نشر مركز "ستراتفور" الاميركي للدراسات الامنية والاستخبارية، تقريراً حول أبرز الاتجاهات المتوقعة خلال عام 2023، سواء ما يتعلق بالاتجاهات العالمية المحتمل حدوثها، أو التوقعات المتعلقة ببعض أقاليم العالم المختلفة، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي:
توقعات عالمية
يمكن تناول أبرز التوقعات العالمية في 2023؛ وذلك على النحو التالي:
1- تراجع أهمية المؤسسات الدولية المتعددة الأطراف: بحسب التقرير، تسعى القوى العالمية – مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والصين – إلى حماية نفسها من التهديدات الاقتصادية والأمنية والسياسية لخصومها؛ ما يؤدي بهم جميعاً إلى التحايل على الأعراف المقبولة سابقاً، وتقليل أهمية المؤسسات المتعددة الأطراف، مثل منظمة التجارة العالمية.
2- اصطفاف أمريكي أوروبي وسط توترات مكتومة: يتوقع التقرير أن تصطف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بشكل وثيق، على عدد من الجبهات؛ وذلك على الرغم من التوترات الثنائية التي ستظهر في عام 2023؛ حيث من المُرجَّح أن يفشل الكونجرس الأمريكي في تمرير قواعد ضريبية عالمية جديدة (وهو ما يمثل أولوية بالنسبة إلى أوروبا)، كما ستتصاعد الدعوات في أوروبا لفرض ضرائب الخدمة الرقمية على شركات التكنولوجيا الأمريكية.
3- تقويض مفاوضات المناخ بسبب اختلاف الأولويات: من المُرجِّح أن تؤدي الأولويات المختلفة للغرب والعالم النامي بقيادة الصين إلى تقويض مفاوضات المناخ الدولية، والجهود التي تبذلها الدول بشكل فردي لمكافحة ارتفاع درجات الحرارة العالمية. وسوف تتبنى المزيد من الحكومات الغربية تدابير اقتصادية حمائية (مثل التعريفات الحدودية) لدعم صناعاتها (مثل السيارات الكهربائية)، ظاهرياً بموجب سياساتها المناخية.
4- الضغط على أوكرانيا لتقديم تنازلات إلى روسيا: يتوقع التقرير أن عاماً آخر من الحرب في أوكرانيا وأزمة الغاز الطبيعي العالمية، سيدفع الحكومات الغربية إلى زيادة الضغط على كييف لتقديم تنازلات لموسكو للوصول إلى مخرج من الصراع قابل للتطبيق؛ وذلك على الرغم من أن مثل هذا الخروج من غير المرجح – طبقاً للتقرير – أن يتحقق في عام 2023. لكن من ناحية أخرى، ستقدم الحكومات الغربية تنازلات مساعدة عسكرية ومالية كافية لأوكرانيا لمواصلة الدفاع عن نفسها من الهجمات الروسية.
5- اضطرابات اقتصادية في بعض أقاليم العالم: بحسب التقرير، لا يزال مجلس الاحتياطي الفيدرالي ملتزماً بشدة بخفض التضخم المرتفع على مدى عقود، ومن ثم يتوقع التقرير أن يرفع أسعار الفائدة بشكل أكبر في عام 2023، كما يتوقع التقرير أن ينخفض التضخم في أوروبا طوال عام 2023؛ حيث تتراجع الاختناقات في جانب العرض. وسيؤدي التشديد المالي الذي فرضه البنك المركزي الأوروبي إلى إضعاف أسواق العمل ورفع تكلفة الاستثمار. ويُرجِّح التقرير أن تواجه البلدان النامية والصاعدة تحديات عدة في ظل التباطؤ الاقتصادي العالمي، ومن أهمها ارتفاع المخاطر الاقتصادية والمالية في بكين، على الرغم من تخفيف قيود كورونا؛ إذ يعتقد التقرير أنه ستظل المخاطر الاقتصادية والمالية الصينية مرتفعةً بسبب سياسات إعادة التوازن الاقتصادي وضعف النمو العالمي. أما بالنسبة إلى الاقتصادات المنخفضة الدخل، فيتوقع التقرير أن تزداد مخاطر عدم الاستقرار المالي والتخلف عن سداد الديون السيادية في عام 2023، وستواجه البلدان المتخلفة بالفعل عن السداد آفاق انتعاش اقتصادي صعبة.
6- تصاعد حدة التطويق الدولي للتكنولوجيا الصينية: يعتقد التقرير أن الولايات المتحدة ستُكثِّف جهودها لتجنيد الحلفاء ضد قطاع التكنولوجيا الصينية. وبحسب التقرير، ستحاول إدارة بايدن حمل الاتحاد الأوروبي واليابان وكوريا الجنوبية والشركاء العالميين الآخرين على فرض ضوابط على الصادرات على قطاعات التكنولوجيا الصينية الرئيسية. لكن التقرير يرى أن مخاوف حلفاء الولايات المتحدة بشأن علاقاتهم الاقتصادية مع الصين، ستحد من التعاون مع واشنطن. ومع ذلك، ستنفذ الولايات المتحدة واليابان وهولندا بشكل مشترك، قيوداً على شحنات معدات تصنيع أشباه الموصلات إلى الصين، وإن كانت واشنطن ستواصل على الأرجح فرض مثل هذه القيود من تلقاء نفسها.
قارة أوروبا
يمكن تناول أبرز التوقعات المرتبطة بالقارة الأوروبية خلال عام 2023؛ وذلك على النحو التالي:
1- ارتفاع مخاطر عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي: يتوقع التقرير أن تؤدي أزمة تكلفة المعيشة في أوروبا، وكذلك استمرار أزمة الطاقة، إلى ارتفاع مخاطر عدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي في جميع أنحاء القارة، وقد تؤدي كذلك إلى ضغط أقوى من الحكومات الأوروبية على أوكرانيا للتوصل إلى تسوية مع روسيا. ويتوقع التقرير أنه سيكون هناك خطر دائم من الاضطرابات الاجتماعية والعمالية؛ حيث إن أزمة تكلفة المعيشة تدفع المطالب الشعبية للحصول على مساعدة حكومية ورواتب أعلى. ومن المتوقع أيضاً أن تستخدم الأحزاب السياسية المعارضة (ولا سيما الجماعات السياسية اليمينية المتطرفة واليسارية المتطرفة) التظاهرات وأصوات عدم الثقة بالبرلمان وغيرها من التكتيكات للتعجيل بإجراء تغييرات في الحكومة أو إجراء انتخابات مبكرة.
2- تصاعد السياسات الحمائية داخل الاتحاد الأوروبي: يتوقع التقرير أن تُركِّز المفوضية الأوروبية سياستها على حماية الكتلة من أزمات الطاقة وتكلفة المعيشة، بالإضافة إلى زيادة استقلاليتها في مجالات مثل التكنولوجيا والمواد الخام؛ إذ سيعمل الاتحاد الأوروبي على تعزيز الاستثمار والبحث والتحالفات الاستراتيجية مع دول ثالثة في قطاعات تشمل البطاريات والرقائق الدقيقة والهيدروجين، وتعزيز الاستثمار الإضافي، وسعة التخزين وتنويع الإمدادات (من خلال التحالفات مع دول، بما في ذلك تشيلي والمكسيك وأستراليا) لمنتجات مثل الليثيوم والعناصر الأرضية النادرة. وبناءً على ما سبق، يعتقد التقرير أنه سيواصل الاتحاد الأوروبي وأكبر الدول الأعضاء فيه تقييد وصول الشركات الصينية إلى القطاعات الاقتصادية الاستراتيجية للكتلة، بما في ذلك صناعات التكنولوجيا الفائقة، وسيكون أيضاً على استعداد لاعتماد تدابير حمائية لمزيد من حماية المجالات الحيوية في اقتصاد الاتحاد الأوروبي.
3- ضغط كبير من المعارضة على الحكومة الفرنسية: وفقاً للتقرير، سيؤدي الضغط السياسي من أحزاب المعارضة في الجمعية الوطنية إلى إبقاء الحكومة الفرنسية تحت تهديد الانهيار المستمر؛ إذ من الممكن اقتراح حجب الثقة عن رئيس الوزراء بنجاح، وكذلك حل الجمعية الوطنية وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة. وإذا حدث هذا، فمن المحتمل أن ينتج عنه جمعية وطنية مجزأة أخرى تكافح من أجل تمرير التشريعات. وسواء مع أو بدون انتخابات تشريعية، يعتقد التقرير أن الرئيس “إيمانويل ماكرون” يصر على إصلاح نظام التقاعد لجعل النظام أكثر استدامةً، لكنه سيضطر إلى تقديم تنازلات للمعارضة لتمريره، فيما ستحتج النقابات على الإصلاح؛ ما يؤدي إلى اضطرابات متكررة في حركة البضائع والأشخاص.
4- اضطرابات في إيطاليا بسبب خلافات الائتلاف الحاكم: يُرجِّح التقرير أن تؤدي الخلافات داخل الائتلاف الحاكم في إيطاليا إلى عملية صنع سياسات مفككة بشكل متزايد تفشل في تنفيذ إصلاحات كبيرة، وإذا تركت دون رادع، فقد تؤدي إلى انهيار التحالف. وفي حين أن عدم اليقين السياسي قد يؤدي إلى اضطراب في الأسواق المالية (التي تشعر بالقلق بشأن استدامة الديون السيادية لإيطاليا)، فمن غير المرجح حدوث أزمة مالية في عام 2023 بسبب المساعدة المالية من الاتحاد الأوروبي، واستعداد البنك المركزي الأوروبي لمساعدة روما إذا لزم الأمر.
5- خلافات في الداخل البولندي حول الاتحاد الأوروبي: في بولندا، ستضع الانتخابات العامة (التي يجب إجراؤها قبل نهاية 2023) الحكومة القومية ضد المعارضة المؤيدة للاتحاد الأوروبي. ويعتقد التقرير أن الانتصار المحتمل للحزب الحاكم من شأنه أن يطيل التوترات بين بولندا والاتحاد الأوروبي وإمكانية تعليق بروكسل تمويل وارسو، ولكن ليس لدرجة المخاطرة بعضوية بولندا في الكتلة.
6- توجُّه الحكومة البريطانية للتقارب مع الاتحاد الأوروبي: يتوقع التقرير أن تسعى بريطانيا في العام الجديد للتقارب مع الاتحاد الأوروبي؛ إذ سوف يساعد التوحيد المالي والتقارب مع الاتحاد الأوروبي في استقرار الاقتصاد البريطاني، ولكن أيضاً يزيد من مخاطر حدوث أزمات سياسية جديدة. ويعتقد التقرير أنه ستحفز قضايا تكلفة المعيشة والركود المحتمل في المملكة المتحدة الحكومة على تجنب حرب تجارية مع الاتحاد الأوروبي من شأنها أن تضر بالاقتصادَين؛ إذ من المحتمل التوصل إلى حل وسط بين لندن وبروكسل بشأن الضوابط الجمركية في البحر الأيرلندي؛ ما سيحافظ على اتفاقية التجارة الحرة بينهما.
منطقة أوراسيا
يمكن تناول توقعات منطقة أوراسيا خلال عام 2023؛ وذلك على النحو التالي:
1-عدم تحقيق نصر حاسم في الحرب الأوكرانية: يتوقع التقرير أن تستمر الحرب الأوكرانية، ولكن لن يحقق أي من الجانبين مكاسب إقليمية كافية لتقويض الموقف التفاوضي للطرف الآخر بشكل كبير؛ ما يضمن استمرار العقوبات الغربية على روسيا والضغط التصاعدي على أسعار السلع الأساسية. ويرى التقرير أن استمرار الحرب يعني أن وقف إطلاق النار، ناهيك عن التوصل إلى اتفاق سلام، غير مرجح في عام 2023. وهذا يعني أيضاً أن العقوبات الغربية على روسيا ستظل على الأرجح سارية المفعول، وربما يتم تعزيزها على مدار العام المقبل.
2- تصاعد حالة عدم الاستقرار في الداخل الروسي: يشير التقرير إلى أن بوتين متمسك بالسلطة على الرغم من خيبة الأمل السياسية والاضطرابات الاقتصادية في البلاد، ومن مؤشرات ذلك هجرة المزيد من العقول الروسية. ووفقاً للتقرير فإنه سينخفض الدعم المحلي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين والحرب في أوكرانيا وسط الانكماش الاقتصادي والافتقار إلى النجاحات الرئيسية في ساحة المعركة، لكن موسكو لن تغير سعيها للحرب، وستواصل قمعها وتعبئتها؛ ما يؤدي إلى مزيد من هجرة العقول خارج البلاد. ومن جانب آخر، يتوقع التقرير تراجع أداء الاقتصاد الروسي، وأن المؤشرات السابقة للاضطرابات يغذيها الانكماش المستمر للاقتصاد الروسي، الذي سيتقلص مرة أخرى في عام 2023 تحت وطأة العقوبات، وتراجع إنتاج النفط ونقص القوى العاملة؛ وذلك اعتماداً على مسار أسعار النفط الخام والاقتصاد العالمي؛ إذ يمكن أن تجعل هذه العوامل انكماش الناتج المحلي الإجمالي لروسيا عام 2023 أسوأ من انكماش عام 2022 (الذي كان نحو 4%).
3-استمرار محفزات الصراع بين أرمينيا وأذربيجان: يتوقع التقرير أن تتوصل أرمينيا وأذربيجان إلى اتفاق لترسيم حدودهما وفتح روابط العبور في المنطقة بشروط باكو، لكنه يرى أن استمرار الخلاف حول ناجورنو كاراباخ يعني أن احتمال اندلاع اشتباكات في المنطقة سيظل قائماً. ويشير التقرير إلى أن قوات حفظ السلام الروسية ستبقى في ناجورنو كاراباخ، لكن قلة أعدادها وعدم قدرتها على استخدام القوة يعني أنها قد لا تردع العمليات الهجومية من قبل الجيش الأذربيجاني في المنطقة. وفي سيناريو منخفض الاحتمال لكنه شديد الخطورة، يعتقد التقرير أنه ستدفع الخلافات حول الانتقال عبر ممر زانجيزور ولاتشين وكذلك حول وضع ناجورنو كاراباخ، باكو إلى التهديد بعدم الاعتراف بوحدة أراضي أرمينيا، وإجراء عملية عسكرية للاستيلاء على ناجورنو كاراباخ واحتلالها.
4- تراجع نفوذ روسيا في منطقة آسيا الوسطى: يشير التقرير إلى أنه ستبقى دول آسيا الوسطى بعيدة عن روسيا لتعميق علاقاتها الاقتصادية والسياسية مع الصين وتركيا والغرب؛ ما سيؤدي إلى انخفاض نسبي في النفوذ السياسي والاقتصادي الروسي في المنطقة، ومن مؤشرات ذلك تجنُّب مشاريع التكامل السياسي الإقليمي مع روسيا؛ إذ يشير التقرير إلى أنه ستحافظ كازاخستان ودول آسيا الوسطى الأخرى، مثل قيرغيزستان وطاجيكستان، رسمياً على التعاون مع روسيا والعضوية في المنظمات التي تقودها روسيا، مثل منظمة “معاهدة الأمن الجماعي” و”الاتحاد الاقتصادي الأوراسي”، كما ستحافظ على علاقات تجارية قوية مع روسيا لدعم الاستقرار الاقتصادي المحلي. لكنَّهم سيتجنَّبون مشاريع التكامل السياسي الجديدة مع موسكو لصالح استثمارات جديدة من الصين وتركيا والغرب.
منطقة الهندو–باسيفيك
يمكن تناول أبرز التوقعات في منطقة الهندو–باسيفيك خلال عام 2023 على النحو التالي:
1-تعافي النمو الاقتصادي الصيني ببطء: يتوقع التقرير تعافي النمو الاقتصادي في الصين ببطء، مع تخفيف بكين قيود “كوفيد– 19″، لكن هذا النمو سيكون مقيداً بفعل التدقيق التنظيمي المستمر على قطاع التكنولوجيا والجهود المبذولة لإنهاء أزمة قطاع العقارات المتعثر في البلاد. وفيما ستواصل بكين تخفيف قيودها الصارمة بشأن فيروس “كورونا” خلال العام المقبل؛ ما يسمح بتعافي معتدل للاستهلاك المحلي، فإن الزيادة المتوقعة في الإصابات الجديدة قد تضعف النمو مؤقتاً، وتدفع السلطات إلى إحياء بعض القيود إذا ما ارتفعت معدلات الوفيات بدرجة كبيرة. ومن المرجح أن يظل قطاع العقارات (الذي يستوعب معظم ثروات الأسر الصينية) منكمشاً وسط جهود بكين لتقليص المديونية؛ ما يؤثر على ثقة المستهلك.
2-عدم تمكُّن الصين من تنفيذ خطط غزو تايوان: مع استمرار الغرب في تعميق العلاقات الدبلوماسية والدفاعية مع تايوان، سيدفع ذلك بكين إلى الرد بوسائل الإكراه العسكري، وبما يشمل زيادة تحليق طائراتها فوق تايوان، وربما تُجرِي المزيد من التدريبات العسكرية حول الجزيرة، لكن اقتصاد الصين الضعيف والتحديث العسكري غير المكتمل، سوف يردع بكين عن مواصلة خططها لغزو تايوان. وعلى الجهة الأخرى، من المرجح أن تُوسِّع هونج كونج قانون الأمن القومي المدعوم من بكين، ليشمل حظراً على أنشطة مثل الفتنة والخيانة والتمويل الجماعي والتواطؤ مع قوى أجنبية وانتهاك الأمن السيبراني أو نشر الأخبار المزيفة.
3- تصاعد التوترات الأمنية في شبه الجزيرة الكورية: مع احتمالات انتهاك كوريا الشمالية خط الحدود الشمالي البحري مع كوريا الجنوبية، بإجراء تجارب صاروخية أو المشاركة في عروض صواريخ باليستية وإجراء تجارب نووية لإثبات استعداداتها الدفاعية، قد يؤدي ذلك إلى زيادة احتمال وقوع حوادث عسكرية منخفضة المستوى في شبه الجزيرة الكورية، بينما تدرس سيول في الوقت نفسه الخيارات العسكرية ومحاولة إزالة القيود المفروضة على برنامج الصواريخ الباليستية في البلاد، وعلى إعادة تسليح الأسلحة النووية الأمريكية.
4- اتجاه اليابان لإصلاح العلاقات مع كوريا الجنوبية: ستسعى اليابان إلى تطبيع العلاقات مع كوريا الجنوبية على أمل أن تؤدي المكاسب الاقتصادية الناتجة إلى تعزيز قدرة طوكيو على تحقيق أهداف سياستها الدفاعية المثيرة للجدل، مع الهدف الطويل المدى للحكومة اليابانية لتكريس الاعتراف بقوات الدفاع الذاتي اليابانية في الدستور وإلغاء المادة (9) التي تحظر عليها شن حرب.
5-تصاعد حدة عدم الاستقرار في جنوب شرق آسيا: سيؤدي عدم الاستقرار السياسي عبر جنوب شرق آسيا إلى تقييد الإصلاح الاقتصادي وتقليص مجال التعاون المتعدد الأطراف؛ ما يؤدي إلى سياسات أمنية غير فعالة؛ ففي تايلاند، يمكن أن تفضي الانتخابات العامة في مايو إلى نهاية حكم حزب “بالانج براتشارات” ليتدخل الجيش عسكرياً في العملية الانتخابية (إما بالتلاعب في التصويت أو الانقلاب)؛ ما يؤدي إلى إعادة إشعال الاضطرابات الاجتماعية. أما فوز المعارضة فقد يؤدي إلى مأزق سياسي بين الحكومة ومجلس الشيوخ المعين من قبل الجيش. وفي ماليزيا، ستكافح الحكومة غير المتجانسة أيديولوجياً لتنفيذ إصلاحات لتقوية العملة وخفض التضخم؛ ما يزيد مخاطر حدوث أزمات سياسية إضافية. وفي كمبوديا، قد يؤدي الخروج المحتمل لرئيس الوزراء “هون سين” إلى صراع على السلطة بعد انتخابات البلاد في يوليو. وفي سنغافورة، يمكن أن يستقيل رئيس الوزراء “لي هسين لونج” لصالح ابنه الأكبر ليخلفه على زعامة البلاد، بينما قد يسعى الحزب الحاكم إلى الحصول على تفويض جديد في انتخابات مبكرة، وقد يؤدي أي منهما إلى جمود في السياسة.
منطقة جنوب آسيا
يمكن تناول أبرز التوقعات في منطقة جنوب آسيا خلال عام 2023 على النحو التالي:
1- استمرار تدهور الأوضاع في أفغانستان: مع استمرار “طالبان” في إصرارها على أولوية الحكم المتشدد، فإن ذلك ينعكس على زيادة تدهور الأوضاع الاقتصادية والإنسانية السيئة في أفغانستان، وسط القيود المفروضة على المساعدات الدولية والاستثمار الأجنبي، بما يؤدي بالتبعية إلى زيادة مخاطر الاضطرابات الاجتماعية والمقاومة المسلحة، وربما حتى من جانب أعضاء أكثر برجماتية في “طالبان”؛ ما قد يؤدي إلى بعض التنازلات من قبل المتشددين، وبما قد يشمل التطبيق الصارم والفعال لحظر الحركة زراعة الخشخاش، لا سيما في حالة عدم وجود محاصيل بديلة مربحة.
2- نمو قوي للاقتصاد الهندي رغم التحديات: رغم التوقعات بتباطؤ الاقتصاد الهندي الذي يعتمد إلى حد كبير على الطلب المحلي في عام 2023، مع انخفاض أنماط الاستهلاك المرتفعة التي أعقبت رفع القيود المرتبطة بـ”كوفيد” في عام 2022 والعوامل الخارجية، مثل أسعار النفط المتقلبة، واضطرابات سلاسل التوريد، وأسعار الفائدة المرتفعة التي تردع الاستثمار الأجنبي المباشر، والتي يمكن أن تحد من النشاط الاقتصادي المحلي، فإن الهند يتوقع أن تشهد عاماً آخر من النمو القوي، وخصوصاً أن احتياطات النقد الأجنبي المرتفعة في الهند، وعوامل أخرى منها ارتفاع الطلب على الائتمان، ستدعم النمو أيضاً، فيما ستواصل الحكومة تعزيز الاستثمار في التصنيع المحلي من خلال توسيع مخطط الحوافز الخاص بها.
3- تفاقم الأزمة السياسية والاقتصادية في باكستان: يتوقع استمرار الأزمة الاقتصادية في باكستان نتيجة انخفاض احتياطات النقد الأجنبي، وعبء الديون المرتفع، والتضخم المرتفع والآثار الاقتصادية العالمية للحرب الروسية الأوكرانية، لتكافح إسلام أباد لتأمين الواردات الأساسية، مثل الغاز الطبيعي المهم لتوليد الكهرباء في البلاد، وكذلك النفط والفحم. نتيجةً لذلك، من المحتمل انقطاع التيار الكهربائي خلال فصل الشتاء، وقد يمتد إلى الصيف إذا واجهت باكستان عاماً آخر من الارتفاع الكبير في درجات الحرارة؛ ما يزيد المشكلات الاجتماعية داخل الدولة، وخصوصاً مع تنفيذ إسلام أباد تدابير التقشف المفروضة كجزء من صفقة مع صندوق النقد الدولي، وليكون من المرجح أن تلجأ باكستان إلى هيكلة الديون وطلب المساعدة من الدائنين الثنائيين، مثل الصين والمملكة السعودية وشركاء آخرين في الشرق الأوسط.
4-تعثر الاقتصادات الصغيرة في جنوب آسيا: يتوقع أن تؤدي الضغوط المالية في اقتصادات جنوب آسيا الصغيرة إلى تباطؤ اقتصادي وزيادة مخاطر عدم الاستقرار السياسي والاضطرابات الاجتماعية. فمع تضاؤل احتياطاتها من العملات الأجنبية، ستكافح بنجلاديش ونيبال وسريلانكا لاستيراد المنتجات المهمة، مثل الأسمدة والنفط والغاز الطبيعي؛ ما سيؤثر سلباً على أمنها الغذائي وأمن الطاقة؛ حيث ستجبر صفقة مع صندوق النقد الدولي الحكومة السريلانكية على تنفيذ تدابير تقشف لا تحظى بشعبية، بما في ذلك خصخصة الشركات المملوكة للدولة، وزيادة الضرائب التي ستزيد مخاطر الاضطرابات الاجتماعية الواسعة النطاق، وتثير أزمة سياسية جديدة بالدولة.
منطقة الشرق الأوسط
يمكن تناول أبرز التوقعات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خلال عام 2023 على النحو التالي:
1- انهيار المحادثات النووية بين إيران والولايات المتحدة: من المرجح أن تنهار المحادثات النووية بين الولايات المتحدة وإيران، وسط تقدم إيران النووي المتسارع ونقل الأسلحة إلى روسيا؛ ما يؤدي إلى أزمة جديدة تدفع الولايات المتحدة إلى توسيع وجودها في الشرق الأوسط، بينما تدفع إسرائيل لتصعيد حربها السرية ضد إيران. كذلك من المحتمل أن تستمر طهران في حملتها المتشددة ضد الاحتجاجات الداخلية؛ ما يؤجج عدم الاستقرار الداخلي، ويعمق انعدام الثقة بين إيران والدول الغربية، ومن ثم يجعل حل الأزمة النووية أكثر صعوبةً.
2- تذبذب اقتصادي تركي وسط عدم اليقين السياسي: ستخاطر الحكومة التركية بأزمة اقتصادية؛ لأنها تنتهج استراتيجية اقتصادية توسعية، في حين أن الانتخابات الوطنية في البلاد يمكن أن تثير الاضطرابات وعدم اليقين السياسي؛ فعلى الرغم من ارتفاع معدلات التضخم، من المرجح أن تُبقِي تركيا أسعار الفائدة لدى البنك المركزي أقل مما قد توحي به الاقتصاديات التقليدية، وربما تزيد التضخم سوءاً عن طريق زيادة الأجور والإعانات. من خلال القيام بذلك، ستخاطر أنقرة بأزمة ميزان المدفوعات والركود إذا طغت الضغوط التضخمية على قدرة البلاد على سداد ديون الشركات الخاصة والشركات الحالية، والدفاع عن عملتها، ودفع ثمن الواردات الأساسية.
3- انتعاش الاستثمار الأخضر في بعض دول الخليج العربي: توقع التقرير أن تعتمد دول الخليج العربي، على مؤتمر المناخ COP 28 المقام في الإمارات لجذب استثمارات أجنبية، عبر جذب وسائل الإعلام العالمية إلى المبادرات الخضراء الناشئة في البلاد، وعرض الفرص المتزايدة للاستثمار الأخضر في جميع أنحاء دول مجلس التعاون الخليجي. ومع ذلك، ستظل استثمارات قطاع الهيدروكربونات تشكل الغالبية العظمى من النشاط الاقتصادي، وستساعد في جعل دول الخليج العربي وجهة استثمارية جذابة في عام 2023، مقارنةً بالوجهات التي تعاني من التباطؤ الاقتصادي.
4-استمرار التوترات السياسية في دول شمال أفريقيا: بحسب التقرير، فإن التقارب الجديد للرئيس قيس سعيد مع الجزائر، مدفوعاً بالمشاكل المالية والرغبة في الحصول على مزيد من الغاز من الجزائر، سيؤدي إلى تدهور العلاقات التونسية مع المغرب؛ ما يحول دون المصالحة الإقليمية والتعاون في مكافحة الإرهاب وإجراءات مراقبة الحدود. وعليه سيؤدي الانقسام المستمر في شمال أفريقيا، إلى إطالة عدم الاستقرار في الصحراء الغربية وإعاقة الفرص الاقتصادية والاستثمارية الإقليمية.
5-اضطرابات في السياسات الإسرائيلية في عهد نتنياهو: ستؤدي سياسات اليمين المتطرف الجديدة لحكومة نتنياهو، إلى توتر العلاقات الخارجية لإسرائيل، وإذكاء الاضطرابات في الأراضي الفلسطينية، وإعادة تشكيل ميزان القوى الداخلي للبلاد؛ ما قد يجعل السياسة الإسرائيلية أكثر اضطراباً؛ حيث سيستخدم اليمين المتطرف في إسرائيل نفوذه السياسي المتزايد لدفع السياسات المثيرة للجدل، مثل تقويض المحكمة العليا، وتمرير السياسات المؤيدة للدين، وإضعاف الحماية للأفراد المثليين.
أفريقيا جنوب الصحراء
هناك العديد من الاتجاهات المتوقعة في أفريقيا جنوب الصحراء خلال عام 2023 على النحو التالي:
1- تهديد التمرد الجهادي منطقة الساحل وغرب أفريقيا: ستواجه مالي وبوركينا فاسو والنيجر، تهديدات مستمرة لاستقرارها السياسي خلال العام الجديد؛ فإلى جانب القدرة العسكرية المحدودة والتعاون الإقليمي غير الكافي، سيمنح ذلك الجماعات الجهادية، فرصاً للتوسع الإقليمي وزيادة القدرات الهجومية في الساحل الغربي لأفريقيا. كذلك سوف يستمر الاقتتال السياسي الداخلي والقادة العسكريون الانتهازيون في تقويض الحكم الفعال في مالي وبوركينا فاسو والنيجر؛ ما يجعل هذه البلدان عرضة للانقلابات على مدار عام 2023.
2-تفاقم أزمات الفساد والكهرباء والعمل في جنوب أفريقيا: ستؤدي مزاعم الفساد ضد رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا، إلى تفاقم الانقسامات داخل حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الحاكم وداخل الدولة، ومن المرجح أن تمنع الحكومة من تمرير إصلاحات هيكلية كبرى لتفادي استمرار الفساد وأزمات العمل والكهرباء. صحيح أنه نجح رامافوزا في أواخر عام 2022، في تجنب المساءلة بشأن الفساد المزعوم، وفاز بالمركز الأول في المؤتمر الانتخابي للحزب الحاكم، إلا أنه سوف يواجه مقاومة شديدة من أحزاب المعارضة والفصائل المتنافسة داخل الحزب لما تبقى من فترة ولايته.
3- تعميق الرئيس الجديد الانقسامات الداخلية في نيجريا: سوف تنتخب نيجيريا رئيساً مسلماً للمرة الثانية على التوالي، في فبراير المقبل؛ حيث إنه على الرغم من شعبية المرشح المسيحي لحزب العمل، من المرجح أن يفوز حزب “مؤتمر جميع التقدميين” الحاكم أو حزب الشعب الديمقراطي المعارض الرئيسي، وكلاهما يضم مرشحين مسلمين، في الانتخابات الرئاسية؛ بسبب دعمهم الشعبي ومواردهم الاقتصادية. ذلك الأمر سيزيد من عزلة المسيحيين ويثير غضبهم، ويقسم البلاد. وستثير نتائج تلك الانتخابات أيضاً، غضب النيجيريين في المناطق الجيوسياسية في الجنوب والجنوب الشرقي؛ حيث كان من المفترض أن يتم التناوب على الرئاسة في الجنوب الشرقي لهذه الانتخابات، لكن لم يكن أي مرشح من الحزبين الرئيسيين من الجنوب أو الجنوب الشرقي. ومن ثم، ستؤدي الانتخابات إلى تفاقم الانقسامات الإقليمية في نيجيريا وتصاعد أعمال العنف. ومن المرجح أن يفيد فوز بولا تينوبو المرشح عن حزب مؤتمر جميع التقدميين، الجنوب الغربي من حيث الموارد والمشاريع الفيدرالية؛ حيث ينحدر تينوبو من لاجوس.
4- توترات اقتصادية واجتماعية في أفريقيا جنوب الصحراء: سوف تواجه الدول في جميع أنحاء أفريقيا جنوب الصحراء، مشاكل انعدام الأمن الغذائي، وحالات الطوارئ الإنسانية، وتخفيضات الدعم وأزمات العمالة على خلفية أعباء الديون المتزايدة؛ ما سيؤدي إلى تقلبات سياسية. كذلك سيفضي الانكماش الاقتصادي العالمي، إلى زيادة مخاطر عدم الاستقرار المالي والتخلف عن سداد الديون السيادية في جميع أنحاء المنطقة؛ حيث تتأرجح الدول التي تواجه أزمات اقتصادية (وعلى الأخص غانا)، مع أسعار الفائدة المرتفعة، وإضعاف أسعار السلع الأساسية العالمية، وقوة الدولار الأمريكي، وبطء النمو الاقتصادي.
قارة أمريكا اللاتينية
يمكن تناول أبرز التوقعات في قارة أمريكا اللاتينية خلال عام 2023؛ وذلك على النحو التالي:
1- تزايد حركة الهجرة من أمريكا اللاتينية إلى الولايات المتحدة: من المرجح أن تشهد الولايات المتحدة مستويات قياسية من الهجرة من أمريكا اللاتينية؛ بسبب الأزمة الاقتصادية في العديد من دول أمريكا اللاتينية؛ ما يزيد خطر مطالبة الجمهوريين بتمويل الجدار الحدودي وزيادة الدوريات والتهديد بنسف الميزانية.
2- اضطرابات مالية في الأرجنتين إثر سياسات شعبوية: ستزيد حكومة الأرجنتين الإنفاق الاجتماعي قبل الانتخابات العامة؛ ما يعرض برنامج ضبط أوضاع المالية العامة في البلاد مع صندوق النقد الدولي للخطر. وستزيد الحكومة الشعبوية الأرجنتينية من الإنفاق، في محاولة لتحسين وضعها في الانتخابات الرئاسية والتشريعية وحكام الولايات المقررة في أكتوبر المقبل؛ لذلك سوف يتراجع الرئيس ألبرتو فرنانديز، عن تخفيضات دعم المرافق المقررة سابقاً، لتجنب الاضطرابات المدنية الواسعة النطاق خلال عام الانتخابات، على الرغم من أن هذا الإجراء يعد جزءاً من برنامج ضبط أوضاع المالية العامة لصندوق النقد الدولي البالغ 44 مليار دولار.
3- نجاح سياسات الرئيس البرازيلي في جذب الاستثمارات: من المرجح أن يؤدي التزام الحكومة البرازيلية الجديدة بسياسات المناخ إلى زيادة الاستثمار؛ حيث ستقوم إدارة الرئيس الجديد لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، بسن سياسات مناخية أكثر صرامة، بما في ذلك فرض الغرامات وزيادة عمليات التدقيق، وتحسين صورة البرازيل بين المستثمرين العالميين.
4- تعاون حكومات أمريكا الجنوبية في تعزيز العمل المناخي: سوف تؤدي الأيديولوجية اليسارية المشتركة والضغوط المتزايدة من مجتمعات السكان الأصليين، إلى دفع الحكومات اليسارية في أمريكا الجنوبية للتعاون في سياسة المناخ؛ ما يزيد العبء التنظيمي ويقلل من مخاطر سمعة الشركات. لكن القيود المحلية ستحد من التنسيق بين دول أمريكا اللاتينية في التجارة وتنسيق السياسات. ومع ذلك، من المرجح أن تشهد أمريكا الجنوبية، بقيادة البرازيل، زيادة التنسيق في المبادرات المناخية، وتحديداً مراقبة المناطق الحدودية في غابات الأمازون المطيرة؛ ما يقطع سلاسل التوريد التي تعتمد على الأنشطة غير القانونية، مثل قطع الأشجار والتعدين غير المشروعين.
وختاماً، سوف تواصل أوروجواي التفاوض بشأن اتفاقية تجارة حرة مع الصين، فضلاً عن دخولها في شراكة عبر المحيط الهادئ؛ ما يزيد الاحتكاك واستمرار التوترات الدبلوماسية مع شركاء ميركوسور: الأرجنتين والبرازيل وباراجواي. ومع ذلك، من غير المرجح أن تعلق تلك الدول عمل ميركوسور، خوفاً من انهيار التكتل وتعطيل العلاقات التجارية الوثيقة.