير" فقوميٌّ مُعتدِلٌ. وهذه الخلافات الأيديولوجية تنعكس على السياسات الحزبية؛ فعلى سبيل المثال، يؤيد باباجان القضية الكردية، في حين ترفضها أكشنار لأنها تنتمي إلى حزب قومي يرفض منح الأكراد المزيد من الحقوق أو توليتهم مناصب عامة بالبلاد، وإذا وافقت على ذلك فستخسر قاعدتها الانتخابية.

وبالمثل، فإن حزب "السعادة" أشاد بالرئيس التركي أردوغان بعد الانسحاب من اتفاقية "إسطنبول للمرأة" بدعوى الحفاظ على القيم الأسرية، في الوقت الذي انتقد فيه حزبُ الشعب الجمهوري ذلك الانسحاب. وهذا يتكرر في كافة القضايا بالمجتمع، بما فيها المشكلات الاقتصادية والقضائية، بعكس منافسه "تحالف الشعب" الحاكم الذي يقوده أردوغان الذي يجمع أحزاباً إسلامية وقومية، لكنه متجانس ويقوده حزب "العدالة والتنمية" الحاكم، ولا توجد خلافات جذرية بين أحزابه؛ لذا نجد من الصعب اتفاق تحالف المعارضة على برنامج انتخابي موحد لمرشحهم للانتخابات الرئاسية المقبلة.

خيارات المعارضة

أعلن أحد قياديي تحالف "الأمة" أنهم سيُعلنون عن مرشحهم للانتخابات الرئاسية المقبلة قبل شهرين فقط من موعدها؛ لتجنب استهداف الرئيس التركي أردوغان له، عبر توجيه تُهَم قضائية لمرشحهم أو شن حملات إعلامية مُسيَّسة ضده تُفقِده ثقة الناخبين؛ لذا فإن أمام المعارضة التركية – في ظل المعطيات الآنية للتحالف فيما بينها – عدة خيارات لخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة، وتتمثل أهمها فيما يأتي:

1اختيار مُرشَّح مُوحَّد للرئاسة: اجتمع قادة تحالف الأمة المُعارِض في 21 أغسطس الماضي، وأكدوا الدفع بمرشح واحد مشترك في الانتخابات الرئاسية في مواجهة أردوغان، وأصدروا بياناً عقب اجتماعهم يؤكدون فيه ثقتهم بالفوز، وأن مرشحهم سيكون "رئيساً للجميع، وليس لمن صوتوا له فقط"، بيد أنهم لم يعلنوا اسم هذا المرشح. والأكثر ترجيحاً أن يكون رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كليتشدار أوغلو الذي أبدى ثقته بالفوز بالانتخابات، وطلب من نواب حزبه التعامل باعتبارهم "الحزب الحاكم"، لكن هذا سيتطلَّب منه التوافق مع رئيس حزب المستقبل أحمد داوود أوغلو الذي أعلن ترشُّحه للانتخابات، وإقناعه بعدم خوضها، وكذلك مع حزب الشعوب الديمقراطي الكردي؛ حتى لا تنقسم الكتل التصويتية.

بيد أن ترشُّح رئيس حزب الشعب الجمهوري، ربما يؤدي إلى هزيمة المعارضة؛ لأنه يفتقد "الكاريزما" والشعبية الواسعة، لا سيما في محافظات وسط وجنوب تركيا، بعكس أردوغان الذي علَّق على ترشُّح منافسه كمال أوغلو يوم 23 سبتمبر 2022 بقوله: "لماذا نشعر بالتوتر؟ نحن واعون لأعمالنا. حتى الآن، يواصل تحالف الشعب طريقه بحزم. أما تحالف الأمة فيواصلون طريقهم بشكل غير حاسم".

2تشكيل فريق رئاسي: ربما يلجأ تحالف الأمة إلى تشكيل "فريق رئاسي" لخوض الانتخابات، ليكون صيغةً توافقيةً تُرضِي جميع أحزابه. وبناءً عليه، يتم ترشيح كليتشدار أوغلو لمنصب الرئيس ومعه عدد من النواب من رؤساء أحزاب المعارضة، مثل باباجان نائباً عن ملف الاقتصاد، وداوود أوغلو نائباً للرئيس عن ملف السياسة الخارجية، وأكشنار نائباً للرئيس لملف الداخلية. وهذا الفريق سيجذب مؤيدي كافة الأحزاب؛ إذ سيرون اسم حزبهم مرشحاً ضمن فريق كبير.

3خوض مرشحين معارضين الانتخابات: ربما يُرشَّح اسمان من تحالف "الأمة" كنوع من "المُغامَرة"؛ لضمان فوز أيٍّ منهما بالانتخابات، وسيكون الأول بالطبع هو كليتشدار أوغلو لجذب الأصوات العلمانية والمُعارِضة لسياسات أردوغان، والثاني ربما يكون رئيس حزب المستقبل أحمد داوود أوغلو لجذب الكتل التصويتية المحافِظة والإسلامية المُؤيِّدة "لأردوغان"، خاصةً أن داوود أوغلو أعلن صراحةً عن عزمه الترشح.

4تفكُّك تحالف المعارضة: بقي على الانتخابات الرئاسية نحو 9 أشهر، وهي فترة طويلة ربما يدبُّ فيها الخلاف بين أحزاب تحالف الأمة المعارض، لا سيما عند بحث ترشيح اسم مُوحَّد للانتخابات الرئاسية. وسيؤدي ذلك إلى تفكك التحالف، وربما يلجأ بعض أحزابه للانضمام إلى تحالف "الشعب الحاكم"، خاصةً حزب "السعادة" الإسلامي الذي تتماهى مواقفه مع حزب "العدالة والتنمية" الحاكم. وهذا سيؤدي إلى تعدُّد مُرشَّحي المعارضة وطرح عدة أسماء، مثل كمال كليتشدار أوغلو، والرئيس التركي السابق عبد الله غول وباباجان” و”أوغلو، هذا فضلاً عن مرشح التحالف الكردي الذي يقوده حزب "الشعوب الديمقراطية" الذي لم يُعلَن عنه أيضاً. وهذا التفكك سيصبُّ في صالح الرئيس التركي "أردوغان" نظراً إلى أنه سيبقى الزعيم الأقوى الموحد لتحالف الشعب الحاكم، وسيؤدي تفتيت الكتل التصويتية إلى خوض جولة ثانية من الانتخابات الرئاسية وفق القانون التركي.

خلاصة القول أن الانتخابات الرئاسية التركية المقبلة تُعَد الأهم خلال العقدين الماضيين؛ نظراً إلى جملة من المتغيرات الداخلية والخارجية، وعلى تحالف الأمة المعارض تكثيف جهوده لمنافسة الرئيس التركي أردوغان الذي لن يدَّخر جهداً للفوز بها وتكليل عمله السياسي المستمر منذ خمسين عاماً عبر الاحتفال بمئوية الجمهورية التركية رئيساً لها عام 2023.