ممثلو الكهانية في ائتلاف نتنياهو نجحوا، إلى حد كبير، في الاستيلاء على مراكز القوة (الشرعية) وأدواتها لإحكام قبضتهم على حكم الفلسطينيين والتنكيل بهم في الضفة وفي الداخل الفلسطيني، وجعل الطريق أمام الاستيطان والتهويد - بل وفرض السيادة - معبدة وسهلة من حيث الصلاحيات والموازنات والقوة المطلوبة، وهو ما جعل مقدمة البرامج في القناة الـ 12 تصف ما يحدث بالانقلاب؛ انقلاب على المؤسسات وعلى القوانين وعلى الأعراف التي كانت قائمة.
نحن فعلًا نقف أمام تغير كبير في مبنى وتوجهات وثقافة حكومة الاحتلال، فيكفي أن نعرف أن من ناب عن "القوة اليهودية" لتوقيع اتفاق انضمامها للائتلاف هو حنمائل دورفمان، وهو بطل حفلة الكراهية التي أقيمت احتفالًا بمحرق عائلة دوابشة، وكان دورفمان محمولًا على الأكتاف مُشهرًا سكينًا.
ولأن بن غبير وسموتريتش جاءا إلى الائتلاف ليحكما وليترجما أجندتهما وتوجهاتهما حرفيًا دون مواربة ودون تحفظ ودون خجل أو خوف وبلا تلعثم، فقد أصرا ليس فقط على وزارات بعينها؛ بل على الأدوات التي هي الصلاحيات والهياكل والموازنات والقوانين التي تمكّنهما من تحقيق أهدافهما وغرس أنيابهما، وترجمة خطاب الكراهية والعنصرية إلى واقع دون أي نفاق للغرب أو أيّ مساحيق تجميل، وقد نجحا في تقديم الصهيونية على حقيقتها، ممّا سيخلق أزمة للصهيونية التي حافظت دومًا على التخفي خلف الأقنعة ومساحيق التجميل.
اتفاق بن غفير مع نتنياهو، الذي تم توقيعه أمس، ينص على تولي بن غفير وزارة الأمن القومي، وتم تسميتها بالأمن القومي بدلًا من الأمن الداخلي، لأن بن غفير أصرّ على أن يمنح صلاحيات واسعة تمتد إلى الضفة والداخل، وتشمل كل مكونات فرض الأمن، وعليه اتفق على تقليص صلاحيات مفتش الشرطة، ليكون بن غفير صاحب صلاحيات تنفيذية، وألحق بوزارته قوات حرس الحدود العاملة في الضفة، ممّا يُعتبر تعديًا على مناطق نفوذ الجيش، غانتس اعتبر ذلك بأن نتنياهو ينشئ جيشًا خاصًا ببن غفير. كما أن ما يسمى بقوات الحرس الوطني ستكون تابعة لوزارته، بالاضافة إلى الدوريات الخضراء، وبذلك يسيطر على كل وسائل القوة (الشرعية) لفرض إرادته على الفلسطينيين، سواء في الضفة أو الـ 48. فضلًا عن ذلك، حزب بن غفير سيتولى وزارة النقب والجليل، والتي تحول اسمها لوزارة النقب والجليل والحصانة الوطنية بموازنه قدرها 2 مليار شيكل، وقد ضم لها ما يسمى بالاستيطان الصغير، والتي تعني جميع المستوطنات التي تعتبر غير قانونية بحسب القانون الإسرائيلي. وكذلك حصل حزبه على وزارة سميت بوزارة التراث، وهي وزارة مستجده تضم سلطة الآثار، ولكن الاهم بالنسبة له أنها تهتم بمناطق التراث اليهودي في الضفة.
بعد توقيع الاتفاق بين "القوة اليهودية" و"الليكود"، صرح بن غفير بأن الاتفاق يمنحه القوة والصلاحية لفرض الحكم وإعادة الأمن. من جهة أخرى، فإن حزب سموتريتش الذي يوشك أن يوقع اتفاقًا مع "الليكود"، وبعد أن أسندت وزارة المالية لسموتريتش، فإنه يطالب بأن يلحق بها الإدارة المدنية، ليضمن أن يكون له نفوذ وسيطرة على مناطق (ج) في الضفة، وهو أمر مستغرب ومستهجن كثيرًا من قِبل المتابعين الإسرائيليين، حيث إن الإدارة المدنية التي تم إنشاؤها عام 1981 تعتبر الجهة المسؤولة عن إدارة حياة السكان في الضفة، وهي تابعة لوزارة الأمن، وتحديدًا لقائد المنطقة الوسطى باعتباره الحاكم المخول وباعتبار الضفة منطقة خارج السيادة الإسرائيلية، فضم الإدارة المدنية لوزارة المالية سيخلق تعارضًا مع الجيش، والمُهم بالنسبة للمتابعين أن إسرائيل بذلك كأنها تعترف بسيادتها على الضفة، وهو أمر طالما نفته الحكومات الإسرائيلية المُتعاقبة.
زعماء "الليكود" الذين يحاولون تقليل حجم مخاوف المراقبين يدّعون بأن نتنياهو سيكون هو صاحب القرار والمرجع، وبأن المؤسسات في إسرائيل لن تعمل وفق أهواء الأشخاص، لكن هذا مجرد محاولات غير مُقنعة لتقليل المخاوف، فنتنياهو وزعماء "الليكود" هم الوجه الآخر لبن غفير ولكن بلسان مختلف.
حكومة اليمين الكهاني ستشكّل تطورًا نوعيًا وغير مسبوق على مسار تصعيد العنصرية والاستيطان وتأجيج الصراع في الضفة وفي الـ 48، ممّا يفرض علينا كفلسطينيين أن نكون على مستوى التحدي، مقاومةً ووحدةً وخطابًا.