• اخر تحديث : 2024-07-01 12:23
news-details
قراءات

هل تسحب فرنسا قواتها من بوركينا فاسو بعد الانقلاب الأخير؟


شهدت بوركينا فاسو، في 30 سبتمبر الماضي، انقلاباً عسكرياً هو الثاني خلال ثمانية أشهر، بعد انقلاب يناير مطلع العام الجاري، ووجَّه قادة الانقلاب اتهامات إلى فرنسا بتقديم الدعم لقائد الانقلاب السابق بول هنري داميبا، وخرجت تظاهرات تطالب بطرد القوات الفرنسية من البلاد، وهو ما يطرح تساؤلات حول مستقبل الوجود العسكري الفرنسي في بوركينا فاسو بعد هذا الانقلاب، وخاصةً بعد إضرام المتظاهرين النار في مبنى السفارة الفرنسية، ورفع الأعلام الروسية المؤيدة لسياسة موسكو في المنطقة.

محددات حاكمة

ثمَّة جملة من العوامل المؤثرة في مستقبل الوجود الفرنسي في بوركينا فاسو، ومن أهمها:

1تنامي الهجمات الإرهابية في بوركينا فاسو، رغم الوجود العسكري الفرنسي الذي يتمثل في قوة سابر؛ حيث ينتشر نحو 400 عسكري فرنسي ضمن هذه القوة الخاصة التي تُدرِّب الجيش في ثُكنة قرب واجادوجو، فإن بوركينا فاسو أصبحت تُسجِّل أكبر عدد من القتلى الذين يسقطون على يد الجماعات المسلحة في المنطقة؛ ففي شهر أبريل الماضي وحده، قُتل ما لا يقل عن 240 شخصاً، بينهم 108 مدنيين. وأعنف هذه العمليات الإرهابية التي عجَّلت بوقوع الانقلاب على يد إبراهيم تراوري، مقتل 11 عنصراً من الدرك، في هجوم لمسلحين على بلدة سَيتنجا (شرق).

2تظاهرات معارضة للوجود الفرنسي في بوركينا فاسو: فبعد نحو أربع وعشرين ساعة من بدء الانقلاب على بول هنري سانداوجو داميبا الذي وصل هو نفسه إلى السلطة إثر انقلاب في يناير الماضي؛ اتهم الانقلابيون فرنسا بدعمه لاستعادة السلطة؛ ما أربك المشهد في ظل نفي قاطع من باريس لذلك الاتهام. وتجمَّع متظاهرون مناهضون لفرنسا، ورشقوا المركز الثقافي الفرنسي في بلدة بوبو ديولاسو الجنوبية بالحجارة، كما تعرَّضت شركات فرنسية للتخريب.

3رواج الإعلام المناهض لفرنسا في بوركينا فاسو: حيث أشار تقرير حديث صادر عن معهد البحوث الاستراتيجية التابع لوزارة الدفاع الفرنسية، إلى “انتشار محتوى مضلل عبر الإنترنت، يهدف غالباً إلى تشويه الوجود الفرنسي وتبرير حضور روسيا”، وقال إن “بوركينا فاسو هي اليوم واحدة من البلدان الأفريقية التي تستهدفها فاجنر”. وأشار التقرير إلى الزيادة الكبيرة في عدد قرَّاء النسختَين الفرنسيتَين من موقعَي “آر تي” و”سبوتنيك” الإعلاميين الروسيين.

4بروز حركات مؤيدة لتعزيز التعاون مع موسكو: وأهم هذه الحركات، حركة تطلق على نفسها «بوركينا – روسيا»، ينشط فيها مثقفون وسياسيون وحقوقيون وصحفيون، ينظمون أنشطة موالية لروسيا ويطالبون بعقد شراكة «جيو–استراتيجية» مع موسكو. وتقدم الحركة نفسها على أنها معارضة للسياسات الفرنسية، وتدعو إلى إلغاء الاتفاقيات السرية مع باريس. وبرزت هذه الحركة بقوة خلال الأيام الأخيرة، وكان ناشطون فيها يتصدَّرون التظاهرات المؤيدة للانقلاب العسكري، ويرتدون قمصاناً تحمل علمَي بوركينا فاسو وروسيا، ويرفعون لافتات مناهضة للوجود الفرنسي والغربي في بلدهم، بل إن بعض هؤلاء الناشطين استهدفوا لافتة إشهارية تحمل شعار شركة فرنسية في أحد شوارع واجادوجو.

5وجود حوافز عسكرية روسية لبوركينا فاسو: فأكثر ما تعاني منه بوركينا فاسو في حربها على الإرهاب هو نقص المعدات والأسلحة، وتلك هي الذريعة التي برر بها قادة الانقلاب الأخير عزل الرئيس بول هنري داميبا. وموسكو جاهزة لسد هذا النقص في إطار صفقات شبيهة بتلك التي أُبرمت مع مُنفِّذي الانقلاب العسكري في دولة مالي المجاورة قبل عامَين. وقدوقَّع البلدان عام 2018 اتفاقية تُمهِّد لحصول الجيش وقوات الأمن في بوركينا فاسو على “دعم فني” من روسيا، بالإضافة إلى إطلاق برنامج للتكوين العسكري والاستخباراتي يُشرف عليه عسكريون روس. وألمحت الاتفاقية المُوقَّعة قبل أكثر من 4 سنوات إلى إمكانية حصول بوركينا فاسو على “معدات عسكرية وأسلحة” روسية. لكن هذه الاتفاقية بقيت مجرد حبر على ورق حتى انقلاب يناير الماضي، حين بدأت أصوات داخل الجيش تدعو إلى تفعيلها وتعزيز التعاون مع روسيا، في إطار ما سموه “تنويع الشراكات”؛ من أجل إيجاد حلول فعالة في مواجهة خطر الإرهاب، ولكن يبدو أن العقيد بول هنري داميبا لم يكن متحمساً لهذا التحول السريع.

6تطلُّع العسكريين في بوركينا فاسو إلى التعاون مع موسكو: إذ كان من الواضح في تصريحات مسؤولي بوركينا فاسو خلال الأشهر الأخيرة أن هناك استراتيجية جديدة تقوم على البحث عن شركاء جدد في الحرب على الإرهاب، بعد ازدياد النقمة الشعبية على الفرنسيين، وكانت روسيا جاهزة لتكون هذا الشريك الجديد. وفي نهاية شهر أغسطس الماضي، أعلن الوزير الأول في حكومة بوركينا فاسو الانتقالية ألبرت أوديراجو أن بوركينا فاسو تحتفظ لنفسها بالحق في تنويع شركائها، ولو كان ذلك يُزعج الشركاء التاريخيين، في إشارة إلى القوة الاستعمارية السابقة (فرنسا) التي تُعد أكبر شريك عسكري وأمني للبلاد. بل إن الوزير الأول كان أكثر صراحةً حين قال إن “هناك علامات استفهام على الشراكة التي تربطنا بفرنسا”.

سيناريوهان متوقعان

هناك سيناريوهان لمستقبل الوجود الفرنسي في بوركينا فاسو، على النحو الآتي:

1- سيناريو الانسحاب الفرنسي: إذ يُلاحَظ أن قادة الانقلاب العسكري قد أعلنوا بسرعة تحمُّسهم للتحالف مع موسكو، وأعربوا بوضوح عن رغبتهم القوية في التوجه نحو شركاء آخرين، في إشارة إلى روسيا وذراعها الأمنية شركة فاجنر؛ ما يشير إلى تعاون سري مع الروس، وهو ما يعني تكرار السيناريو الذي حدث في مالي المجاورة التي شهدت انقلابَيْن عام 2020 أدَّيَا إلى وصول عسكريين معادين لفرنسا إلى السلطة؛ ما قاد الرئيس إيمانويل ماكرون إلى إعلان سحب القوات الفرنسية وإعادة نشرها في دول أخرى بالإقليم.

2- سيناريو بقاء القوات الفرنسية: ويعني أن فرنسا قد تستغل الانقسامات داخل المؤسسة العسكرية، وتدعم المعسكر المؤيد لقائد الانقلاب السابق؛ حيث كان هنري دامبيا يُعرَف بأنه أحد رجال فرنسا في المنطقة، وقد تتجه فرنسا إلى دعمه إذا انحازت إليه بعض الوحدات العسكرية. وقد يعمل قادة الانقلاب الحالي بانتهازية لاستغلال الاستقطاب الفرنسي–الروسي لحشد الدعم لمشروعهم السياسي بدون قطع العلاقات مع فرنسا، وحتى لا يتعرَّضوا لعقوبات قاسية من جانب إيكواس التي لم تفرض أي عقوبات على المجلس العسكري السابق؛ حيث تملك باريس نفوذاً قوياً على العديد من أعضاء المنظمة.

وإجمالاً، يمكن القول إن من السابق لأوانه ترجيح أحد السيناريوهَيْن على الآخر في ضوء عدة اعتبارات: أن روسيا لا تزال تواجه تحديات حسم الحرب في أوكرانيا، وقد لا ترغب في تصعيد المواجهة مع فرنسا في المنطقة في الوقت الحالي، كما أن فاجنر لم تُثبت قدرة على التنسيق مع القوات المالية في مواجهة الإرهاب وإنما تحولت العلاقة بين الجانبَيْن من التعاون إلى اشتباكات ومواجهات مُسلَّحة في شوارع باماكو. كما أن قائد الانقلاب الجديد إبراهيم تراوري لا يزال يواجه تحديَ فرض سيطرته على المؤسسة العسكرية التي تواجه صراعات، وربما محاولات الانقلاب على سلطته. ومن ثم، فإن مستقبل الوجود الفرنسي مرهون بمدى قدرة القادة الجدد على فرض سيطرتهم على المؤسسة العسكرية، وترجيحهم حجم الاستفادة التي يمكن الوصول إليها في ظل العلاقة مع باريس أو موسكو.