انتهت عمليات الحرب التركيبية على الجمهورية الإسلامية التي انطلقت في منتصف أيلول الماضي، وتركت تأثيرات نفسية ومعرفية وسياسية وثقافية نتيجة الجهد الكبير الذي بذلته وسائل الإعلام المنخرطة في تلك الحرب لإدارة التصورات وتشكيل الانطباعات عن الوضع في الجمهورية الإسلامية.
ولأهمية هذه القضية، تضع الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين بين أيدي السادة الأعضاء عددًا من المقترحات للتعامل معها في الخطاب الإعلامي ضمن النقاط التالية:
أولا: التركيز على أن إيران دولة قوية وراسخة وتستطيع مواجهة العواصف والحملات العالمية الممولة بمليارات الدولارات لاختراقها وزعزعة أمنها والإخلال بنظامها، وأن المواجهة الحاصلة حالياً التي كشفت حجم التدخل الخارجي في الداخل، أثبتت مناعة هذا النظام وقدرته على الاحتواء والمواجهة.
ثانيًا. عدم الانجرار الى المواجهة المفتعلة لجهة تضخيم قضية الحجاب وشرطة الاخلاق ومحاولات تصويرها على انها قضية استراتيجية ومفصلية، بل هي قضية جزئية، وبالتالي العبور عنها بهدوء وروية.
ثالثًا. تأكيد أن المجتمع الإيراني متنوع وتعددي ثقافياً ومذهبياً وعرقياً ويحافظ على تماسكه في ظل الهجمة الدولية التركيبية ضده. وفي هذا السياق كتب الكاتب والباحث المتخصص في الشؤون الايرانية والإقليمية نجاح محمد علي على موقع الرأي اليوم (7 تشرين الثاني 2022) تحت عنوان: "إيران: معادلة الدين.. الفوضى والتقسيم":
في نظر الغرب الذي لا يعرف المجتمع الإيراني جيدًا، تبدو إيران كمجتمع مسلم ومجتمع ديني فيه قوميات يمكنها أن تنقسم يوماً. هذه الحقيقة برأي الغرب يمكن أن تجعل إيران تبدو مثل العراق وليبيا وسوريا. لكن هذه الصورة تم إنشاؤها بناءً على تفسير خاطئ لوجود الدين في إيران، وأيديولوجية النظام غير الطائفية وفي جغرافيا الشرق الأوسط. ويعتقد الداعون الى تغيير النظام في إيران أن المجتمع الإيراني شهد تحولًا سريعًا وجذريًا خلال المئة عام الماضية، وهو ليس نفس المجتمع الذي صنع ثورة 1979 بالحشود البشرية وبقيادة مرجعية دينية ثورية غير تقليدية.
في واقع الأمر، الجمهورية الإسلامية ليست مثل غيرها، فهي لا تمثل طائفة دينية معينة أو أسرة حاكمة. وهي ليست نظاماً تم إنشاؤه لدعم أصحاب رؤوس الأموال، ولغسل الأموال، والتغطية على مافيا العصابات، على الرغم من أن الدعاية الغربية تريدها أن تبدو وكأنها تحكم باسم الإسلام الشيعي كدولة طائفية أو فارسية لتأجيج الصراعات الدينية والعرقية. فالمجتمع الإيراني اليوم هو من أكثر المجتمعات قدرة على التعايش مع باقي الأديان والمذاهب، ويستوعب القوميات والأقليات ويدافع عن حقوقهم. يمكن لصحافي غربي منصف العيش في إيران أو زيارتها لفترة وجيزة أن يجعل هذه الحقيقة مرئية. (وهذا رابط المقال للاطلاع:
https://www.raialyoum.com/%D8%A7%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86-%D9%85%D8%B9%D8%A7%D8%AF%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%88%D8%B6%D9%89-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%82%D8%B3%D9%8A%D9%85/
رابعًا. الإشارة إلى أن الفئة التي تعارض الالتزام ببعض الأحكام الإسلامية ليست ضد النظام أو ضد التدين، إنما هناك شرائح فرعية في هذه الفئة ودرجات متفاوتة، مثل كل المجتمعات الإسلامية. فالمجتمع الإيراني هو في الأصل مجتمع محافظ وملتزم ولديه تقاليد وأخلاقيات تمتد جذورها في التاريخ، والحجاب والحشمة هي جزء من الثقافة والحضارة الإيرانيتين.؛ إذ تعكس نتائج استطلاع أجري بعنوان "مواقف الإيرانيين من الدين" في الفترة من 6 إلى 21 حزيران (يونيو) 2020، لصالح معارضين للجمهورية الاسلامية، وشمل أكثر من 50 ألف مستجيب، يعيش حوالي 90 في المئة منهم في إيران، أن الدين يلعب دورًا كبيراً في حياة الإيرانيين. واهتم الاستطلاع بآراء الإيرانيين المتعلمين الذين تزيد أعمارهم عن 19 عامًا الذين يشكلون 85 في المئة من السكان البالغين في إيران. ويمكن تعميم النتائج على باقي السكان بمستوى مصداقية 95 في المئة وفترات مصداقية 5 في المئة. كان الاستطلاع يهدف إلى قياس مواقف الإيرانيين وتوثيقها تجاه الدين والمفاهيم السياسية ذات الصلة.
خامسًا. تأكيد التصنيف الواضح للشرائح المعترضة على الالتزام، وتبيين تنوعها وتفاوتها واختلافها في موقفها من الإسلام ككل والأحكام الشرعية والنظام الإسلامي والموقف من الهيمنة الغربية.
سادسًا. الإلفات إلى أن الإعلام الذي يدير الحرب التركيبية على الجمهورية الإسلامية يحاول تظهير الفئات المتنوعة والشرائح المختلفة على أنها موحدة ضد الإسلام والنظام، وبالتالي ضرورة تظهير هذه الفئات بانها متفرقة وتمتلك اجندات مختلفة، انفصالية، إرهابية، مرتزقة، استخبارية، شعبوية، اقتصادية (والسبب الرئيس العقوبات الغربية)، وغيرها..
سابعًا. تأكيد فشل التدخل في تغيير الموقف الإيراني الملتزم تجاه الإسلام وقضايا المسلمين والمستضعفين، وأن عدم قدرة مشروع الحرب التركيبية على حشد الجماهير في الشارع هو علامة على خواء المشروع وتضخيمه إعلامياً.
ثامنًا. تبيين أن التحركات الاحتجاجية وحتى أعمال الشغب، لم تكن لمطالبة الدولة بتأمين أمور معيشية من خدمات عامة كالكهرباء أو الماء أو الحق في التعليم، وصولاً إلى أكثر وأكبر الطموحات، لأن جميع حقوق المواطنين مؤمنة ومتوفرة منذ سنوات.
تاسعًا. التذكير بسياسة النظام في التسامح مع النساء في لبس الحجاب وفي عناوين شرعية مختلفة، وانحسار دور شرطة الاخلاق لسنوات عدة كنوع من الاحتواء للهجوم التغريبي العدواني على المجتمع الإيراني. التأكيد على أن النظام اعتمد الواقعية والمرونة في التعامل مع الهجوم، وكذلك في التعامل مع الفئة المعترضة على الالتزام الشرعي باللباس، وعدم التعامل معها على أنها شريحة واحدة تعادي النظام أو التدين.
عاشرًا. تأكيد أن الحرب التركيبية ارتكزت في شقها الثقافي على تضخيم حالة الإلزام وتظهير الفئة الرافضة للحجاب على أنها فئة مضطهدة، وذلك لأهداف سياسية تستغل التنوع الداخلي الاجتماعي لإثارة النزاعات.
حادي عشر. تأكيد أن الجزء الأكبر من الدعاية التي تشنها الجهات التي تدير الحرب التركيبية على الجمهورية الإسلامية يقوم على بناء الأكاذيب وفبركة الوقائع. وفي هذا السياق نشر موقع "الخنادق" قراءة للسرديات التي اعتمدتها تلك الدعاية، مفنّدًا إياها تحت عنوان: "أحداث إيران.. الرواية الكاملة":
عملت وسائل الإعلام العربية والغربية المناهضة للثورة الإسلامية في إيران في حادثة وفاة الشابة مهسا أميني بهدف شيطنة النظام الإيراني والتقليل من قيمته على المدى الطويل، وللضغط على الإيرانيين بسبب فرض شروطهم في الاتفاق النووي، وهو ما تبين من خلال الرسائل الإعلامية التي تمّ تداولها في حفلة الجنون والقصف الإعلامي غير المسبوق على إيران.
كانت لافتة كل أشكال الضخ المعلوماتي من حوالي 2600 شبكة تلفزيونية 200 منها ناطقة باللغة الفارسية تبث من أمريكا وأوروبا، بالإضافة إلى حسابات المؤثرين المعارضين على مواقع التواصل. قدمت تغطيات مضخمة وتحقيقات إلى تحليلات ومقابلات مع الشخصيات المعارضة، بالإضافة إلى نشاط اليوتيوبرز المشهورين، لضخ كل ما يمكن من تبريرات لجعل الناس مقتنعين بعدم جدوى النظام الإيراني حتى بعدما تمّ تجميد شرطة الأخلاق. والملاحظ أن الرسائل التي يتم بثها لا تراعي المهنية وانتهكت مصداقية أكثر المؤسسات الإعلامية الغربية عراقةً بشكل فادح، وكان يمكن تكذيبها بدون أي جهود تذكر، إلا أن أياً من تلك المعايير لم تكن مهمة، فالهدف هو جعل المحتجين يستمرون في الاحتجاجات والغاية تبرر الوسيلة. (وهذا رابط المقال للاطلاع: https://alkhanadeq.com/post.php?id=4285)
ثاني عشر. تأكيد ان المشكلة ليست في القانون أو في الفتاوى الشرعية أو في شرطة الأخلاق، بل إن بؤرة الأزمة تنبع من التدخل الدولي الإعلامي والأمني والاقتصادي لتطويع النظام الإسلامي في الجمهورية وإخضاعه.
ثالث عشر. تأكيد أن شرطة الإرشاد (التي يتم تسميتها حالياً بشرطة الأخلاق عن طريق الخطأ) لم تكن فاعلة بالشكل الذي يتم تصويره، وأن تجميد عملها هو مجرد إعلان عن واقع جاري في السنوات السابقة. والتذكير بأن شرطة الأخلاق أو الآداب او مهما اختلفت تسمياتها موجودة في كثير من الدول الإسلامية (مصر، لبنان، تونس، و...) وتقوم بدور اجتماعي وتربوي لحماية المجتمع من آفات التغريب والانحراف الذي تروج له الولايات المتحدة الأميركية.
رابع عشر. التنبيه على حجم الهجوم الدولي الهادف إلى تغيير الاتجاهات الثقافية لدى المجتمع الإيراني ونمط الحياة لدى المواطنين في الجمهورية الإسلامية، وتأكيد أن صمود النظام في وجه هذه الهجمة الهائلة هو بحد ذاته إنجاز ناتج عن الجهود المتواصلة والشاملة التي تبذلها المؤسسات والشعب والعلماء؛ وبالتالي فإن ما حصل في الجمهورية الإسلامية ليس تحولاً ثقافياً اجتماعياً بالمعنى الفعلي، ولا تحولًا استراتيجيًا كما يسعى الاعلام المعادي لتصويره، ولكنه تظهير لواقع تلك الفئة المعترضة والمصنفة ثقافياً على درجات متفاوتة.
خامس عشر. الالتفات إلى أن النظام سيعتمد سياسة المرونة والجذب والاستقطاب لاستعادة من التحق بالفئة المعترضة وتضييق نطاق الاختراق الغربي دون الاصطدام بالشرائح المتفاوتة والمختلفة من تلك الفئة، فالتغيير يطال الأساليب بحسب الفئات المستهدفة بالهداية والإرشاد، وليس تغيير الأهداف واتجاهات السعي، والجهد، والقيم الأساسية، والمبدئية.
سادس عشر. تأكيد استفادة الهجوم الدولي من التطور التكنولوجي والأزمة الاقتصادية والموجة الليبرالية العالمية للضغط لأجل السماح للفئة المعترضة بالإعلان عن موقفها، وتضخيم وجودها وحضورها ولو بالصورة امام وسائل الاعلام.
سابع عشر. تأكيد أن النظام الإسلامي في إيران يختلف تمام الاختلاف عن أنظمة الحكم المتطرفة لناحية التشدد في تطبيق الدين والإلزام القهري، ويختلف عن نظام السعودية الذي اتخذ قرارات بتحويل المجتمع المتشدد إلى مجتمع فاسد ومنحل أخلاقياً ، والهدف هو تمكين محمد بن سلمان من الحكم بدعم غربي لا أكثر، في حين تواجه الجمهورية الإسلامية اختراقاً غربياً بمرونة الإسلام وحكمته وبسماحته في التعاطي مع الانسان من كيونيته الإنسانية وليس الجندرية السائدة في الغرب ومعظم دول المنطقة، لاسيما الخليجية بينها السعودية التي احتجز ت المدافعة عن حقوق الإنسان لجين الهذلول لمجرد مشاركتها في 27 شباط/ فبراير 2018، في اجتماع عام في جنيف أطلعت خلاله أعضاء اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة على حالة حقوق الإنسان للمرأة في المملكة العربية السعودية. وشكلت إحاطتها الإعلامية تلك جزءًا من استعراض اللجنة تنفيذ المملكة العربية السعودية اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة. وفي 15 أيّار/ مايو 2018، أي بعد بضعة أسابيع على الاجتماع المذكور، اعتُقلت لجين الهذلول في المملكة العربية السعودية لأسباب تتعلق بالأمن القومي. وتشير التهم الموجّهة إليها إلى أنّ اعتقالها استند جزئيًا إلى تواصلها مع اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة. (بيان نائبة المفوض السامي بشأن الصحافة وحرية التعبير: المملكة العربيّة السعودية: لجنة الأمم المتّحدة المعنية بحقوق المرأة تحثّ السلطات المعنيّة على إطلاق سراح لجين الهذلول، 28 شباط/فبراير 2020).