نشرت صحيفة "لا كروا" الفرنسية مقالا للكاتبة لوران لارشر تناولت فيه إعلان الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، إنهاء عملية "برخان" العسكرية، التي تقودها بلاده في الساحل الأفريقي، لافتة إلى أنّ هشاشة الرئيس الأميركي، جو بايدن، متمثّلةً بإنهاء المساعدات الأميركية لـ"برخان"، هي أحد أسباب فشل العملية. فيما يلي النص المنقول إلى العربية:
أعلن إيمانويل ماكرون، اليوم الأربعاء، في الـ9 من تشرين الثاني/نوفمبر، نهاية عملية "برخان" المناهضة لـ"الإرهابيين" في منطقة الساحل الأفريقي. وذلك لا يعني أن يسحب الرئيس الفرنسي قواته من هذه المنطقة من العالم.
هل هذه مفاجأة؟
كان الإليزيه يفكر في الأمر منذ أعوام، وكلّ المؤشرات أظهرت أنّ عملية "برخان" كانت فاشلة، وأن احتمال تغيير الوضع لمصلحتها كان معدوماً تقريباً. لكن، ماذا تفعل؟ هل تنسحب، أَمْ تقلص غطاء التدخل، وتغيير طريقة شنّ الحرب في منطقة الساحل، أَمْ تتخذ نموذج العقيدة الأميركية: "البصمة الخفيفة"؟
بالفعل، أخبر مصدر مقرّب من الملف صحيفة "لا كروا" الفرنسية، في شباط/فبراير 2021، عشية قمة نجامينا، بأنّ الرئيس قرّر توقيف مهمة "برخان"، لكنه كان ينتظر الوقت الملائم لإعلانه، تجنباً لتأثير"سايغون/Saigon"، في إشارة إلى المغادرة الكارثية للأميركيين من فيتنام، لكن مجموعة من دول الساحل، الشريكة لفرنسا، (مثل) النيجر وبوركينا فاسو في المقام الأول، عارضتها، مؤكدةً أنّ "قواتها غير قادرة على كبح ضغوط الإرهابيين وحدهم".
الجدير ذكره أنّ الإليزيه توقّع حدوث انتصارات تكتيكية كبيرة في الأرض لتبرير إعلان نهاية عملية قواته. ومع ذلك، فإنّ الوفاة غير المتوقّعة للرئيس التشادي، إدريس ديبي، في نيسان/أبريل 2021، أحبطت جدول أعماله، وأثبتت صحة أولئك الذين بشّروا، في القصر الرئاسي الفرنسي، بإنهاء "برخان"، وليس إنهاء الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل. وبمجرد تأمين خلافة نجل ديبي، وجد إيمانويل ماكرون في الانقلاب الثاني في مالي، في أيار/مايو 2021، مُبرراً لمغادرة هذا البلد من دون أن يفقد ماء الوجه في نظر الرأي العام، مع البقاء في منطقة الساحل، بتكتم أكبر.
لماذا هذا الإعلان الآن؟
إنّ تدهور العلاقات بمالي، ووصول الروس إلى هذا البلد، والازدياد المذهل للمشاعر المعادية لفرنسا في غربي أفريقيا، والدفع الدائم للإرهابيين نحو دول خليج غينيا، إذ أدى ضغطهم على بلدان لا تقل أهمية عن ساحل العاج والسنغال إلى جعل هذا التغيير في الاستراتيجية أكثر ضرورة وإلحاحاً في نظر باريس، ناهيك بالحرب في أوكرانيا، وهشاشة (وضع) جو بايدن في الولايات المتحدة، والتي تمثّلت بنهاية المساعدات الأميركية لـ"برخان" (كانت واشنطن تدعم ثلث ميزانية هذه العملية)؛ كل هذه العوامل هي التي أدت إلى فشل عملية "برخان".
إعلان إيمانويل ماكرون في تولون ليس منفصلاً عن الحرب الإعلامية التي تُشارك فيها فرنسا الآن ضد أعدائها في أفريقيا، ولاسيما مع "الأفارقة المتحدين الجدد"، والذين يطالبون بانسحابها الكامل من القارة، والروس الذين يستهدفونها من أجل إخراجها من ساحة مستعمراتها القديمة، إذ يهدف إعلان نهاية هذه العملية إلى التخلص من اسم "برخان".
هل تنسحب فرنسا من منطقة الساحل؟
على عكس ما قد يتضمّنه إعلان نهاية "برخان"، ليس هناك شك في قيام باريس بسحب القوات التي تشكل هذه القوة من منطقة الساحل، والتي يبلغ عددها اليوم نحو 3000 جندي. وسيظل هؤلاء الجنود منتشرين في تشاد والنيجر وبوركينا فاسو في الوقت الحاضر. كما أنّهم لن يتمتعوا رسمياً باستقلالية وظيفية، ولن يقوموا بعد الآن بعمليات لمكافحة الإرهاب.
بالتزامن، أوضحت وزارة القوات المسلحة الفرنسية أنّ قواتها تقوم بدعم القوات الأفريقية، بناءً على طلب القوات الأفريقية الوحيد. وأعلنت فرنسا نقطة التحول هذه، ودافعت عنها وزيرة الخارجية، كاثرين كولونا، ووزير القوات المسلحة، سيباستيان ليكورنو، خلال زيارتهما النيجر في 15 تموز/يوليو.
بطريقة ما، وبعيداً عن كونها جديدة، فإنّ هذه الاستراتيجية تجسّد عودة إلى تلك الاستراتيجية التي اتّبعها فرانسوا هولاند ومستشاره أفريك هيلين لو غال في عامي 2011 و2012، قبل أن يغيّرا العقيدة - بناءً على طلب القوات المسلحة - في كانون الثاني/يناير 2013، من خلال إطلاق عملية "سيرفال" في مالي.