1. إعادة التقييم:
في قراءة مسبقة لما قد تكون عليه الأوضاع الأمنية في الضفة الفلسطينية، كان من الواضح أن انفصال سلطة رام الله عن الواقع ومنه عن الشعب الفلسطيني؛ أدى إلى تراكم عناصر المواجهة التي تبلورت في مخيم جنين ولاحقًا البلدة القديمة في نابلس، وسائر مناطق الضفة بالتدريج، ولم تخطئ إحدى الصحفيات الإسرائيليات التي قدمت مقالا بعنوان “قناع الأبوية” في صحيفة هآرتس العبرية عندما قدمت التحذير للمستوى الأمني “الإسرائيلي” من أن التسليح المتزايد في شمال الضفة الفلسطينية سيقود إلى مواجهة مع أقرب شرارة اشتعال قد تندلع في القدس أو أي حدث مؤسس لها، وهذا ما حصل لتكون المواجهة التي افتتحها أبو القيعان وصولًا إلى اليوم.
2. أوكرانيا وخلط الحسابات:
المراقب من بعيد يعتبر أن دخول الروس أوكرانيا، كان عملاً أهوج غير ذي صلة بالإمكانات الروسية الاقتصادية والسياسية بخلاف القوة العسكرية، التي على ما يبدو أعمت عيون ضابط الاستخبارات السوفيتي السابق والرئيس الروسي الحالي من أن يشاهد حقائق الأمور وأهمها: إمكانية وقوعه في المصيدة حال ما يدخل مغامرته في أوكرانيا، فالنظام الروسي محكوم بنظرية الفرد المطلق وبالتالي لا يعطي أي اهتمام لما قد يكون في المستنقع الأوكراني، باعتبار أن غطرسة القوة تعمي العقول والأبصار؛ لتصبح المعركة الدائرة منذ شهر شباط 2022 المرتكز الأساس في التحولات القادمة لصالح من ينتصر ويخرج واقفًا بعد انقشاع غبار المعركة.
3. شهر رمضان:
بشكل مفاجئ للعدو الصهيوني، فعاليات مقاومة ذات التخطيط الفردي (ضمن مدرسة الذئاب المنفردة) تفرض معادلاتها على الكيان الصهيوني؛ لتعيد تلك الفعاليات للواجهة القضية الفلسطينية باعتبارها النار التي يتّقد أوارها يومًا بعد يوم حتى المواجهة الشاملة، مع أن الفعاليات النضالية التي كانت في 48، أحدثت صدى أعاد تحشيد المقاومة وتنظيمها من جديد في مخيم جنين ونابلس على الصورة التي نعيشها اليوم، والتي لم نكن نحلُم بوجودها في ظل ضغط الاحتلال وأجهزة أمن رام الله المناهضة لمن يعمل ضد الكيان الصهيوني.
4. ارتدادت سيف القدس:
بعد عام من معركة الوعي وصناعة انتصار الصورة والميدان للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة ومعها عموم شعبنا الفلسطيني الثائر في كل المواقع والكيان الصهيوني، حصل انتقاد شديد للخطط الأمنية والعسكرية المستخدمة في المعركة المذكورة، كون النتائج كانت بشكل متقدم لصالح المقاومة الفلسطينية التي فرضت معادلات جديدة على منظومة الكيان الصهيوني بكل تشكيلاتها، جزء من ردود الأفعال التي قام بها الكيان الصهيوني هو تشكيل قسم “إسرائيل” التابع لجهاز الشاباك الصهيوني؛ من أجل متابعة أي نشاط فلسطيني في 48، وإحباط أي توجه أو فعالية ذات بعد مقاوم للعدو الصهيوني، كما حصل في “أيار” إبان معركة سيف القدس، ومع أن القسم الجديد يشمل جميع مناطق صلاحياته إلا أنه يستهدف بالأساس الوجود الفلسطيني في 48؛ محاولًا فرض أدوات القمع والسيطرة عليه، باعتباره خطرًا داخليًا لا يمكن ردعه في حال سار على دورة الكيان الصهيوني.
5. الكتلة الإسلامية وحسم الموقف:
العمل الجاد والمخلص وتكامل أركان النجاح: استطاعت بذلك الكتلة الإسلامية في جامعة بيرزيت الحصول على الأغلبية الكبيرة في مجلس طلبة الجامعة، عند المجموع الفلسطيني الوطني يعتبر أن الميزان الانتخابي في الجامعة هنا انعكاس إلى حد كبير عن المزاج والتوجه الشعبي في عموم الضفة الفلسطينية؛ وعليه فإن عودة الحضور المقاوم يقود كما تبين هنا إلى تغيير في أشكال القيادة الوطنية لصالح من يمثل المقاومة والشعب، وهذا يعني استبدال الطرف الآخر الذي انعزل عن الشعب الفلسطيني وهمومه لصالح مصالحه الضيّقة جدًا، المرتبطة بالاستعمار الصهيوني بقيادة جديدة تعمل على الحفاظ على المصالح والثوابت الوطنية الفلسطينية؛ لذلك هي محاربة من سلطة رام الله.
نموذج الكتلة الإسلامية هنا يقدم الكثير من الأجوبة على التساؤلات الملحة حول كيفية العمل المنظم، وآليات العودة إلى الصورة وقيادة العمل الوطني الفلسطيني من جديد.
6. التفكك من الداخل وتعمّق الصدوع:
شهد العام المنصرم عديدا من التأكيدات التي تشير إلى حتمية انهيار الكيان الصهيوني من الداخل، أحد أهم الأدوات التي تؤدي إلى ذلك، تعمق الصدوع وتحديدًا بين المركب العلماني الليبرالي والمركب الديني الصهيوني الأرثوذكسي، هذا وتعتبر إشكالية الصدوع في الكيان ذات الأساس البنيوي فيه من التهديدات الوجودية ضمن تعريف النظرية الأمنية لها، نتيجة الانتخابات البرلمانية الأخيرة عبرت بأوضح صورة عن عمق الأزمة بين مركبات الكيان الصهيوني؛ وفي عودة عابرة للتاريخ اليهودي فإن الثورات الداخلية بين مركبات التجمعات اليهودية تاريخيًا كانت من أُولى الإرهاصات التي تؤدي في نهايتها إلى انهيار القلعة من الداخل.
7. الأسرى الفلسطينيون ونموذج الوحدة لمركبات الفصائل الفلسطينية المختلفة وامتداداتها داخل السجون الصهيونية:
استطاعت هذه الفصائل أن تتوحد تحت إطار لجنة الطوارئ العليا التي تمثل الكل؛ لتقوده نحو مواجهة صلبة يتحدى فيها الأسير الفلسطيني سجّانه الصهيوني، النجاح الباهر هنا يحسب للمقاومين الفلسطينيين الذين توحدوا في الخنادق، واليوم في مواقع الرباط والبطولة خلف قضبان الأسر؛ ليفرضوا نموذجهم اللامع كدرس وطني لكل المنشغلين خارج السجون في تحصين مواقعهم الوهمية على حساب القضية الفلسطينية، في الأسر فلسطين وحدتنا كما هو الحال مع مقاومة الاستعمار الصهيوني في كل أماكن وجوده.
8. عرين الأسود.. عودة المقاتل:
في الشعوب المستعمرة هناك عامل بنيوي أساسي متجذر فيها، يكمن في الرفض المطلق للاحتلال ومركباته، والعمل الدائم لإزالته وتطهير البلاد منه، لكن القضية الفلسطينية شهدت تراجعا للسياق الوطني المقاوم بفعل القبضة الأمنية لسلطة رام الله، التي تعمل بشكل حثيث على حفظ أمن الكيان الصهيوني تحت مظلة الاتفاقيات الاستسلامية الموقّعة معه، من أجل ضمان حماية الاحتلال الصهيوني بالمثل لهذه الجماعة الوظيفية من أن يقضي عليها الشعب الفلسطيني الثائر.
من أبرز حوادث العام 2022 كان صعود نجم مجموعات “عرين الأسود” من قلب البلدة القديمة في نابلس وكتيبة جنين المقاومتين، وغيرهما من مجموعات محلية فرضت معادلاتها الوطنية المقاومة عن المركب الفلسطيني بكل أطيافه، محاولات عدة أقدمت عليها سلطة رام الله وأجهزتها الأمنية بدءًا من اعتقال المقاوم (مصعب اشتية) و(عميد قبيلة) إلى العمليات العسكرية التي تقوم بها قوات العدو الصهيوني بشكل دائم ضد هذه المجموعات، والتي كان منها الاغتيال عبر دراجة ملغومة والاقتحام الواسع الذي استخدام وحدات النخبة الصهيونية وعلى رأسها (سيرت ماتكال) وغيرها، كل ذلك من أجل إنهاء هذه المجموعات إلا أن الاحتضان الشعبي لها خاصة من الجيل الشاب الفلسطيني المقاوم المتفق على رفض هذا المحتل ووكلائه؛ سعيًا منه لتحرير كامل التراب الفلسطيني، وإعادة المقاتل الفلسطيني الجديد كطائر العنقاء -كما يقال- إلى خندقه المقاوم في طريقه نحو النصر.
حالة عرين الأسود بنموذجها المتميز أعادت الروح للشعب الفلسطيني المكلوم؛ لينعكس على عموم الجيل الشاب راسمةً خطًا مقاومًا ثوريًا في وجه كل المتربصين بالقضية الفلسطينية وشعبنا الصامد لتسجل بدماء قادتها وأبنائها اسمها بين نجوم فلسطين.