تُعيد الحرب الأوكرانية تشكيل الحروب في المستقبل بشكل كبير، خاصةً في ظل تداعياتها على تفاعلات القوى الكبرى وبعض مناطق الصراع في أقاليم العالم المختلفة. وفي ضوء هذا، نشر موقع مجلة "فورين بوليسي" الاميركية مقالاً بعنوان "الدروس المستفادة للحرب القادمة"، وقد شارك في كتابته اثنا عشر خبيراً؛ وذلك لتحليل الدروس المستفادة من الحرب الأوكرانية في الصراعات المستقبلية بشكل عام، والصراع في تايوان بشكل خاص، مع الإجابة على مجموعة واسعة من الأسئلة منها: لماذا فشل الردع؟ وما الذي يمكن تعلمه عن الاستراتيجية والتكنولوجيا في ميدان المعركة؟ وكيف نتعامل مع عودة التهديدات النووية؟
استنساخ تايوان
يشير أندرس فوج راسموسن (الأمين العام السابق لحلف الناتو ومؤسس تحالف الديمقراطيات)، أنه من المستحيل عدم إجراء أوجه تشابه بين هجوم روسيا على أوكرانيا وطموحات الصين بشأن تايوان، وذلك كالتالي:
1- التعامل بجدية مع التهديدات الصينية: أوضح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في يوليو 2021 أن “السيادة الحقيقية لأوكرانيا ممكنة فقط بالشراكة مع روسيا”، وقبل أيام من الحرب، وصف أوكرانيا بأنها “جزء لا يتجزأ من تاريخ وثقافة روسيا”، كما أنكر بوتين مراراً وتكراراً حق أوكرانيا في الوجود، ومع ذلك تجاهل القادة الغربيون خطر حدوث تدخل عسكري واسع النطاق. ولذلك يوضح المقال أنه لا بد من تعلم الدرس بالنسبة إلى تايوان؛ فعندما قال الرئيس الصيني شي جين بينج إن لبكين الحق في استخدام جميع الإجراءات الضرورية “لإعادة توحيد” تايوان مع الصين، فإنه يجب التعامل مع تصريحاته وتهديداته بجدية.
2- تحجيم التفوق التكنولوجي الصيني: يشير المقال إلى أنه يجب أن تستند أي استراتيجية لتايوان لردع أي هجوم صيني على التفوق التكنولوجي؛ فقد كانت شجاعة الأوكرانيين هي التي صدت التقدم الأولي، ولكن تم تحويل مجرى الحرب بأسلحة متقدمة غربية الصنع. وفي غضون ذلك، تحولت روسيا بشكل متزايد إلى المعدات التي تعود إلى الحقبة السوفييتية؛ لأسباب ليس أقلها العقوبات الغربية التي تعيق صناعة الأسلحة الروسية الآن.
3- إمداد تايوان بأسلحة لردع بكين: يشير المقال إلى أنه على الرغم من أهمية العقوبات، فإن المساعدات العسكرية الضخمة التي تقدمها الولايات المتحدة في الغالب هي التي غيرت الواقع على الأرض في أوكرانيا؛ فلقد سمحت الأسلحة المتفوقة للأوكرانيين بصد التقدم الروسي الأولي واستعادة مساحات شاسعة من الأراضي. وإذا كانت أوكرانيا تمتلك هذه القدرات قبل الحرب، فربما غير بوتين رأيه في التدخل العسكري؛ لذلك يعتقد المقال أن الدرس نفسه ينطبق على تايوان؛ فبمساعدة شركائها، يجب أن تصبح الجزيرة مكاناً مليئاً بالأسلحة لردع أي محاولة محتملة للاستيلاء عليها بالقوة.
4- ضمان انتصار أوكرانيا لإنقاذ تايوان: بحسب المقال، تتمثل أهم طريقة لردع تحرك صيني في تايوان الآن في ضمان انتصار أوكرانيا؛ فإذا تمكنت روسيا من اكتساب الأراضي وإقامة الوضع الراهن الجديد بالقوة، فسوف تتأكد الصين والقوى العالمية الأخرى أن تصميم العالم الديمقراطي ضعيف، وأن القوى الغربية في مواجهة الابتزاز النووي والعدوان العسكري اختارت التهدئة على المواجهة.
5- دعم واشنطن رفع القدرات العسكرية التايوانية: يجب على تايوان إعادة توجيه أولوياتها في أقرب وقت ممكن. ويمكن للولايات المتحدة أن تدعم الإصلاحات كما فعلت مع أوكرانيا بعد عام 2014. ويمكن إنشاء مجموعة عمل مشتركة بين الولايات المتحدة وتايوان على مستوى السياسة ومستوى العمل لدعم إصلاحات هيكل القوة والأسلحة والعقيدة العسكرية والتخطيط العملياتي والإدارة اللوجستية والتكتيكات والتدريب.
توسيع العقوبات
تشير ماريا شاجينا (الباحثة في مجال العقوبات بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية)، إلى أن روسيا أوضحت أن العقوبات وحدها من غير المرجح أن تمنع أو توقف العدوان العسكري؛ وذلك كالتالي:
1- تحديد نقاط ضعف الصين لممارسة ضغوط واسعة: بحسب المقال، فإن استخدام الغرب الضغط الاقتصادي ضد الصين، التي يبلغ ناتجها المحلي الإجمالي 10 أضعاف الناتج المحلي الإجمالي الروسي، سيكون صعباً للغاية. فعلى عكس روسيا، فإن الصين متورطة في الاقتصاد العالمي لدرجة أن أي محاولة لشن حرب اقتصادية ستخلق رد فعل عنيفاً جداً؛ ما يضع الوحدة الغربية على المحك. وبينما تستطيع روسيا تسليح الطاقة والسلع الأخرى، فإن لدى الصين العديد من الخيارات للانتقام، كما يمكن أن يتحول قطع العلاقات مع الصين إلى النسخة الاقتصادية للحرب النووية؛ حيث يخسر الجميع. ولذلك فإن تحديد نقاط الاختناق وتقليل نقاط الضعف سيمكن الغرب من ممارسة الضغط بشكل أكثر حزماً.
2- إنشاء تحالف عقوبات موسع ضد بكين: أظهرت الحالة الروسية أهمية وجود تحالف عقوبات واسع؛ إذ لم يبعث ذلك برسالة رمزية قوية إلى موسكو فحسب، بل كان له دور فعال أيضاً في تجميد أكثر من 300 مليار دولار من الاحتياطيات الأجنبية الروسية وقطع وصول موسكو إلى التكنولوجيا الغربية المتقدمة. ولاستهداف الصين، سيكون بناء تحالف متعدد الأطراف ضرورياً بالقدر نفسه ولكنه أكثر صعوبة؛ إذ قد يكون ضم حلفاء آسيويين وأوروبيين أمراً صعباً بشكل خاص بسبب علاقاتهم الاقتصادية الوثيقة مع بكين.
3- توظيف نفوذ واشنطن للضغط على سلاسل التوريد: ترى الكاتبة أن ضوابط واشنطن الشاملة على تصدير الرقائق إلى الصين ستعمل على تقويض قدرة الدولة على تطوير قدراتها في التقنيات الناشئة، بما في ذلك التقنيات ذات التطبيقات العسكرية، كما تدعو الكاتبة الولايات المتحدة وحلفاءها للبدء في تصميم سياسة استباقية للضغط الاقتصادي على الصين في الوقت الحاضر.
المعضلة النووية
كشف المقال عن التداعيات المرتبطة باستخدام الأسلحة النووية في ظل الحرب الأوكرانية؛ وذلك على النحو التالي:
1- تعزيز الحوار حول الحد من انتشار السلاح النووي: يعتقد المقال أنه ربما يفتح شبح استخدام الأسلحة النووية المتجدد خلال الحرب في أوكرانيا الباب أمام المشاورات النووية؛ حيث تطرق الزعيمان الأمريكي والصيني إلى فكرة فرض حظر على الصواريخ المتوسطة المدى في أوروبا وآسيا، وهي اتفاقية يمكن أن تحل محل معاهدة القوات النووية المتوسطة المدى التي تم حلها الآن.
2- الاعتراف بقوة الترسانة النووية لدى الجانب الروسي: يشير جراهام أليسون (أستاذ دراسات الحوكمة في كلية كينيدي بجامعة هارفارد)، إلى أن تهديد الرئيس بوتين بضرب أوكرانيا بالأسلحة النووية، كان بمنزلة تنبيه إلى الحقيقة القاسية المتمثلة في أن الترسانات النووية التي تحتوي على آلاف الرؤوس الحربية تظل أساسية في تشكيل العلاقات بين القوى العظمى. وبينما كان الخبراء والمعلقون يحثون واشنطن على تجاهل تهديدات بوتين، فإن الرئيس الأمريكي جو بايدن وفريقه يأخذون الأمر على محمل الجد. وبحسب المقال، يقود بوتين ترسانة نووية يمكنها حرفياً محو الولايات المتحدة من الخريطة.
3- خسائر بشرية فادحة للأسلحة النووية التكتيكية: أوضح المقال أن ترسانة بوتين النووية تحتوي على نحو 1900 سلاح نووي تكتيكي مصمم للاستخدام على مدى أقصر. ومع تأثير متفجر يعادل القنبلة التي ألقتها الولايات المتحدة على هيروشيما باليابان، يمكن لسلاح واحد يضرب خاركيف أو كييف في أوكرانيا، أن يضاهي 140 ألف حالة وفاة ناجمة عن القنبلة الذرية الأولى.
4- استمرار الأسلحة النووية ركيزةً أساسيةً للقوى الكبرى: أدت ما تسمى الآن “المحرمات النووية” إلى اعتقاد الكثيرين بأن الأسلحة النووية لم تعد قابلة للاستخدام في الحرب، على الرغم من حقيقة أن كلاً من الولايات المتحدة وروسيا تستمران في الاعتماد على التهديد باستخدام الأسلحة النووية للدفاع عن نفسهما؛ فهذا هو جوهر الردع النووي. علاوة على ذلك، توفر واشنطن مظلة نووية لحماية حلفاء المعاهدة الذين يختارون عدم امتلاك أسلحتهم النووية من خلال ضمان استخدام ترسانة الولايات المتحدة للدفاع عنهم، لكن يعتقد الكاتب أن أوكرانيا وجورجيا وتايوان ليس لديها التزام من قبل الولايات المتحدة باستخدام الأسلحة النووية في الدفاع عنها.
قواعد اللعبة
يشير كل من ديفيد بتريوس (المدير السابق لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية و”فانس سيرشوك” المدير التنفيذي لمعهد كي كي آر العالمي)، إلى أن أحد أقوى الدروس العسكرية المستفادة من حرب روسيا في أوكرانيا هو أن استراتيجية الصين وروسيا وإيران ضد الولايات المتحدة، يمكن أيضاً استخدامها ضد هذه القوى في الدفاع عن النظام العالمي الذي تقوده واشنطن؛ وذلك على النحو التالي:
1-استخدام استراتيجية “منع الوصول” ضد القوات الروسية: ظهر مفهوم “منع الوصول” أو A2/AD لأول مرة في أواخر التسعينيات؛ حين سعت بكين وموسكو وطهران إلى ابتكار طرق غير متكافئة لإحباط قدرة واشنطن على نشر قواتها باعتبارها خصماً جيوسياسياً، لكن في مفارقة غير متوقعة، فإن الأوكرانيين هم الذين نجحوا الآن في استخدام هذه الاستراتيجية؛ فقد دمرت أوكرانيا جزءاً كبيراً من القوات الروسية وخطوط إمدادها الضعيفة من خلال التطبيق المستمر والواسع النطاق لـ"الدقة القصيرة والطويلة المدى".
2-إعادة النظر في البنية التحتية للصناعات الدفاعية: تؤكد حرب روسيا أيضاً الحاجة إلى قاعدة صناعية حليفة يمكنها الحفاظ على إنتاج هذه الأسلحة على نطاق واسع وبسرعة؛ فقد تم إنقاذ كييف من خلال الاستعداد المذهل لواشنطن والداعمين الغربيين الآخرين لخفض ترساناتهم لتسليح أوكرانيا، وكذلك بسبب حدودها البرية مع دول الناتو؛ ما يسهل إعادة الإمداد. ولكن في حالة نشوب صراع في منطقة غرب المحيط الهادئ، لن يأتي أحد لإنقاذ الجيش الأمريكي الذي يعاني من نقص في المخزون ونفاد الذخيرة. وهكذا وجهت الحرب الأوكرانية دعوة لا تقدر بثمن لمخططي وزارة الدفاع والمتخصصين في الكونجرس مفادها أن البنية التحتية للصناعات الدفاعية والقوى العاملة في فترة ما بعد الحرب الباردة، غير كافية لنوع الحرب المستمرة التي قد تفرضها الحقبة الجديدة من المنافسة بين القوى العظمى.
3- تطوير حماية ومرونة بعض القواعد العسكرية: من المرجح أن تؤدي الآثار المدمرة التي تلحقها الآثار البعيدة المدى في أوكرانيا إلى زيادة التركيز على تحسين الحماية والمرونة في القواعد الأمريكية والقواعد المتحالفة والمقار والمستودعات اللوجستية، بالإضافة إلى تطوير المزيد من أنظمة الدفاع الفعالة والمتكاملة والمضادة للصواريخ والطائرات بدون طيار، بما في ذلك التقنيات الدفاعية العالية الطاقة.
حروب المعلومات
تشير إليزابيث براو (الزميلة الأولى في معهد أمريكان إنتربرايز وكاتبة العمود في فورين بوليسي)، إلى أن استعداد الولايات المتحدة لمشاركة معرفتها التفصيلية بخطط الحرب الروسية مع العالم، وضع الكرملين في موقف ضعيف منذ البداية؛ وذلك كالتالي:
1- تصاعد توظيف التضليل المعلوماتي ضد الجماهير: بحسب براو، فإنه يمكن للأطراف المتحاربة أن تنشر الخداع، وتغمر مساحة المعلومات بالمعلومات المضللة. ولطالما كان يُنظر إلى روسيا على أنها تتقن الفن المظلم للاتصالات الاستراتيجية المليئة بالأكاذيب، وهو عامل رئيسي في استيلائها الناجح على شبه جزيرة القرم وأجزاء من شرق أوكرانيا في عام 2014؛ حيث ارتبك العديد من الجماهير الغربية بسبب الادعاءات المتنافسة. لكن في الحرب الحالية، تغلبت فرق الاتصالات في كييف على موسكو من خلال رسائلها المتفائلة التي ركزت على نقاط القوة في الأوكرانيين. وبالنسبة إلى تايوان، تصنف منظمة فريدوم هاوس تأثير بكين على وسائل الإعلام التايوانية بأنه "مرتفع جداً".
2- ضرورة العمل على محو الأمية المعلوماتية للمواطنين: تقوم بعض البلدان، مثل فنلندا، بالعمل على محو الأمية المعلوماتية، بينما يفتقر العديد من البلدان الأخرى إلى استراتيجية شاملة لمساعدة مواطنيها على فهم المعلومات الواردة إليهم. ويرى المقال أن هذه الفوضى المعلوماتية أرض خصبة للجهود التخريبية من قبل الجهات الحكومية وغير الحكومية. وقد أدركت تايوان أيضاً هذا الخطر وأطلقت سلسلة من مبادرات محو الأمية الإعلامية في عام 2021.
التحرك الصيني
بحسب تاي مينج تشيونج (مدير معهد الصراعـــات العالمية والتعاون في جامعة كاليفورنيا)؛ ألقت الحرب الروسية الأوكرانية الضوء على الحالة المتدهور لصناعة الدفاع الروسية، لا سيما القيود المفروضة عليها، وفي الوقت ذاته تقدم دروساً مستفادة لصناعة الدفاع الصينية؛ وذلك على النحو التالي:
1- توفير مخزون كافٍ من الذخيرة لحرب طويلة الأمد: يعتقد الكاتب أن أحد الدروس الواضحة لجيش التحرير الشعبي من هذه الحرب هو الحاجة إلى ضمان وجود مخزون كافٍ من الذخيرة لحرب طويلة الأمد؛ فنظراً لأن الصين لم تخض حرباً كبرى منذ غزو فيتنام في عام 1979، فإن لديها القليل من المعرفة المؤسسية حول كيفية استمرار الحرب.
2- ملء الصين الفراغ الروسي في تصدير الأسلحة: نظراً لأن الحرب الأوكرانية والعقوبات الغربية ستحوِّل – وفقاً للكاتب – روسيا إلى مستورد عسكري صافٍ في المستقبل المنظور، فقد فتحت فرصة ذهبية للصين لتحل محل موسكو مصدراً للأسلحة من الدرجة الأولى. ويعتقد المقال أنه لا يمكن أن يكون التوقيت أفضل؛ لأن صناعة الدفاع الصينية بصدد ترقية صورة علامتها التجارية من شركة مصنعة لأسلحة جيدة بما فيه الكفاية ومنخفضة الجودة وبأسعار معقولة، إلى مورد للأسلحة المتطورة. وإذا نجحت بكين في الاستحواذ على السوق فقد يؤدي ذلك إلى دعم التحول الدفاعي الطموح للصين.
3- تكثيف الردع الاستراتيجي بين موسكو وبكين: وفقاً للمقال، أوقفت الحرب الأوكرانية علاقة صناعة الدفاع الصينية الروسية مؤقتاً، لكن من المرجح أن تكون هذه الفجوة قصيرة الأجل؛ إذ يرى المقال أن تطوير قدرات الردع الاستراتيجي، الموجه بشكل أساسي ضد الولايات المتحدة، هو المكان الذي يبدو أنه يوجد فيه أكبر تقارب للمصالح المشتركة بين البلدين. إذ أعطت أحدث خطط التحديث الدفاعي لموسكو أولوية قصوى لتطوير أجيال جديدة من الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، والصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، وأسلحة الليزر، والغواصات النووية، والأنظمة المستقلة؛ أي جميع المجالات ذات الأهمية الكبيرة لبكين؛ حيث تدرك القيادتان الصينية والروسية أن لديهما فرصة أفضل بكثير لمواجهة التحديات التي تفرضها الحرب الأوكرانية، ولتكثيف المنافسة العسكرية التقنية ضد واشنطن معاً أكثر من كل منهما على حدة.
الحروب الهجينة
يشير كريج سينجلتون (الزميل الأقدم في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات)، إلى أن الحرب الأوكرانية غيرت وجهة نظر الزعيم الصيني شي جين بينج بشأن غزو تايوان؛ على النحو التالي:
1- بحث بكين عن تنويع أدوات الإكراه ضد تايوان: لتقويض ثقة الجمهور التايواني بقدرة القوات المسلحة على حماية سيادة الجزيرة، يرجح المقال أن تزداد الغارات الجوية والبحرية شبه اليومية للصين، وكذلك ستُنشر الصور الإعلامية التي تبثها بكين حول التهديد بتدريبات عسكرية، مثل تصوير القوات الصينية وهي تقتحم نسخة طبق الأصل من القصر الرئاسي في تايوان. ويعتقد الكاتب أن مثل هذه الإجراءات تعزز رواية الصين القائلة بأن إعادة التوحيد أمر لا مفر منه، بطريقة أو بأخرى. ومع ذلك يرى المقال أن الخطوة المنطقية التالية في حملة الإكراه – وهي فرض حصار جوي أو بحري – تبدو أقل احتمالاً؛ لأن القيام بذلك يمكن أن يحفز المشاعر الانفصالية والتعاطف الدولي مع تايبيه التي لم تستعد بكين حالياً لمواجهتها.
2- التركيز على الدعاية المضللة والهجمات الإلكترونية: مع احتمال حدوث سيناريو عسكري وشيك، يتوقع الكاتب أن الجزء الأكبر من استراتيجية الصين سوف يقع على عاتق إدارة الدعاية المركزية، التي تدرب الجيوش الإلكترونية وتنشر معلومات مضللة تهدف إلى إضعاف معنويات المجتمع التايواني وتقسيمه. وبحسب المقال، ستستفيد بكين تدريجياً من منصات وسائل التواصل الاجتماعي، ومجموعات الدردشة عبر الإنترنت، وشركات الإعلام التقليدية لتعزيز روايتها الخاصة بإعادة التوحيد، كما ستستخدم هذه القنوات لجذب الاستثمار والسياح بعيداً عن تايوان ونحو الصين. بالإضافة إلى ذلك، ستصعد بكين الهجمات الإلكترونية والشبكات الأخرى ضد البنية التحتية الحيوية في تايوان والمؤسسات المالية والأهداف الأخرى.
3- تصعيد حرب الاستنزاف غير العسكرية ضد تايوان: يتوقع الكاتب أن تُصعِّد الصين حرب الاستنزاف غير العسكرية على تايوان؛ إذ ستستمر بكين في تمويل الأحزاب السياسية والمرشحين المؤيدين للوحدة سراً قبل الانتخابات الوطنية القادمة في تايوان في عام 2024. وبالمثل ستواصل الصين جهودها لخنق تايوان دبلوماسياً، وبشكل أساسي عن طريق إضعاف مشاركتها في المحافل الدولية، والمزيد من التغلب على عدد صغير من الدول التي تعترف تايوان. ومع ذلك يحذر الكاتب من أن التلاعب بجهود المنطقة الرمادية يشير إلى أن التصعيد الجاد لهذه الاستفزازات قد يقود الولايات المتحدة وحلفاءها إلى تبني ردود أكثر قوةً في المستقبل. بعبارة أخرى، فإن شن حرب هجينة لا رادع ضد تايوان، ينطوي على خطر حقيقي يتمثل في نشوب حرب مع واشنطن، ربما عاجلاً وليس آجلاً.
الحروب السيبرانية
يشير كريس كريبس (المدير السابق لوكالة الأمن السيبراني وأمن البنية التحتية الأمريكية)، إلى أن أحد الجوانب المثيرة للاهتمام في الحرب الأوكرانية هو الغياب الواضح لنجاح الحرب السيبرانية الروسية، وذلك كالتالي:
1- تفوق مهندسي البرمجيات الأوكرانيين عالمياً: بحسب المقال، فإن من المعروف في صناعة التكنولوجيا أن مهندسي البرمجيات الأوكرانيين من الأفضل في العالم؛ لذلك لم يكن مفاجئاً أنهم كانوا قادرين على الوقوف والدفاع عن سيادتهم الرقمية.
2- مساعدة القيادة السيبرانية الأمريكية لأوكرانيا: علاوة على ما سبق، كانت فرق Defend Forward التابعة للقيادة الإلكترونية الأمريكية، طرفاً مهماً في المعادلة حسب الكاتب، وهي الفرق التي انتقلت إلى أوكرانيا حين بدت الحرب وشيكة في ديسمبر 2021، وقد ساعدت في طرد المتسللين الروس من الشبكات الأوكرانية الضعيفة قبل العمليات العسكرية الروسية.
3- انخراط الشركات الخاصة في الدفاع السيبراني: وفقاً للمقال، تم تجهيز شركات القطاع الخاص لحماية عملياتها في أوكرانيا وفي جميع أنحاء أوروبا. ولما لم تكن القدرات المحلية الأوكرانية كافية، ظهرت شراكات جديدة ومبتكرة للمساعدة في الدفاع عن الشبكات الأوكرانية، بما في ذلك Cyber Defense Assistance Collaborative، التي جمعت أكثر من 12 شركة.
4- الاستعداد الوقائي للهجمات الإلكترونية الشرسة: في ظل الهجمات الروسية المستمرة، تجنب المدافعون عن الشبكة الأوكرانية وقوع كارثة؛ لذلك يعتقد الكاتب أن الدرس الأساسي المستفاد من الحرب الأوكرانية هو أنه من الممكن الاستعداد والوقاية والصمود في مواجهة هجمة رقمية من قبل خصم هائل. وقد سمح انخراط روسيا المستمر مع الشبكات الأوكرانية على مر السنين، للأوكرانيين بممارسة الدفاع ضدها. وقد تكون النتيجة الرئيسية من الحرب الأوكرانية، وفقاً للكاتب، هو أن الحرب السيبرانية عامل مساهم أكثر من كونها عاملاً حاسماً، على الرغم من أن العوامل المساهمة يمكن أن يكون لها تأثير.
عامل التكنولوجيا
يشير مارو جيلي (الباحث الأول في مركز الدراسات الأمنية في المعهد الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا في زيورخ)، إلى دور التكنولوجيا في الحرب على النحو التالي:
1- أهمية المُسيَّرات ورادارات الأقمار الصناعية في حسم المعارك: أشار المقال إلى أن القوات البرية تتعرض اليوم للعديد من أجهزة الاستشعار النشطة والسلبية التي يمكنها اكتشاف وجودها وتعريضها لنيران العدو؛ فعلى سبيل المثال، لعبت المُسيَّرات العسكرية والتجارية الصغيرة دوراً حاسماً في الحرب من خلال استكشاف المنطقة، واكتشاف قوات العدو وتحديد موقعها الجغرافي، وتمكين الاستهداف الدقيق بأنظمة الأسلحة المختلفة، كما لعبت الرادارات المعتمدة على الأقمار الصناعية دوراً مهماً في حرمان القوات البرية من القدرة على الاختفاء.
2- انكشاف كافة الأسلحة أمام القدرات التكنولوجية المتقدمة: يشير المقال إلى أنه لا ينبغي أن يحجب افتقار روسيا إلى التطور التكنولوجي والقدرات، حقيقة أن جميع الأسلحة قابلة للاستهداف؛ فعلى سبيل المثال، طورت الحكومة الأوكرانية تطبيقاً للهاتف المحمول يسمح لمواطنيها بتقديم معلومات في الوقت الفعلي حول الصواريخ القادمة والطائرات التي تحلق على ارتفاع منخفض؛ لتجنب أشكال الكشف الأخرى. ويعتقد الكاتب أن التوافر المتزايد لأجهزة الاستشعار والمُسيَّرات والأقمار الصناعية، فضلاً عن التطورات في الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة والتعلم الآلي، سيعزز القدرة على اكتشاف أهداف العدو وتحديد موقعها، أياً كان نوع الهدف.
3-انعكاسات مهمة للتكنولوجيا على الصراعات المستقبلية: يشير المقال إلى أن تداعيات هذه الديناميكيات على أي صراع مستقبلي – لا سيما تايوان – واضحة ومباشرة؛ إذ ستستمر الضرورة التكنولوجية الهائلة التي تقود الاشتباكات العسكرية في المنافسة بين الكشف عن العدو واستهدافه بدقة على مدى أطول، وبين تجنب الكشف بواسطة أجهزة استشعار العدو. وبالنسبة إلى تايوان، يستلزم هذا الأمر نشر دفاع جوي وأصول بحرية يمكن أن تهدد القوتان الجوية والبحرية الصينيتان القادمتان، مع تجنب التعرض للتدمير بالنيران الصينية.
وختاماً، يؤكد المقال أن سباق التسلح الجديد في العالم ينطوي على الكثير من المخاطر؛ إذ يمكن أن تصبح القدرة المتزايدة لبعض القوى على تهديد الآخرين بالتدمير السيبراني الكامل أكثر مصداقيةً من التهديد باستخدام الأسلحة النووية؛ ما يؤدي إلى زعزعة استقرار ميزان القوى. ولكن بالمقارنة مع استخدام ولو جزء ضئيل من الترسانات النووية الحالية، فإن الهجمات الإلكترونية الشاملة ستكون أكثر قابلية للإدارة.