تم إطلاق مبادرة مشتركة بين كل من معهد السلام الدولي ومعهد الاقتصاد والسلام، والتي طُرح من خلالها مؤشر جديد لتقييم حالة النظام متعدد الأطراف، وهو يعني التنسيق بين ثلاث دول أو أكثر لمواجهة قضايا عالمية محددة. ويعد هذا المؤشر–في نسخته التجريبية التي صدرت في سبتمبر 2022– أول محاولة معروفة للتقييم الكمي لحالة تعددية الأطراف، كما يعتمد على الأبحاث السابقة التي أجراها معهد السلام الدولي في هذا المجال خلال العقد الماضي، خاصة في الفترة بين عامي 2014 و2016.
وتكمن أهمية هذا المؤشر في أن النظام متعدد الأطراف يُعبِّر عن حالة التعاون الدولي، والتي تجلَّت في منظمة الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية في العالم. وقد تعرض هذا التعاون إلى تحديات كبيرة خلال العقد الأخير، في ظل صعود القوميات واتجاه بعض الدول إلى العزلة وتقييد الاعتماد المتبادل، وهو ما برز إبان جائحة كورونا والأزمة الاقتصادية العالمية إثر الحرب الروسية – الأوكرانية، فضلاً عن تصاعد المنافسة الجيوسياسية والاقتصادية بين القوى الكبرى في النظام الدولي.
ويسعى المؤشر إلى فهم أفضل للنظام متعدد الأطراف، حيث يقارن بين حالة هذا النظام في الفترة بين 2010 و2020؛ وذلك بهدف توفير أساس لتتبع التحولات التي طرأت على التعاون الدولي وإحاطة صانعي القرار بشأن مستقبل تعددية الأطراف في مجالات وقضايا أساسية ذات اهتمام عالمي، وهي: السلام والأمن، وحقوق الإنسان، والبيئة، والصحة العامة، والتجارة، وذلك عبر قياسها كمياً من خلال ثلاثة أبعاد هي: المشاركة (أي مدى انخراط الدول في التعاون والاتفاقات حول هذه القضايا)، والأداء (مدى فاعلية هذا التعاون)، والشمولية، أي مدى المساواة بين الجنسين في تعددية الأطراف. في هذا الإطار، يعرض هذا التقرير بعض النتائج الأساسية التي طرحها المؤشر لتقييم حالة النظام متعدد الأطراف في العالم.
نتائج أساسية للمؤشر:
1. مجال السلام والأمن: وفقاً للمؤشر، فقد تباطأت خلال العقد الماضي مستويات مشاركة الدول في التصديق على معاهدات نزع السلاح في العالم، كما أن عدد حالات استخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن في العقد الماضي كانت أعلى مما كانت عليه في التسعينيات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين مجتمعين. أما بالنسبة لقرارات مجلس الأمن، فمع نهاية الحرب الباردة، استطاع مجلس الأمن الاتفاق على القرارات بسهولة أكبر، وبدأ في تمرير من 50 إلى 93 قراراً في السنة بشكلٍ منتظم، ولكن معدل الاتفاق على القرارات انخفض في العقد الماضي.
كما شهد العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين زيادة كبيرة في وفيات المعارك السنوية، والتي بلغت ذروتها بأكثر من 100 ألف خلال ذروة الحرب الأهلية السورية، كما أنه مع ارتفاع عدد النزاعات القائمة على أساس الدولة خلال العقد الماضي، انخفض عدد البلدان التي تعيش في سلام في عام 2020 إلى أدنى مستوى له منذ عام 1975.
على الجانب الآخر، ارتفع عدد العمليات النشطة متعددة الأطراف لحظر الأسلحة من 29 في العام 2010 إلى أعلى مستوى له على الإطلاق وهو 39، قبل أن ينخفض إلى 35 في عام 2020. فيما حققت اتفاقيات السلام الموقعة نسبة نجاح بلغت حوالي 36٪ بين عامي 1990 و2005، بينما حققت الاتفاقيات الشبيهة نسبة نجاح بلغت حوالي 18٪ بين عامي 2005 و2020. كذلك، تحسن السلام الإيجابي حول العالم بشكلٍ طفيف خلال العقد الماضي من 3.00 في عام 2010 إلى 2.91 في عام 2020، حيث يمثل 1 أفضل مستوى ممكن، ويمثل 5 أسوأ مستوى ممكن، ويرصد أيضاً المؤشر في سياق قياسه للشمولية في مجال الأمن والسلام، حالة المساواة بين الجنسين في إدارة عمليات السلام التابعة للأمم المتحدة، إذ يشير إلى أنه كان هناك 32% من الموظفين من النساء في عام 2005، بينما بلغت هذه النسبة 39% في عام 2020.
2. مجال حقوق الإنسان: خلص تقييم مؤشر حالة النظام متعدد الأطراف عند تقييم المشاركة في هذا المجال إلى تباطؤ وتيرة التصديقات على معاهدات حقوق الإنسان الأساسية بشكلٍ ملحوظ منذ التسعينيات، حيث كانت هناك ستة تصديقات جديدة فقط في عام 2020. مع ذلك يشير المؤشر إلى المساهمات الطوعية الإجمالية من الدول زادت إلى المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة بنسبة 68% على مدى الـ 12عاماً الماضية، بينما انخفض في الفترة ذاتها العدد الإجمالي للدول المانحة للمفوضية السامية لحقوق الإنسان من 82 إلى 61 دولة. كذلك أصدرت 127 دولة عضو في الأمم المتحدة دعوات لخبراء حقوقيين مستقلين لتقييم وضع حقوق الإنسان على المستوى الوطني في عام 2020.
وبالنسبة لقياس الأداء، فقد تراجع متوسط درجات حقوق الإنسان في مقياس الإرهاب السياسي (PTS) بشكلٍ طفيف خلال العقود الماضية، كما حصل أعضاء مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في المتوسط على درجات أسوأ في مجال حقوق الإنسان من غير الأعضاء. أما قياس الشمولية، فقد أظهر المؤشر تضاعف عدد مراقبي المنظمات غير الحكومية منذ إنشاء مجلس حقوق الإنسان في عام 2006، قبل أن تتسبب جائحة «كوفيد-19» في تعطيل مستويات الحضور.
3. مجال البيئة والمناخ: على مستوى المشاركة في التعاون بين الأطراف في هذه القضية، فقد انخفض الالتزام العالمي بمعاهدات العمل المناخي بشكلٍ طفيف خلال العقدين الماضيين، كما بلغ إجمالي تمويل برنامج الأمم المتحدة للبيئة ذروته عند 89 مليون دولار في عام 2008 إلا أنه انخفض إلى 74 مليون دولار في عام 2020. وبلغ عدد الدول المانحة لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة ذروته عند 125 في عام 2003، قبل أن ينخفض إلى 81 في عام 2020. في الوقت ذاته، لا تزال سياسات العمل المناخي للدول السبع الصناعية التي لديها أعلى انبعاثات لثاني أكسيد الكربون غير كافية إلى حدٍ كبير لتحقيق هدف اتفاقية باريس باحتواء الاحترار العالمي لأقل من 1.5 درجة مئوية.
كذلك، وصل صافي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية إلى أعلى مستوى له على الإطلاق في عام 2019، قبل أن ينخفض بشكلٍ طفيف في عام 2020 بسبب جائحة «كوفيد-19». ويلخص المتوسط العالمي لمستويات المرونة البيئية قابلية البلد للتأثر بتغير المناخ والتحديات العالمية الأخرى، بالإضافة إلى استعدادها لتحسين المرونة، وكانت المكاسب العالمية في هذا الصدد ضئيلة منذ عام 1995.
بالنسبة للمساواة بين الجنسين في برنامج الأمم المتحدة للبيئة، يشير المؤشر إلى أن 36% فقط من موظفي برنامج الأمم المتحدة للبيئة كانوا من النساء في عام 2005، إلا أنه بحلول عام 2020 زادت هذه النسبة إلى أكثر من 50%، كذلك منح برنامج الأمم المتحدة للبيئة صفة مراقب لعدد متزايد من المنظمات غير الحكومية والخاصة التي تتقدم بطلب للحصول على الاعتماد، وتمتعت أكثر من 620 منظمة غير حكومية وخاصة بصفة مراقب في ديسمبر 2020.
4. مجال الصحة العامة: بالنسبة للمشاركة، فقد أشار مؤشر تعددية الأطراف إلى أنه تم التصديق على دستور منظمة الصحة العالمية من قِبَل جميع الدول تقريباً، لكن مستوى التصديق على الاتفاقيات الصحية اللاحقة كان أقل. أما الأداء، ففي عام 2010، قَّدمت 118 دولة تقارير التقييم الذاتي للوائح الصحية الدولية، وبحلول عام 2020 ارتفع هذا العدد إلى 172. كما قام جميع أعضاء منظمة الصحة العالمية بسداد مدفوعات المنظمة بانتظام منذ ميزانية 2010-2011. وفي معظم دورات الميزانية، قدَّمت غالبية الدول مساهمات طوعية للمنظمة. وتضاعفت إيرادات منظمة الصحة العالمية من الدول المانحة خلال العقد الماضي، من 1.25 مليار دولار في عام 2010 إلى 2.50 مليار دولار في عام 2020.
في الوقت ذاته، يشير المؤشر إلى أن متوسط عمر الشخص في العالم ارتفع من 52.6 عام في عام 1960، إلى 72.7 عام اليوم، كذلك ارتفعت نسبة الولادات التي تمت تحت إشراف أطقم مدربة من 70% إلى 80% بين عامي 2010 و2018. وبعد بلوغ تطعيمات الرضع والأطفال الذروة عند تغطية 86% من 2016 إلى 2019، انخفض معدل التطعيم إلى 83% في عام 2020. إلا أن احتمال الوفاة بسبب الأمراض غير السارية انخفض بشكل مضطرد خلال العقدين الماضيين، حيث تراجع من 24% في عام 2000 إلى 19% في عام 2019.
بالنسبة لعدد المانحين من غير الدول لمنظمة الصحة العالمية، فقد كان هناك 292 جهة مانحة من غير الدول في ميزانية 2010-2011، بينما كان هناك 215 جهة مانحة فقط في ميزانية 2020-2021، كما زاد التمويل غير الحكومي لمنظمة الصحة العالمية من 663 مليون دولار إلى 1.63 مليار دولار بين عامي 2010 و2020.
5. مجال التجارة: تأسست منظمة التجارة العالمية (WTO) في عام 1995 لتحل محل الاتفاقية العامة للتعريفات الجمركية والتجارة (الجات)، وقد ارتفع مستوى العضوية في المنظمة تدريجياً. أما تمويل الدول لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد)، فقد بلغ مجموع المساهمات ذروته في عام 2011 عند 29.6 مليون دولار، كما وصل عدد البلدان المانحة للأونكتاد في عام 2009 عند 87 دولة، وانخفض إلى 77 في عام 2018. وتجاوزت اتفاقيات التجارة الثنائية بحلول عام 2003 نظيرتها من الاتفاقيات متعددة الأطراف باعتبارها النوع الأكثر شيوعاً لاتفاقيات التجارة الحرة.
على صعيد الأداء، تراجعت نسبة تدابير تيسير التجارة بشكلٍ قياسي إلى 22% في عام 2019، مع 449 سياسة جديدة لتسهيل التجارة مقارنة بـ 1639 سياسة جديدة تعوق التجارة. كما تراجع أيضاً متوسط معدل الرسوم التجارية العالمي حتى وصل إلى أقل من 2% في عام 2017. وانخفض عدد طلبات الاستشارة التي تنشأ عن أنشطة تسوية المنازعات إلى أدنى مستوى على الإطلاق في عام 2020. وأخيراً، فعلى مستوى الشمولية في مجال التجارة، شكَّلت النساء بشكلٍ ثابت ما يزيد قليلاً عن نصف موظفي منظمة التجارة العالمية على مدى العقدين الماضيين.