نجحت قوى اليمين المتطرف في تعزيز شعبيتها بالاستحقاقات الانتخابية في عدد من الدول الأوروبية، مثل السويد والمملكة المتحدة وفرنسا والنمسا وهولندا وسويسرا، فيما أصبح حزب يميني شريكاً في الائتلاف الحاكم بالدانمارك.
وفي ألمانيا، برزت قوى اليمين المتطرف مع الانتخابات الإقليمية التي عُقدت في اذار الماضي ضمن ثلاث ولايات، وتمخضت عن فوز الحزب اليميني المتطرف "البديل من أجل ألمانيا" يُضاف إلى ذلك، بروز حزب ألمانيا القومي الديمقراطي الذي يُطلق عليه "النازية الجديدة"، وبإعلان زعيمة حزب "إخوة إيطاليا"، جورجيا ميلوني، أنها ستترأس الحكومة الجديدة، فإنها ستضاف إلى ما بات يوصف بـ "نادي اليمين الأوروبي"، بعد صعود أحزاب أخرى من "اليمين المتطرف" في السويد والمجر وبولندا وإسبانيا خلال السنوات الثلاث الماضية.
ورغم اختلاف سياساتها بشأن قضايا داخلية، فإن الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا تشترك في سمات رئيسية، ومنها النزعة القومية، التي تعد الاندماج مع ثقافات أخرى تهديدا لهويتها، وكذلك رفض المهاجرين بشكل عام.
لم تتمكن جهة معينة مهما كانت نزعتها ان توقف مد صعود الاحزاب اليمينية لاستلام السلطة في دول اوروبا بشكل مباشر او التأثير على القرار السياسي في بلدانهم..
دون الخوض في تفاصيل وتاريخ اليمين في اوروبا لكن هذه (القارة) طالما كان اليمين جزء من شخصيتها على مدى تاريخها السياسي والذي كان سببا في قتل الملايين واستعباد الشعوب واستعمارها واذلالها وسببا في حروب طويلة. سواء في داخل القارة او خارجها، وفي المقدمة احزاب الفاشية والنازية.
صعود اليمين في اوروبا سببه قضيتان اساسيتان الاولى القلق على (الهوية) بسبب الهجرة الواسعة من دول الشرق وافريقيا الى درجة ان نسبة الاجانب في بعض دول اوروبا تجاوز الـ 54% من نسبة السكان الاصليين وهؤلاء (الاجانب) باتوا منافسين لسكان الدول في فرص العمل والحياة العامة لأنهم يتقبلون اقل المرتبات والاجور ويعيشون في ابسط الاحياء والمساكن.
كما انهم شكلوا تجمعات دينية وقومية واجتماعية تهدد الهوية الثقافية لتلك الدول وتغير الكثير من السمات العامة للشارع الاوربي بل والسياسية ايضا بعد ان بات الرهان على اصواتهم يشكل هدفا لمعظم الاحزاب المتنافسة في اي انتخابات، اما العداء للإسلام فله سببان الاول الصهيونية ودعايتها والثاني الاعمال الارهابية التي قامت بها الجماعات الارهابية من القاعدة وغيرها.
والسبب الثاني لصعود اليمين هو المنافسة على فرص العمل والخدمات العامة، ويكفينا شاهدا ان منتخب فرنسا لكرة القدم يضم (8) لاعبين من اصول افريقية من أصل (11) لاعبا.
لكن السؤال الاهم: لماذا تهاجر الناس من بلدانها وتتجه الى دول الغرب؟
بعيدا عن الهجرة القديمة للشعوب من بلدانها الى دول اخرى بحثا عن معيشة وواقع أفضل فان عام 2015 شهد أكبر نسبة من الهجرة الى بلدان اوروبا من بلدان العرب والافغان والهند وشرق اسيا وافريقيا.
ان سبب هذه الهجرة هي الازمات التي تصنعها دول الغرب نفسها في بلدان العالم مما يدفع بسكانها للهروب بحثا عن الامن والامان وفرص العمل وتأمين المستقبل.
من هذا نفهم ان صعود اليمين في اوروبا لا يصب بصالح العرب ولا الدول الاسلامية لان برنامج جميع الاحزاب اليمينية اعادة المهجرين الى بلدانهم قسرا او طوعا مثلما تفعل بريطانيا الان للتخطيط بتهجير المهاجرين لديها الى دولة (راوندا)، والى دعم التطرف والعدائية للشعوب الاخرى.
وبكل الاحوال ليس من السهل اعادة المهاجرين الى بلدانهم بعد ان ترسخت قدمهم وحصلوا على الوثائق الكفيلة بدوام بقائهم كما ان بينهم من الكفاءات ما يصعب الاستغناء عنهم وفوق ذلك رخص العمالة وشيخوخة اوروبا وحاجتها للشباب.
فاتنا ان نذكر ان (الشعوبية) وصعود اليمين في العالم وراءه اميركا لفت عضد الاتحادات خشية مواجهتها متحدة لذا عملت الى اخراج بريطانيا من الاتحاد الاوربي، والى تسهيل التعامل معهم فرادا وليبقى الدولار هو العملة الاقوى دون منافس.
في الجانب الاخر تشهد اميركا اللاتينية صعود (اليسار) في اغلب دولها ودول امريكا الوسطى ومعهم المكسيك ايضا.
هذه القارة فيها خزين (ثوري) يعود لحركات التحرر التي قارعة الاستعمار الاسباني ومن بعده الاميركي واستطاعت ان تصنع معاني للحرية تسمى بـ (الثورة الرومانسية) التي تمنح الثائر بعدا رمزيا ماديا ومعنويا فمازالت الشعوب هناك تزور تمثال (جيفارا) وتقدم له القرابين ايمانا بالنجاح وفأل الخير. وقد رعت امريكا في هذه القارة (اللاتينية) ودعمت الحكام الديكتاتوريين القتلة ونهبت الثروات.
بشكل عام فان مزاج اوروبا تاريخيا هو (اليمين) ومزاج اميركا اللاتينية هو (اليسار)، حتى ان امريكا لم تستطع ان تغير المزاج اليساري في المكسيك جارتها والتي لها معها اطول حدود بالعالم وأكثر علاقات تجارية!
اميركا اللاتينية ترغب بالخلاص من الهيمنة الاميركية وامريكا ترى باللاتينية (حديقتها الخلفية). وواحدة من تجليات عداء دول اميركا اللاتينية الى امريكا تشكيل تجمع دول امريكا اللاتينية والكاريبي (سيلاك)عام (2010) والهدف من انشائها لتعميق التكامل بين دول اميركا اللاتينية والحد من النفوذ الاقتصادي الاميركي فيها، وينظر اليها كبديل لمنظمة (واس) التي انشأتها الولايات المتحدة عام (1948) للحد من تأثير الاتحاد السوفيتي في المنطقة.
مثلما نهض اليمين من جذوره بأوروبا نهض اليسار من جذوره في اللاتينية وفي ذات الوقت.
فهذه القارة وريثت جيفارا والبوليفار والتوباماروس واسماء وعناوين ثورية كثيرة ولديهم ارث ادبي وفكري وفني كبير مازالت شعوبهم تتغنى به.
في تشيلي فاز مرشح حزب "التقارب الاجتماعي" اليساري، غابرييل بوريك بالانتخابات الرئاسية، ليعيد حكم اليسار إلى البلد بعد الانقلاب الأمريكي على الرئيس سلفادور ليندي في مطلع سبعينيات القرن الماضي. سبق هذان الانتصاران عودة اليسار إلى بوليفيا بعد الانقلاب الذي نفذته الإمبريالية الأمريكية ضد الرئيس المقاوم إيفو موراليس، فقد عاد حزب موراليس "نحو الاشتراكية" إلى سدة الرئاسة بانتصار رفيقه لويس آرسي (وزير الاقتصاد في عهد موراليس) في انتخابات أكتوبر/ تشرين الأول 2020، كما عجزت الولايات المتحدة عن الإطاحة بخليفة هوجو شافيز في فنزويلا الرئيس مادورو. وفي هندرواس فازت زيومارا كاسترو زعيمة حزب "ليبري" اليساري عام 2021، في أكبر دولة في أمريكا الوسطى، وهي زوجة الرئيس اليساري السابق مانويل زيلايا، الذي أطاح به انقلاب في العام 2009 .
ومنذ عام 2018، فاز مرشحو يسار الوسط بالانتخابات الرئاسية في الأرجنتين وبوليفيا والمكسيك وبيرو، وأخيراً كولومبيا التي فاز بانتخاباتها التي جرت في شهر مايو/أيار الماضي، لأول مرة، رئيس يساري، كان متمرداً سابقاً، وحقق فوزَه بفضل الناخبين المحبطين من عقود الفقر وعدم المساواة في ظل الزعماء المحافظين الموالين لأمريكا.
وتتجلى موجة صعود اليسار بأمريكا اللاتينية في أكثر صورها إثارة لقلق واشنطن في وجود رئيس يساري في السلطة في المكسيك جار الولايات المتحدة وبوابتها الخلفية التي لطالما كانت خاضعة لنفوذها بشكل كبير.
ويمكن للتحول الجديد نحو اليسار في أمريكا اللاتينية أن يؤثر على توازن الدبلوماسية مع الولايات المتحدة والصين، حيث إن أمريكا الجنوبية مورِّد عالمي رئيسي للسلع والمواد الخام من النحاس إلى الذُّرة، ثم ان العداء المتأصل لواشنطن في أمريكا اللاتينية هو رصيد دائم للصين، سوف تستغله حين ترى أنها بحاجة إليه.
ويُظهر التطور الكبير في حجم المبادلات التجارية بين الصين ودول أميركا اللاتينية مدى التغلغل الصيني في المنطقة خلال العقدين الماضيين.
وفي تقرير نشرته مجلة "أتالايار" الإسبانية، يقول الكاتب جوديث بيرغمان إن قيمة المبادلات التجارية بين الصين ودول أميركا اللاتينية ارتفعت من 12 مليار دولار عام 2000، إلى 330 مليار دولار بحلول عام 2019، وقد تجاوزت بذلك الميزان التجاري بين الولايات المتحدة واللاتينية.
كما ان المد الثوري التحرري في اللاتينية أقرب الى العقيدة الصينية (الماوية) التي تعتمد العنف الثوري ضد الحكومات المستبدة.
الخسارة الاكبر التي ستشهدها امريكا في البرازيل حيث هزم حليفها ذو التاريخ العسكري (نقيب سابق في الجيش) والسؤال المطروح: الى اي حد سيؤثر هذا التحول العالمي على مشروع (القطبية الجديد) خاصة وان دولا مثل البرازيل تطالب ومنذ مدة بان تكون عضوا دائما في مجلس الامن مدعومة من بقية اليسار في القارة ومن الصين وروسيا؟ لا شك هذا السؤال يحتاج الى قراءة مطولة ليبدأ الصراع بين قوى اليسار واليمين بالعالم من جديد ومن سيكون المنتصر؟ السؤال الاخر الذي يخصنا نحن دول الشرق الاوسط والعرب بالذات؛ اين نحن من هذه التحولات؟
يقول الكاتب التونسي محمد كريشان (اليسار العربي ما زال محنّطا يعيش في غياهب التاريخ مكتفيا بالافتنان بكل ديكتاتور باطش بشعبه شرقا وغربا، قديما وحديثا، في وقت تقف فيه، على الضفة الأخرى، حركات إسلامية متكلّسة هي الأخرى وعاجزة عن أي تطوير تخرج به أي جديد، مما يجعلنا في عقم سياسي كامل يسارا ويمينا، وفي كل الاتجاهات.)اقول هذا الرأي فيه تحامل شيأ على الواقع العربي، مع ما فيه من صدق، لكن حين اقارن بين صعود المقاومة الاسلامية بالمنطقة وصعود اليسار في اميركا اللاتينية اجد مشتركات كثيرة بدأ من فنزويلا وصمودها بوجه الضغوط الاميركية مع انها محاطة بعشرين قاعدة اميركية وذلك عبر الدعم الذي تلقته من ايران ومن المقاومة متمثلة بحزب الله بلبنان .
كشفت صحيفة "فورين بوليسي" أن حزب الله لطالما حافظ على وجوده في أميركا اللاتينية، لا سيما في منطقة الحدود الثلاثية، تلتقي فيها البرازيل وباراغواي والأرجنتين، وذلك بعد تأكيد وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، أن حزب الله موجود في فنزويلا، وله خلايا نشطة هناك تؤثر على الشعب الفنزويلي بتدريب وتمويل إيرانيين.
مهما كان هدف الصحيفة الاميركية وعداءها لحزب الله وإيران وفنزويلا لكنها حقيقة، وان حزب الله له علاقات واسعة مع دول اميركا اللاتينية وصولا للتدريب والتأهيل!
ولنقف عند هذا الحدث حيث في 16/9/2022 رفض رئيس تشيلي (اليساري الجديد) غابرييل بوريك، تقبل أوراق اعتماد السفير الإسرائيلي جيل أرتزيلي بسبب الانتهاكات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين". وقال (لن اصافح يدا ملطخة بدماء اطفال فلسطين).