من المتوقع التصويت داخل الكونجرس على مشروع قانون تفويض الدفاع الوطني للسنة المالية 2023، الذي من شأنه أن يرفع مستويات الإنفاق العسكري الأمريكي بمقدار 8% بالمقارنة بميزانية الدفاع التي تم إنفاقها خلال السنة المالية 2022. وستبلغ قيمة الميزانية إذا تم تمريرها نحو 858 مليار دولار، بزيادة قدرها 45 مليار دولار عن اقتراح البيت الأبيض خلال ربيع عام 2022، وهي زيادة تهدف إلى مساعدة وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) على مواجهة التضخم الذي وصل إلى مستويات غير معهودة منذ أربعة عقود، فضلاً عن المساعدة على مواجهة النفقات الدفاعية المتزايدة من جانب الصين، ودعم بعض برامج وزارة الدفاع التي رغبت إدارة بايدن في إلغائها.
وبالرغم من وجود خلافات بين المشرعين حول الصيغة النهائية للتشريع – لا سيَّما أن هناك من يدعم استمرار تفويض اللقاح الذي يُعرض العسكريين للتسريح والمساءلة إذا رفضوا الحصول على اللقاح، وهناك آخرون يرفضون هذا التفويض في ظل وجود أزمة تجنيد بالجيش الأمريكي – فإن عدم التوصل لاتفاق نهائي بشأن هذا الأمر سيؤثر على التصويت على مشروع قانون تفويض الدفاع الوطني للسنة المالية 2023. وبشكل عام سيكون أمام الكونجرس، حتى يوم 16 ديسمبر 2022، خياران: إما تمرير الميزانية كاملة، أو تمديد الفترة الزمنية للنظر فيها والمخاطرة بحدوث إغلاق جزئي للحكومة.
دوافع الإنفاق
على الرغم من تراجع ميزانية الإنفاق الدفاعي خلال السنوات الأخيرة من فترة حكم الرئيس الأسبق باراك أوباما، مع وضع حد للإنفاق الدفاعي من جانب الكونجرس، وتراجع معدل الانتشار العسكري الأمريكي بالخارج؛ فإنها زادت بشكل كبير خلال السنوات الماضية، وتحديداً خلال فترة حكم الرئيس السابق دونالد ترامب، وما ساعد على ذلك عدم وجود حد أقصى للإنفاق الدفاعي؛ حيث زاد بنسبة 5,5% بين عامي 2017 و2018، و8,6% بين عامي 2018 و2019، و3,9% بين عامي 2020 و2021، و1,9% بين عامي 2021 و2022. وكانت هناك مجموعة من الأسباب التي دفعت لزيادة الإنفاق العسكري في السنة المالية 2023، ويمكن توضيح تلك الأسباب فيما يلي:
1– نقص المخزون الاستراتيجي للبنتاجون من الأسلحة: أفضى نقل أسلحة تصل قيمتها إلى 10 مليارات دولار من المخزون الاستراتيجي الأمريكي إلى كييف خلال الحرب الروسية الأوكرانية، في الأشهر العشرة الماضية، إلى فقدان جزء كبير من مخزون الأسلحة الاستراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية؛ ولذلك أصر المشرعون على زيادة الميزانية من أجل تعويض النقص في المخزون، والحفاظ على إمدادات السلاح إلى كييف وحلفاء الولايات المتحدة في أوروبا حتى نهاية عام 2024، خاصة أن الحرب الروسية–الأوكرانية لا زالت مستمرة.
2– السعي للحفاظ على الهيمنة الأمريكية في العالم: في ظل ارتفاع مستويات التضخم، ووجود مخاوف لدى الاقتصاديين من حدوث ركود خلال عام 2023، ترتفع معدلات الشعور بانعدام الأمان الاقتصادي داخل الولايات المتحدة، وبالخطر من حدوث أزمة اقتصادية تهدد مكانتها العالمية، وهو الأمر الذي يشجعها على زيادة الإنفاق على المخصصات العسكرية للحفاظ على صورتها العالمية، والترويج لقدرات الجيش الأمريكي، وتعزيز مستويات الردع لديها، وهو ما وصفه محللون صينيون بأنه مجرد إنفاق لا جدوى منه سيصب في النهاية في صالح مصانع الأسلحة والذخيرة بالولايات المتحدة.
3– الرغبة في مواجهة الصعود الصيني المتنامي: يتم تبرير زيادة مخصصات الإنفاق الدفاعي على أنها من وسائل مواجهة القوة الصينية المتصاعدة عالمياً، ومواجهة مخاطر الغزو العسكري الصيني لتايوان التي تتعهد الولايات المتحدة بالدفاع عنها، وتتعهد بتزويدها بالأسلحة التي تساعدها على التصدي للتهديدات الصينية المتنامية للجزيرة، وإشراكها في المناورات العسكرية المستقبلية، كما يتم تبرير الزيادات بأنها دعم للقدرات العسكرية الأمريكية للتصدي لأي خطر يهدد مرور حركة السفن والتجارة العالمية في منطقة بحر الصين الجنوبي، ويهدد حلفاءها داخل منطقة المحيطين الهندي والهادئ، بجانب التصدي للقدرات الصينية العسكرية المتنامية في مختلف أنواع القوة العسكرية، بما في ذلك الصواريخ فرط الصوتية.
4– التصدي للتهديدات العالمية المتصاعدة: هناك مجموعة أخرى من التهديدات المتباينة التي تدفع الولايات المتحدة الأمريكية إلى زيادة نفقاتها العسكرية، بما في ذلك التهديدات الناجمة عن كوريا الشمالية التي تستمر في تطوير واختبار ترسانتها النووية، مهددة حلفاء الولايات المتحدة داخل آسيا، ومهددة واشنطن نفسها، ومقوضة استقرار النظام الدولي، فضلاً عن تهديدات إيران التي تهدد حلفاء واشنطن داخل منطقة الشرق الأوسط، بجانب المخاوف من تحول أفغانستان إلى بؤرة جديدة لتصدير الإرهاب بعد الانسحاب الأمريكي الفوضوي منها في أغسطس 2021، وأيضاً الرغبة في مواجهة التهديدات الإرهابية العالمية المتنامية.
أوجه النفقات
من المتوقع أن مشروع قانون تفويض الدفاع الوطني للسنة المالية 2023 الذي سيصوت عليه الكونجرس خلال شهر ديسمبر الجاري، سيصب في اتجاهات معينة تخدم القوة العسكرية الأمريكية والحلفاء، ويمكن إيجاز ذلك فيما يلي:
1- دعم تطوير قدرات الردع النووي: سيتم تخصيص ميزانية مالية قدرها 25 مليون دولار للمساعدة على استمرار تطوير صواريخ كروز التي تُطلق من البحر والتي يمكن تحميلها برؤوس نووية، وتُعرف بـSLCM-N، وهو ما حاول البيت الأبيض إلغاءه بحجة القدرة على الاكتفاء بالغواصة الهجومية القادرة على تعزيز الردع الأمريكي، لكن المشرعين والنواب من الحزبين الديمقراطي والجمهوري عارضوا وجهة نظر الإدارة الأمريكية، ورأوا أن هناك ضرورة لتطوير الثالوث النووي الأمريكي، بما في ذلك برنامج صواريخ كروز الذي يوفر قدراً من الردع النووي أيضاً.
2– تدعيم الأسلحة بالجيش الأمريكي: ينص مشروع القانون على زيادة حجم الأسطول البحري الأمريكي من خلال تخصيص 32,6 مليار دولار أمريكي؛ / لمد الأسطول بنحو 11 سفينة قتالية جديدة، فضلاً عن زيادة في المخصصات المالية التي ستسمح بدعم عدد من “المروحيات الثقيلة (سي إتش -47) CH-47 وطائرات الهليكوبتر (يو إتش-60 بلاك هوك) UH-60 Blackhawk المتوسطة الحمولة والطائرة بدون طيار إم كيو-1 جراي إيجل MQ-1 Gray Eagle”، بجانب تحديث طائرات F-22.
كما خصص القانون 2,7 مليار دولار للسماح للجيش الأمريكي بشراء ذخائر جديدة، فضلاً عن مليار دولار لمضاعفة الاحتياطي الاستراتيجي الأمريكي من المعادن المهمة التي بدأت تنضب خلال السنوات الماضية، في خطوة من شأنها تقليل الواردات الصينية اللازمة لدعم الأسلحة الدفاعية الأمريكية، علاوة على تمويل بقيمة 19 مليار دولار لمجاراة تبعات التضخم وارتفاع أسعار الوقود والمشتريات العسكرية الأخرى ومواد البناء.
3– مساعدة الموظفين وزيادة رواتب العسكريين: ركز المشروع أيضاً على عامل آخر تمثل في دعم شؤون الموظفين، وزيادة رواتب الجنود بنحو 4,6%؛ أي ما يعادل 1300 دولار إضافية لصغار الجنود، و2500 دولار إضافية لكبار وصغار الضباط؛ فمن سيكون في رتبة قائد وتزيد فترة خدمته عن 12 عاماً سيحصل على 4500 دولار إضافية بدءاً من العام الجديد، وهي أكبر زيادة تحصل عليها القوات الأمريكية منذ 20 عاماً. ذلك بجانب مساعدة أسر العسكريين في حالة وجودهم في مناطق سكنية عالية التكلفة عبر تعويض ذلك في بدلات السكن، مع مراعاة وجود مخصصات للمكافآت التحفيزية لضمان الحفاظ على قدرة الجيش على التجنيد والتوظيف.
4– تقديم المزيد من الدعم العسكري لتايوان: تضم ميزانية الإنفاق الدفاعي قانونين من شأنهما أن يساعدا الإدارة الأمريكية على تعزيز إجراءات الردع داخل مضيق تايوان، بجانب تعزيز العلاقات الأمريكية–التايوانية، وتوجيه الدعوة لتايبيه للمشاركة في تدريب حافة المحيط الهادئ خلال عام 2024 وذلك من خلال قانوني “السلام والاستقرار في تايوان”، و”زمالة تايوان”. وإن كان البعض يصف هذين القانونين بأنهما مزعزعان لاستقرار تايوان أكثر من دعمهما لأمن وسلام تايبيه.
5– مواصلة منح المساعدات العسكرية لأوكرانيا: في ظل استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، ستستمر الالتزامات العسكرية الأمريكية تجاه كييف لمدها بالسلاح والذخيرة التي ستساعدها على صد الغزو العسكري الروسي المستمر ضد أراضيها، والذي من شأن استمراره أن يؤثر على أمن واستقرار القارة الأوروبية بأكملها؛ ولذلك يخصص القانون نحو 800 مليون دولار في شكل مساعدات عسكرية جديدة لكييف، بخلاف التزامات عسكرية أمريكية تجاه أوكرانيا بلغت قيمتها نحو 70 مليار دولار خلال عام 2022.
6– تعزيز أمن الحلفاء في منطقة الشرق الأوسط: اهتم مشروع قانون تفويض الدفاع الوطني للسنة المالية 2023 بمنطقة الشرق الأوسط، ومواجهة التحديات المختلفة الموجودة بها، ومعالجة أوجه قصور الإدارة الأمريكية تجاه المنطقة، بما في ذلك تشديد المراقبة على النشاط النووي لإيران، بجانب الأنشطة التي تنفذها أذرعها المسلحة داخل المنطقة والتي تهدد حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية وعلى رأسهم إسرائيل، من خلال تشكيل فريق عمل تحت قيادة وزارة الخارجية الأمريكية يختص برصد وكتابة تقارير دورية حول التطورات النووية بشأن الأسلحة النووية والقدرات الصاروخية، بجانب وجود بند في القانون ينص على بلورة استراتيجية تضمن تعزيز التعاون بين واشنطن وحلفائها في الشرق الأوسط لرفع درجة التعاون الدفاعي الجوي والصاروخي للتصدي لأنشطة طهران العسكرية.
هذا إلى جانب حظر استخدام أموال قانون الدفاع لنقل معتقلي جوانتانامو إلى دول منطقة الشرق الأوسط (ليبيا، وأفغانستان، والصومال، وسوريا، واليمن)، وإلغاء الشروط التقييدية لبيع طائرات مقاتلة من طراز إف 16 لتركيا، فضلاً عن تقديم الدعم العسكري للحلفاء داخل العراق وسوريا للتصدي لتنظيم داعش الإرهابي.
انتقادات متعددة
تم توجيه العديد من الانتقادات للزيادة في مشروع قانون تفويض الدفاع الوطني للسنة المالية، ويتمثل أبرزها فيما يلي:
1– اعتبار الزيادة “غير حقيقية” بسبب التضخم: يرى البعض أن تلك الزيادة لا تمثل زيادة حقيقية في النفقات العسكرية، بالنظر إلى ارتفاع مستويات التضخم في الولايات المتحدة، ووجود بعض الاتجاهات التي تدعم استمرار ارتفاعه على الرغم من توجه الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لرفع أسعار الفائدة لاحتواء التضخم، وخفض نسبته. لكن يفسر أصحاب تلك الرؤية وجهة نظرهم بأن وجود ملايين الوظائف الشاغرة ستساعد على استمرار رفع رواتب العمال لجلب العمالة الملائمة، فضلاً عن استمرار زيادة مستويات التضخم، وحدوث زيادة في الأسعار بما في ذلك زيادة أسعار الوقود، وهو ما يعني أن أسعار المواد ذات الصلة بالدفاع سترتفع هي الأخرى، وستجعل الزيادة التي تم وضعها غير حقيقية، وإنما هي مجرد تعويض عن فارق السعر.
2– التقليل من أهمية النفقات العسكرية مع مشاكل الاقتصاد: يرى العديد من المحللين الصينيين أن زيادة ميزانية الإنفاق الدفاعي الأمريكي ما هي إلا مجرد رغبة في استشعار الأمان، وهو سيكون شعوراً زائفاً بالنظر إلى الاضطرابات الاقتصادية التي لم تنجح الولايات المتحدة في معالجتها حتى الآن على حد وصفهم؛ ولهذا فإن زيادة قوة واشنطن العسكرية لن تحقق الأمان المطلوب لها ولمواطنيها.
وفي سياق آخر، ينظرون إلى النفقات التي سيتم تخصيصها لتايبيه على أنها دون جدوى؛ لأنه حتى لو تم إشراك تايبيه في المناورات العسكرية بالمحيط الهادئ لعام 2024، فإنها ستظل قوة عسكرية ضعيفة بالمقارنة بالولايات المتحدة وحلفائها، فضلاً عن الصين التي تعد المهدد الرئيسي لتايبيه. وكذلك تنظر بكين إلى أنها “صاحبة اليد العليا” في مسألة تايوان بالنظر إلى موقعها الجغرافي الذي يمنحها قدرة أكبر على التحرك والسيطرة، بجانب قدراتها، وإعلان الولايات المتحدة عن التزامها بمبدأ الصين الواحدة؛ لذلك فإن القوانين ذات الصلة بتايوان في قانون الإنفاق الدفاعي ما هي إلا تهديد لاستقرار الجزيرة.
3– تشكيك في قدرة واشنطن على تأمين الحلفاء: يرى البعض أن الزيادة في المخصصات الدفاعية لن تساعد الولايات المتحدة على الوفاء بالتزاماتها تجاه حلفائها داخل القارة الأوروبية، الذين هم إزاء أزمة حقيقية تتمثل في نقص في الوقود مع دخول فصل الشتاء وانخفاض درجات الحرارة، ووجود حاجة حقيقية لتدفئة المنازل، في ظل عدم حصولهم على الغاز من روسيا؛ هذا بجانب أن تلك الميزانية، على حد وصف البعض، لن تؤكد الفكرة التي ترغب الإدارة الأمريكية في ترسيخها حول أن “أمريكا عادت”، والتي تهدف إلى طمس فكرة ترامب “أمريكا أولاً”، خاصة أن واشنطن تقلل من وجودها العسكري الخارجي، وتركز على رفع قدرات الحلفاء بدلاً من أن تشتبك هي بشكل مباشر للتصدي لأي تهديد.
وختاماً، يمكن القول إن زيادة ميزانية الإنفاق الدفاعي الأمريكي تعد أمراً لا مفر منه، بالنظر إلى ارتفاع مستويات التضخم لدرجة غير مسبوقة. وبالرغم من آراء البعض حول عدم جدوى تلك الزيادات، فإنها بلا شك ستكون مفيدة في الحفاظ على استقرار بعض البرامج النووية، وتعزيز النفقات الخارجية لدعم كل من أوكرانيا في حربها ضد روسيا وتايوان، فضلاً عن السماح للجيش الأمريكي بتعويض مخزونه الاستراتيجي الذي فقد جزءاً كبيراّ منه خلال عام 2022.