• اخر تحديث : 2024-04-19 15:15
news-details
مقالات مترجمة

الانتخابات الإسرائيلية: كيف حولت الأزمة الحزبية إلى أزمة دولة


اتخذت إسرائيل في هذه الانتخابات الوطنية خطوة أساسية نحو الفاشية العنيفة للصهيونية الدينية وكشفت عدم وجود آفاق لجميع الفلسطينيين؛ نتج عن الانتخابات الإسرائيلية هذا الأسبوع صعود هائل لحزب الصهيونية الدينية الفاشي وتحالف يميني بقيادة بنيامين نتنياهو. فمن أصل 120 مقعدًا في الكنيست حصلت كتلة نتنياهو اليمينية المتطرفة على 65 مقعدًا - وهو نصر لم يكن ليتحقق لولا التحالف الذي تم تشكيله مع السياسيين اليمينيين المتطرفين إيتامار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش. كما دلت النتائج على غياب الإجماع الوطني الصهيوني على أي حل عادل للقضية الفلسطينية، ولا أي حلول للمشاكل المستعصية التي تواجه الفلسطينيين.

ويواجه المواطنون الفلسطينيون في إسرائيل على وجه الخصوص سياسات هدم منازل قد تؤثر على 60 ألف مسكن. كما يواجهون الجريمة المنظمة التي ترهب مجتمعاتهم، وانتشار الأسلحة الإسرائيلية بين الجمهور الفلسطيني بالذات، مما يهدد أمنهم الشخصي والجماعي، وقانون الدولة القومية اليهودية لعام 2018 الذي يضفي الشرعية على معظم ممارسات إسرائيل العنصرية والتمييزية.

رد فعل عالمي

في الأسبوع الماضي، التقى الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ الرئيس الأميركي جو بايدن في محاولة لتخفيف القلق الذي أعربت عنه الإدارة الأميركية الحالية بشأن الاتجاه اليميني المتنامي في إسرائيل. كما أعرب أعضاء في الكونغرس ومسؤولون أميركيون كبار آخرون عن مخاوفهم بشأن عودة نتنياهو إلى السلطة وصعود اليمين المتطرف. وبحسب معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى ـ مركز الأبحاث الموالي لإسرائيل ـ أبلغ وزير خارجية الإمارات القيادة الإسرائيلية الموقف المعارض لانضمام الصهاينة المتدينين إلى الحكومة، وحذر من أن الأمر سيكون له تأثير على اتفاقيات إبراهيم.

إن صعود حزب الصهيونية الدينية ليصبح ثالث أكبر قوة في الكنيست سيضع شرعية إسرائيل على المحك العالمي. وادعاءات رئيس الوزراء يائير لبيد ونتنياهو بأن كل انتقاد لإسرائيل معاد للسامية سوف يضعف بشكل أكبر مع صعود اليمين المتطرف. ستزيد نتائج الانتخابات من تضخيم حركة التضامن العالمية مع فلسطين التي تعتبر الصهيونية شكلاً من أشكال العنصرية والإمبريالية، وستعزز حركة المقاطعة العالمية BDS وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات عالميًا.

من ناحية أخرى، قد يجد نتنياهو حلفاء محتملين في المشهد السياسي الأوروبي الجديد، خاصة مع صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة والفاشية في إيطاليا مؤخرًا، وقبل ذلك في المجر والنمسا. وقد يمتد هذا الآن إلى الدول الاسكندنافية مع صعود أحزابها اليمينية، مثل الديمقراطيين السويديين الذين حققوا انتصارًا سياسيًا بسبب الحرب الأوكرانية والمشاعر المعادية للمهاجرين واللاجئين، فضلاً عن الجدل حول عضوية الناتو.

على مدى الأسابيع القليلة الماضية، أعرب الأردن أيضًا عن خوفه وقلقه من تحول إسرائيل المتزايد نحو اليمين، سواء خلال اجتماعات قادة حكومته أو مع قادة الأحزاب العربية في إسرائيل. كما شجع القادة الأردنيون التصويت العربي في إسرائيل لمنع فوز نتنياهو الذي يسعى إلى ضم المنطقة ج في الضفة الغربية - مما يؤدي بطبيعة الحال إلى فكرة الوطن الفلسطيني البديل في الأردن. كما يخشى الأردن من أن حزب الصهيونية الدينية قد يكون لديه الآن القدرة على تغيير وضع الأماكن المقدسة في القدس الراهن، لاسيما في ما يتعلق بالمسجد الأقصى والوصاية الأردنية على المسجد، الأمر الذي قد يؤثر بالضرورة على اتفاق وادي عربة الأردني الإسرائيلي..

ستعمل الحكومة الجديدة بالتأكيد على تعميق الصراع وتفاقم الاحتلال أكثر من حكومة لابيد المنتهية ولايتها. وقد أدى تصعيد عصابات المستوطنين المحمية من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي الهجمات العنيفة ـ التي قد تضع حدًا نهائيًا لـ "التنسيق الأمني" مع ما يسمى بالسلطة الوطنية الفلسطينية ـ إلى بروز ظاهرة المقاومة الجديدة. في نابلس: عرين الأسود. وسيؤدي تزايد شعبية التعصب الديني في الحكومة إلى إشعال التوترات بين مجموعات المقاومة الجديدة في الضفة الغربية والمستوطنين اليمينيين، وكثير منهم ينتمون إلى الطوائف الحريدية. ووعد بن غفير باستيطان "يهودا والسامرة" في اشارة الى الضفة الغربية. وقد هتف مؤيدون متطرفون خلال خطاب ألقاه بن غفير مؤخرًا: "الموت للإرهابيين" في اشارة إلى الفلسطينيين. إن نتائج الانتخابات وخطاب هؤلاء القادة اليمينيين لن يؤدي إلا إلى زيادة تحريض اليهود الإسرائيليين ضد المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل. ولن يؤدي إضفاء الشرعية على الأطراف التي تحمي هذه الجماعات المسلحة إلا إلى هجمات أكثر دموية ومواجهات أكثر عنفًا داخل إسرائيل. وسيخضع الفلسطينيون الذين يعيشون في أراضي عام 1948 لشبكة من الميليشيات العنيفة، أبرزها الكتائب المتشددة في بئر السبع والنقب، وأخرى في اللد وعكا ويافا ومدن ساحلية أخرى. لقد ظهرت هذه الجماعات مباشرة من الصهيونية الدينية وحزب عوتسما يهوديت على وجه الخصوص. وهي مليشيات مسلحة شبه رسمية تنفذ اعتداءات على العرب الفلسطينيين في هذه المناطق، ويحدد دورها تحت نظر الشرطة الإسرائيلية كامتداد لهجمات عصابات المستوطنين في الضفة الغربية.

 ومع ذلك، فإن تشكيل هذا الائتلاف اليميني قد يستدعي مزيدًا من التدقيق الدولي في سياسات إسرائيل. سيتم التحقيق في أعمال العنف ضد الفلسطينيين على جانبي "الخط الأخضر" من قبل لجنة التحقيق الدولية التي أطلقها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في أيار\ مايو 2021.

موجة فاشية

أمام نتنياهو خيارات عديدة، منها: تحالف ضيق ومهتز مع عوتسما يهوديت، وكذلك ابتزاز حزب الوحدة الوطنية بقيادة بيني غانتس لضمان انضمامه إلى الائتلاف - خاصة ان مجموعات الحريديم تقبل غانتس بخلاف لبيد وأفيغدور ليبرمان اللذان رفضا الانضمام إلى ائتلاف الأحزاب الدينية.

بغض النظر عن نتيجة هذه التحالفات، فمن المتوقع أن تسود موجة فاشية من العنف، إذ أصبحت عوتسما يهوديت أقوى حليف لليكود في الائتلاف الضيق - خاصة إذا رفض غانتس الانضمام إلى صفوف نتنياهو.

اتخذت إسرائيل في هذه الانتخابات الوطنية خطوة أساسية نحو الفاشية العنيفة للصهيونية الدينية، واحتلت هذه العقيدة مركز الصدارة في العمل السياسي. لقد كشف انهيار ما يسمى بـ "اليسار الصهيوني" عن الافتقار إلى الآفاق بالنسبة للفلسطينيين في أنحاء فلسطين التاريخية - حتى إشعار آخر. ومع ذلك، لا ينبغي أن تكون نتائج الانتخابات الإسرائيلية مدعاة لليأس، بل يجب أن تكون سببًا لتحفيز الفلسطينيين على الاستعداد للتحديات المقبلة.

ما يفهمه الكثيرون بالفعل هو أنه بغض النظر عن العنف الذي ينجم عن هذا المد الفاشي، فإن العنف والظلم في دولة إسرائيل والشرطة والقضاء لا يزالان الأسوأ.

أخيرًا، قد يلعب الانتقال من أزمة حزبية إلى أزمة دولة اتجاهين: أحدهما يعزز التوجه الفاشي الرسمي، والآخر إعادة النظر في صوت العقل، ليس من أجل الفلسطينيين، بل لإنقاذ إسرائيل.