• اخر تحديث : 2024-11-23 11:50
news-details
تقدير موقف

دوافع الاهتمام الإسرائيلي بالانفتاح على دول آسيا الوسطى


كشفت وزارة الخارجية الإسرائيلية يوم 22 ديسمبر 2022 عن استقبالها وفدين من دول آسيا الوسطى للتداول في مكافحة الجريمة والإرهاب وتعزيز العلاقات معها؛ زارها الأول مطلع ديسمبر 2022 وكان وفداً شبابياً ضم 30 شخصاً (دون الـ30 عاماً)، والثاني زارها منتصف الشهر وضم 25 من كبار المسؤولين؛ أبرزهم نائب وزير الداخلية التركماني. وقد عقد أعضاء الوفدين اجتماعات في مقر وزارة الخارجية وقاموا بزيارة القيادة الجنوبية للجيش الإسرائيلي وزيارة المسجد الأقصى. وتعد هذه المرة هي الأولى التي تعلن فيها إسرائيل عن استقبال وفود شبابية من دول آسيا الوسطى المحاذية لإيران؛ ما يضفي أبعاداً متعددة لتطوير التعاون بين الطرفين.

علاقات متعددة

تنبع أهمية منطقة آسيا الوسطى بالنسبة لإسرائيل من عدة عوامل استراتيجية واقتصادية، وقد اهتمت إسرائيل مبكراً بتطوير علاقاتها مع دول آسيا الوسطى الخمس ذات الأغلبية المسلمة (كازاخستان وأوزبكستان وتركمانستان وطاجيكستان وقرغيزستان)؛ حيث كانت من أوائل الدول التي اعترفت باستقلالها عام 1992 بعد تفكك الاتحاد السوفييتي السابق، وشهد العقد الأخير تطوراً كبيراً بالتعاون بين الطرفين؛ ما أدى إلى الارتقاء بالعلاقات إلى مستوى استراتيجي جديد كانت أبرز أبعاده كما يلي:

1- الانفتاح السياسي بين إسرائيل وآسيا الوسطى: ركزت إسرائيل انفتاحها السياسي على دولتي كازاخستان وأوزبكستان نظراً لأهميتهما بآسيا الوسطى، وتحتفظ فيهما بأكبر سفارتين لها في المنطقة. وقد كانت أوزبكستان منفتحة بشكل مماثل على إسرائيل، وسعت لتعزيز التعاون معها لمواجهة تمدد “الإسلام الأصولي” في دولة أفغانستان المجاورة لها، وقام الرئيس الأوزبكي السابق “إسلام كريموف” بزيارة إسرائيل عام 1988، ثم بعد نيل استقلال بلاده في أكتوبر 1992، ليصبح أول رئيس بدول المنطقة يزور تل أبيب. وتم الاتفاق على تطوير التعاون بين الدولتين بشتى المجالات، لا سيما الزراعة والري؛ حيث تعاني أوزبكستان من نقص المياه والتصحر.

ثم قام رئيس كازاخستان السابق “نور سلطان نزارباييف” بزيارة إسرائيل في فبراير 1993، وتم الاتفاق على إقامة علاقات وثيقة بين الدولتين. وفي عام 1999 تم الإعلان عن “توأمة” بين بلديتي تل أبيب وألماتي، وبين مدينة أشدود ومنطقة “مانجستو” في كازاخستان. وفي عام 1994 قام نائب رئيس الوزراء التركماني حينها بأول زيارة رسمية لتل أبيب، وقام رئيس قرغيزستان آنذاك “عسكر أكايف” بزيارتها في يناير 1993 بعد تبادل افتتاح السفارات بين بشكيك وتل أبيب.

في المقابل حرصت إسرائيل على إرسال الوفود السياسية والاقتصادية لدول آسيا الوسطى باستمرار، وشاركت في بعض القمم والمؤتمرات التي عقدت بين دول المنطقة؛ حيث حضر “شمعون بيريس” النائب الأول لرئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك قمة دول آسيا الوسطى في كازاخستان عام 2006.

2- تعزيز التعاون الاقتصادي: تعود ملامح التعاون الاقتصادي بين إسرائيل ودول آسيا الوسطى إلى عقد التسعينيات من القرن الماضي، وخاصة مع استضافة العاصمة الأوزبكية طشقند في مارس 1992 أول مؤتمر اقتصادي مشترك بين إسرائيل ودول آسيا الوسطى؛ لبحث الاحتياجات الاقتصادية لتلك الدول بعد الاستقلال، وهو ما استغلته تل أبيب لتعزيز حضورها الاقتصادي بالمنطقة، من خلال تقديم المساعدات الاقتصادية ونقل تجربتها التنموية للمنطقة.

لقد استغلت إسرائيل هذا المؤتمر في تعزيز تعاونها الاقتصادي مع دول آسيا الوسطى؛ فقد أنشأت تل أبيب غرفة للتجارة والصناعة خاصة بالعلاقات مع دول آسيا الوسطى، وبنكاً للمعلومات الاقتصادية عنها، ومنحت رجال الأعمال حوافز لضخ استثماراتهم بتلك الدول؛ منها وضع إعفاءات جمركية، ومنع الازدواج الضريبي، وركزت استثماراتها في قطاعات استراتيجية كالطاقة والمعادن والزراعة والبنوك والأنظمة المالية، وتم إشراك خبراء إسرائيليين في تنفيذ تلك المشاريع.

وفي هذا الإطار، سمحت أوزبكستان في فبراير 2018 للإسرائيليين بزيارتها دون تأشيرة، وعقد العام الحالي أول اجتماع للجنة الحكومية الدولية بين الطرفين، ومن المقرر افتتاح غرفة التجارة الإسرائيلية الأوزبكية قريباً. ويبلغ حجم التجارة السنوي بين الدولتين نحو 50 مليون دولار تقريباً.

وبحسب بعض التقديرات، تستورد إسرائيل 25% من احتياجاتها النفطية من كازاخستان. وفي ديسمبر 2021 سجلت 93 شركة إسرائيلية في كازاخستان، وبلغ حجم التجارة بين الدولتين عام 2021 (264.4) مليون دولار. وفي يوليو 2022 عقدت اللجنة الحكومية المشتركة اجتماعها السنوي.

3- التوسع في التعاون في المجال النووي: نجحت شركة “سابيتون ليمتد” الإسرائيلية عام 2002 في شراء مجمع “تسيليفا للتعدين والكيمياء” في كازاخستان الذي يعد من أكبر مجمعات معالجة “اليورانيوم الخام” في العالم؛ حيث يعالج (130–150 طن يورانيوم) كل شهر؛ وذلك مقابل (2,7) مليون دولار تقريباً، وهو ما وصف آنذاك بأنه (أقل بكثير من قيمة المجمع)؛ ما أثار التساؤلات حول الصفقة التي شملت سيطرة تل أبيب على مناجم اليورانيوم الخام التابعة للمجمع. وبالطبع فإن هذه الصفقة توفر لإسرائيل كافة احتياجاتها من اليورانيوم الخام، كما ستمكنها من التحكم فيه ومنع بيعه لأي دولة أخرى مثل (إيران).

4- دعم التعاون الأمني والاستخباراتي: بعد سيطرة التنظيمات الإرهابية على أفغانستان واندلاع الحرب الأهلية بطاجيكستان في عام 1992، خشيت دول آسيا الوسطى المجاورة لهما من انتقال عناصر التنظيمات الإرهابية إليها، فتم عقد اتفاق بين إسرائيل وأوزبكستان لتدريب كوادر أجهزة المخابرات الأوزبكية على أساليب مكافحة الإرهاب، وأرسلت تل أبيب خبراء عسكريين إلى قيرغيزستان للمساعدة في إنشاء وتدريب قوة تدخل سريع لمحاربة الحركات الإسلامية.

من جهة أخرى، أبرمت شركة “بيت ألفا” الإسرائيلية عام 2006 اتفاقاً مع وزارة الأمن الداخلي الكازاخية بمليون دولار، مقابل تزويدها بـ17 آلة لتفكيك الألغام. وكشفت وسائل إعلام إسرائيلية مؤخراً عن أن كازاخستان اشترت برنامج (NSO) الإسرائيلي الخاص بالتجسس لاستخدامه في التجسس على معارضي النظام الحاكم، كما أعلنت شركتان إسرائيليتان ( Verint Systems ، Nice – ) بيع أنظمة المراقبة لوكالات الأمن بكازاخستان وبعض دول آسيا الوسطى، وخلال احتجاجات يناير 2021 بمدينة ألماتي بكازاخستان أعلنت تل أبيب عن مقتل مواطن لها؛ ما أثار التساؤلات حول وجود دور أمني مخابراتي إسرائيلي في تلك الاحتجاجات.

5- الأهمية المركزية للعلاقات العسكرية: خلال التسعينيات من القرن الماضي ساهمت الشركات الإسرائيلية المتخصصة بالصناعات الجوية بعقد صفقات تسليح مع كازاخستان وأوزبكستان لإصلاح طائرات (الميج، والسوخوي، والدبابات طراز تي) الروسية الصنع، وقد بلغ إجمالي هذه الصفقات أكثر من 15 مليار دولار خلال الفترة من (2000 – 2010)، كما وقَّعت إسرائيل وكازاخستان اتفاقية دفاع عام 2014 لم يتم الكشف عن تفاصيلها مطلقاً. وفي مايو 2021 بدأت كازاخستان تنتج طائرات مسيرة بترخيص من شركة Elbit Systems)   ) الإسرائيلية، كما اشترت صواريخ دقيقة وأجهزة رادار إسرائيلية من الشركة نفسها.

دوافع جيوستراتيجية

تبنت إسرائيل تطبيق “استراتيجية تحالف الأطراف” في تعاملها مع منطقة آسيا الوسطى التي تعتمد على “منع السياسات المعادية لإسرائيل من خلال بناء تحالفات مع دول غير عربية قريبة من محيطها الإقليمي”. وبناءً عليه حققت إسرائيل عدداً من مصالحها الاستراتيجية وما زالت تعمل على تنفيذ كافة دوافعها ومنها:

1- الولوج إلى الموارد الاقتصادية التعدينية: تتمتع دول آسيا الوسطى بثروات وموارد طبيعية متنوعة وهائلة تمثل “مصادر طاقة للمستقبل”؛ فكازاخستان تملك أكبر مخزون عالمي من اليورانيوم فضلاً عن باقي المعادن الاستراتيجية (الذهب، الفضة). ويبلغ المخزون النفطي لكازاخستان نحو 10 مليارات برميل وتريليوني قدم3 من الغاز الطبيعي. وتتميز تركمانستان بأنها تمتلك سادس مخزون عالمي من الغاز الطبيعي. وتمتلك طاجيكستان أكبر مخزون من معدن (الأنتيمون) الذي يدخل بصناعة الطائرات.

هذه المصادر الهائلة توفر موارد مالية كبيرة لدول المنطقة؛ ما يمثل سوقاً مفتوحة للمنتجات العسكرية والاقتصادية الإسرائيلية، كما تسعى الأخيرة لتصبح “معبراً” لنقل النفط والغاز من آسيا الوسطى إلى الدول الأوروبية من خلال مد خط نقل من أذربيجان إلى ميناء “جيهان” التركي ثم إلى ميناء “عسقلان” الإسرائيلي.

2- استقبال الجاليات اليهودية من آسيا الوسطى: يقدر عدد اليهود الموجودين في دول آسيا الوسطى بنحو 12% من إجمالي اليهود بدول الاتحاد السوفييتي السابق ككل، وهي نسبة كبيرة تتركز في خمس دول؛ ولذا اهتمت تل أبيب بتهجيرهم إلى إسرائيل من خلال أجهزتها المختلفة. ونتيجة لتصاعد التأثير اليهودي بمجتمعات آسيا الوسطى، تم إنشاء “المؤتمر اليهودي” في كازاخستان في ديسمبر 1999 لمتابعة أوضاعهم.

كما تم افتتاح فروع لبعض المؤسسات المسؤولة عن ربط الجاليات اليهودية في دول آسيا الوسطى بإسرائيل؛ وذلك على غرار فرع الوكالة اليهودية “سحتوت” في طشقند، وكذلك المركز الثقافي الإسرائيلي في طشقند. وجدير بالذكر أنه بعد تزايد النشاط الإسرائيلي في آسيا الوسطى شجعت تل أبيب يهود المنطقة على البقاء في دولهم وتشكيل لوبيات للتأثير في دوائر صنع القرار في دول آسيا الوسطى.

3- محاصرة النفوذ الإيراني: تعد إيران إحدى القوى الإقليمية المؤثرة في منطقة آسيا الوسطى، وتتقاسم حدودها معهم وكذلك بحر قزوين، وتمثل ممراً مائياً لتلك الدول الحبيسة، وكان هذا أحد دوافع إسرائيل لتعزيز تعاونها مع دول المنطقة، وهو محاصرة وتطويق إيران من حدودها الغربية، ومنافستها اقتصادياً وسياسياً بتلك الدول. وكذلك تعمل تل أبيب على محاربة أي نموذج “أصولي إسلامي” مدعوم من إيران.

وقد كان هذا التنافس سرياً لفترة زمنية طويلة حتى أعلن عنه مؤخراً؛ فقد كشفت بعض دول آسيا الوسطى تهديدات إيرانية لها ومطالبتها بوقف تعاونها مع إسرائيل، كما كشفت تل أبيب عن إحباط عمليات مسلحة إيرانية كانت تستهدف مواطنيها بدول آسيا الوسطى، وتم اكتشاف خلايا إيرانية تخطط لاغتيال شخصيات إسرائيلية ويهودية. وفي منتصف عام 2022 اتهمت مجموعة قراصنة إلكترونية يرجح أنها إيرانية جهاز الاستخبارات الخارجية الإسرائيلي “​الموساد” ​بالتورط في محاولة اغتيال رئيس ​كازاخستان​ “​قاسم جومارت توكاييف”، بينما نفت وسائل إعلام إسرائيلية ذلك.

4- تعزيز المكانة في مواجهة القوى المنافسة: تعمل إسرائيل على تعزيز مكانتها بدول آسيا الوسطى من خلال منافسة القوى الإقليمية الفاعلة بالمنطقة، كتركيا وأذربيجان؛ ولذا فقد عقد السفير الإسرائيلي بواشنطن “مايكل هرتسوج” في 3 فبراير 2022 اجتماعاً رباعياً مع نظرائه السفيرين التركي والأذري وسفيري أوزبكستان وكازاخستان بواشنطن؛ وذلك لبحث تطوير العلاقات معهم وسبل التنسيق الإقليمي فيما بينهم. ويكتسب هذا الاجتماع أهمية مضاعفة بعد المصالحة التركية الإسرائيلية؛ حيث يمكن للدولتين تنسيق نفوذهما بدول المنطقة؛ ما سيضر بمصالح قوى أخرى منها إيران وروسيا والصين.

خلاصة القول إن إسرائيل نجحت في تعزيز نفوذها بقوة في منطقة آسيا الوسطى بتشجيع أمريكي؛ لأنه يساهم في تنفيذ الاستراتيجية الأمريكية بالمنطقة عبر الانفتاح على الغرب سياسياً واقتصادياً، وتقليص النفوذ الروسي والصيني بالمنطقة، بيد أن تعظيم الدور الإسرائيلي يواجه العديد من التحديات؛ أبرزها التنافس مع إيران الذي يمكن أن يتخذ شكلاً عسكرياً تكون إحدى دول آسيا الوسطى مسرحاً له.