بعد نحو عامَين من تفجُّر الصراع الأهلي داخل إثيوبيا بين القوات الحكومية وجبهة تحرير شعب تيجراي؛ تم التوقيع على اتفاق سلام بين الطرفَين في جنوب أفريقيا، ينص على إيقاف الأعمال العدائية ونزع الأسلحة بمنهجية، وإعادة دمج مقاتلي الجبهة. وقد أثار هذا الاتفاق تساؤلات عديدة حول إمكانية تطبيقه في أرض الواقع، والتحديات التي يمكن أن تواجهه. وفي هذا الصدد، نشر موقع “أكسفورد أناليتيكا”، في 7 نوفمبر 2022، تقريراً بعنوان "اتفاق السلام غير المتكافئ قد يساعد في إنهاء الحرب في إثيوبيا".
أبعاد رئيسية
يشير التقرير إلى أن اتفاق السلام الإثيوبي الذي وقَّعت عليه الحكومة الإثيوبية و”جبهة تحرير شعب تيجراي (TPLF)” في جنوب أفريقيا في 2 نوفمبر 2022، ينطوي على عدد من الأبعاد الرئيسية المتمثلة فيما يلي:
1– التشديد على إيقاف الأعمال العدائية: إذ ينص الاتفاق على وقف الأعمال العدائية، ونزع سلاح “الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي” وتسريح مقاتليها، واستعادة الخدمات الأساسية في الإقليم، وإتاحة وصول المساعدات الإنسانية إلى المنطقة المحاصَرة، مع النص على تشكيل حكومة إقليمية مؤقتة وشاملة في الإقليم، تُشكَّل بالإجماع. ورغم أن الاتفاق لا يحدد من سيقود هذه الحكومة، فإن دوراً بارزاً للجبهة الشعبية يبدو أمراً مرجحاً لضمان القبول الشعبي بالاتفاق.
2– اقتناع الطرفين بصعوبة استكمال الصراع: رغم إصرار الحكومة الفيدرالية و”جبهة تحرير شعب تيجراي” منذ فترة طويلة على أنهما يريدان حلاً سلمياً للصراع، فقد استغرق الأمر ما يقرب من عامين قبل الموافقة على بدء المفاوضات؛ لذلك كان أمراً لافتاً توقيع اتفاق سلام كامل في غضون أسبوع واحد فقط (وإن لم يكن الاتفاق مفصلاً)، وهو ما يعكس، على الأغلب، دروس عامين من الحرب؛ فبالنسبة إلى “جبهة تحرير شعب تيجراي”، ورغم نجاحها في إبطاء التقدم الفيدرالي في العاصمة الإقليمية “ميكيلي”، أصبح من الواضح أنها لا تستطيع الانتصار في ساحة المعركة. وبالنسبة إلى السلطات الفيدرالية، وحتى لو تمكنت من هزيمة الجبهة عسكرياً، فإن من الواضح أنها لا تستطيع حكم إقليم “تيجراي” المُعادِي دون موافقة الجبهة.
3– تحقيق الاتفاق مكاسب للحكومة الفيدرالية: رغم الدوافع المنطقية لتوقيع الصفقة من كلا الجانبين، فإنها مع ذلك تميل، على نحو واضح، لصالح السلطات الفيدرالية؛ وذلك بموافقة “الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي” بموجب الاتفاق، على نزع سلاح قواتها وتسليم أسلحتها الخفيفة في غضون 30 يوماً، مع السماح للقوات الفيدرالية بالسيطرة على المنشآت الفيدرالية في تيجراي، بما في ذلك العاصمة ميكيلي، فيما كان الامتياز الرئيسي الذي حصلت عليه قوات الجبهة، هو شطبها من قائمة المنظمات الإرهابية؛ ما يسمح لها بالاستمرار في الوجود بصفتها قوة سياسية قانونية، والمشاركة في إدارة مؤقتة لإقليم تيجراي، والتنافس في نهاية المطاف في الانتخابات. ومع ذلك لم يُحدَّد إذا ما كانت السلطات الفيدرالية ستُعيد الأصول التي صادرتها عند تصنيف الجبهة كمنظمة إرهابية، أو ستُسقط التهم الجنائية المُعلَّقة ضد قادة الجبهة، وهو ما يبدو أنه الأكثر احتمالاً.
4– تأكيد السيادة في مواجهة إريتريا: فيما لم يتم ذكر إريتريا صراحةً في الصفقة، فقد تعهدت الحكومة الفيدرالية بحماية “سيادة إثيوبيا وسلامة أراضيها وأمنها” من “التوغل الأجنبي”، والعمل على منع “الاستفزازات” عبر الحدود. وواضح أن ذلك يستهدف إريتريا في الأساس، التي يثير وجود قواتها على أراضي تيجراي جدلاً عميقاً، وسط شكوك في مدى التزام أسمرة من ناحيتها بما جاء في اتفاق السلام الإثيوبي، بالنظر إلى كونها أكثر اهتماماً بالقضاء على “الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي”، وأقل عرضةً للضغط الدولي؛ لذلك قد تكون مترددة في سحب قواتها بالكامل من الإقليم، في ظل خلافات حول مكان رسم الحدود بالضبط. ومع ذلك، فإن الوعد بنزع سلاح الجبهة وتحرير الحدود من قبل القوات الفيدرالية يمكن أن يعطي إريتريا ضمانات كافية للانسحاب.
5– التوقعات بنجاح الاتفاق رغم بعض الإشكاليات: في ضوء النصوص الرئيسية التي جاء بها الاتفاق، ودوافع الطرفين لتوقيعه، فإنه يتوقع نجاحه في إنهاء الحرب الأهلية في إثيوبيا، دون أن يعني ذلك غياب الإشكاليات على نحو تام؛ إذ من المرجح أن يكون التنفيذ بطيئاً ومعقداً ومحفوفاً بالمخاطر، خصوصاً مع التنازلات الكبيرة التي قدمتها “جبهة تحرير شعب تيجراي” في سبيل التوصل إلى الاتفاق؛ ما قد يجعل من الصعب إقناع مؤيديها به، خصوصاً بعض القادة العسكريين الذين قد يرون أن الاتفاق يمثل استسلاماً. ومع ذلك يظل احتمال الانزلاق مجدداً إلى حرب واسعة فيما بعد الاتفاق أمراً مستبعداً، في ظل رغبة الطرفين الواضحة في إنجاحه.
وختاماً، فإن مما يجب وضعه في الاعتبار أن نجاح الاتفاق قد يساعد في تخفيف التوترات بين إثيوبيا وشركائها الغربيين، ويسمح للدولة بتحقيق تقدم في إعادة هيكلة الديون والنفاذ إلى الأسواق الأمريكية، كما قد يُحرِّر الاتفاق قدرات الحكومة على مواجهة حركات التمرد الأخرى؛ إما على الأرجح من خلال الوسائل العسكرية، وإما ربما من خلال المفاوضات.