كتب الصحافي البريطاني ديفيد هيرست مقالة في موقع "ميدل إيست آي" الذي يتولى رئاسة تحريره، تناول فيه هجوم الأمير السعودي بندر بن سلطان على الفلسطينيين، معتبراً أنه يمهد لتطبيع المملكة العربية السعودية مع "إسرائيل".
وقال هيرست إن دونالد ترامب، رئيس تلفزيون الواقع في أميركا، يتوسل إلى نساء الضواحي كي يصوّتن له في الانتخابات المقبلة بعدما ظهر أن تقدم المرشح الرئاسي الديمقراطي جو بايدن لا يمكن تعويضه.
ورأى الكاتب أنه نتيجة تراجع ترامب والخشية من هزيمته، فإن المزاج في الرياض وأبو ظبي سيء، لأن "سقفهم" - الكلمة الروسية لرئيس المافيا - يمكن أن يطير قريباً، تاركهم مكشوفين. فلن يبقى جاريد كوشنر، صهر ترامب وكبير مستشاريه في البيت الأبيض، كي تلقى مكالمات منتصف الليل التي تسأل عما إذا كان بإمكانهم غزو قطر.
وقال هيرست إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ليس منزعجاً. فهو محارب قديم عاصر أربعة رؤساء أميركيين، اثنان منهم ديمقراطيان، وهو يعرف كيف يكون الشتاء في واشنطن. نتنياهو رجل لكل الفصول. لم يتوقف قط عن إقناع البيت الأبيض بغسل ملابسه المتسخة.
وقال نتنياهو للكنيست الذي صادق على الاتفاق الإماراتي يوم الخميس الماضي إنه لا يزال يعتقد أن الفلسطينيين سوف "يصحون". يلعب اللعبة طويلة الأمد. لكن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، لا يفعلان ذلك ولا يستطيعان. إذ يحتاج الرجلان اللذان يخططان للسيطرة على العالم العربي السني إلى نتائج الآن.
وأضاف هيرست أن مليارات الدولارات التي ضخوها على ترامب، والتي هم على وشك خسارتها إذا خسر ترامب الانتخابات، هي أقل مشاكلهم. وقال إن مسار خططهم، الاعتراف العربي بـ"إسرائيل"، يتعطل. لم تنضم أي دولة عربية كبيرة إلى الصفقة. لا السودان ولا سلطنة عمان ولا الكويت. حتى الآن، اعترفت دولتان صغيرتان فقط من دول الخليج، هما الإمارات العربية المتحدة والبحرين، بـ"إسرائيل"، ولا بد من وضع حجر الأساس لعملهما. وهما يحتاجان إلى استبدال الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) برجلهما محمد دحلان، والإطاحة بالزعماء الفلسطينيين، هكذا يعتقد محمد بن زايد. لذا قاما الأسبوع الماضي بإخراج أمير سعودي مخضرم للتنديد بالقادة الفلسطينيين "الطفوليين" في محاولة لتليين الرأي العام العربي، وخلق أرضية للمملكة العربية السعودية لتحذو حذو المطبعين، في حديثه على قناة "العربية" المملوكة للسعودية.
الأمير بندر بن سلطان عمل ما يزيد عن 37 عاماً في الدبلوماسية السعودية، ولمدة 22 عاماً كان سفيراً لها في واشنطن. فقد قال في المقابلة: "أعتقد أننا في المملكة العربية السعودية، نعمل بناء على حسن نيتنا، كنا دائماً هناك من أجلهم [الفلسطينيون]. وكلما طلبوا النصيحة والمساعدة، وفرنا لهم كليهما من دون توقع أي شيء في المقابل، لكنهم كانوا يأخذون المساعدة ويتجاهلون النصيحة. ثم يفشلون ويعودون إلينا مجدداً، ونقوم بدعمهم مرة أخرى، بغض النظر عن أخطائهم وحقيقة أنهم كانوا يعرفون أنه كان عليهم أخذ نصيحتنا".
وقال بندر إن الوقت قد حان لكي تسلك السعودية طريقها الخاص وتتبع مصلحتها الوطنية.
خلقت المقابلة رد فعل عنيف في جميع أنحاء العالم العربي. بعيداً عن الفلسطينيين، ذكّر بندر، الذي احتل مركز الصدارة مرة أخرى، ملايين العراقيين والسوريين والمصريين بمدى تكلفة السياسة الخارجية السعودية عليهم على مدى العقدين الماضيين. لقد ذكّرهم بكل حرب أميركية أو صفقة قذرة شارك فيها بندر شخصياً. القائمة شملت 22 عاماً من حياته المهنية في واشنطن: فضيحة إيران-كونترا، صفقة اليمامة للأسلحة، حرب الخليج الأولى، الغزو الأميركي للعراق عام 2003، وأخيراً الحرب في سوريا. كان لكل منها حصة في رقبة بندر.
في حرب الخليج الأولى، كان بندر بن سلطان قريباً جداً من الأميركيين إلى درجة أن الأمير السعودي، بحسب كلمات برنت سكوكروفت، كان "عضواً بحكم الواقع في مجلس الأمن القومي" الأميركي. شارك جورج دبليو بوش خطط الغزو الأميركية للعراق مع بندر قبل بدء الحرب في عام 2003. وفي سوريا، أطلق بندر، بصفته رئيس المخابرات السعودية، 1200 نزيل محكوم عليهم بالإعدام ودرّبهم وأرسلهم إلى "الجهاد" في سوريا.
كان بندر وجه كل الصفقات التي أبرمتها السعودية ضد الدول العربية الشقيقة، وهو وجه استمر في الظهور مهما كانت الفضيحة شنيعة، أو عدد الذين دفعوا الثمن.
لم يخجل بندر. تمت دعوة صديق فلسطيني لي مرة لرؤية بندر عندما كان سفيراً. كانت السعودية مهتمة بالتواصل مع المنظمة التي عمل فيها. كان على مائدة بندر كيس كبير من الأوراق النقدية بالدولار. فطوال الوقت، كان بندر يتقاضى 30 مليون جنيه إسترليني كل ثلاثة أشهر لمدة عشر سنوات على الأقل من قبل شركة هندسة الطيران البريطانية كجزء من عمولاته لصفقة أسلحة "اليمامة". وعندما أراد مكتب مكافحة الاحتيال الخطير في بريطانيا توجيه اتهامات له. أوقف توني بلير، رئيس الوزراء البريطاني آنذاك، التحقيق "لأسباب تتعلق بالمصلحة الوطنية".
وعندما سأله الضيف الفلسطيني عن الصفقة، ضحك أمير الاحتيال وقال: "الطريقة التي أجيب بها على تهم الفساد هي كالتالي: في الثلاثين سنة الماضية قمنا بتنفيذ برنامج تنموي يقارب 400 مليار دولار، حسناً؟ انظروا إلى الدولة كلها. أين كانت وأين هي الآن.. وإذا أخبرتني أن بناء هذا البلد بأكمله وإنفاق 350 ملياراً من أصل 400 مليار، أن لدينا 50 مليار فاسد أو يسيء استخدامها، سأقول لك نعم.. ولكن، من أنت لتخبرني بهذا؟ أرى الفضائح هنا، أو في إنجلترا أو في أوروبا.. ماذا في ذلك؟".
وقال هيرست إن بندر التزم، طوال حياته المهنية الطويلة، بمبدأ واحد هو خدمة سيده. لا يهم من يكون. قد يكون السيد ملك السعودية أو رئيس الولايات المتحدة أو كليهما. لكن ماذا عن السياسات والحروب والتدخلات التي ساعد في تشكيلها؟
ويستشهد الكاتب بـمقالة للأكاديمي الفلسطيني خالد الحروب سأل فيها بندر بن سلطان: ما الذي قدمته السعودية بالضبط لفلسطين؟ فقد كانت هناك مبادرتان سعوديتان من مبادرات السلام: مبادرة الملك فهد في عام 1981 ومبادرة الملك عبد الله العربية للسلام في عام 2002. تم توقيت كل مبادرة لخدمة الأميركيين وليس تحقيق تسوية عادلة للفلسطينيين. جاءت مبادرة الملك فهد بناء على طلب الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر، وتضمنت أول اعتراف عربي ضمني بـ"إسرائيل" من خلال قبول قرارين من مجلس الأمن كإطار للتسوية. تم تبني الخطة بصيغة معدلة في القمة العربية في فاس بالمغرب في 9 أيلول / سبتمبر 1982 بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان وحصار بيروت وطرد منظمة التحرير الفلسطينية. كان الغرض منه امتصاص الغضب العربي. وبالمثل، نجحت مبادرة السلام العربية لعام 2002 في إزالة الغضب الأميركي بعد هجمات 11 أيلول / سبتمبر التي تورط فيها مواطنون سعوديون، والتي تورطت فيها الحكومة نفسها. لقد ماتت المبادرة فور صدورها إذ رفضها رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك أرييل شارون في اليوم الأول.
وتابع هيرست قائلاً إن السياسة الخارجية السعودية لم تكن معنية بحل مشاكل المنطقة. لقد كان الأمر يتعلق بالحفاظ على آل سعود بأي ثمن، ومسيرة بندر بن سلطان المهنية تلخص هذا. وسوف تخون المملكة أي حليف للحفاظ على مكانة الأسرة وثروتها لأطول فترة ممكنة. تفعل ذلك عن طريق زرع الفوضى. فقد قام بندر بتسليح المعارضة السورية، لكنه ضمن عدم وصول أسلحة كافية على الإطلاق لسيادة تحالف واسع من قوات المتمردين. ثم في صيف 2015، قلب محمد بن سلمان، الذي عُين وزيراً للدفاع، دعمه للمتمردين وشجع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على القدوم إلى هناك.. فالفوضى والتخبط تضمنان إضعاف سوريا نفسها بشكل دائم. نفس الشيء حدث في العراق.
يعلم أمراء آل سعود، مثل مكيافيلي نفسه، أنهم جالسون على صندوق بارود. فقد وجد مؤشر الرأي العربي السنوي، الذي ينشره معهد الدوحة، أن ستة في المئة فقط من السعوديين وافقوا على اتفاق الاعتراف بـ"إسرائيل". وبلغت نسبة الرفض 99 في المئة في الجزائر، و94 في المئة في لبنان، و93 في المئة في الأردن (الذي اعترف بإسرائيل عام 1994) ونفس الشيء في تونس.
لكن معهد واشنطن اليميني يقدم نفس الأدلة. ووجد أن تسعة بالمئة فقط من السعوديين اليوم يوافقون على أن "الأشخاص الذين يرغبون في إقامة اتصالات تجارية أو رياضية مع الإسرائيليين يجب أن يُسمح لهم بذلك". فيما يتعلق بالعلاقات مع الإسرائيليين أنفسهم، وجد المعهد أن ما يقرب من 80٪ من الإماراتيين الذين شملهم الاستطلاع لا يتفقون مع فكرة أن "الأشخاص الذين يرغبون في إقامة اتصالات تجارية أو رياضية مع الإسرائيليين يجب أن يُسمح لهم بذلك".
وأوضح هيرست أن النظام الاستبدادي في السعودية لا يعرف سوى طريقة واحدة لتغيير الرأي العام - ألا وهي إزالته من الهواء. فعندما قامت قناة MBC الممولة سعودياً بإزالة الدراما المشهورة، التغريبة الفلسطينية (من خدمة بث الفيديو عند الطلب shahid.net، كانت هناك ضجة كبيرة اضطرت إلى إعادة عرضها..
يلخص بندر على الصعيدين المهني والشخصي كارثة العقدين الماضيين. كان بندر مكتئباً ومدمناً على الكحول، ألقى عائلته للذئاب - عمه الأمير أحمد وأخته زوجة محمد بن نايف والعديد من أبناء عمومته. كل ذلك لخدمة سيده الجديد محمد بن سلمان. بندر له أجره. فقد تم تعيين ابنه وابنته كسفيرين للمملكة في لندن وواشنطن.
وخلص هيرست إلى القول: "كلما غرق أمثال بندر بسرعة تحت الأمواج، زادت سرعة تعافي المنطقة".