تُشير كافة المعطيات الراهنة إلى أن النشاط الإرهابي في العام الجديد 2023، سوف يأخذ منحى تصاعدياً، وذلك في ضوء بعض الاعتبارات الرئيسية ومنها السياق الإقليمي والدولي الراهن، والذي يُحفز نشاط تنظيمات العنف والإرهاب، وكذا حالة تنظيمات الإرهاب نفسها والتي سعت إلى إعادة بناء صفوفها في الآونة الأخيرة، والرد على الضربات الكبيرة التي تعرضت لها في العام 2022، لا سيما على مستوى اغتيال قادتها، في إطار ما عُرف بـ"استراتيجية قطع الرؤوس"، فضلاً عن استمرار حالة التأزم التي تشهدها العديد من دول ومناطق العالم، لا سيما في منطقتي الشرق الأوسط وأفريقيا، بما يوفر بيئة خصبة لنمو النشاط العملياتي لتنظيمات العنف والإرهاب.
يحاول هذا التحليل الوقوف على الاتجاهات المتوقعة للنشاط الإرهابي في المستقبل القريب "خلال عام 2023"، وذلك اعتماداً على منهجية الاستقراء، عبر الاستناد إلى جملة من الاعتبارات المحيطة بالظاهرة الإرهابية في العام المنصرم، ومنها:
1- السياق العالمي الحالي والذي تطغى عليه حالة الاستقطاب والتأزم، خصوصاً في مرحلة ما بعد الحرب الأوكرانية، وهي الحرب التي أثرت بشكل مباشر وغير مباشر على جهود مكافحة الإرهاب الدولية، وهو السياق الذي يوفر بيئة محفزة للنشاط الإرهابي.
2- الحالة الراهنة لتنظيمات العنف والإرهاب، والتي يغلب عليها التوجه نحو الاعتماد على "اللامركزية"، والأفرع الخاصة بهذه التنظيمات في دول العالم المختلفة، في ظل حالة الضعف التي تتسم بها الأفرع المركزية لهذه التنظيمات (القاعدة وداعش نموذجاً)، وبناءً على ذلك تُركز الورقة على بيان الاتجاهات المحتملة للنشاط الإرهابي جغرافياً.
3- استمرار ظاهرة "الدول المأزومة" لا سيما في منطقتي الشرق الأوسط وأفريقيا، من حيث غياب منظومة الحكم الرشيد، وسيادة أنماط مختلفة من عدم الاستقرار، مع تأزم في الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، ما يوفر سياقاً مناسباً لنمو أنشطة التنظيمات الإرهابية، وعودة هذه الأنشطة إلى بعض الفضاءات الجغرافية.
اتجاهات النشاط الإرهابي في الشرق الأوسط
تُشير المعطيات الراهنة إلى أن منطقة الشرق الأوسط سوف تستمر في كونها حاضناً وساحة رئيسية للنشاط الإرهابي على غرار السنوات الأخيرة، وذلك في ضوء استمرار النشاط الإرهابي لتنظيمات القاعدة وداعش، وغياب "التسوية" عن بعض الدول المأزومة، وهو ما يمكن بيانه على النحو التالي:
1- عودة تنظيم داعش إلى العراق: شهد عام 2022 تنامياً ملحوظاً في النشاط العملياتي لتنظيم داعش في الجغرافيا العراقية، حيث افتتح التنظيم العام المنصرم بهجوم كبير على قوات للجيش في محافظة ديالي في يناير 2022، مما أدى إلى مقتل 11 جندي عراقي، واختتم العام بهجومين هما الأكبر خلال العام في 19 و20 ديسمبر، الأول في محافظة كركوك، وأدى إلى مقتل 7 من العناصر الأمنية، والثاني بإحدى القرى التابعة لمحافظة ديالى شرقي العراق، ما أسفر عن مقتل 8 أشخاص، ما أدى إلى تصاعد التحذيرات بخصوص احتمالية عودة ملف مكافحة الإرهاب في العراق إلى دائرة عام 2014، في ذروة نشاط التنظيم وسيطرته تقريباً على ثلث الأراضي العراقية.
في هذا السياق، ومع التسليم بكثافة ونوعية الجهود الأمنية التي تقودها الدولة العراقية لاحتواء خطر تنظيم داعش، إلا أن النشاط العملياتي للتنظيم قد يشهد تنامياً ملحوظاً في 2023، في ضوء بعض الاعتبارات: الأول، هو رغبة التنظيم في إعادة إحياء حضوره في مناطق النفوذ التقليدية وعلى رأسها العراق اعتماداً على استراتيجية "النكاية والتنكيل" والاعتماد على المجموعات المسلحة الصغيرة "فلول داعش" التي تتبنى حرب استنزاف ضد الأجهزة الأمنية العراقية، وهي المجموعات التي تصاعد نشاطها في مناطق ديالي وصلاح الدين وكركوك ونينوى والأنبار. والثاني، هو سعي التنظيم لاستغلال حالة التأزم السياسي التي تشهدها البلاد في الأشهر الأخيرة خصوصاً مع تصاعد الخلافات داخل الإطار التنسيقي الشيعي بخصوص الموقف من رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني، فضلاً عن ضعف التنسيق الأمني بين الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان.
2- تصعيد عملياتي في سوريا: سيطرت حالة من الزخم على النشاط الإرهابي في سوريا في 2022، وهي الحالة التي بدأت مع هجوم تنظيم "داعش" على سجن "غويران" الواقع في مدينة الحسكة السورية يوم العشرين من شهر يناير 2022، مما أدى لمقتل حوالي 140 مقاتلاً من "قوات سوريا الديمقراطية"، فضلاً عن هروب المئات من عناصر التنظيم الذين كانوا يقبعون داخل السجن، وراح التنظيم على مدار العام يُنفذ عشرات العمليات الإرهابية الأخرى، كان آخرها الهجوم الذي استهدف حافلات تُقلّ عاملين في حقل التيم النفطي في ريف دير الزور الغربي الذي يعد جزءاً من البادية، في 29 ديسمبر 2022، مما أدى لمقتل 12 شخصاً، وذلك بالتزامن مع هجمات متفرقة لهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) ضد القوات الحكومية، فضلاً عن استمرار تهديد تنظيم حراس الدين (فرع القاعدة في سوريا)، والذي وضعه الاتحاد الأوروبي هو وقائده فاروق السوري وزعيمه الديني سامي العريدي، على لوائح الإرهاب، وأكد أن التنظيم يمثل تهديداً للاتحاد الأوروبي وكذا الأمن الإقليمي والدولي.
ويبدو أن النشاط العملياتي الإرهابي في سوريا سوف يتخذ منحى تصاعدياً خلال العام الجديد، في ضوء بعض الاعتبارات: أولها، سعي تنظيمى داعش والقاعدة إلى إعادة إحياء وجودهما في سوريا كجزء من المساعي الرامية إلى استعادة النشاط في مناطق النفوذ التقليدية. وثانيها، المتغيرات الجيوسياسية التي تشهدها الساحة السورية في إطار التسويات الضمنية التي تتم بين بعض الأطراف الإقليمية كتركيا وإيران وروسيا، وهي التفاهمات التي تلقى اعتراضاً من بعض الفصائل المسلحة كهيئة تحرير الشام التي تبنت نهجاً تصعيدياً على المستوى العملياتي في مواجهة هذه المتغيرات.
وثالثها، استمرار حالة التأزم والفوضى الأمنية في الجغرافيا السورية، خصوصاً في ظل العمليات الأمنية التي تتم بين الحين والآخر من قبل بعض الأطراف المنخرطة في الأزمة، وهي الحالة التي تستغلها التنظيمات الإرهابية لشن عمليات جديدة.
3- إعادة التموضع القاعدي في اليمن: كانت الساحة اليمنية إحدى الساحات الرئيسية لنشاط تنظيم القاعدة في 2022، خصوصاً في محافظتي أبين وشبوة، وقد ربطت بعض التقديرات بين تصاعد معدلات نشاط التنظيم، وبين قدرته في الأشهر الأخيرة على تعزيز قدراته العملياتية والتشغيلية، واستقطاب عناصر جديدة، استغلالاً لحالة الفوضى الأمنية التي تشهدها البلاد، الأمر الذي يعزز من احتمالية تنامي أنشطة التنظيم في 2023.
4- السعي لاختراق الجغرافيا الإيرانية: شن تنظيم داعش في 26 أكتوبر 2022 هجوماً هو الأول من نوعه في الداخل الإيراني منذ سبتمبر 2018، حيث استهدف التنظيم ضريح شاه جراغ في مدينة شيراز جنوب إيران، مما أدى إلى مقتل 15 شخصاً وجرح 19 على الأقل. ويُرجح أن يسعى التنظيم في 2023 إلى المزيد من الاستهداف للداخل الإيراني، حيث أكد في أكثر من مناسبة في صحيفة النبأ الأسبوعية الخاصة به "أنه سيسعى إلى تنفيذ المزيد من العمليات داخل إيران"، في ضوء العداء العقيدي الذي يُكنه التنظيم الإرهابي لإيران، فضلاً عن الدور الإيراني في تحجيم أنشطة التنظيم في سوريا والعراق، ما يوجد دافعاً انتقامياً لدى التنظيم تجاه إيران، فضلاً عن أن داعش سيسعى إلى استغلال حالة الاضطراب السياسي التي تشهدها الدولة الإيرانية منذ أشهر.
5- مساعي لاستهداف الداخل التركي: شهدت تركيا هي الأخرى العديد من العمليات الإرهابية خلال العام المنصرم 2022، وقد تزايد معدل هذه العمليات في الشهرين الأخيرين من العام، وكان من أبرز هذه العمليات التفجير الذي شهده شارع الاستقلال في اسطنبول والذي خلّف 6 قتلى و81 مصاباً في منتصف نوفمبر 2022، والانفجار الذي وقع في 29 ديسمبر 2022 في مطعم بمنطقة نازيلي بمدينة أيدين غرب تركيا، والذي أدى لمقتل 7 أشخاص وإصابة 4 آخرين، الأمر الذي اعتبرته بعض التقديرات مؤشراً على احتمالية تنامي النشاط الإرهابي في الداخل التركي في 2023.
وتزيد احتمالية فرضية تنامي الأنشطة الإرهابية في الداخل التركي في 2023 في ضوء بعض الاعتبارات، ومنها الجنوح المتزايد من قبل الفاعلين المسلحين من دون الدول وبالتحديد تنظيمي داعش وحزب العمال الكردستاني نحو التصعيد العملياتي ضد أنقرة، في ضوء سلوكها الخارجي وعملياتها المتكررة ضد التنظيمين، استغلالاً للتموضع الكبير لبعض العناصر المتطرفة والإرهابية في الداخل التركي.
6- استغلال "التأزم" في ليبيا وتونس والسودان: تصاعدت التحذيرات من قبل العديد من الأطراف من احتمالية عودة ليبيا إلى بؤرة للإرهاب، وذلك في ضوء استمرار حالة التأزم السياسي التي تشهدها البلاد، وعدم حل معضلة المرتزقة والميليشيات المسلحة الموجودة في ليبيا. وفي هذا السياق نشر تنظيم داعش، في 26 أبريل 2022، صوراً تحت عنوان "يوميات جنود الخلافة في شهر رمضان بولاية ليبيا"، قال إنها لمقاتليه الموجودين في جنوب ليبيا، أظهر من خلالها حياتهم اليومية في شهر رمضان، مع استعراض عسكري، وفي نفس الشهر أعلن التنظيم مسئوليته عن هجوم إرهابي بسيارة مفخخة، استهدف معسكراً لكتيبة "طارق بن زياد" بمنطقة أم الأرانب بمدينة سبها جنوب البلاد، وأسفر عن جرح 3 عناصر من الجيش وخسائر مادية، فضلاً عن أن الجيش الوطني الليبي أعلن في 25 أبريل 2022 أن وحداته العسكرية اشتبكت مع مجموعات تابعة لتنظيم "داعش" الإرهابي في منطقة غدوة جنوب شرقي ليبيا، ومع استمرار تدوير الأزمة الليبية، وتفاقم التأزم الأمني الذي تشهده البلاد، يُرجح أن تسعى تنظيمات العنف إلى زيادة نشاطها العملياتي في الجغرافيا الليبية.
وفي سياق متصل، فقد تصاعد حضور اسم الدولة التونسية على مستوى النشاط الإرهابي في المنطقة العربية في الأشهر الأخيرة، وذلك مع الإعلان المتكرر من قبل السلطات عن القبض على خلايا سعت لتنفيذ عمليات إرهابية، وهو أمر يمكن تفسيره في ضوء "فقه استغلال الأزمات"، حيث تسعى بعض العناصر والخلايا الإرهابية إلى توظيف حالة التأزم السياسي وما لها من انعكاسات على المستوى الأمني، بما يضمن إعادة إحياء الأنشطة الإرهابية في تونس.
ولا يختلف الأمر كثيراً بالنسبة للحالة السودانية، حيث شهدت الآونة الأخيرة تصاعداً لافتاً في إعراب تنظيمات العنف والإرهاب عن سعيها للحضور والنشاط في السودان، إذ أبدى تنظيم "داعش" اهتماماً لافتاً بالتطورات التي تشهدها الساحة السودانية في صحيفته الأسبوعية "النبأ"، فضلاً عن أن تنظيم "القاعدة" انتهج نفس النهج، حيث دعا منظره البارز "أبو حذيفة السوداني" قواعد التنظيم إلى استئناف النشاط العملياتي في السودان في كتاب حمل عنوان "الآن جاء القتال.. رسائل حرب إلى المجاهدين في السودان"، والذي اعتبر فيه أن "البيئة المحلية السودانية باتت مهيئة للتغير المسلح، وانطلاق العمل الجهادي" وفق تعبيره.
اتجاهات النشاط الإرهابي في أفريقيا
تستمر القارة الأفريقية في احتلال مقعد الصدارة على مستوى النشاط العملياتي لتنظيمات العنف والإرهاب، وذلك في ضوء تحول قبلة تنظيمات الإرهاب المعولم صوب القارة السمراء استغلالاً للأوضاع الأمنية الهشة التي تعيشها دول القارة، وكذا الظروف المتردية سياسياً واقتصادياً واجتماعياً للعديد من الدول الأفريقية، ويمكن بيان اتجاهات النشاط الإرهابي المحتملة في 2023 في القارة الأفريقية، وذلك على النحو التالي:
1- منطقة القرن الأفريقي: تعد منطقة القرن الأفريقي أحد المسارح الأفريقية الرئيسية للنشاط الإرهابي بشكل عام في القارة، ويبدو أن هذه المنطقة سوف تحافظ على هذه المكانة في العام 2023، في ضوء التنامي في معدلات نشاط تنظيمات الإرهاب، وعلى رأسها حركة "الشباب" الصومالية، والتي تعتبرها بعض الدوائر الفرع الخارجي الأقوى لتنظيم "القاعدة" في الفترة الراهنة، وقد تجاوزت الحركة فكرة كونها تهديداً للصومال، وباتت تتمثل تهديداً لدول الجوار الصومالي، وخصوصاً كينيا وإثيوبيا، وتستغل الحركة استمرار بعض الأزمات السياسية في الصومال كالخلافات بين الحكومة الصومالية وبعض الولايات الفيدرالية، فضلاً عن استغلالها لحالة الهشاشة الأمنية التي تتسم بها المناطق الحدودية الصومالية مع دول الجوار.
كذلك تصاعدت المؤشرات على توجه الحركة نحو التعاون مع بعض الفاعلين المسلحين من دون الدول في المنطقة، وعلى رأسهم تنظيم الحوثي اليمني، خصوصاً مع إعلان السلطات الصومالية في أكثر من مناسبة عن ضبط شحنات أسلحة قادمة إلى الصومال من اليمن، وبالإضافة لما سبق تملك حركة "الشباب" موارد تساعدها على تجنيد المزيد من العناصر وتنفيذ عمليات إرهابية.
وبالإضافة لتهديد حركة "شباب المجاهدين" الصومالية، يوجد أيضاً تهديد تنظيم "داعش"، والذي يتواجد بشكل رئيسي في منطقة جبال "عيل مدو"، شمال شرق الصومال، ويسعى إلى تعزيز نفوذه في الصومال على حساب حركة "الشباب"، مستغلاً انشغال الحركة بالمواجهات المشتعلة مع قوات الأمن الصومالية المدعومة أمريكياً.
2- منطقة غرب أفريقيا: تشهد منطقة غرب أفريقيا تنامياً ملحوظاً في الحضور الإرهابي فيها، وذلك مع الانتشار الكبير لتنظيمي "القاعدة" (تنظيم نصرة الإسلام والمسلمين) و"داعش" (ولاية غرب أفريقيا وتنظيم بوكو حرام) في المنطقة، وبالمتابعة للنشاط الإرهابي في 2022 نجد أن دولاً مثل نيجيريا وبنين وكوت ديفوار وتوجو ومالي وبوركينا فاسو، كانت الدول الأكثر معاناة من وطأة الإرهاب، ومع حالة الانفلات الأمني التي تسود في منطقة غرب أفريقيا خصوصاً في ظل تفكك مجموعة الساحل (G5)، وتأزم الأوضاع الاقتصادية ما يزيد من القدرة على تجنيد المزيد من العناصر، وانتشار عصابات الجريمة المنظمة، يُرجح أن تزداد مساعي تنظيمات الإرهاب للاستثمار في هذه الظروف من أجل تعزيز نشاطها الإرهاب في 2023.
3- منطقة المغرب الإسلامي: ينشط في منطقة المغرب الإسلامي العديد من التنظيمات المتطرفة والإرهابية، ومن أبرزها تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، وتنظيم "عقبة بن نافع"، و"جند الخلافة"، و"التوحيد والجهاد". وعلى الرغم من تشرذم كافة عناصر هذه التنظيمات بين تنظيمي "القاعدة" و"داعش"، وعدم وجود إطار هيكلي وتنظيمي موحد معبر عنهم، إلا أن هذه المجموعات تعتمد على استراتيجية تركز على عمليات "الذئاب المنفردة"، أو بعض المجموعات الصغيرة التي تتواجد في بعض البيئات الجبلية وتنفذ بعض العمليات في بعض دول المغرب الإسلامي، إلا أن المنحى العملياتي لنشاط هذه التنظيمات في منطقة المغرب الإسلامي، قد يتراجع في 2023، في ضوء حالة الاستقرار السياسي النسبي التي تشهدها دول هذه المنطقة مقارنةً بالدول الأفريقية الأخرى، فضلاً عن الحملات الأمنية المكثفة والنوعية التي تتبناها دول المنطقة للتعامل مع النشاط الإرهابي.
اتجاهات النشاط الإرهابي في القارة الآسيوية
باتت القارة الآسيوية تمثل بؤرة صاعدة لتنظيمات العنف والإرهاب، خصوصاً في مرحلة ما بعد الفوضى المصاحبة لصعود حركة "طالبان" في أفغانستان، ويمكن تناول الاتجاهات المحتملة للنشاط الإرهابي في آسيا على النحو التالي:
1- منطقة جنوب آسيا: باتت منطقة جنوب شرق من البيئات التي تتسم بنمو معدل نشاط تنظيمات التطرف والإرهاب فيها، وذلك مع تصاعد حضور تنظيمات "طالبان" التي سيطرت على أفغانستان، و"طالبان" باكستان، و"القاعدة"، و"داعش" الذي يتواجد في أفغانستان والهند، ومع الارتدادات الأمنية الكبيرة المصاحبة لسيطرة "طالبان" على أفغانستان، وتحفز التنظيمات الأخرى المنافسة كـ"داعش" لاستنساخ تجربة "طالبان"، يُرجح أن تشهد هذه المنطقة تنامياً في معدلات النشاط الإرهابي في 2023.
2- منطقة جنوب شرق آسيا: يمثل تنظيم "داعش" التنظيم الإرهابي الأكثر حضوراً في منطقة جنوب شرق آسيا، إذ يتواجد التنظيم في دول الفلبين وسنغافورة وماليزيا وفيتنام، وكان من اللافت أن التنظيم قد صعد من حملاته في الأشهر الأخيرة لتجنيد مقاتلين جدد اعتماداً على آلة دعائية إعلامية تنشر تصورات متطرفة عن الدين الإسلامي لدى سكان المنطقة من المسلمين، ويلعب على وتر بعض الاضطهادات التي تعاني منها بعض الفئات المسلمة، وذلك بالتزامن مع سعيه لتوسيع نشاطه العملياتي، وفي ضوء توجه التنظيم نحو التموضع في المنطقة كبديل لمناطق النفوذ التقليدية، يبدو أن منطقة جنوب شرق آسيا سوف تشهد زيادة في معدلات نشاط تنظيم "داعش" خلال عام 2023.
احتمالات تصاعد نشاط "الذئاب المنفردة" في أوروبا
مع قرب دخول الحرب الروسية-الأوكرانية عامها الأول، تُنذر الحرب بالعديد من الارتدادات الأمنية المحتملة على كافة دول العالم، وخصوصاً القارة الأوروبية، لا سيما على مستوى احتمالية زيادة معدلات النشاط الإرهابي في القارة العجوز، وذلك في ضوء الاعتبارات التالية:
1- "العائدون" من أوكرانيا: تُشير كافة التقارير التي غطت مسألة انخراط المقاتلين الأجانب في الحرب الأوكرانية، إلى أن المقاتلين الأوروبيين الذين ينتمون إلى اليمين المتطرف، شكلوا النسبة الأكبر من هؤلاء المقاتلين، كجزء من حالة عامة سعى فيها تيار اليمين المتطرف إلى استغلال الحرب للتخديم على أجندته المتطرفة، وتطرح هذه المسألة إشكالية أمنية كبيرة بالنسبة للقارة الأوروبية، إذ أن عودة هؤلاء المقاتلين إلى بلدانهم الأصلية سوف تمثل تهديداً أمنياً كبيراً لهذه البلدان، في ضوء ما اكتسبوه من مهارات قتالية، فضلاً عن ما أتاحته الحرب لهم من تشبيك وتواصل مع عناصر ومجموعات متطرفة، الأمر الذي يجعل من مسألة "العائدين من أوكرانيا" أحد التحديات الأمنية الرئيسية التي ستواجه القارة الأوروبية في العام الجديد.
2- انخراط التنظيمات الإرهابية في الحرب: أبدت تنظيمات العنف والإرهاب اهتماماً لافتاً بالحرب في أوكرانيا، ودعت هذه التنظيمات لا سيما تنظيمي "القاعدة" و"داعش"، إلى استغلال الحرب من أجل اختراق الجغرافيا الأوروبية، وقد أشارت العديد من التقارير الاستخباراتية إلى أن العديد من المجموعات المتطرفة من منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا انخرطت في الحرب الأوكرانية، الأمر الذي يعزز من احتمالية دخول هؤلاء إلى القارة الأوروبية كمهاجرين على سبيل المثال، والسعي لتنفيذ هجمات إرهابية.
في الختام يمكن القول إن عام 2023 يأتي في ظل سياق عالمي وإقليمي يُحفز نمو نشاط ظاهرة الإرهاب، إلا أن هذه الفرضية لا يمكن التسليم بها على الإطلاق، خصوصاً مع وجود بعض المحددات التي ستحكم مسار النشاط الإرهابي في 2023، ومنها مدى قدرة المجتمع الدولي على تطوير آليات تعامله مع الظاهرة الإرهابية بما يتوافق والأوضاع الحالية للظاهرة والمتغيرات التي طرأت عليها، وكذا حدود القدرة على تسوية الأزمات الراهنة في العديد من دول العالم، فضلاً عن اعتبارات أخرى ترتبط بالتنظيمات نفسها خصوصاً على مستوى قدرتها على التعامل مع نزيف القادة الذي تعاني منه، وإيجاد موارد مالية لاستمرار الأنشطة الإرهابية.