من المُقرر أن تجري انتخابات الكنيست في دورتها الخامسة والعشرين، يوم الثلاثاء، في الأول من نوفمبر القادم، وهي الانتخابات الخامسة في غضون أربع سنوات؛ فمنذ انتخابات إبريل 2019 دخل المشهد الانتخابي الإسرائيلي في أربع دورات انتخابية دون قدرة أي من المعسكريْن على حسم النتيجة لصالحه، حيث لم يستطع بلوك نتنياهو (بلوك يميني متماسك) من الوصول إلى الـ 61 مقعدًا التي تتيح له تشكيل الحكومة، رغم أن حزب "الليكود" بزعامته ظل الحزب الأكبر بفارق عدد مقاعد كبير عن أحزاب المعارضة ("أزرق أبيض" سابقًا، و"يوجد مستقبل" لاحقًا). كما أن المعسكر الآخر الذي يتشكل من عدد كبير من فسيفساء الأحزاب، من اليمين الاستيطاني حتى اليسار، المجتمعين على قاسم معارضة نتنياهو، لم ينجح في تشكيل ائتلاف يهودي سابقًا، ممّا اضطرهم في الدورة الأخيرة لتجرع ضم حزب منصور عباس إلى ائتلافهم على مضض، وتم ذلك فقط بعد أن شرعن نتنياهو أمر ضمهم.
عدم قدرة أي من المعسكريْن على حسم المعارك الانتخابية عُرف لاحقًا في إسرائيل بالأزمة السياسية التي جعلت الإسرائيليين يذهبون لصناديق الانتخاب خمسة مرات خلال أربعة سنوات، والغريب أن أسباب الأزمة لا تعود لاختلافات أيديولوجية أو سياسية أو اجتماعية؛ بل تتمحور حول شخص نتنياهو، نعم لنتنياهو أو لا لنتنياهو، وهو في الحقيقة ليس مجرد صراع شخصي حول شخص نتنياهو، رغم أنه كسب عداوة الكثيرين، حتى من داخل حزبه بجدارة؛ بل هو أيضًا صراع على ما يمثله نهج نتنياهو في إدارة الصراع الحزبي، ونظام الحكم، وفي استقرار وترسيخ مكانته.
يذهب الإسرائيليون، يوم الثلاثاء للانتخابات، على أمل أن تكون الانتخابات الخامسة حاسمة، وكل معسكر يطمح في أن يحصد نتائج تجعله قادرًا على تشكيل ائتلاف حكومي، رغم إدراك الجميع أن الأمر ليس بهذه السهولة، وأنه ربما لا مفر من انتخابات سادسة طالما ظلت المعسكرات متمسكة بما هي عليه، وهذا ما تؤكده استطلاعات الرأي الكثيرة، واستطلاع الرأي الأخير الذي أشار إلى أن كتلة نتنياهو تقترب من المقعد الـ 61، لكن ثمة ميل في الاستطلاعات لتزايد فرص نتنياهو على تشكيل الحكومة، وفي "الليكود" يقدرون بناءً على التجربة بأن الاستطلاعات تمنحهم دومًا أقل من النتائج الحقيقية، وبأنهم في "الليكود" قادرون على كسب مقعد أو اثنين عشية الانتخابات عبر ديناميكيات انتخابية يجيدها نتنياهو، وبأن استراتيجيتهم هي تنويم المعركة الانتخابية، وبالذات تنويم الشارع العربي، ليتمكنوا من إحداث المفاجأة والضغط على شاكيد، زعيمة "البيت اليهودي" للانسحاب من الانتخابات، لأنها لا تتجاوز نسبة الحسم، متهمينها بأنها ستكون سببًا في حرق ما يقارب 80 ألف صوت من أصوات معسكر اليمين.
على الجانب الآخر، فإن معسكر لبيد يعاني الكثير، فائتلافه الحالي - بما في ذلك حزب منصور عباس - لا يتجاوز الـ 56 مقعدًا، وهو بحاجة إلى مقاعد الجبهة والعربية للتغيير، وهو أمر من الصعب تخيله، حتى لو كان الحديث عن دعمهم من الخارج. يعيش المعسكر صراعات داخلية بينية وتشكيكًا كبيرًا، ولدى لبيد مخاوف من أن يستطيع نتنياهو استقطاب بعضهم لائتلافه بمغريات كبيرة. لبيد من جهته يأمل بأن ينجح في ضم أحد الأحزاب الدينية لائتلافه، كما يأمل غانتس في أن يحصل على توصيات بتشكيل الحكومة، وهو أمل لا يستند على معطيات حقيقية، فحزبه "المعسكر الوطني" ورغم ضم رئيس الأركان السابق ايزنكوت إليه، يسجل ميلًا دائمًا باتجاه التراجع لصالح حزب لبيد، حيث نتائج الحزب تدور حول 10-12 مقعدًا.
أهم تطور في هذه الدورة الانتخابية هو ترجمة عمق واتساع العنصرية والفاشية، والسطوة الدينية الصهيونية عبر التنامي الكبير لكتلة بن غفير وسموتريتش، حيث كتلتهما يتوقع لها أن تكون الحزب الثالث بـ 14 مقعدًا، ممّا يمنح بن غفير وسموتريتش حقائب وزارية مهمة، وسيكونان الحليف الأهم في بلوك نتنياهو، بعد أن كانا مهمشين، حتى إن العنصري الصهيوني الديني سموتريتش رفض في السابق ضم بن غفير (رئيس "القوة اليهودية") إلى كتلته الانتخابية نظرًا لما يمثله بن غفير في نظر العنصري سموتريتش، وأنه اضطر لضمه بعد ضغوطات وتوسط من قِبل نتنياهو الذي جمعهما في مكتبه وفرض عليهما التحالف. وبرغم ذلك، يرفض نتنياهو حتى الآن أن تلتقط له صور تجمعه مع بن غفير، لكنه اضطر مؤخرًا لوقف تنامي قوته أن يعلن أن بن غفير سيكون وزيرًا في حكومته. وجود أمثال بن غفير في حكومة نتنياهو هو أمر يدرك نتنياهو حساسيته، بل وخطورته على مستوى الرأي العام الدولي، وإذا ما صار وزيرًا فإنه قد يثير موجة انتقادات كبيرة، لا سيما من قِبل أصدقاء إسرائيل.
برغم أن المعركة الانتخابية لم تحسم، إلا أن الجميع يدرك أن أمر حسم هذه المعركة ليس موجودًا، لا في اليمين ولا في اليسار، بل لدى العرب، حيث يستطيع الصوت العربي تتويج نتنياهو أو إحداث تغيير كلي في الخارطة الحزبية، والأمر يتوقف على نسبة التصويت بين فلسطينيي الـ 48، فمثلًا نسبة تصويت تصل إلى 75% ليس فقط ستدخل الكتل الانتخابية الثلاثة إلى الكنيست وتزيد عدد المقاعد العربية على حساب كل المقاعد اليهودية، سواء كانت يمين أو يسار؛ لكن مثل هذه النسبة ستؤثر كثيرًا على الأحزاب اليهودية التي تتأرجح حول نسبة الحسم، وستؤدي إلى شطب بعضها مثل "ميرتس"، وستجعل حزب "العمل" و"إسرائيل بيتنا" في وضع خطير. لكن نسبة التصويت المرتفعة هذه لدى العرب تعتبر سيناريو غير واقعي البتة، لأنها لم تتحقق منذ عام 2000، بل العكس صحيح، فالنسبة تميل دومًا للتراجع.
وتعتقد الأوساط السياسية بأن التطورات الكبيرة التي حدثت داخل المشهد السياسي لفلسطينيي الـ 48 من انضمام حزب منصور عباس إلى الائتلاف، وصراعات مركبات القائمة المشتركة وما أفضت إليه من دخول "التجمع" ككتلة منفصلة، واقتصار ما عرفت بالمشتركة على حزبيْ "الجبهة" و"العربية للتغيير"؛ أدى إلى تراجع كبير في اهتمام فلسطينيي الـ 48 بالانتخابات، وربما تسجل في هذه الانتخابات نسبة عزوف عن المشاركة أكبر من النسب السابقة، ويتوقع أن تتراجع إلى ما نسبته 42%، بينما المتفائلون يتوقعون ما نسبته 47%. وبحسب كل الاستطلاعات، فإن حزب "التجمع" برئاسة سامي أبو شحادة لن يتجاوز نسبة الحسم، وهو يصل إلى نسبة 2.25% من نسبة الحسم التي هي 3.25%، وهذا يعني أن عشرات الآلاف من الأصوات سيتم حرقها، "التجمع" يراهن على أن الفلسطينيين لن يخذلوه، وأنهم في نهاية الأمر مضطرون للذهاب للتصويت لإنقاذ حزب "التجمع".
كما أن نسبة تصويت عربية منخفضة (مثلًا 42%) ستعني تهديدًا كبيرًا لكتلة "الجبهة" و"العربية للتغيير"، حيث إنها حتى رغم تجاوزها لنسبة الحسم لكنها لا تتجاوزها بفارق آمن، بينما حزب منصور عباس يتجاوز نسبة الحسم بفارق أكبر منها، ويعتبر فارقًا آمنًا إلى حد ما، يضاف إلى أن الأحزاب العربية لم توقع اتفاقيات فائض الأصوات، أي إن كل الأصوات الفائضة لكل حزب لن يستفيد منها أي من الأحزاب العربية وستحرق!
إن نسبة تصويت منخفضة لدى فلسطينيي الـ 48 هي ما يسعى إليه نتنياهو، لذلك عمل على تنويم الانتخابات على جبهة العرب، فلم يبث كعادته سابقًا خطابًا عنصريًا محرضًا ومليئًا بالكراهية ضد العرب، بينما لبيد زار الناصرة وسعى لاستقطاب العرب لصناديق الانتخابات، وذلك لصالح حساباته الانتخابية.