• اخر تحديث : 2024-04-18 04:21
news-details
إصدارات الأعضاء

ما السر في عدم انهيار النظام بايران؟


بعد نجاح الثورة الاسلامية بإيران عام 1979 اتفق جميع الكتاب والمحللين السياسيين ومراكز الفكر ان (النظام الاسلامي) بإيران لن يقاوم سوى أشهر بل من الاستحالة ان يمر عليه عام دون ان يهوي.

هؤلاء جميعا بنوا اراءهم على (مسلمة) توارثتها الثقافة الغربية بان هناك ثوابت لبقاء النظام او زواله، ومادام (النظام الاسلامي) لم تسبقه اليه تجربة الا قبل 1500 عام اذن فهو نظام (قديم) لا يصلح للزمن الحاضر مع تطور المدنية وما تم التوصل اليه من علوم وتقنيات.

ايام الثورة الاسلامية بإيران، العالم يعيش نظامين اما (رأسمالي) متمثلا بأمريكا والغرب واخر (شيوعي) متمثلا بالاتحاد السوفيتي والصين ومن التحق بتجربتهم من الدول الاخرى.

كانت امريكا تعتقد يومها بالإمكان الاستفادة من النظام الاسلامي بإيران لضرب الشيوعية (الملحدة) حسب تصنيفهم مثلما استفادت من الوهابية بضرب جيش الاتحاد السوفيتي بأفغانستان، لكن المفاجأة ان الهدف الاول للنظام الاسلامي بإيران هو (السفارة الاميركية) واحتجاز موظفيها (الجواسيس) وتحويل مبنى السفارة الى سفارة لدولة فلسطين.

وإذا كانت الشيوعية قد اعتقدت يومها بان النظام الاسلامي الايراني سيكون حليفا لها باعتبار ان الجمهورية الاسلامية رفعت شعار (الموت لأميركا) فان رد الامام الخميني (قدس) على رسالة رئيس الاتحاد السوفيتي (غورباتشوف) وضع النقاط على الحروف حين ورد فيها (ان الشيوعية ستذهب الى متحف التاريخ).

ليس هنالك من كان يعتقد ان الثورة الاسلامية ستواصل وجودها وهي تصطدم بالإرادات الدولية وتدخل في حرب مباشرة مع الجيش العراقي، وكذلك حجم التفجيرات والاغتيالات التي طالت كبار قادة الحزب الجمهوري وقادة الثورة، ناهيك عن حجم المعارضة بالداخل وبقايا نظام الشاه.

ما هو غريب على العالم ان إيران اول دولة بالعالم تطلق على نفسها (الجمهورية الاسلامية) في وقت تتردد الدول الاسلامية جميعا ان تمنح نفسها هذا الاسم لان فيه مسؤوليتين الاولى ان المجتمع الدولي لا يتقبل الاسلام مشروعا سياسيا وثانيا ان من الواجب تطبيق الشريعة الاسلامية على مجتمع لم يألف ذلك من قبل.

المشكلة التي كنا نتوقعها هو بنية الدولة ودستورها، وان يكون رجل الدين الذي الفناه في صوامع المساجد والحسينيات قابعا يكون على رأس السلطة ويتحمل مسؤولية ادارة الدولة والقرار.!

نعم كنا قد طالعنا مؤلفات عديدة ولكبار الكتاب المسلمين من ان (الاسلام دين دولة، وانه يصلح لكل عصر وزمان) ولكن كنا نتوقع ان ذلك مجرد (تنظير) واشبه بعوالم (رومانسية) رغم ان مؤلفات السيد محمد باقر الصدر (قدس) كانت غنية وثرية ومقنعة بإمكانية التطبيق.

استطاعت الثورة الاسلامية بإيران ان تقاتل في الجبهات عسكريا وان تقاتل سياسيا واجتماعيا وعقائديا وان تبني وتعمر وتنشئ تجربة ونظاما لا يشبه أيا من التجارب الغربية والشرقية وان تؤسس لدولة متماسكة استطاعت ان تقف على قدمها يوم انهار الاتحاد السوفيتي وانهارت الدول الملتحقة ويوم تفردت اميركا بالعالم، وفرضت على ايران (1700) عقوبة وحصارا ظالما، وبدلا من ان تنحني ايران ازدادت ثباتا لأنها لم تقاتل خصومها بطريقة تقليدية مثل الشيوعية التي جردت الانسان من قيمه الروحية ومثل النظم الغربية التي حولت الانسان الى (سلعة)!

ان صمود إيران بوجه التفرد الاميركي يحتاج الى دراسة لم تفرضها الصدفة، بل تفرضها الحقائق على الارض، وواحدة من اسبابها أنك تبني بناء ماديا متطورا ممزوجا ببناء روحي يمنحه الحيوية وسر البقاء.

لا أحد يشك ان الثورة الاسلامية بإيران تعرضت الى مخاطر وتحديات يومها كنا نتوقع انهيارها وصعوبة صمودها لكن مع تقدم الايام بتنا نرى (مشروع دولة)، وان الاجيال التي تتوالد في حجر الثورة تكبر وتشارك في اعمار البلد.

لم تعطل (العمامة) مشروعا بقدر ما اضافت (طاقة)وحيوية وثقة بالنفس والاستفادة من العقيدة الاسلامية والتاريخ الاسلامي في صناعة الانسان والوطن.

ان أفضل ما قامت به الجمهورية الاسلامية انها تقاتل خصمها على ارضه، وميدانه، ولم تتقوقع على تجربتها مثل كوريا الشمالية، وذلك الذي طالبت امريكا فيه الجمهورية الاسلامية بالتنازل عنه مقابل التوقيع على (الاتفاق النووي) وهو (العمق الاستراتيجي للثورة) والذي يسميه اذناب امريكا بـ (تصدير الثورة)!

بات ثابتا لدى قادة الثورة الاسلامية بإيران انه كل عشر سنوات تقع احداث شغب بالدولة بأشكال مختلفة وراءها اميركا والغرب ومعهم بعض دول الخليج، وسرعان ما تشتمل عليها الجماهير وتوئدها في مكانها، خاصة وان الجهات الامنية تعرف تفاصيلها قبل ان تحدث.

في تشرين الماضي ارادت اميركا ان تخضع قادة وشعب إيران الى برنامجها بعد ان فرضت عليها مئات العقوبات وبعد ان وجدت بإيران عنادا لم تألفه مع دول العالم الاخرى وخاصة في الملف النووي، فذهبت الى خيار (الثورات الملونة) وهو خيار استخدمته امريكا منذ بداية القرن الواحد وعشرين واستطاعت ان تغير انظمة وحكومات بأغلب الدول التي حدثت بها والتي تجاوزت (40) بلدا او أكثر حيث تثير اعمال شغب بواسطة عناصر تستأجرهم بهذا البلد او ذاك وتطلق لهم العنان تحت غطاء اعلامي وايقونات ورمزية اللون لكل عملية.

جميع الدول الـ (40) التي اجتاحتها اعمال الشغب مازالت تعاني من ازمات وفوضى وديون وتدهور بالاقتصاد وهجرة اشبه بالانتحارية وسط البحار والمحيطات ناهيك عن التشظي وتقسيم البلد وخير دليل دول الربيع العربي وشرق اوروبا.

ان واحدة من مشاكل اعمال الشغب (الثورات الملونة) انها بدون قيادة ومعظم المتصديين لها من الصبيان ذكورا واناثا حيث تبدأ اعمال الحرق والتدمير واسقاط الحكومات وحين تنتهي المهمة تختفي الاعمال وتظهر شخصيات جديدة معدة للمرحلة المقبلة وهكذا.

إيران كانت على علم بتفاصيل اعمال الشغب واسبابها ومخاطرها والجهات الراعية لها، لذا استطاعت بإسفنجية عالية ان تسيطر عليها، وان مازالت لها بؤر تنفجر هنا وهناك لكنها تحت السيطرة وسوف تتلاشى وتكون عامل قوة للبلد بدل اضعافه.

امريكا الان تعاني من ازمات داخلية فقد شهدت انقساما حادا بين الحزبين الرئيسيين (الديمقراطي والجمهوري) تحول اخيرا من سياسي الى اجتماعي حيث الجمهوري يمثل الجنس الابيض فيما الديمقراطي يمثل جميع الملونيين، وهو انقسام قديم بين اهل الشمال والجنوب ومع الازمة الاقتصادية بأمريكا وجائحة كورونا بدأ يتصاعد أكثر وقد ينتهي الى (حرب اهلية).

هذه الازمات جعلت اميركا غير قادرة على تنفيذ مخططاتها يقابلها تماسك دولة بحجم إيران التي باتت ثقافة المواطن الايراني بالكراهية للإدارات الاميركية جزء من ثقافته اليومية.

ردة الفعل الجماهيرية لدى الشعب الايراني كانت فاعلة وقوية وتحولت الى تظاهرات ومسيرات واحتجاجات بالضد من اعمال الشغب، والتظاهرات المليونية بـ (يوم مقارعة الاستكبار العالمي) هي الرد الحقيقي على المخططات الاميركية.

فالسر بقوة هذا البلد هو الايمان بالله الذي نستمد منه العون والنصر.