• اخر تحديث : 2024-04-19 14:41
news-details
مقالات عربية

هل سيكون 2023 عام المستوطنين؟ ... قراءة في بروفايل المستوطنين ومطالبهم


قد يكون العام 2023 هو عام المستوطنين. فالعديد من مطالب المستوطنين باتت أقرب للتحقق مع تشكل الحكومة الإسرائيلية الجديدة برئاسة بنيامين نتنياهو وتولي أوريت ستروك، وهي الشخص الثاني في قائمة الصهيونية الدينية، منصب وزير الاستيطان، وهو المنصب الذي سيجعل من ستروك الحاكم الفعلي للضفة الغربية. بل إن تولي ستروك لهذا المنصب قد يمنح العديد من مؤسسات ومنظمات وجمعيات اليمين الاستيطاني صلاحيات واسعة في صياغة مصير الضفة الغربية والمشروع الاستيطاني. تقدم هذه المقالة بروفايل للمشروع الاستيطاني كما بدا خلال العام 2022، وتستعرض عدد المستوطنين، وأنواع مستوطناتهم، وأنماط تصويتهم في الانتخابات الأخيرة، ومطالبهم، وتحاول أن تجيب عن السؤال: لماذا قد يكون العام 2023 هو عام المستوطنين؟

احصائيات حول المستوطنين

خلال العام 2022، تجاوز عدد المستوطنين في الضفة الغربية (بدون القدس) حاجز النصف مليون شخص. في تقرير نشره مجلس المستوطنات ("ييشع") في وقت سابق من هذا العام، تبين أن حجم المستوطنين يزداد سنويا بمقدار يتراوح ما بين 12 ألف إلى 16 ألف مستوطن. وقد ازداد عدد المستوطنين بحوالى 149 ألفاً (أي 43%) خلال العقد الأخير (2011-2021)، أي خلال فترة حكومات نتنياهو. في نهاية العام 2021، وصل العدد الفعلي للمستوطنين إلى 491923 مستوطنا، وإذا أضيف لهم معدل نمو سنوي بنحو 12-16 ألفاً (خلال العام 2022) فإن العدد الفعلي قد تجاوز بكل تأكيد حاجز النصف مليون.هذا النمو يعتبر بطيئا بالنسبة لقادة المستوطنين، ومن غير المتوقع أن يستمر على هذا النحو (المخيب للآمال بالنسبة للمستوطنين) خلال السنوات القادمة. فإحدى تبعات تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة لن تكون في مجرد زيادة كمية في حجم المستوطنين، بل في إحداث تغيرات كيفية في علاقة الحكومة الإسرائيلية بالمشروع الاستيطاني، بحيث أن المشروع الاستيطاني قد يتم رفده بـ "خميرة" من طراز جديد قد تضخمه من حيث الحجم، الامتداد والنفوذ السياسي القادر على الوصول إلى دوائر صنع القرار الأكثر حساسية في إسرائيل.

من المهم أيضا الإشارة إلى التوجهات الحزبية الفكرية للمستوطنين، كما رشحت عن انتخابات إسرائيل للعام 2022. بينما أن الائتلاف الحكومي الجديد (أحزاب الليكود، الصهيونية الدينية، يهدوت هتوراه وشاس) يمثل نحو 53% من حجم الناخبين الإسرائيليين (أي 64 مقعدا من أصل 120)، إلا أن هذا الائتلاف حظي بأصوات 81% من مستوطني الضفة الغربية: 19.1% من المستوطنين صوتوا لصالح الليكود، و31.4% صوتوا لصالح الصهيونية الدينية، و19.1 لصالح يهدوت هتوراه، و11.7% لصالح شاس.

لهذه الإحصائيات دلالات مهمة، لا متسع لبحثها هنا، وستكتفي المقالة بالإشارة إليها وحسب:

نحو ثلث المستوطنين، أو نحو 30.8% منهم، يصوتون لصالح أحزاب حريدية متزمتة مثل يهدوت هتوراه وشاس. وسيقوم مركز مدار في الفترة المقبلة بإصدار كتاب حول اليمين الجديد الإسرائيلي يحمل فصلا حول "صهينة الحريديم" وتحولهم من هامش السياسة إلى عقر اليمين الاستيطاني.

خلال انتخابات آذار 2021 (أي الانتخابات قبل السابقة التي أفرزت حكومة بينيت- لبيد)، صوّت نحو 21.6% من المستوطنين لصالح قائمة الصهيونية الدينية (بزعامة سموتريتش) بينما صوت نحو 13.6% لصالح قائمة يمينا (بزعامة بينيت). على ما يبدو، فإن كل مصوتي حزب بينيت (الذي يعتبر من تيار الصهيونية الدينية الليبرالية) قد وجهوا تصويتهم خلال انتخابات تشرين الثاني 2022 لصالح قائمة سموتريتش (الذي يعتبر من تيار الصهيونية الدينية الحردلية) بعد تفكك ثم اندثار حزب يمينا. هذا لا يعتبر مجرد انتقال حسابي للأصوات من قائمة إلى قائمة أخرى، بل إنه أيضا يمنح التيار الحردلي صاحب الأفكار الأكثر تطرفا قاعدة انتخابية عريضة تمكنه من تمرير العديد من القضايا المتعلقة بمستقبل المشروع الاستيطاني والتي ما كان لتيار الصهيونية الدينية الليبرالية أن يقوم بها.

مصير الأراضي المصنفة "ج"

في الضفة الغربية، يعيش المستوطنون في 150 مستوطنة موزعة ما بين مدن استيطانية (عددها 4 مدن) ومجالس مناطقية (المجلس يضم عدة مستوطنات صغيرة، بحيث أن هناك 14 مجلسا مناطقيا)، ومجالس محلية (المجلس يضم مستوطنة واحدة كبيرة لم تصل بعد إلى تصنيف مدينة، بحيث أن هناك 7 مجالس محلية). بالإضافة، هناك نحو 70 بؤرة استيطانية (نحو 25 ألف مستوطن) بحيث أن البؤرة هي مستوطنة غير معترف بها إسرائيليا رغم تلقيها للعديد من الخدمات العامة. من المعلوم أن المستوطنات تقع جميعها في المنطقة المصنفة "ج" (نحو 61% من مساحة الضفة الغربية)، لكن لا بد من توضيح بعض النقاط المتعلقة بالأراضي "ج":

إحدى أهم التبعات السياسية التي نجمت عن تعاظم نفوذ اليمين الجديد هو في إحداث انزياحات جوهرية في علاقة إسرائيل مع الأراضي "ج". فبينما أن اتفاقيات أوسلو كانت تعني انتقالا تدريجيا لأراضي الضفة الغربية من إدارة إسرائيلية (متمثلة بالإدارة المدنية) إلى إدارة فلسطينية (متمثلة في السلطة الوطنية الفلسطينية)، فإن هذا الانتقال انحصر في ما مساحته 39% فقط من أراضي الضفة الغربية المصنفة حاليا كمناطق "أ" ومناطق "ب". خلال الأعوام الأخيرة، تحول النقاش من اعتبار الأراضي "ج" أراضي محتلة وبالتالي البحث في شروط الانسحاب الإسرائيلي منها (ضمن اتفاقيات وضع نهائي أو اتفاق إقليمي، مصير غور الأردن، تواجد عسكري إسرائيلي على طول الشريط الحدودي مع الأردن... إلخ) إلى اعتبار الأراضي "ج" أراضي إسرائيلية يهودية وبالتالي البحث في طبيعة السيادة الإسرائيلية فوقها (ضم زاحف، ضم أحادي الجانب، ضم بموجب صفقة توافق عليها القوى العظمى).

داخل أراضي "ج" هناك نحو 150 مستوطنة (500 ألف مستوطن) بالإضافة إلى نحو 500 قرية فلسطينية (نحو 300 ألف فلسطيني). لكن لا بد من الانتباه إلى تصنيف أراضي "ج" نفسها، وتوزيع استخدامها الحالي ما بين المستوطنين والفلسطينيين، وهو توزيع ساهمت فيه بشكل مباشر الإدارة المدنية والحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ العام 1967.

هذا يعني أن حدود المستوطنات القائمة حاليا يمتد على نحو 15.5% من مساحة المناطق "ج". لكن معلوم أن نحو 90% من أراضي "ج" تعتبر تسوية غير منتهية بناء على تجميد مشروع تسوية الأراضي الأردني من قبل الحاكم العسكري الإسرائيلي بموجب أمر عسكري 291 للعام 1968. بعد ذلك، لم تبد الإدارة العسكرية (1967-1981) أو الإدارة المدنية (1981 حتى اليوم) أي اهتمام جدي بتسوية أراضي الضفة الغربية. خلال العقد الأخير، وبعد أن أصبح الخطاب والممارسة الإسرائيلية المتعلقة بالأراضي "ج" يدوران حول كيفية ضمها، بدأت الإدارة المدنية بالمضي بشكل جدي في تسوية أوضاع الأراضي "ج". إن تسوية الأراضي تعتبر في سلم أولويات المستوطنين أنفسهم، بحيث أن تصنيف أراض معينة كأراضي دولة يتيح للمستوطنين الشروع ببناء مستوطنات بشكل متسارع عما كان عليه الأمر في السنوات السابقة. وهذا يعتبر في سلم أولويات وزارة الاستيطان التي ستترأسها الصهيونية الدينية، وقد تبدو نتائجها بشكل جلي خلال الأعوام القليلة القادمة.

حتى داخل المناطق المصنفة أراضي مستوطنات، فإن وتيرة البناء حافظت في السنوات السابقة على ما نسبته 1700-1800 وحدة سكنية في كل عام.

تمر عملية البناء بعدة مراحل، ابتداء من التخطيط، وصولا إلى البناء الفعلي، ومرورا بمصادقة وزير الدفاع الإسرائيلي (حتى نهاية 2022، كان الوزير هو المسؤول المباشر عن الإدارة المدنية). وحسب المعمول به إسرائيليا، فإن لجنة التخطيط والبناء تجتمع 4 مرات خلال العام لتقر خطط بناء جديدة، وتصادق عليها وتنقلها إلى الجهات التنفيذية. في بداية خريف 2022، وقع رؤساء أهم المجالس الاستيطانية عريضة احتجاج ضد وزير الدفاع بيني غانتس اتهموه فيها بأنه لم يعقد اجتماعات لجنة التخطيط والبناء خلال العام المنصرم سوى مرة واحدة فقط، وذلك بخلاف المتعارف عليه، الأمر الذي أوصل قضية توسيع البناء الاستيطاني إلى نقطة حضيض هي الأولى من نوعها.[6]في المقابل، فإن أحد أهم مخرجات الاتفاق الائتلافي ما بين نتنياهو والصهيونية الدينية هو منح الصهيونية الدينية ورؤساء المستوطنات صلاحيات واسعة داخل لجنة التخطيط والبناء مع العلم أن المصادقة على البناء الاستيطاني ستصبح من الآن فصاعدا ليس بيد وزير الدفاع أو مؤسسة الجيش وإنما بيد المستوطنين أنفسهم من خلال وزارة الاستيطان.

لماذا قد يكون 2023 عام المستوطنين؟

يشكل الاتفاق الائتلافي بين نتنياهو وسموتريتش في بنده المتعلق بإنشاء وزارة استيطان، وكل ما يترتب على ذلك من تعيين رئيس الإدارة المدنية القادم، والمنسق القادم، والسيطرة على لجنة التخطيط والبناء، مفترق طرق جديد لصالح المشروع الاستيطاني. أحد أهم التطورات الإسرائيلية المتعلقة بالأراضي المحتلة، والتي لم تحظ للأسف باهتمام عربي ودولي حقيقي، هو تبلور شبه إجماع إسرائيلي على أن الأراضي "ج" لم تعد أراضي متنازع عليها، وانما أراض يهودية لا بد من بحث شروط وتوقيت وكيفية ضمها. هذا يعني أن حدود الحكم الذاتي الفلسطيني قد تم ترسيمها بشكل شبه نهائي لتنحصر في مناطق "أ" و"ب" فقط والتي تشكل نحو 10 تجمعات كبرى (مدن فلسطينية) ونحو 165 جيبا سكنيا محاصرا (القرى) وجميعها مبعثرة على نحو 39% من مساحة الضفة الغربية.

في المقابل، فإن الأراضي "ج" تعتبر أراضي متواصلة جغرافيا، وتم التخطيط لتكون جاهزة للضم الفعلي في أية لحظة إلى أراضي دولة إسرائيل. اليوم، هناك إجماع كامل ما بين كافة الأحزاب الإسرائيلية اليمينية واليسارية والوسطية على أن الكتل الاستيطانية الكبرى (أريئيل، معاليه أدوميم، غوش عتصيون) والتي يسكنها نحو 77% من المستوطنين، سيتم ضمها إلى إسرائيل ضمن أي تسوية سياسية مع الفلسطينيين. بينما نحو 23% من المستوطنين يعيشون داخل مستوطنات يمكن تصنيفها على أنها "مستوطنات العمق"، والموزعة على جبال الضفة الغربية. المستوطنون يسعون إلى توسيع هذه المستوطنات بالذات، وإضافة مستوطنات جديدة، بالإضافة إلى تسوية أوضاع البؤر الاستيطانية الصغيرة (والمصنفة حاليا على أنها "غير شرعية"). اليوم، كل مفاتيح صنع القرار المتعلقة بالمشروع الاستيطاني تحولت إلى المستوطنين أنفسهم.