• اخر تحديث : 2025-03-07 14:46
news-details
قراءات

كيف ستتعامل أوروبا مع سياسة ترامب تجاه أوكرانيا؟


بعد تأخرهم في إدراك حجم التحديات، يجد الأوروبيون أنفسهم اليوم في سباق مزدوج ضد كل من روسيا والولايات المتحدة، حيث يسعون لضمان أمنهم وسط تغيرات متسارعة في المشهد الجيوسياسي. هذا الوضع المستجد يفرض عليهم إيجاد صيغة للتوفيق بين التعاون عبر الأطلسي واستقلالية القرار الأوروبي، خاصة مع نهج ترامب البراجماتي تجاه أوكرانيا الذي قد يعني تراجع الدعم الأمريكي أو إعادة ضبط العلاقات مع موسكو. في ظل هذا الغموض، تواجه أوروبا معضلة استراتيجية بين البقاء ضمن رؤية واشنطن المتغيرة، أو المضي في بناء سياسة دفاعية مستقلة.
 
الخيارات الأوروبية
في ظل احتمال تراجع الدعم الأمريكي لأوكرانيا، تتجه أوروبا إلى اتخاذ الخيارات التالية:
 
1- تعزيز الإنفاق العسكري: في ظل احتمال تراجع الدعم الأمريكي، ستضطر أوروبا إلى زيادة إنفاقها الدفاعي لتعزيز استقلالها الاستراتيجي. ويتطلب هذا زيادة الإنفاق العسكري عبر رفع ميزانيات الدفاع الوطنية. ووفقاً لتصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في 2 مارس 2025، فإن على أوروبا أن تستعد لإنفاق ما يصل إلى 3.5% من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع. كما أعلن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر أن المملكة المتحدة ستزيد إنفاقها العسكري إلى 2.5% من ناتجها المحلي الإجمالي بحلول 2027. كما يتم تداول اقتراح بمنح المفوضية الأوروبية تفويضاً لتوفير 200 مليار يورو لمساعدة الدول الأوروبية التي تعاني من أزمات مالية تمنعها من تعزيز إنفاقها الدفاعي. هذه التحركات ستساهم في جعل القارة أكثر استعداداً لمواجهة أي تهديدات مستقبلية دون الحاجة إلى دعم أمريكي مباشر.
 
2- توسيع دعم أوكرانيا عبر التمويل الأوروبي: مع تقليص المساعدات الأمريكية المحتملة، ستحتاج أوروبا إلى تطوير آليات تمويل مستدامة لأوكرانيا. في القمة التي عُقدت في لندن في 2 مارس، أشار كير ستارمر إلى أن أوروبا يجب أن تتحمل العبء الأكبر لدعم أوكرانيا، كما أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين عن تقديم "خطة لإعادة التسلح" للاتحاد الأوروبي في 6 مارس 2025 متضمنة مساعدة بقيمة 20 مليار يورو لأوكرانيا دون الحاجة إلى الحصول على الإجماع بهدف تجاوز الفيتو المتوقع من المجر وسلوفاكيا. كما أعلنت المملكة المتحدة في الأول من مارس عن قرض بقيمة 1.6 مليار جنيه إسترليني لتزويد أوكرانيا بأكثر من 5000 صاروخ دفاع جوي.
 
3- تعزيز التعاون مع الحلفاء خارج الناتو: في مواجهة الانسحاب الأمريكي المحتمل، ستسعى أوروبا إلى بناء تحالفات أقوى مع دول خارج حلف الناتو لتعزيز الدعم العسكري والاقتصادي لأوكرانيا، ككندا وأستراليا واليابان. كما أن الاتحاد الأوروبي يجري محادثات مع الهند والبرازيل للضغط على روسيا عبر مجموعة العشرين. وفي هذا السياق، اعتبر كير ستارمر أنه بدلاً من التقدم وفق وتيرة كل دولة أوروبية على حدة، مما قد يكون بطيئاً، لذلك من الأفضل تشكيل ائتلاف الراغبين Coalition of the willing، مؤكداً على ضرورة إيجاد دول مستعدة لاتخاذ مواقف أكثر تقدماً، مشيراً إلى أن بريطانيا وفرنسا تقودان هذا المسعى، ولكنه شدد على أهمية انضمام المزيد من الدول إلى هذا المسعى. ويمكن وضع هذه الجهود في إطار تهيئة الأرضية لإنشاء إطار أمني بديل في حال تم تعطيل الناتو أو انسحبت منه الولايات المتحدة.
 
4- إعادة صياغة العلاقات مع الناتو: يشكل تراجع الالتزام الأمريكي بحلف الناتو تهديداً مباشراً للأمن الأوروبي، ما يستوجب إعادة تقييم دور أوروبا داخل الحلف. وقد أعلن الأمين العام لحلف الناتو مارك روته خلال قمة لندن أن المزيد من الدول الأوروبية ستزيد من إنفاقها الدفاعي لدعم أمنها وأوكرانيا. كما أكد أنه أجرى عدة اتصالات هاتفية مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والذي أكد له التزام الولايات المتحدة بحلف الناتو، كما وجه روته دعوة للرئيس الأوكراني زيلينسكي لإصلاح علاقاته مع ترامب والإدارة الأمريكية لضمان استمرار الدعم الغربي لبلاده. وفي المقابل، يبدو أن أحد الخيارات الأوروبية المطروحة هو إنشاء ذراع عسكرية أوروبية مستقلة، تشرف على العمليات الأوروبية وتمثل مصالح الاتحاد الأوروبي بشكل أكثر وضوحاً تُعرف باسم قوة التدخل السريع تكون قادرة على نشر 5000 جندي خلال 72 ساعة. ورغم التحديات السياسية، فإن هذه الخطوات ضرورية لضمان استمرارية الأمن الأوروبي في ظل تقلص الدور الأمريكي.
 
5- تسريع عملية دمج أوكرانيا في الهياكل الأوروبية: في مواجهة احتمالات تراجع الدعم الأمريكي، تسعى أوروبا إلى تسريع عملية دمج أوكرانيا في المؤسسات الأوروبية كإجراء لتعزيز أمنها. وتعمل المفوضية الأوروبية على إتمام انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي بحلول العام 2030. وكان رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا قد أكد في 24 فبراير 2025 على أن انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي يعد الضمانة الأمنية الأهم لمستقبلها، فيما أشارت أورسولا فون دير لاين إلى أن ذلك قد يحدث قبل عام 2030 إذا واصلت كييف تنفيذ الإصلاحات المطلوبة بسرعة.
 
6- تعزيز الصناعات الدفاعية الأوروبية: يتطلب أي تحول استراتيجي أوروبي في غياب الدعم الأمريكي تعزيز القدرات الصناعية الدفاعية. وأشار ماكرون إلى أن تعزيز الإنتاج الدفاعي الأوروبي يجب أن يكون أولوية لضمان الاستقلالية الاستراتيجية للقارة. وتعمل ألمانيا وفرنسا على إنشاء مصانع جديدة لإنتاج الطائرات المسيرة كشركة هيلسينغ Helsing التي ستكون قادرة على تزويد أوكرانيا بـ6000 مسيرة، كما أعلنت شركة راينميتال Rheinmetall الألمانية لصناعة الأسلحة، في 15 فبراير 2025، عن توقيع اتفاق مع شركة أوكرانية لإنشاء مصنع لإنتاج ذخائر المدفعية في أوكرانيا. واعتمدت المفوضية الأوروبية مؤخراً برنامجاً جديداً لصندوق الدفاع الأوروبي بقيمة مليار يورو لدعم البحث والتطوير في تقنيات الدفاع، وذلك بهدف تعزيز القدرات العسكرية والابتكار التكنولوجي داخل الاتحاد الأوروبي.
 
7- إنشاء صندوق أوروبي لتعويض فجوة التمويل العسكري في أوكرانيا: بعد إعلان إدارة ترامب عن تجميد المساعدات العسكرية الأمريكية لكييف، لا تزال 3.8 مليارات دولار من أموال الكونجرس غير مستخدمة، وكانت إدارة بايدن تحاول تسريع إنفاقها في الفترة الانتقالية قبل تنصيب ترامب، ولكن العقبات الإدارية حالت دون إتمام ذلك. ومع اتخاذ هذه الخطوة من قبل ترامب، باتت أوروبا أمام اختبار حقيقي لتحديد مدى قدرتها على تحمل مسؤولياتها الأمنية​. ويعمل الاتحاد الأوروبي بالفعل على بلورة خطة لدعم أوكرانيا بقيمة 20 مليار يورو، لكن تنفيذها لا يزال مرهوناً بالتوصل إلى توافق داخلي، وهو أمر تعرقله مواقف دول مثل هنغاريا وسلوفاكيا، التي تدعو إلى اتباع نهج أكثر تصالحاً مع روسيا​. وتسعى بروكسل إلى فرض آلية تمويل جماعي داخل الاتحاد، حيث تساهم كل دولة عضو وفقاً لقدراتها الاقتصادية، مع اقتراح إنشاء صندوق دفاع أوروبي مشترك يمكّن الدول من مشاركة تكاليف تسليح أوكرانيا​. لكن العقبة الرئيسية تكمن في الانقسامات السياسية داخل الاتحاد، حيث ترى بعض العواصم الأوروبية أن تمويل أوكرانيا يجب أن يكون مشروطاً بإصلاحات داخلية في كييف، في حين ترى دول أخرى أن أي تأخير في الدعم سيعني مكاسب استراتيجية إضافية لروسيا على أرض المعركة.
 
استراتيجيات ممكنة
مع احتمال تقارب ترامب مع روسيا، تسعى أوروبا إلى وضع استراتيجيات بديلة تحافظ فيها على أمنها، وتضمن استمرار دعم أوكرانيا دون المساس بتوازنها الجيوسياسي:
 
1- الحفاظ على العقوبات ضد روسيا: مع تنامي مؤشرات التقارب بين ترامب وبوتين، ستعمل أوروبا على إبقاء العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا. في هذا السياق، اعتبرت الممثلة الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في الاتحاد الأوروبي كاجا كالاس أن الحزمة السادسة عشرة من العقوبات الأوروبية على روسيا التي أقرت في 24 فبراير 2025 تُشكل أداة ضغط قوية على روسيا مما يحرمها من تمويل حربها على أوكرانيا، مؤكدة أن أوروبا تسعى لتعزيز موقف أوكرانيا عبر ذلك. كما أن استمرار العقوبات الأوروبية على روسيا من شأنه أن يساهم في عدم إقصاء الاتحاد الأوروبي عن المفاوضات المستقبلية حول الصراع الأوكراني، خصوصاً أن الأوروبيين ممتعضون من المباحثات الثنائية الروسية الأمريكية الحالية لإيقاف الحرب في أوكرانيا والتي تستثنيهم.
 
2- وضع خطة أوروبية لعرضها على الولايات المتحدة: تعمل أوروبا على إعداد خطة استراتيجية متكاملة لعرضها على واشنطن، تهدف إلى الحفاظ على تماسك الموقف الغربي تجاه روسيا، وتقليل تداعيات أي تقارب أمريكي-روسي على الأمن الأوروبي. ووفقاً لتصريحات كير ستارمر، فإن الخطة الأوروبية ترتكز على أربعة محاور رئيسية: ضمان قدرة أوكرانيا على الدفاع عن نفسها، مشاركة أوكرانيا في المفاوضات، الإبقاء على الدعم العسكري لأوكرانيا حتى بعد التوصل إلى اتفاق سلام محتمل، وإبقاء الدعم الأمريكي ضمن إطار محدد للحفاظ على التوازن الاستراتيجي مما يمكن اعتباره نوعاً من الضمانات الأمنية لأوروبا. في هذا السياق، شدد رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك على أن الغرب لا ينوي الاستسلام أمام ابتزاز روسيا وعدوانها، مؤكداً أن كل شيء يجب أن يتم لضمان أن تتحدث أوروبا والولايات المتحدة بصوت واحد.
 
3- اقتراح الهدنة المؤقتة كجزء من الخطة الأوروبية: ومن ضمن الجهود الأوروبية للحد من تداعيات تقارب ترامب مع بوتين، اقترح إيمانويل ماكرون وكير ستارمر هدنة مؤقتة لمدة شهر واحد في أوكرانيا، تتيح المجال لإجراء مفاوضات تحت رعاية أوروبية. ووفقاً لماكرون فإن هذه الهدنة تشمل وقف القتال الجوي والبحري والهجمات على البنى التحتية للطاقة وبأنه لن يكون هناك نشر فوري للقوات الأوروبية في أوكرانيا خلال هذه الهدنة، بل سيتم النظر في ذلك لاحقاً بعد مفاوضات قد تستمر لأسابيع، مشدداً على أن تحقيق السلام يجب أن يكون وفق ضمانات واضحة وليس بأي ثمن، كما أن السلام لا يعني الاستسلام. ورغم المخاوف من أن الهدنة قد تمنح روسيا فرصة لإعادة تنظيم قواتها، فإن القادة الأوروبيين يرون فيها وسيلة لاختبار النوايا الروسية وكسب الوقت لإعادة ترتيب الأولويات الدفاعية الأوروبية.
 
4- إنشاء منظومة دفاعية أوروبية مستقلة لمواجهة التهديد الروسي: مع تزايد القلق الأوروبي من احتمال انسحاب الولايات المتحدة من التزاماتها الأمنية تجاه القارة، تعمل بروكسل على تعزيز قدراتها الدفاعية الذاتية، وهو ما تجسد في إعلان رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في 4 مارس 2025 عن خطة لتعبئة 800 مليار يورو لدعم الدفاع الأوروبي تحت عنوان Rearm Europe، تتضمن 150 مليار يورو كقروض موجهة لتمويل مشاريع تعزيز القدرات العسكرية الحيوية، ولا سيما أنظمة الدفاع الجوي والصواريخ والطائرات المسيّرة​. يأتي هذا في ظل تصاعد المخاوف من أن يؤدي التقارب المحتمل بين ترامب وبوتين إلى تقويض الدعم الغربي لأوكرانيا، وهو ما قد يشجع روسيا على توسيع نفوذها العسكري في أوروبا الشرقية ودول البلطيق.
 
في هذا السياق، تدفع فرنسا باتجاه توسيع "المظلة النووية الأوروبية"، وهو مشروع بدأ يلقى صدى لدى ألمانيا، والتي تنظر إلى هذا الخيار كبديل استراتيجي في ظل الغموض الذي يلف مستقبل التزامات واشنطن​. ورغم ذلك، لا تزال هناك تحديات أمام هذا المسار، أبرزها غياب إجماع أوروبي حول كيفية تقاسم تكاليف وقدرات الردع النووي، إضافة إلى تعقيدات قانونية وسياسية مرتبطة بتوسيع نطاق الردع الفرنسي-البريطاني ليشمل دولاً جديدة داخل الاتحاد.
 
5- إعادة هيكلة القدرات العسكرية الأوروبية لتعويض الانسحاب الأمريكي: لا تزال أوروبا تعتمد بشكل كبير على القدرات العسكرية الأمريكية في مجالات رئيسية، مثل القيادة العسكرية والاستخبارات والمراقبة الجوية والفضائية، وهو ما يمثل تحدياً حقيقياً في حال قررت واشنطن تقليص أو إنهاء وجودها العسكري في القارة​. في هذا السياق، تواجه الجيوش الأوروبية مشكلات متراكمة أبرزها التجزئة في أنظمة الأسلحة، حيث تمتلك الدول الأعضاء 17 نوعاً مختلفاً من الدبابات، وأكثر من 20 نوعاً من الطائرات الحربية، مما يعرقل عمليات التنسيق والانتشار السريع.
 
يضاف إلى ذلك النقص الحاد في أنظمة الإنذار المبكر والاستخبارات والمراقبة الجوية، كما سيكون على الأوروبيين إيجاد نظام بديل عن النظام الأمريكي للاتصالات الفضائية ستارلينك والذي يؤدي دوراً حيوياً هاماً في العمليات العسكرية الأوكرانية ضد روسيا، والذي يقدر عدد محطاته داخل أوكرانيا بـ42 ألفاً​. وتعمل بروكسل لتعويض هذه الفجوة على إعادة هيكلة الصناعة الدفاعية داخل الاتحاد عبر تشجيع الدول الأعضاء على شراء معدات عسكرية موحدة، وتطوير مشاريع مشتركة في مجال الدفاع الإلكتروني والاستخبارات، بالإضافة إلى السعي نحو إنشاء منظومة قيادة عسكرية أوروبية مستقلة عن الناتو، وهو مسار لا يزال يواجه عراقيل سياسية وتقنية.
 
6- تعزيز التحالفات الأوروبية لمواجهة الفراغ الأمريكي: إزاء تراجع المظلة الأمنية الأمريكية، تتجه أوروبا إلى تعزيز تحالفاتها الداخلية، خاصة بين القوى الرئيسية مثل فرنسا وألمانيا وبريطانيا، في محاولة لإنشاء محور أمني جديد قادر على تعويض الفراغ الناجم عن فك الارتباط الأمريكي​. هذه الاستراتيجية تشمل أيضاً توسيع التعاون مع دول أوروبا الشرقية مثل بولندا ورومانيا ودول البلطيق، التي تعد الأكثر تأثراً بأي تحول في السياسة الأمريكية تجاه روسيا​. في المقابل، هناك اتجاه داخل بعض العواصم الأوروبية، ولا سيما في إيطاليا بقيادة جورجيا ميلوني، يدعو إلى عقد قمة أوروبية-أمريكية بهدف احتواء الخلافات مع إدارة ترامب، ومحاولة الإبقاء على الحد الأدنى من التعاون عبر الأطلسي.
 
لكن هذا التوجه يواجه تحديات كبيرة، أبرزها أن ترامب ينظر إلى أوروبا من منظور "الصفقات" وليس "التحالفات"، مما يعني أن أي اتفاق أمني مستقبلي مع واشنطن قد يكون مشروطاً بتنازلات اقتصادية وتجارية من الجانب الأوروبي، وهو ما يثير مخاوف من تكرار سيناريو "ميونخ اقتصادي" (نسبة إلى اتفاق ميونخ 1938 حينما حاولت فرنسا وبريطانيا استرضاء ألمانيا عبر السماح لهتلر بضم منطقة السوديت مقابل وعود بعدم المطالبة بمزيد من الأراضي)، حيث تجد أوروبا نفسها مجبرة على تقديم تنازلات استراتيجية.
 
خلاصة القول، تقف أوروبا على أعتاب مرحلة جديدة تدفعها نحو تعزيز استقلالها الاستراتيجي ووحدتها في مواجهة التحديات الجيوسياسية. ويتزامن ذلك مع دعوة العديد من قادتها الحاليين إلى تقليل الاعتماد على الولايات المتحدة، وتحمل مسؤولية قيادة العالم الحر. وباختصار، لم يعد أمام أوروبا خيار سوى إعادة تعريف دورها العالمي عبر بناء نظام أمني مستقل وموحد. كما أن نجاحها في التعامل مع سياسة ترامب تجاه أوكرانيا سيعتمد بشكل كبير على قدرتها على اتخاذ قرارات سيادية وحماية مصالحها دون الرضوخ لضغوط خارجية.