ألقى الرئيس دونالد ترامب خطابه الأول أمام جلسة مشتركة للكونجرس الأمريكي في مبنى الكابيتول، في الرابع من مارس 2025. ويعد هذا الخطاب تقليداً أمريكياً معروفاً؛ حيث يقوم به كل الرؤساء الأمريكيين كل عام. وفي هذا الخطاب يستعرض الرؤساء إنجازاتهم وأهدافهم ورؤاهم عن الوضع الحالي والظروف في الولايات المتحدة؛ حيث ينص الدستور الأمريكي على أن "يقوم الرئيس من وقت إلى آخر بإعطاء الكونجرس معلومات عن حالة الاتحاد، ويقدم توصيات بالنظر في التدابير التي يراها ضرورية ومناسبة". ولكن الخطاب الذي ألقاه ترامب لا يعد خطاباً عن حالة الاتحاد، بل يعتبر خطاباً غير رسمي؛ وذلك لأنه في العام الأول لمنصبه في البيت الأبيض؛ لذلك يعتبر رسالة موجهة إلى الكونجرس عن إنجازاته خلال الـ44 يوماً التي قضاها في منصبه، ورؤيته للتعامل مع التحديات الداخلية والخارجية التي تواجهها الولايات المتحدة خلال السنوات الأربع القادمة.
قضايا داخلية
استعرض ترامب، خلال خطابه أمام الكونجرس، إنجازاته خلال فترته الوجيزة التي قضاها في الحكم، التي يمكن توضيحها فيما يلي:
1– الترويج لأهمية فرض رسوم جمركية على الدول الأخرى: استعرض الرئيس الأمريكي، خلال خطابه، ما قام به من شن حروب تجارية من خلال فرض رسوم جمركية بنسبة 25% على كل من الصين وكندا والمكسيك؛ وذلك اعتقاداً منه أن تلك الدول تسببت في تدفق المهاجرين غير الشرعيين إلى الولايات المتحدة، بجانب أنهم تسبَّبوا أيضاً في تدفق المخدرات، وخاصةً مخدر الفنتانيل للولايات المتحدة، بالإضافة إلى أنه هاجم خلال خطابه الاتحاد الأوروبي ودولاً مثل كندا والهند والمكسيك؛ بسبب ما اعتبرها ممارسات تجارية غير عادلة؛ لذلك تعهد بأنه سيفرض تعريفات جمركية أخرى على تلك الدول في النصف الثاني من أبريل؛ وذلك لأنه يرى أن هذه الرسوم ستوفر للولايات المتحدة تريليونات الدولارات، وأنها ستعمل على خلق المزيد من فرص العمل للمواطنين الأمريكيين.
2– إثارة قضية الهجرة غير الشرعية وأمن الحدود: ركز الرئيس الأمريكي، خلال خطابه، على جهوده التي بذلها من أجل ترحيل الملايين من المهاجرين غير النظاميين المقيمين في الولايات المتحدة؛ وذلك من خلال ما قام به من فرض رسوم جمركية عالية على الدول الأكثر تسبباً في هذه الأزمة، بجانب تعليقه عملية اللجوء على الحدود الجنوبية، وإيقاف إعادة توطين اللاجئين، بالإضافة إلى قيامه بإنهاء حق الجنسية للأطفال المولودين في الولايات المتحدة لآباء غير قانونيين، فضلاً عن قيامه بإنهاء استخدام تطبيق الذي يسمح للمهاجرين بدخول الولايات المتحدة بشكل قانوني، وقيامه باستكمال بناء جدار على الحدود الأمريكية مع المكسيك الذي أوقفه سلفه الديمقراطي جو بايدن، وإغلاق مكاتب الهجرة في أمريكا اللاتينية؛ وذلك اعتقاداً منه أن هذه الإجراءات تحافظ على أمن الحدود الأمريكية وتمنع تهديدها، وأنه رأى أن عبور المهاجرين غير الشرعيين إلى الولايات المتحدة وصل إلى أدنى مستوياته منذ توليه منصبه.
3– شن حرب على عصابات المخدرات: تعهد الرئيس الأمريكي خلال خطابه أمام الكونجرس بأنه سيعمل على شن حرب على عصابات المخدرات المكسيكية، في حين أنه صنف العديد من هذه الكارتلات كمنظمات إرهابية، بالإضافة إلى أنه اتهم كلاً من كندا والمكسيك بالتساهل في تهريب مخدر الفنتانيل إلى الأسواق الأمريكية.
4– إنهاء سياسات التنوع والمساواة: أكد الرئيس الأمريكي خلال خطابه أن هناك جنسين فقط: ذكر وأنثى في الولايات المتحدة، ولا يوجد جنس ثالث، في حين أنه أشار إلى أنه وقع مرسوماً منذ توليه منصبه يمنع النساء المتحولات من المشاركة في المنافسات الرياضية النسائية، بجانب أنه أعلن أمام الجميع بأن الولايات المتحدة لن تكون يقظة بعد اليوم. وكان في ذلك رسالة واضحة منه أنه سيعمل على إنهاء سياسات التنوع والشمول التي يرى أنها أثقلت المجتمع الأمريكي وعطَّلت حريته.
5– إنعاش الاقتصاد الأمريكي وازدهاره: عمد الرئيس الأمريكي خلال خطابه إلى الحديث عن جهوده لإنعاش الاقتصاد الأمريكي بعدما أدت سياسات سلفه الديمقراطي إلى تدميره وتأخره؛ وذلك من خلال خططه التي تبناها والتي اعتمدت على مجال الطاقة؛ وذلك بالتركيز على إنتاج النفط والغاز والوقود الأحفوري، بجانب قيامه بإنشاء مجلس الطاقة الأمريكي الذي يهدف إلى زيادة إنتاج النفط، فضلاً عن قيامه بإلغاء كل الأوامر التنفيذية التي اتخذها سلفه الديمقراطي والتي كانت تحد من زيادة إنتاج النفط؛ وذلك لأن ترامب يرى أن الولايات المتحدة مليئة بالموارد الطبيعية، ولديها الكثير من السائل الذهبي (النفط)، الذي سيجعل الولايات المتحدة تعيش في عصرها الذهبي، وسيجعلها غنية، وأن كل هذه الإجراءات من شأنها أن تؤدي إلى إنعاش الاقتصاد وخفض معدلات التضخم وخفض الأسعار ورفع المعاناة عن المواطن الأمريكي.
6– تنفيذ شعار "أمريكا أولاً": استعرض الرئيس الأمريكي خلال خطابه أمام الكونجرس إجراءاته التي اتخذها لجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى، ولتنفيذ شعار أمريكا أولاً؛ وذلك من خلال قيامه بانسحاب الولايات المتحدة من العديد من المنظمات، مثل منظمة الصحة العالمية، واتفاقية باريس للمناخ، ومجلس حقوق الإنسان المعادي لأمريكا، بجانب قيامه بإصلاح الحكومة الفيدرالية من خلال تقليص عدد الموظفين الفيدراليين وإغلاق عدد من الوكالات الحكومية وتخفيض الإنفاق الحكومي وتقليص الدين العام.
إنجازات خارجية
ركز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خلال خطابه أمام الكونجرس، على استعراض إنجازاته التي حققها والتي سوف يحققها خلال هذا العام على المستوى الخارجي، والتي يمكن توضيحها فيما يلي:
1– التحرك لاستعادة قناة بنما: تحدث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في خطابه أن الولايات المتحدة حاولت استعادة قناة بنما مرة أخرى، وكان ذلك نتيجة إبرام شركة هونج كونج اتفاقاً مبدئياً مع كونسورتيوم لبيع ميناءين يقعان على طرفي القناة؛ لذلك قال ترامب أمام الكونجرس: "من أجل تعزيز أمننا القومي بشكل أكبر، ستستعيد إدارتي قناة بنما، وقد بدأنا بالفعل في القيام بذلك. نحن نستعيدها". وهذا يؤكد أن ترامب سيبذل كل ما لديه من خطط ومناورات من أجل استعادة هذه القناة؛ لأنه يرى أن الصين ستستولي عليها، وهذا ما يعطل مصالح بلاده التجارية والاقتصادية في هذه القناة.
2– محاولة السيطرة على جرينلاند: جدد الرئيس الأمريكي، خلال خطابه أمام الكونجرس، رغبته في أن تسيطر الولايات المتحدة على جزيرة جرينلاند، في حين أنه أكد لسكان الإقليم الدنماركي المتمتع بالحكم الذاتي أن الولايات المتحدة "ستحافظ على سلامتكم"، وقال: "نحن بحاجة إلى جرينلاند حقاً من أجل الأمن العالمي الدولي، وأعتقد أننا سنحصل عليها. بطريقة أو بأخرى، سنحصل عليها معاً. سنأخذ جرينلاند إلى آفاق لم تتخيلها من قبل"، ومن خلال حديثه نستنبط أنه سيسلك كل السبل من أجل السيطرة على جرينلاند.
3– استهداف إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية: أعلن الرئيس الأمريكي أثناء خطابه عن نيته إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية؛ وذلك من خلال ما صرح به من أن نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أبلغه أنه مستعد للتفاوض مع روسيا لوقف الحرب، بجانب أنه أبلغه أنه على استعداد لتوقيع اتفاقية مع الولايات المتحدة تمنحها حق استغلال المعادن الأوكرانية النادرة؛ حيث إنه قال: "لقد تلقيت رسالة مهمة من الرئيس الأوكراني زيلينسكي. تقول الرسالة إن أوكرانيا مستعدة للجلوس إلى طاولة المفاوضات في أقرب وقت ممكن للاقتراب من سلام دائم"، في حين أنه تحدث عن ضرورة وقف هذه الحرب العبثية التي استمرت نحو ثلاث سنوات.
4– العمل على إعادة الرهائن الأمريكيين من قطاع غزة: أكد الرئيس الأمريكي خلال خطابه أمام الكونجرس بمجلسيه، أنه سيسعى بكل الطرق إلى إعادة الرهائن الأمريكيين المحتجزين في غزة، في حين أنه استعرض أيضاً جهوده التي بذلها من أجل إنهاء الحرب بين حركة حماس وإسرائيل؛ وذلك من خلال ما أعلنه في الآونة الأخيرة من أنه يرغب في أن تتولى الولايات المتحدة السيطرة على قطاع غزة وإعادة تطوير القطاع، بجانب مساعيه لبعض الدول العربية، مثل مصر والأردن، لكي يستوعبوا المواطنين الفلسطينيين.
الحلم الأمريكي
وختاماً، يمكن القول إن خطاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمام الكونجرس كان بمنزلة تأكيدٍ أن الولايات المتحدة عادت مرة أخرى لتكون عظيمة، وأن الحلم الأمريكي لا يمكن توقيفه بأي شكل من الأشكال، بجانب أنه بمنزلة تأكيدٍ أن الولايات المتحدة على وشك تحقيق عودة لم يشهد العالم مثيلاً لها؛ وذلك من خلال تأكيده أنها أصبحت قوية وأكثر استعداداً لتحديات المستقبل، وهذا يدل على أن ترامب لم يتراجع عن نهجه الذي يتبعه مع الدول أو في الداخل الأمريكي، وأنه سيستمر فيه لتحقيق أكبر استفادة ممكنة.