• اخر تحديث : 2024-04-19 15:15
news-details
قراءات

لماذا تتصاعد الانتقادات ضد مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي؟


شهد مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) تاريخياً إصلاحات مكنته من الاستقلال عن السلطة السياسية، حتى بات أكثر انصياعاً لحكم القانون. وعلى الرغم من ذلك، تعالت الانتقادات الموجهة له في الفترة الأخيرة من جراء تحيزه السياسي، وهي الانتقادات التي يُذكر منها، على سبيل المثال، عدم تحقيقه في قضية رسائل وزيرة الخارجية السابقة ومرشحة الحزب الديمقراطي للانتخابات الرئاسية لعام 2016 “هيلاري كلينتون”، ثم إعادة فتح التحقيق قبل 11 يوماً فقط من سباق الرئاسة، ثم تبرئتها قبل الانتخابات بيومين. وقد شملت الانتقادات الموجهة له تسييس تحقيقاته، وانتهاك حقوق المواطنين في التعبير، بجانب ضعف تدابيره الأمنية، والإفراط في استخدام القوة، وهو ما صاحبته دعوات عدة للإصلاح بدرجات وأشكال مختلفة.

انتقادات بارزة

تعرض مكتب التحقيقات الفيدرالي لجملة من الانتقادات يمكن الوقوف على أبرزها من خلال النقاط التالية:

1- مراقبة محادثات مستخدمي “تويتر”: في عموده الأسبوعي على موقع معهد “رون بول للسلام والازدهار”، دفع المرشح الجمهوري السابق للرئاسة الأمريكية وعضو الكونجرس المتقاعد عن ولاية تكساس “رون بول” بأن مكتب التحقيقات الفيدرالي أرسل طلبات رقابة إلى “يوئيل روث” رئيس الثقة والسلامة في منصة “تويتر”، نحو 150 مرة بين عامي 2020 و2022 على نحو ينتهك التعديل الأول من الدستور الأمريكي.

ولا شك أن المنصة تجنبت سلفاً الاتهامات الموجهة إليها بانتهاك حق الأمريكيين في حرية التعبير؛ لكونها شركة خاصة، بيد أنه في اتجاه مضاد لذلك، تم الكشف عن اتصالات داخلية بين موظفي عملاق وسائل التواصل الاجتماعي من ناحية، والمسؤولين الحكوميين في مكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالات الاستخبارات الأمريكية ووزارة الأمن الداخلي من ناحية ثانية، وهو ما يؤكد في مجمله أن منصة “تويتر” تتحكم في مضمون محادثات الأمريكيين، وأن المواطنين أضحوا أعداءً محتملين لمكتب التحقيقات الفيدرالي.

2- التعاون مع الشركات التكنولوجية العملاقة: تورط عشرات من عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي وغيرهم من قدامى المحاربين، لا سيما عملاء الاستخبارات العسكرية، مع منصات التواصل الاجتماعي الرائدة للتنسيق ومنع بعض الروايات المتداولة حول المكتب، وهو الأمر الذي كشفته الدعوى القضائية التي رفعها المدعي العام في ولاية ميزوري ومثيله في ولاية لويزيانا في وقت سابق من عام 2022. وفي سياق متصل، أظهر أحد استطلاعات الرأي الحديثة أن 70% من الأمريكيين يعتقدون أن الكونجرس يجب أن يتخذ إجراءات لإنهاء التواطؤ بين مكتب التحقيقات الفيدرالي والشركات التكنولوجية الكبرى. وفي المقابل، أكد الأول أنه يتعاون بانتظام مع مختلف كيانات القطاع الخاص لتتبع المعلومات اللازمة عن مختلف الأنشطة التخريبية وغير المعلنة أو الخفية أو الإجرامية.

3- اختراق الموقع الإلكتروني لمكتب التحقيقات الفيدرالي: تجلى ضعف التدابير السيبرانية لمكتب التحقيقات الفيدرالي بعد أن اخترق قراصنة Killnet موقعه الإلكتروني في ديسمبر 2022، لا سيما أن هذا الاختراق أسفر عن سرقة بيانات 10210 من موظفيه، بما تشمله من كلمات سر حساباتهم على مواقع التسوق عبر الإنترنت والبطاقات الطبية، بجانب حساباتهم في كل من “جوجل” و”أبل”، وهو ما كشفت عنه أحد الفيديوهات التي نشرها منفذو عملية القرصنة توضيحاً لعملية الاختراق التي نفذوها، كما كشفوا أن كلمات السر التي تمت سرقتها يستخدمها الموظفون في دخول شبكات وزارة الدفاع.

4- ازدواجية تطبيق القوانين في مواجهة السياسيين: في الوقت الذي كان فيه مكتب التحقيقات الفيدرالي حريصاً على مواصلة التحقيقات حول التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية لعام 2016 دون الوصول إلى دليل واضح على التواطؤ، أظهر العكس عند تسليم الكمبيوتر المحمول الخاص بـ”هانتر بايدن” رغم كونه هدفاً مهماً للمحققين الجنائيين، في ظل تعدد الصور ورسائل البريد الإلكتروني المحفوظة عليه. ومع ذلك، تشير التقارير إلى أن مسؤولي مكتب التحقيقات الفيدرالي أوقفوا التحقيقات أو أبطؤوا وتيرتها على أقل تقدير. وعليه، تعالت الانتقادات الموجهة إليه؛ لدوره في وقف نشر بيانات ومعلومات مهمة عن نجل الرئيس الأمريكي “جو بايدن” قبل الانتخابات الرئاسية لعام 2020.

ومن جانب آخر، ثار الادعاء بأن انتهاكات مكتب التحقيقات الفيدرالي ترجع إلى تدخلات البيت الأبيض في عمله، وهو ما يتجلى على صعيد سوء أدائه في إدارة التحقيقات حول رسائل البريد الإلكتروني لـ”هيلاري كلينتون” بعد أن تجاهل التحذيرات من أن “ملف ستيل”، الذي تم تمويله إلى حد كبير من حملة “كلينتون”، قد استخدمته المخابرات الروسية على الأرجح لنشر معلومات مضللة من ناحية، وكذلك مسألة تواطؤ “ترامب” المزعوم مع روسيا من ناحية ثانية، وهو ما يرجع في جانب كبير منه إلى سوء إدارة “جيمس كومي” مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي السابق، لكثير من قضايا المكتب. وفي سياق متصل، أشار بعض الجمهوريين في شهر نوفمبر الماضي إلى أن المشكلة تكمن في هيكل مكتب التحقيقات الفيدرالي الذي يُلقي بالقضايا التي يحقق فيها في أيدي الفاعلين المسيسين فيما وصفوه بـ”تعفنه الذي يتفاقم في واشنطن ويخرج منها”.

اتجاهات الإصلاح

يصاحب الانتقادات السابقة دعوات مختلفة لإصلاح مكتب التحقيقات الفيدرالي، وهي الإصلاحات التي تدور حول الاتجاهات التالية:

1- عقد جلسات بمجلس النواب لمناقشة إصلاح المكتب: في ظل الأغلبية التي يتمتع بها الجمهوريون في مجلس النواب،وعد كل من الرئيس الجمهوري الجديد للجنة القضائية “جيم جوردان” ونظيره في لجنة الرقابة والإصلاح “جيمس كومر” بعقد عدة جلسات استماع بشأن مكتب التحقيقات الفيدرالي، كما يذهب بعض الجمهوريين إلى إنشاء لجنة فرعية مختارة جديدة تتصل بمختلف أجهزة الحكومة الفيدرالية. وقد أشار “كومر” بالفعل إلى أن مكتب التحقيقات الفيدرالي “بحاجة إلى التفكيك”، فيما يرغب بعض الجمهوريين في طرد المدير الحالي كريستوفر راي.

2- إعادة هيكلة جوهرية لمهام مكتب التحقيقات: يفضل بعض الجمهوريين، لا سيما بعض الأصوات التي تدافع عن مكتب التحقيقات الفيدرالي جزئياً، مثل المدعي الفيدرالي السابق “أندرو مكارثي”، إعادة النظر في وظائفه بالنظر إلى تعارض مهامه بسبب طبيعتها المزدوجة التي يقصد بها تحديداً إنفاذ القانون والأمن الداخلي، ومن ثم يقتضي الأمر إعادة التفكير في مهام مكتب التحقيقات الفيدرالي مع فصل الوظيفتين كل منهما عن الأخرى من خلال تحويل مكتب التحقيقات الفيدرالي إلى وكالة استخبارات بحتة من ناحية، واختيار مديريه من ذوي الخبرة والكفاءة من ناحية ثانية.

3- تغيير الثقافة الداخلية الحاكمة لعمل المكتب: تدفع بعض الأصوات بأن مكتب التحقيقات الفيدرالي ينحدر من “ثقافة فاسدة في القمة”، وأن ثقافته الحاكمة تحولت تدريجياً من ثقافة المحقق إلى ثقافة محامي الإدارة الأمريكية، وهو ما يعني أنه يعاني من تحديات داخلية تتطلب علاجاً وتغييراً ثقافياً، وهو ما وصفته بعض الأصوات بـ”التفاح الفاسد”. وفي سياق متصل، يدفع “توماس جيه بيكر” مؤلف كتاب “سقوط مكتب التحقيقات الفيدرالي”، بضرورة العودة إلى ثقافة “القسم على قول الحقيقة” التي تراجعت بفعل نهج الاستخبارات السائد.

4- تعيين مديرين أكفاء في مكتب التحقيقات: منذ وفاة “جي إدجار هوفر” أول مدير لمكتب التحقيقات الفيدرالي، ندر تعيين مديرين أكفاء لمكتب التحقيقات الفيدرالي، ومن هؤلاء على سبيل الحصر “كلارنس كيلي” و”لويس فريه”. ومن ثم، يقتضي الإصلاح – بجانب تعيين قيادات على درجة عالية من الكفاءة – الحد من سلطة مكتب التحقيقات الفيدرالي في بعض القضايا؛ فقد سبق أن قام 20 عميلاً من عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي المسلحين باستخدام القوة المفرطة لاعتقال الناشط “مارك هوك” المتهم بإجهاض رفيقته دون أن يمثل تهديداً لهم، وهو ما يعني ضرورة إجراء بعض التغييرات الهيكلية.

ختاماً، لقد سبق أن تسببت فضيحة ووترجيت في تغييرات حادة؛ ليس فقط على صعيد الرئاسة الأمريكية، بل في عدد من الوكالات الفيدرالية، وفي مقدمتها مكتب التحقيقات الفيدرالي؛ حيث طالب المواطنون بإجابات واضحة عن حدود تورط الأخير والوكالات الفيدرالية الأخرى في السياسة الداخلية الأمريكية، ولم يكتف الكونجرس آنذاك بالتحقيق معه، بل طال التحقيق عدداً من الوكالات الاستخبارية الأخرى. ولا تقل الانتقادات الموجهة إلى مكتب التحقيقات الفيدرالي في الوقت الراهن خطورة عن تداعيات فضيحة ووترجيت، بعد أن جعلته في مرمى الانتقادات السياسية التي تتهمه بالانحياز والتسييس وانتهاك حق المواطنين في التعبير بعد أن أضحت مكافحة المعلومات المضللة أحد اختصاصاته، بل إنه وصف منتقديه بمنظري المؤامرة الذين ينشرون عنه معلومات مضللة لتشويه سمعته.