عادت مسألة الخليفة والخلفاء إلى السطح بعد التسريبات التي نسبت إلى حسين الشيخ، كما عاد مصير السلطة، وهل ستبقى أم تنهار أم تُحل، إلى الصدارة بعد تشكيل الحكومة الإسرائيلية، واتخاذها عقوبات ضد السلطة، ردًا على قرار الأمم المتحدة بإحالة موضوع تحديد ماهية الاحتلال إلى محكمة العدل العليا لاتخاذ رأي استشاري بشأنه، وفي ضوء مساندة بعض الوزراء في حكومة نتنياهو حل السلطة أو انهيارها؛ لأنها تجسد الهوية الفلسطينية، وعقبة أمام تنفيذ خطة إقامة “إسرائيل الكبرى” التي يتبناها بعض الأحزاب المشاركة في الائتلاف الحاكم علنًا، وتتبناها بقية الأحزاب ضمنًا.
أشارت التسريبات إلى أن حسين الشيخ الذي تكاثرت المعلومات والمؤشرات على أن فرصه تحسنت بأن يكون خليفة للرئيس محمود عباس، بعد تسلّمه ملفات عدة داخلية وخارجية مهمة، وتعيينه في منصب أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، ومسؤول دائرة المفاوضات خلفًا للدكتور صائب عريقات؛ غير راضٍ عما يجري، ووصفه بالمؤامرة، ويستطيع المرء أن يتكهن إن مبعث عدم رضاه يعود إلى عدم تحديد موعد لعقد المؤتمر الثامن لحركة فتح؛ حيث كتب تغريدة تدعو إلى عقد المؤتمر أوحت بأنه غير راضٍ عما يجري بهذا الخصوص، فهو كما أظن، وبعض الظن إثم، يريد عقده لتكريس ما حصل عليه، والحصول على نقاط جديدة، على طريق الخلافة.
مؤتمر “فتح” المؤجّل
بعد تحديد مواعيد عدة لعقد المؤتمر في العام الماضي، لم يعقد المؤتمر. وفي هذا السياق، قال لي عضو في اللجنة المركزية لحركة فتح إن الأوضاع السياسية المتحركة بشدة في هذه الفترة، لا تسمح بتحديد موعد، وإن القرار المتخذ هو عمل كل التحضيرات اللازمة لعقد المؤتمر. بينما يتحدث آخرون عن موعد لعقد المؤتمر في أيار أو حزيران القادم، فيما يرى خبير مخضرم ومطلع على الأوضاع الفلسطينية، والفتحاوية تحديدًا، أن الوحيد الذي يعرف متى سيعقد المؤتمر هو الرئيس محمود عباس، وهو سيعقده إذا أراد خلال أيام، وهو لن يعقده إلا في الوقت الذي يراه مناسبًا، خصوصًا أنه ضمن نتائجه بعد أن تخلص من عدد من الأشخاص المعارضين، وبمقدوره أن يتخلص من البقية، أو لم يعد يشكلوا عقبة كبيرة لا يمكن تخطيها.
لذا، فالذي يفسر عدم عقد المؤتمر أن الرئيس لا يبدو في عجلة من أمره، فعقد المؤتمر هو المحطة قبل النهائية لاستكمال الترتيبات التي تجعل انتقال السلطة في حال حدوث شغور في منصب الرئيس سلسًا، فعلى حد تقدير عضو اللجنة المركزية إياه فإن هناك مبالغة كبيرة في مسألة الخليفة، فعندما يحين الوقت تجتمع اللجنة المركزية وتختار الخليفة أو الخلفاء، وبعد ذلك تعرض الأمر على مؤسسات منظمة التحرير، وخصوصًا المجلس المركزي، الذي سبق وأقر إنشاء السلطة الفلسطينية، وهذا يقفز عن حال أن اللجنة المركزية لفتح مغيبة منذ وقت طويل، وأن جلسة المجلس المركزي الأخيرة تفتقر إلى الشرعية السياسية والقانونية، بدليل مقاطعة الجبهة الشعبية والمبادرة وشخصيات مستقلة، وحضور جزئي لحزب الشعب، وعدم حضور الصاعقة والجبهة الشعبية القيادة العامة، فضلًا عن عدم دعوة حركتي حماس والجهاد الإسلامي .
السلطة بين الانهيار والحل
وفي تقدير الخبير إياه، فإن ما يمنع عقد المؤتمر أن الرئيس يدرك تعقيدات انتقال السلطة بعده، جراء عدم وجود اتفاق بين أعضاء اللجنة المركزية، وعدم وجود شخص لديه وزن حاسم ومحل اتفاق، لذلك فالانتقال ممكن ألا يكون سلسًا، وتحديد الانتقال يسرع في استعجال رحيله، سواء من الخليفة أو الخلفاء، أو من اللاعبين المحليين والإقليميين والدوليين، خصوصًا الولايات المتحدة وإسرائيل، فما يطيل في عمر عهد الرئيس أن لا أحد يعرف ماذا سيحدث بعده، ومن الخليفة أو الخلفاء المحتملون، وهل ستبقى السلطة كما هي، أم ستنهار، أم ستحل، ردًا على تطبيق برنامج الحكومة الإسرائيلية الذي لن يبقى مكان للسلطة فيه إذا تم تطبيقه، أم ستنهار من دون أن يُقدِم أحد على حلها؛ لأنها فقدت شرعيتها، ووصل برنامجها السياسي إلى طريق مسدود، وتواصل الانقسام السياسي والجغرافي الفلسطيني وتعمق، إضافة إلى ازدياد الهوة بين السلطة والشعب بعد إلغاء الانتخابات وعدم تحديد موعد لها، وفي ضوء انتهاكات حقوق الإنسان، وسيطرة السلطة التنفيذية على كل السلطات؟
كما أصبحت السلطة أكثر وأكثر بلا سلطة، في ظل عمليات الاقتحامات للمسجد الأقصى وللمناطق الفلسطينية، بما فيها المصنفة (أ)، والاغتيالات، وهدم المنازل، والتوسع الاستيطاني، وحصار قطاع غزة، وشن العدوان العسكري عليه مرة وراء أخرى، فضلًا عن عدم وجود أي أفق سياسي يمنح السلطة شرعية سياسية.
فمطلوب من السلطة، من وجهة النظر الإسرائيلية، أن تواصل طريقها إلى نهاية الشوط، وتتحول إلى روابط قرى ومدن بلا مضمون سياسي ولا إستراتيجية تدويل، ومن دون التهديد بإلغاء الالتزامات المترتبة على أوسلو، أو بالمقاومة الشعبية، أو بالوحدة الوطنية، بل عليها أن تكرس أن بقاءها تحت السيادة الإسرائيلية هو الغاية والهدف النهائي لها، وهذا كله قد لا يضمن بقاءها في ضوء وجود من يطالب، وهو في الحكم في إسرائيل، بعدم وجود أي تجسيد للهوية الوطنية الفلسطينية الواحدة، ويدعو إلى تعميم نموذج غزة في الضفة الغربية؛ حيث تكون هناك سلطات محلية في الخليل ونابلس ورام الله… إلخ، تتنازع مع بعضها، وتتنافس على كسب ودّ الاحتلال.
نعم، هناك من يعارض حل أو انهيار السلطة في المعارضة الإسرائيلية وفي جيش الاحتلال وأجهزة الأمن، وتجد هذه المعارضة صدى حتى الآن عند نتنياهو، ولكن شريطة أن تتكيف السلطة أكثر مع مقتضيات المصلحة والأهداف الإسرائيلية. وهؤلاء المعارضون لانهيار السلطة لا يجدون بديلًا منها لما تقدمه من مساعدة أمنية مهمة جدًا، من خلال التنسيق الأمني وتولي المسؤولية الإدارية والخدمية عن السكان الفلسطينيين، وخشية من أن يؤدي غياب السلطة إلى نشوء فراغ يمكن أن تسد جزءًا منه المقاومة الفلسطينية ولاعبون غير مرغوبين، مثل إيران وحزب الله، ما يؤدي إلى زيادة دورهم بين الفلسطينيين.
هناك احتمال أن تنهار السلطة نتيجة الضغوطات المتعاكسة التي تتعرض لها، ونظرًا إلى غياب الرؤية والوضوح، فهي أسيرة العجز والشعور بالهزيمة والإحباط والصراعات الداخلية حول المناصب والمكاسب والوظائف والمصالح، إضافة إلى أن الوزارات والسلطات التي تدير من خلالها إسرائيل العلاقة مع الفلسطينيين يتولاها وزراء يجاهرون علنًا أن السلطة عدو لإسرائيل، وأن ذهابها أفضل من بقائها.
وسيعزز من احتمال انهيار السلطة أو حلها حصول شغور في منصب الرئاسة من دون اتفاق على الخليفة أو الخلفاء؛ ما يفتح الباب لصراع واقتتال داخلي، سيسرّع من حدوث الفوضى والفلتان الأمني وتعددية السلطات ومراكز القرار.
سيناريوهات الخلافة
ما سبق يقودنا إلى عرض السيناريوهات المحتملة لخلافة الرئيس، ومن أبرزها:
السيناريو الأول: الجمع بين مختلف مناصب الرئيس
يقوم هذا السيناريو على أن يجمع الخليفة القادم بين مختلف مناصب الرئيس، وهذا سيسبب تنافسًا حادًا على من يكون الخليفة. وهذا مستبعد لعدم وجود شخص عليه توافق ولديه قوة تسمح له بتكرار نموذج ياسر عرفات ومحمود عباس في الجمع ما بين رئاسة المنظمة والسلطة والدولة وحركة فتح.
السيناريو الثاني: توزيع مناصب الرئيس على أشخاص عدة
يقوم هذا السيناريو على توزيع مناصب الرئيس على أشخاص عدة؛ حيث يكون واحدًا رئيسًا لمنظمة التحرير، والثاني رئيسًا للسلطة/ الدولة، والثالث رئيسًا لحركة فتح، والرابع رئيسًا للحكومة. وفي هذا السيناريو سيشتد التنافس على منصب رئيس السلطة؛ لأنها هي التي تمسك بمفاتيح القوة بين مؤسسات النظام السياسي. فصحيح أن المنظمة هي المرجعية العليا والمؤسسة الشرعية المعترف بها، ولكنها مجمدة، ودوائرها مجوّفة، وتُستدعى عند الحاجة فقط، فالسلطة مثل البنت التي أكلت بنتها. وهناك محاولة لدمج السلطة في المنظمة، وهذا أسوأ ما يحدث.
ولعل هذا قد يفسر جزئيًا أو إلى حد كبير الغضب الذي ظهر في التسريبات؛ حيث جاء فيها أن الرئيس عباس يريد أن يعطي فتح لمحمود العالول، وأن هناك غضبًا من ماجد فرج الذي يخطط الرئيس منذ فترة لوضعه عضوًا في اللجنة المركزية لحركة فتح، وواجه معارضة كبيرة من أعضائها الذين لا يريدون أن تضاف إليه قوة جديدة تجعله منافسًا قويًا على الخلافة؛ إذ يتيح النظام الداخلي للحركة الحق للجنة المركزية في تعيين ثلاثة أعضاء يضافون إلى المنتخبين، وأضيف اثنان منذ سنوات، أما الثالث فلم يعين حتى الآن على الرغم من محاولات عدة لتعيينه، وفرج من أوائل الأسماء المرشحة لعضوية المركزية في المؤتمر الثامن.
إن السبب الأهم الذي يؤخر عقد المؤتمر أن نتائجه ستحدد إلى حد كبير مرحلة ما بعد الرئيس، وهذا سيجعل العد العكسي لرحيل الرئيس يبدأ، سواء بقراره أو رغمًا عنه. ويعترف مختلف الأطراف واللاعبين ببراعة الرئيس في إدارة مسألة الخلافة، فهو كان يبعد بطريقة أو بأخرى كل من يطمح أو يسعى إلى أن يكون خليفة له. وفي الآونة الأخيرة، خصوصًا بعد أن تَعرضه لوعكة صحية شديدة، وبعد رحيل صائب عريقات، بدى أنه حسم أمره إزاء شخص بعينه، لدرجة يقال إنه أفصح عن هذا الشخص لعدد من الرؤساء والمسؤولين في دول عربية وأجنبية، ولكن التردد في عقد مؤتمر فتح وغضب الشيخ يشير إلى أن الحسم ليس نهائيًا ولا كاملًا.
إن خطورة توزيع مناصب الرئيس على أشخاص عدة من دون الاتفاق على رؤية وبرنامج مشترك، وفي ظل غياب المؤسسات القوية الشرعية، والفصائل الفاعلة، ومع استمرار الانقسام وتعمقه؛ سيؤدي إلى تجزئة السلطة وتحويلها إلى سلطة تتنازع فيها مراكز قوى عدة، أو سلطات متعددة متنافسة تسعى جميعها لكسب ودّ الاحتلال.
السيناريو الثالث: عودة الوصاية والبدائل العربية تحت السيادة الإسرائيلية
هذا السيناريو محتمل، وليس مرجحًا حتى الآن، ولكن سيزيد احتماله ويمكن أن يصبح مرجحًا في حال انهارت السلطة، أو حُلت، أو اقتربت كثيرًا من الحل أو الانهيار. فإسرائيل لا تريد أن تعود إلى الاحتلال المباشر لملايين الفلسطينيين في الضفة، وقد لا يكون كافيًا للسيطرة على الفلسطينيين المصرّين على الصمود والمقاومة قيام إدارات أو سلطات محلية لتوفير الأمن والاستقرار؛ ما يستدعي تدخلًا عربيًا، ربما بغطاء دولي، على أساس مساعدة السلطة أو السلطات على البقاء، ومنع أو الحدّ من الهجرة من الضفة والقطاع إلى الأردن وسيناء، وإلى أي مكان يمكن أن يستوعب المزيد من اللاجئين الفلسطينيين.
سيعارض الفلسطينيون هذا الخيار بقوة، خصوصًا الفصائل الفلسطينية في غزة، ولكنها ستكون أمام خيارين: إما قبول عرض إسرائيلي بإقامة الكيان الفلسطيني في غزة، مقابل هدنة طويلة الأمد، أو شن عدوان عسكري إسرائيلي تتزايد احتمالاته في ظل الأزمة الداخلية الإسرائيلية؛ حيث من الممكن أن تحاول الحكومة تصدير الأزمة إلى الخارج، ضد إيران وحزب الله وسوريا وقطاع غزة، والقطاع يبقى الحلقة الأضعف، فهو يعاني من حصار مستمر منذ حوالي 16 عامًا، ومن الخسائر الكبيرة جراء شن عدوان وراء عدوان عليه، وهو سيكون عدوانًا عسكريًا غير مسبوق تترتب عليه أثمان باهظة تجعل غزة مطالبة بالتكيّف مع واقع جديد تكون فيه سلطة من سلطات متعددة، أو تقبل مضطرة بوصاية عربية.
كما سيعارض كل من الأردن ومصر والدول العربية في البداية، وبشدة، هذا الخيار، ولكنهم يمكن أن يوافقوا عليه لمنع أو الحد من الهجرة، وخصوصًا في ظل الأزمات المتعددة التي تعاني منها البلدان العربية، لذلك يشهد كل من الأردن ومصر والسلطة توترات وقلقًا، لعل القمة الثلاثية التي ستجري اليوم (الثلاثاء)، تحاول أن تخفف منه في مساعي لمنع وصول الأمور إلى مثل هذا المصير.
طبعًا، يمكن وقف هذا التدهور إذا سقطت الحكومة الإسرائيلية الحالية، ولم تعمر طويلًا، وهذا مجال بحث في مقال آخر، فهو محتمل، ولكنه ليس السيناريو الوحيد ولا المؤكد.
السيناريو الرابع: سيناريو الإنقاذ الوطني
يتحقق هذا السيناريو إذا أدرك الفلسطينيون على اختلاف تياراتهم ومصالحهم وأماكن تواجدهم، خصوصًا القوى الرئيسية، أن هناك تهديدًا وجوديًا مستجدًا بعد تشكيل حكومة نتنياهو السادسة، وأن هناك حاجة حيوية لهم جميعًا إلى التوحد على الأقل لإسقاطها، وهذا بحاجة إلى الاتفاق على برنامج القواسم المشتركة، وشراكة حقيقية، وإعادة بناء مؤسسات المنظمة لتكون مؤسسة وطنية جامعة، وتغيير السلطة لتكون في خدمة البرنامج المشترك، وإذا انهارت السلطة في سياق الصراع، فسيكون البديل منها الأطر والمؤسسات الموحدة.
وإذا كانت الوحدة الفورية متعذرة، فلا بدّ من حوار شامل على أسس جديدة وتوسيع دائرة المشاركين فيه، والبدء بتنسيق عاجل ودائم بين القوى المختلفة؛ بهدف عزل ومقاطعة وإسقاط الحكومة الإسرائيلية وبرنامجها، من خلال العمل على قيام جبهة عالمية تضم كل الرافضين لها والمتضررين منها، كخطوة على تحقيق الأهداف التحررية الفلسطينية. وفي حال قيام هذه الجبهة، ستسرع من إسقاط الحكومة الكهانية.
طبعًا، هذا السيناريو مستبعد حتى الآن، ولكن لا يمكن إسقاطه كليا من الحساب، خصوصًا إذا سرّعت الحكومة من خطواتها لتطبيق البرنامج الذي أقرته، برنامج الضم والتهويد والتهجير والفصل العنصري والعدوان العسكري.
الحكومة الكهانية تدقّ المسامير في نعش السلطة
لقد قال صائب عريقات إن لا رئيس للسلطة بعد محمود عباس، وإن المنسق الإسرائيلي هو الرئيس الفعلي للسلطة، وكرر توفيق الطيراوي مؤخرًا أن الرئيس القادم للسلطة إما سعد حداد أو زعيم حركة تحرر. وزاد الطين بلة أن تشكيل أسوأ وأكثر حكومة تطرفًا وضع مسامير جديدة عدة في نعش السلطة؛ حيث إنها أغلقت نهائيًا أي إمكانية لاستئناف العملية السياسية، وإن العديد من الوزراء النافذين فيها، الذين يتولون الوزارات التي على علاقة بالسلطة، والفلسطينيين عمومًا، صرحوا أن السلطة عدو، وأن لا حاجة لها، وأن البديل منها إدارات محلية من دون سلطة مركزية تعبر عن الهوية الوطنية الفلسطينية، وتجعل هناك إمكانية لفتح الطريق لإقامة دولة فلسطينية، ولو في المستقبل، في حين إن برنامج الحكومة هو ضم الأراضي والتعامل مع القاطنين فيها بوصفهم سكانًا بلا حقوق وطنية، وليسوا مواطنين، على أن يصار إلى تجميعهم في معازل آهلة بالسكان منفصلة عن بعضها البعض، تمهيدًا لدفعهم إلى الهجرة طوعًا، إلى حين توفر الظروف المناسبة لتهجير أكبر عدد منهم قسرًا، تطبيقًا لهدف الحركة الصهيونية بالسيطرة على أكبر عدد من الأرض بأقل عدد ممكن من السكان.
يدرك المتنافسون على الخليفة والخلفاء أن السلطة في عهد حكومة نتنياهو السادسة مطلوب منها أن تتكيف مع الواقع الذي يفرضه الاحتلال الذي ينوي ضم وتهويد الأرض وتهجير ملايين السكان، أصحاب البلاد الأصليين، وتكف عن “الإرهاب الديبلوماسي” الذي تمارسه من خلال الخطوات أحادية الجانب في المؤسسات والوكالات والمحاكم الدولية، والسعي إلى الحصول على العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة، وعلى اعتراف المزيد من الدول به. وبالتالي، فإن عليهم أن يعرفوا وأن يختاروا إما أن يكونوا مثل سعد حداد، أو زعماء لحركة تحرر.
تقويض السلطة من دون بديل ليس حلًا وإنما هلاك
ردًا على من كتب بأن أعظم هدية تقدمها دولة الاحتلال للشعب الفلسطيني إذا أقدمت على تقويض سلطة رام الله، أقول إن دولة الاحتلال لا تقدم هدايا للشعب الفلسطيني، وإنما تقدم ضمًا وتهويدًا وتهجيرًا، وأن تقويض السلطة من دون بناء بديل منها يستند إلى مشروع وطني ووحدة وطنية وشراكة وديمقراطية توافقية ومؤسسات وطنية جامعة وإستراتيجيات مشتركة وقيادة واحدة سيقود إلى الهلاك، إلى حالة من تعددية السلطات، وإعادة الأمور إلى ما كنت عليها بعد جريمة النكبة، وقبل انطلاق الثورة الفلسطينية والنهوض الفلسطيني.
الخلاصة
إن الخلافة والخلفاء وانتقال السلطة في المنظمة والسلطة ليس شأنًا فتحاويًا فقط، وإنما شأن وطني عام يهم مختلف الفلسطينيين أينما تواجدوا، ويجب أن يتحركوا لكي يشاركوا في هذه العملية وأن يتم بشكل وطني وتشاركي، وليس انتظارًا لخلاف داخل “فتح” ومراكز القوى في السلطة حتى يتدخل الآخرون بعد خراب البصرة. وليس صحيحًا أن قرار من يكون الرئيس قرار خارجي، خصوصًا أميركي إسرائيلي، فكلما كان لدى لشعب الفلسطيني مؤسسات وطنية موحدة تحكمها قواعد ملزمة، كان تأثير اللاعبين الخارجيين أقل، والعكس صحيح. وبالتالي، في وضعنا الراهن، سيكون للخارج دور كبير لا يمكن إسقاطه من الحسبان.
وأما بالنسبة إلى الانتقال السلمي للسلطة، فهو يتم إما من خلال الانتخابات، وهذا هو الأصل، وإذا تعذرت بسبب رفض الاحتلال المتوقع، خصوصًا بعد التطورات الأخيرة في إسرائيل، فمن خلال شرعية المقاومة والتوافق الوطني على برنامج كفاحي مشترك في سياق رؤية متكاملة ورزمة شاملة تهدف إلى مواجهة التحديات والمخاطر الوجودية، وتوظيف الفرص المتاحة.
لن يكون أي رئيس للمنظمة أو للسلطة رئيسًا شرعيًا ووطنيًا وقادرًا على الحكم وتمثيل الفلسطينيين ما لم يستند إلى برنامج وطني كفاحي؛ حيث نلاحظ إن الغائب الأكبر عن الصراع على الخلافة داخل السلطة و”فتح” هو التنافس على البرامج والرؤى والمسارات وخطط العمل؛ ما يوحي أنه يدور لتحقيق مصالح فردية ضمن رؤية واحدة وبرنامج واحد ومسار واحد، أثبتت الأحداث والحقائق الراهنة والنتائج المؤكدة أنه بحاجة إلى تغيير شامل وعميق، وكلما بدأنا بإحداث هذا التغيير أبكر كان ذلك أفضل؛ لأن الوقت ضيق جدًا. فالوقت من دم والتاريخ لا يرحم.