• اخر تحديث : 2024-11-15 12:27
news-details
تقدير موقف

هل يستعد المجلس الرئاسي الليبي لطرح مبادرة جديدة؟


لوح رئيس المجلس الرئاسي الليبي، محمد المنفي، في أغسطس الماضي، إلى إمكانية التدخل وطرح قاعدة دستورية جديدة لتنظيم الانتخابات المقبلة، حال استمرت الخلافات الراهنة بين مجلسي النواب والدولة بشأن التوصل إلى اتفاق على هذه القاعدة. وشهدت الأيام الأخيرة عودة الزخم مرة أخرى حول مبادرة يسعى المنفي للترويج لها دولياً، تتضمن بالأساس قاعدة دستورية جديدة، فضلاً عن خريطة طريق مقترحة.

تحركات مكثفة للمنفي:

شهدت الأسابيع الأخيرة تحركات مكثفة للمنفي، عززت من التقارير التي تشير إلى أنه يسعى للترويج لمبادرة جديدة يستهدف من خلالها تغيير خريطة المشهد الراهن. وفي هذا الإطار، يمكن رصد تحركات المنفي الأخيرة على النحو التالي:

1- لقاءات المنفي في نيويورك: عقد المنفي عدة لقاءات على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث التقى بالأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، في 20 سبتمبر الماضي، مُعرباً عن استعداد المجلس الرئاسي المضي قدماً في إنجاز القاعدة الدستورية، حال استمرار الخلافات بين مجلسي النواب والدولة.

كما عقد المنفي لقاءً مع المستشار الألماني، أولاف شولتز، بحضور كل من الرئيس السنغالي ورئيس الاتحاد الأفريقي، ماكي سال، ورئيس المفوضية الأفريقية، موسى فكي. فيما عقد رئيس المجلس الرئاسي اجتماعاً آخر مع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ووزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، في 19 سبتمبر الماضي، أكدت أنقرة بعده دعمها لجهود المجلس الرئاسي.

2- لقاءات داخلية للمنفي: عقد رئيس المجلس الرئاسي الليبي عدة اجتماعات أخرى على المستوى الداخلي، كان آخرها اللقاء الذي عقده قبل أسبوعين فقط مع أعيان وحكماء إقليم برقة بشرق ليبيا، أشار خلاله إلى إمكانية تدخل المجلس الرئاسي لحسم القاعدة الدستورية حال فشلت السلطات التشريعية في التوصل إلى قاعدة واضحة منظمة للانتخابات المقبلة، لافتاً إلى إمكانية الرئاسي استخدام سلطاته السيادية لإعلان إطار زمني محدد للانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وإنهاء التمديد المستمر للمراحل الانتقالية.

3- غموض طبيعة المبادرة: لم يكشف المنفي بوضوح طبيعة المبادرة التي قد يطرحها لتجاوز الأزمة السياسية الراهنة، وما إذا كان دور المجلس سينحصر في طرح قاعدة دستورية جديدة، تمهد الطريق نحو إجراء الانتخابات، أم أنه سيلجأ إلى التصعيد عبر الإعلان عن تجميد الكيانات السياسية الراهنة كافة، وإعادة هيكلة المشهد السياسي برمته، من خلال تشكيل حكومة مصغرة جديدة، تتولي تحت إشراف المجلس الرئاسي التحضير للاستحقاقات المقبلة، لاسيما أن هذه الخطوة كانت تشكل أحد المطالب الرئيسة للاحتجاجات الشعبية التي شهدتها العديد من المدن الليبية في يوليو 2022.

محركات عديدة:

شهد الملف الليبي جملة من المتغيرات خلال الفترة الأخيرة، مثلت محركات رئيسية دفعت المجلس الرئاسي لتكثيف تحركاته وتقديم مبادرة جديدة، ويمكن عرضها على النحو التالي:

1- تحركات عقيلة صالح المكثفة: ألمحت بعض التقارير إلى أن عودة الحراك المكثف للمنفي المتعلقة بالمبادرة التي يسعى لإطلاقها، تأتي رداً على تحركات رئيس مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح، داخلياً وخارجياً، خلال الأسابيع الأخيرة، بالتزامن مع التقارير التي أشارت إلى أن صالح يسعى لطرح مبادرة جديدة، تتضمن تشكيل مجلس رئاسي جديد، برئاسته وعضوية رئيس مجلس الدولة، خالد المشري، خاصةً أن مبادرة رئيس البرلمان الليبي تشكل تهديداً لاستمرارية المجلس الرئاسي الحالي الذي يترأسه المنفي، وربما يعزز من هذا الطرح تصاعد حدة الخلافات بين صالح والمنفي خلال الفترة الأخيرة.

2- موقف أمريكي داعم للتغيير: كان السفير الأمريكي لدى ليبيا، ريتشارد نورلاند، قد ألمح قبل أشهر قليلة إلى أن واشنطن لا ترى إشكالية في استمرار الحكومتين المتنافستين في ليبيا، وإشراف كل حكومة على إجراء الانتخابات في الأجزاء التي تسيطر عليها، غير أن نورلاند عاد ليشير، في 23 سبتمبر الماضي، إلى أن كل من رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايته، عبد الحميد الدبيبة، ورئيس حكومة الاستقرار، فتحي باشاغا، غير قادرين على إدارة ليبيا، لافتاً إلى الحاجة إلى سرعة التوافق على حكومة شرعية تحظى بالدعم والقوة لإدارة المشهد الليبي برمته، وهو الأمر الذي بات يشكل محفزاً للمجلس الرئاسي لطرح مبادرته المزمعة.

كما لفت نورلاند إلى أن اجتماعات الأمم المتحدة الأخيرة شهدت زخماً ملحوظاً بشأن الملف الليبي، بعد العنف الذي اندلع في طرابلس مؤخراً، مما يعكس مؤشرات مهمة بصعوبة استمرار الوضع الراهن، كما دعا الدبلوماسي الأمريكي إلى ضرورة التمييز بين الميليشيات المسلحة الموجود في البلاد، بما يعني أن هناك بعض المجموعات المسلحة التي يمكن أن تشكل جزءاً من القوى الأمنية والعسكرية الليبية.

3- الضغوط المتنامية على الدبيبة: نشر ديوان المحاسبة الليبي تقريراً كشف عن تورط عدة وزارات ومسؤولين في حكومة الدبيبة بملفات فساد وانتهاكات مالية واسعة، بما في ذلك اتهامات لديوان رئاسة الوزراء ذاته، وهو ما تمخض عنه إثارة ردود فعل غاضبة على المستوى الداخلي والخارجي. وبعد أيام قليلة من تقرير ديوان المحاسبة، نشرت هيئة الرقابة الإدارية الليبية، في 25 سبتمبر الماضي، تقريرها السنوي، تضمن أيضاً الكشف عن انتهاكات وشبهات فساد بحق حكومة الدبيبة.

وعكس توقيت هذه التقارير دلالات مهمة بشأن احتمالية وجود اتجاه لإحراج حكومة الدبيبة وزيادة الضغوط عليها، حتى أن بعض التقديرات لم تستبعد وجود مساع لإزاحة الدبيبة خلال الفترة المقبلة، على غرار التقرير السابق لديوان المحاسبة لسنة 2020، والذي حمل اتهامات مماثلة لحكومة فايز السراج، وشكل مقدمة لخروج الأخير عن السلطة فيما بعد.

وفي هذا السياق، أعلنت السفارة الأمريكية في ليبيا، عن دعمها لدور ديوان المحاسبة الليبي، في إشارة ضمنية إلى دعم واشنطن للتقرير الأخير الصادر عن المحاسبة بشأن قضايا فساد في حكومة الدبيبة.

ارتدادات محتملة:

في إطار التحركات الراهنة للمجلس الرئاسي الليبي، يمكن رصد جملة من الارتدادات المحتملة، على النحو التالي:

1- تحركات مضادة للنواب والدولة: أعلن صالح أن المجلس الرئاسي غير مخول بطرح قاعدة دستورية، وأن هذا الأمر هو حق أصيل للبرلمان، وفي المقابل، أعلن مجلس الدولة، في 26 سبتمبر الماضي، قيامه بمناقشة مواد القاعدة الدستورية، في خطوة توحي باحتمالية أن تشهد الفترة المقبلة توافق مجلسي النواب والدولة على موادها، لاسيما أن رئيس البرلمان لوّح قبل أسبوع إلى توصله إلى تفاهمات مع خالد المشري بشأن القاعدة الدستورية، وحلحلة الخلافات المتعلقة بشروط الترشح للاستحقاقات الرئاسية المقبلة.

2- احتمالية تكرار سيناريو الوجوه الجديدة: اعتمدت القوى الدولية خلال تعاطيها مع الأزمة الليبية طاول العقد الماضي على الدفع نحو اختيار وجوه جديدة من الصفوف الثانية لتولي السلطة كلما وصل المسار السياسي إلى طريق مسدود، وهو ما تكرر في حالة اختيار رئيس حكومة الوفاق الوطني، فايز السراج، بعد اتفاق الصخيرات في ديسمبر 2015، والأمر ذاته تكرر أيضاً مع اختيار المجلس الرئاسي الحالي وحكومة الدبيبة.

وبالتالي ربما تدفع القوى الدولية، لاسيما الولايات المتحدة، نحو تشكيل سلطة تنفيذية جديدة تعتمد على تصدير وجود جديدة للمشهد، وهو الطرح الذي ربما تعززه التصريحات الأخيرة لنورلاند، والذي ألمح إلى أن باشاغا والدبيبة باتا غير قادرين على تولي مهام الحكومة الليبية.

3- محاولة الأطراف الداخلية تعزيز دورها: يبدو أن الأطراف الداخلية تسعى حالياً لاتخاذ خطوات استباقية تعزز من خلالها نفوذها الداخلي، بما يضمن استمراريتها في أي صيغة مقبلة، خاصة في ظل التحركات الأمريكية في الملف الليبي، وهو الأمر الذي ينعكس في التحركات الحالية لمجلس النواب والدولة، والحديث عن اقترابهما للتوصل إلى تفاهمات بشأن القاعدة الدستورية.

ويتجسد الأمر ذاته أيضاً في التحركات الحالية للحكومتين المتنافستين، فقد عمد الدبيبة إلى محاولة إظهار الدعم لمبادرة المجلس الرئاسي بشأن القاعدة الدستورية، حيث لوّح، في 22 سبتمبر، إلى ضرورة إيجاد حلول بديلة للقاعدة الدستورية في حال استمرار تعثر إصدار القاعدة من قبل مجلسي النواب والدولة.

كذا، أعلنت حكومة الدبيبة، في 25 سبتمبر الماضي، تعيين قائد ميليشيا "الأمن المركزي"، عماد الطرابلسي، وكيلاً عاماً بوزارة الداخلية، في محاولة لضمان ولاءات الميليشيات المسلحة الموجودة في طرابلس، بما يعزز تموضعه وسيطرة على الأرض.

وفي المقابل، يبدو أن تعثرات حكومة باشاغا المتتالية في دخول العاصمة طرابلس قد تجعله يعيد صياغة تحركاته المستقبلة، لاسيما بعد الزيارة الأخيرة التي قام بها باشاغا إلى تركيا، حيث أعلن بعدها أن حكومته ستستمر في ممارسة مهامها في سرت وبنغازي، كما عمد إلى تعيين وزير دفاع جديد في حكومته، هو النائب السابق لرئيس البرلمان، حميد حومه.

وفي الختام، تتجه الأطراف الليبية المختلفة لمحاولة طرح مبادرات متعددة ومتضاربة تسعى من خلالها إلى التشبث بالسلطة، الأمر الذي ربما يزيد المشهد الليبي تعقيداً، ويحد من فرص نجاح الجهود الدولية والأممية، والتي تتسم هي الأخرى بدرجة كبيرة من عدم التوافق، خاصة أن التفاهمات الإقليمية أخفقت في حلحلة الانقسامات الليبية، وهو ما قد يعيد أوراق الملف الليبي مرة أخرى إلى طاولة مباحثات القوى الدولية، أملاً في التوصل إلى التسوية المطلوبة، عبر استخدام أوراق الضغط المختلفة.