• اخر تحديث : 2024-11-15 12:27
news-details
تقدير موقف

كيف ينظر الزعيم الشيشاني إلى الصراع في أوكرانيا؟


منذ إعلان موسكو عن تدخلها العسكري في أوكرانيا، فبراير الماضي، سارع الرئيس الشيشاني رمضان قديروف، إلى الإعلان عن تأييده العملية العسكرية الأوكرانية، ودفع بالقوات التابعة له إلى ساحة القتال لدعم القوات الروسية. ومع التراجع الروسي في بعض المناطق الأوكرانية خلال شهر سبتمبر الماضي، انتقد الرئيس الشيشاني التكتيكات الروسية المختارة لإدارة العملية العسكرية في أوكرانيا، واعتبرها بطيئة للغاية، وتستغرق وقتاً طويلاً، وغير فعَّالة، ودعا لإجراء تغييرات في إدارة العملية العسكرية الخاصة. وفي مطلع أكتوبر الجاري دعا “قديروف” إلى اتخاذ تدابير أكثر صرامة، وإعلان الأحكام العرفية واستخدام الأسلحة النووية المنخفضة القوة في المناطق الحدودية. ويسلط ذلك كله الضوء على موقف الرئيس الشيشاني من الحرب الأوكرانية، ويطرح تساؤلات عن مكاسبه التي حققها أو ينتظرها من الصراع.

دعم مطلق

يكشف موقف الرئيس الشيشاني من الحرب الأوكرانية عن دعم كبير لقرار الرئيس الروسي بالتدخل العسكري في أوكرانيا، والمشاركة بقواته في القتال، والدعوة إلى المضي قدماً في الحرب، وهو ما يظهر على النحو التالي:

1- تأييد قرار “بوتين” بالتدخل العسكري في أوكرانيا: أعلن الزعيم الشيشاني رمضان قديروف، في فبراير الماضي، أن المقاتلين الشيشان الموالين له يقاتلون إلى جانب الجيش الروسي في أوكرانيا، وقال في خطاب له عن قرار التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قد اتخذ القرار الصائب لمنع أي هجوم على روسيا من أوكرانيا، متعهداً بتنفيذ أوامر بوتين مهما كانت الظروف.

2- التماهي مع الخطاب الروسي حول “النازيين الجدد”: يتماهى الزعيم الشيشاني رمضان قديروف، مع الخطاب الروسي حول الحرب الأوكرانية المتعلق بمواجهة من تسميهم روسيا “النازيين الجدد”؛ حيث أوضح رئيس الشيشان، في مارس الماضي، أن مجموعات النازيين الجدد أصبحت أكثر نشاطاً في أوكرانيا، واعتبرهم الورثة الأيديولوجيين للقوميين الذين أقسموا في عام 1941 بالولاء للزعيم النازي أدولف هتلر، وانضموا إلى ألمانيا النازية، ويعادون روسيا منذ الأربعينيات. ودعا “قديروف” الأوكرانيين للانتفاض ضد حكومتهم التي يقول إنها مكونة من "النازيين الجدد".

3- الإعلان عن دفع أبناء “قديروف” نحو ساحة القتال: أعلن رئيس جمهورية الشيشان رمضان قديروف، في 3 أكتوبر الجاري، أن ثلاثة من أبنائه المراهقين سيلتحقون بالقتال في أوكرانيا؛ حيث قال إن أبناءه الذين تبلغ أعمارهم على التوالي 16 و15 و14 عاماً، كانوا يتلقون تدريبات عسكرية منذ فترة طويلة لتعلم كيفية استخدام مختلف أنواع الأسلحة، وأنه قد حان الوقت بالنسبة لهم للظهور في معركة حقيقية، معلناً أنهم سيذهبون قريباً إلى "خط المواجهة في أصعب مناطق المواجهات".

4- استمرار لعب دور “جندي المشاة” الداعم لبوتين: كثيراً ما وصف قديروف نفسه بأنه “جندي مشاة” للرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وفي مختلف العمليات العسكرية الروسية خارج الحدود، كان الزعيم الشيشاني يدعم موسكو بالقوات التابعة له؛ حيث سبق أن نشر قواته في الخارج لدعم العمليات العسكرية الروسية في سوريا وجورجيا؛ ولذلك لا يعتبر الانخراط الشيشاني في الصراع الأوكراني بالجديد، بل يمكن عده استمراراً لدور الدعم العسكري الذي يقوم به “قديروف” في العمليات العسكرية الروسية بالخارج.

مكاسب منتظرة

ثمة عدد من المكاسب التي ينتظرها الزعيم الشيشاني رمضان قديروف، من خلال مشاركة قواته في الحرب الأوكرانية، ومنها:

1- دعم المكانة في مواجهة المعارضة الداخلية: لطالما صورت تقارير “قديروف” بأنه يد الكرملين القوية في بسط الأمن والاستقرار في الشيشان منذ أكثر من عقد من الزمن، وتصوير جمهورية الشيشان بأنها باتت أشبه بإقطاعية خاصة تابعة له يحكمها دون منازع. ويعزز الزعيم الشيشاني رمضان قديروف، بدوره في الحرب الأوكرانية، تلك الصورة، ويرسخ صورة داخلية وخارجية عنه كحليف قوي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وأحد المقربين له، وهي الصورة التي يوظفها “قديروف” إقليمياً ومحلياً. وعلى سبيل المثال، فإن قديروف يقدم من خلال تحالفه مع الرئيس “بوتين” في الحرب الأوكرانية رسالة للداخل الشيشاني ولمعارضيه بأنه متحالف بعمق مع موسكو، وأنه يمتلك القوة القتالية لردعهم، وأن بوتين سيتدخل لدعمه إذا ما واجه أي مصاعب أو أي تمرد داخلي. وهو ما يسهم في النهاية في ترهيب المعارضة الداخلية، والحيلولة دون التحرك ضده خشية إثارة غضب “بوتين”، وتدخله لدعم حليفه.

2- تأمين استمرار الدعم المالي الروسي للشيشان: تشير تقارير إلى أن نحو 85% من ميزانية الجمهورية الشيشانية تأتي من الحكومة الروسية. ويؤدي دعم الشيشان المطلق لروسيا في العملية العسكرية الروسية ضد أوكرانيا إلى تأمين استمرار هذا الدعم المالي الكبير، ومواجهة مقترحات تخفيض الميزانية، بل تيسير الحديث حول زيادة الدعم الروسي للميزانية الشيشانية، والحصول على المزيد من الأموال مقابل استمرار تأمين الولاء الشيشاني لروسيا، فضلاً عن إمكانية المطالبة بإسقاط بعض الديون.

3- توسيع صلاحيات ونفوذ السلطات الشيشانية: رغم أن الشيشان فقدت استقلالها الرسمي عام 2000، وتعد جزءاً من الاتحاد الروسي، لكن استطاع الزعيم الشيشاني بفضل العلاقة الوطيدة بينه وبين الزعيم الروسي فلاديمير بوتين، انتزاع مساحة من حرية العمل والحركة، والاستقلال النسبي في العمل عن حكومة موسكو المركزية، مع إخماد النزعات الاستقلالية.

ومن الممكن أن يستغل الزعيم الشيشاني الحرب الأوكرانية والدعم الذي يقدمه للرئيس الروسي، لتعزيز الصلاحيات الممنوحة لحكومة جروزني، وتوسيع السيادة الشيشانية، فضلاً عن التوسع الجغرافي في الجوار، كما حاول من قبل عام 2018، عندما وقع قديروف اتفاقية مع زعيم إنجوشيا التابعة للاتحاد الروسي أيضاً، يضم بموجبها قرابة 10% من أراضي إنجوشيا إلى الشيشان. وكلما زاد دعم “قديروف” لبوتين في معاركة الهامة مثل الحرب الأوكرانية، غض الرئيس الروسي الطرف بدرجة ما عن طموحات الزعيم الشيشاني داخل وخارج الشيشان.

4- مواجهة محاولات الإطاحة بقديروف: تشير بعض التقارير إلى أن قديروف لا يحظى بشعبية بين نخب روسية وقادة آخرين لجمهوريات الاتحاد الروسي، فيما يجادل بوتين بأن “قديروف” هو القادر على الحفاظ على الاستقرار في الشيشان؛ ولذلك فإن الحرب الأوكرانية تثبت قناعات بوتين بالزعيم الشيشاني وتدعمه في وجه محاولات الإطاحة به، وتزيد من نفوذه لدى الرئيس الروسي.

5- استغلال الدعم الروسي في بعض القضايا الدولية: من المرجح أن يستثمر “قديروف” الدعم الروسي، والعلاقات المتنامية بينه وبين “بوتين”، والدور الذي تلعبه القوات الشيشانية في أوكرانيا، للاستفادة من الثقل الروسي الدولي في بعض القضايا الدولية، والاستعانة بالدعم السياسي والدبلوماسي الروسي. وعلى سبيل المثال، أعلن الرئيس الشيشاني، في أغسطس الماضي، أنه خلال المحادثات المباشرة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، تعرف شخصياً إلى وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو ورئيس جهاز المخابرات الوطنية التركي هاكان فيدان، وأنهم أجروا محادثة غير رسمية وذات مغزى ومثمرة، توصلوا خلالها إلى رأي مشترك حول الحاجة إلى إقامة تعاوُن وثيق بين تركيا وجمهورية الشيشان في مختلف القضايا.

وفيما يرى البعض أن “قديروف” يمكن أن يمثل إشكالية في العلاقات التركية الروسية، فإنه يحاول الاستفادة من العلاقات بين البلدين والاستفادة من دعم روسيا له خاصة خلال الحرب في حلحلة بعض القضايا العالقة مع أنقرة، مثل تسليم أو طرد من تصفهم الحكومة الشيشانية بأنهم مجرمون وإرهابيون ارتكبوا جرائم خطيرة في الشيشان. ويحاول “قديروف” استغلال السياق الدولي لمطالبة أنقرة بتنفيذ مطالبه وتسليم خصومه.

6- ترسيخ صورة دعائية قوية عن المقاتلين الشيشان: بينما تحاول موسكو إثارة مخاوف كييف من الجنود الشيشان المنتشرين على أراضيها، وتستغل الصور النمطية القاسية عن المقاتلين الشيشان لاستخدامها كسلاح نفسي ضد الأوكرانيين، خاصةً مع التصريحات العدائية للزعيم الشيشاني؛ الأمر الذي عُد في تقديرات غربية جزءاً من حملة روسية دعائية لمحاولة إجبار كييف على الاستسلام؛ فإن “قديروف” يستفيد هو الآخر من أي انتصار عسكري روسي في الحرب الأوكرانية، بالترويج لكونه شريكاً في هذا الانتصار، وبأن قدرات قواته القتالية لعبت دوراً في تحقيق الانتصار العسكري على القوات الأوكرانية المدعومة غربياً، وهو ما يعزز الصورة القتالية للقوات الشيشانية التابعة لقديروف، وتأثيراتها النفسية على خصومه المحتملين.

ختاماً، ساعدت الحرب الأوكرانية الرئيس الشيشاني في الحصول على ترقية عسكرية روسية؛ فقد أعلن رمضان قديروف، في 5 أكتوبر 2022، ترقيته إلى رتبة كولونيل جنرال، وهي الرتبة الثالثة في سلسلة الرتب العسكرية الروسية. وقال قديروف إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أبلغه شخصياً بالقرار، كما أن المشاركة الأوكرانية تعد فرصة للرئيس الشيشاني لقتال بعض الكتائب والقوات الشيشانية المتمردة على “قديروف” وموسكو، التي عملت على دعم القوات الأوكرانية ضد التدخل الروسي.