ان توقعات المحللين والمراقبين ونتائج استطلاعات الرأي تشير إلى تصاعد احتمالات فوز الحزب الجمهوري بالأغلبية في مجلس النواب مع احتفاظ الحزب الديمقراطي بأغلبيته المحدودة في مجلس الشيوخ وتحقيق الحزب الديمقراطي لنجاحات مهمة على مستوى انتخابات حكومات وبرلمانات الولايات في عدد من الولايات المتأرجحة (الولايات التي يتجاوز فيها عدد الناخبين المستقلين والمتأرجحين عدد الناخبين الموالين لحزب محدد).
إلا إنه في الأسبوع الأخير من الحملات الانتخابية، شهد الحزب الديمقراطي تراجعاً ملحوظاً في نسب التأييد في أوساط الناخبين المتأرجحين والمستقلين وتصاعدت احتمالات فوز الحزب الجمهوري بالأغلبية في مجلسي الشيوخ والنواب وكذلك تزايدت احتمالات فوز عدد أكبر من المرشحين الجمهوريين على مستوى الولايات في تغير ملحوظ عن التوقعات السابقة.
ويرى الرئيس السابق دونالد ترامب وأنصاره بالإضافة إلى كثير من المراقبين أن الانتخابات القادمة سوف تشهد موجة حمراء (في إشارة إلى الولايات المؤيدة للحزب الجمهوري التي تعرف بالولايات الحمراء مقارنة بالولايات المؤيدة للحزب الديمقراطي والتي تعرف بالولايات الزرقاء)، وأن الحزب الجمهوري سوف يستعيد سيطرته على السلطة التشريعية بشكل كامل وكذلك على عدد كبير من حكومات وبرلمانات الولايات تمهيداً لعودة ترامب إلى الرئاسة في 2024 بعد أن أصبحت احتمالات ترشحه في الانتخابات القادمة شبه مؤكدة.
هنا، فإن ثمة تساؤلات تطرح نفسها ومفادها: ما هي أسباب تدهور فرص الحزب الديمقراطي في الحفاظ على الأغلبية في مجلس الشيوخ وفي تحقيق نجاحات في عدد من الولايات المتأرجحة كما كان متوقعاً سابقاً، وما هي أسباب تصاعد أرصدة الحزب الجمهوري لدى الناخبين المستقلين والمتأرجحين في الأسبوع الأخير من الانتخابات؟
أسباب التراجع
يمكن تفسير تراجع شعبية وفرص الحرب الديمقراطي في مقابل تصاعد شعبية الحزب الجمهوري بالرجوع إلى عدد من العوامل ومنها:
أولاً: بشكلٍ عام، تعد الانتخابات النصفية نوعاً من الاستفتاء على أداء الرئيس وإدارته بعد عامين من توليه السلطة، وجرت العادة أن يفقد حزب الرئيس أغلبيته النيابية في الانتخابات النصفية وأن يحصل الحزب المعارض على الأغلبية. ومن هنا، فإن نجاح الحزب الجمهوري هو تطور متوقع في إطار السياسة الأمريكية، خاصة وأن قطاعاً كبيراً من الناخبين الأمريكيين لا يستسيغون انفراد حزب واحد بالسلطتين التنفيذية والتشريعية لفترة طويلة.
ومن ناحية أخرى، فإن شعبية الرئيس بايدن والحزب الديمقراطي شهدت تراجعاً كبيراً بسبب الأزمة الاقتصادية الحالية وحالة التضخم وغلاء الأسعار التي يعاني منها المواطن الأمريكي، حيث انخفضت شعبية بايدن إلى أدنى مستوياتها في أكتوبر 2022 لتصل إلى 38٪، مما يعزز من فرص حصول الحزب الجمهوري المعارض على الأغلبية في مجلسي الشيوخ والنواب، كما جرت العادة في معظم الانتخابات النصفية.
ثانياً: ركز المرشحون الجمهوريون في حملاتهم الانتخابية بشكل مكثف على قضايا التضخم والركود وغلاء أسعار الوقود والسلع الغذائية والتي تأتي في مقدمة أولويات الناخبين الأمريكيين، كما ركزوا على ارتفاع مستويات الجريمة في المدن الكبرى وعلى ضرورة الحد من الهجرة غير الشرعية. بينما ركز المرشحون الديمقراطيون على التهديد الذي يمثله الحزب الجمهوري بقيادة ترامب على الديمقراطية وعلى قضية حرية الإجهاض.
ولم ينجح الحزب الديمقراطي في صياغة خطاب انتخابي يتعاطى بفاعلية مع مخاوف قطاع كبير من الناخبين فيما يخص قضايا التضخم والجريمة وتزايد أعداد المهاجرين غير الشرعيين. ويرى الكثير من المعلقين أن أولوية القضايا الاقتصادية والأمنية لدى أغلبية الناخبين وفشل الحزب الديمقراطي في منح الأولوية لهذه القضايا أضر بفرصه، حيث أن قطاعاً كبيراً من الناخبين يلوم الرئيس وحزبه على ارتفاع الأسعار وتراجع معدلات النمو وتزايد معدلات الجريمة والهجرة غير الشرعية.
كذلك، فإن محاولات الحزب الديمقراطي تركيز اهتمام الناخبين على قضايا مثل حرية الإجهاض والخطر الذي يمثله ترامب وأنصاره على الديمقراطية لم ينجح في إقناع الناخبين المستقلين والمتأرجحين بالتصويت لصالح الحزب الديمقراطي في ضوء تراجع الأوضاع الاقتصادية والأمنية في الفترة الأخيرة.
ثالثاً: يري قطاع مهم من الناخبين والمراقبين أن السياسة الخارجية التي انتهجها الرئيس بايدن تجاه روسيا والصين أضرت بمصالح المواطن الأمريكي وأدت إلى تفاقم المشاكل الاقتصادية، حيث أن التصعيد الذي شهدته العلاقات الأمريكية-الروسية فيما يخص أوكرانيا والعلاقات الأمريكية-الصينية فيما يخص تايوان أدى إلى تعطيل سلاسل التوريد الدولية وارتفاع أسعار الغاز والوقود وعدد كبير من السلع الأساسية، كما أنه أدى إلى توطيد التحالف الروسي-الصيني في مواجهة الولايات المتحدة. ويرى العديد من المراقبين والناخبين أن السياسات الخارجية الانعزالية التي يدعو لها ترامب وأنصاره تخدم مصالح المواطن الأمريكي بشكل أفضل.
التداعيات المتوقعة للموجة الحمراء
إذا ما نجح الجمهوريون في الحصول على الأغلبية من مجلسي النواب والشيوخ وفي تحقيق نجاحات مهمة على مستوى الولايات، فإن العامين القادمين سيشهدان حالة من الشلل السياسي، حيث لن يستطيع بايدن وحزبه تمرير أي قوانين أو موازنات بدون مساندة الحزب الجمهوري، وهو ما يصعب تحققه في ظل التوجهات الحالية للحزب الجمهوري، وسيتحول بذلك الرئيس بايدن إلى رئيس محدود الصلاحيات Lame Duck President حتى انعقاد الانتخابات النصفية والرئاسية القادمة في 2024.
وتكتسب الانتخابات النصفية الحالية أهمية خاصة لأنها تعد مؤشراً مهماً علي إمكانية عودة ترامب والتيار اليميني الشعبوي المسيطر حالياً على الحزب الجمهوري إلى السلطة في الانتخابات الرئاسية عام 2024، وهو ما يراه الديمقراطيون كمصدر تهديد لاستقرار المنظومة الديمقراطية بأكملها نظراً لتبني هذا التيار لتوجهات معادية للتنوع العرقي والثقافي وللحريات الشخصية والجنسية ولقيام ترامب وأنصاره برفض نتائج الانتخابات الرئاسية السابقة في 2020 وترويجهم لسردية السرقة الكبرى للانتخابات The Big Steal ومحاولتهم الانقلاب علي الانتخابات من خلال اقتحام أنصارهم لمبني الكونجرس في 6 يناير 2021 في سابقة تعد الأولى من نوعها في التاريخ الأمريكي الحديث.
يضاف إلى ذلك تبني الحزب الجمهوري لبرنامج سياسي يسعى لإعادة ترسيم الدوائر الانتخابية لصالحه ولتغيير الإجراءات الانتخابية على مستوى الولايات للحد من تأثير الكتلة التصويتية الديمقراطية خاصة في أوساط الأقليات العرقية السوداء واللاتينية فيما يعرف بمحاولات تقييد الناخبين Voter Suppression. والملفت أن الكثير من المرشحين الجمهوريين في الانتخابات الحالية هم من أنصار نظرية السرقة الكبرى، حيث شهدت الانتخابات الداخلية للحزب الجمهوري Primaries استبعاد المرشحين الجمهوريين ذوي التوجهات المعتدلة لصالح المرشحين الجمهوريين الراديكاليين الموالين لجبهة الرئيس السابق ترامب والمؤيدين لنظرية السرقة الكبرى التي يروج لها.
ويخشى الكثير من الديمقراطيين أن تؤدي سيطرة ترامب وأنصاره على السلطة التشريعية على المستوى الفيدرالي وعلى مستوى الولايات، إلى نجاحهم في المستقبل في رفض نتائج أي انتخابات قادمة مما قد يؤدي إلى استئثارهم بالسلطة بشكل سلطوي، على نحو قد يسفر عن تفاقم حالة الاستقطاب والصراع السياسي والمجتمعي التي يشهدها المجتمع الأمريكي.