• اخر تحديث : 2024-11-22 10:05

مقدمة:

منذ تأسيس مجموعة “BRIC بريك” (البرازيل، وروسيا، والهند، والصين) في سبتمبر 2006، لاحت في الأفق محاولات دفعت العالم للخروج من السيطرة الغربية على مستوى الاقتصاد، بما أظهرته تلك السيطرة من أحادية قطبية في جميع المجالات، وذلك في تحقيق لما طرحه جيم أونيل عام 2001، في تقرير له بعنوان “العالم يحتاج إلى دول بريكس أفضل”، حين ذكر لأول مرة الدول الأربع (البرازيل وروسيا والهند والصين)، واعتبر البعض: “أن أونيل أراد أن يلعب بالكلمات، لأنه أعلن أنه لإقامة البناء العظيم للاقتصاد العالمي، نحتاج حقًا إلى أحجار أفضل“.

لم يكتف جيم أونيل بالتنظير لقيام مجموعة بريك، إنما ذهب إلى أبعد من ذلك، حين نشر عبر جولدن ساكس، تقريرًا في أكتوبر 2003م بعنوان “الحلم مع دول بريكس.. الطريق إلى عام 2050” توقع فيه: “هيمنة دول البريك على الاقتصاد العالمي، حيث ستحل البرازيل محل إيطاليا في عام 2025، وتتفوق على فرنسا في عام 2031، وتتفوق روسيا على المملكة المتحدة في عام 2027، وألمانيا في عام 2028، وتتفوق الصين على الولايات المتحدة في عام 2041 لتصبح أكبر اقتصاد في العالم، وتتفوق الهند على اليابان في عام 2032″. وقد جعل هذا التقرير دول البريك مشهورة. وبدأت وسائل الإعلام العالمية تهتم بها. ولم تركز بعدها كثيرًا على ما ذهب إليه جيم أونيل في 2017، حين توقع “اختفاء مجموعة بريكس خلال السنوات القليلة المقبلة، وانكماشها إلى مجموعة “إكس”، بسبب أزمة أوكرانيا وضم موسكو لشبه جزيرة القرم التي تهدد بانكماش الاقتصاد الروسي، وانهيار أسعار البترول.

على الصعيد العملي، هناك ظروف موضوعية ساعدت على ظهور البريكس؛ منها: تبعات حركة العولمة وعلاقتها بتسريع النمو الاقتصادي، ونتائج الأزمة المالية العالمية التي بدأت مع السوق الأمريكية في عام 2008، وما تلاها من جر الاقتصاد إلى ركود بعيد المدى، وكل هذا زاد من وعي دول بريكس لمواجهة التحديات الجديدة التي أثارتها الأزمة بشكل أفضل، ثم للمطالبة بنظام اقتصادي دولي أكثر عدلًا، من شأنه أن يلبي تطلعات البلدان النامية بشكل أفضل.

وفي يونيو العام 2009، انعقدت أول قمة لها في “يكاترينبرج – روسيا”، حيث ناقش قادتها قضايا الاقتصاد والتمويل الدولييْن، وأمن الطاقة، والقضايا البيئية، ونزع السلاح، وعدم انتشار الأسلحة النووية، وإصلاح المؤسسات الدولية، وصدر بيان مشترك كشف عن رغبة مشتركة لدى قادتها لتنسيق مواقفهم بشأن قضايا التنمية والأمن الدولي، وبعدها بسنة تغير اسم المجموعة ليصبح “بريكس” بعد انضمام جنوب أفريقيا إليها.

عندها طرح الخبراء والمراقبون سؤالًا مفاده: كيف يمكن لدول بعيدة جغرافيًا مثل روسيا والبرازيل، ودول متباينة مثل الهند والصين، وجنوب أفريقيا، أن تشكل تكتلًا اقتصاديًا وتحديًا في صدارة المشهد الدولي؟ والسؤال السابق يتبع اليوم بسؤال آخر، نصه: كيف لدول أخرى لها تحالفاتها التقليدية، ومنها دول عربية، أن تسعى إلى الإنضمام إلى مجموعة بريكس؟

بريكس.. مجتمع المصير:

تعتبر مجموعة بريكس اليوم تكتلًا اقتصاديًا، قابلًا لأن يكون في المستقبل المنظور تجمعًا سياسيًا يؤثر على صناعة القرارات المصيرية على المستوى العالمي، وقد تمكنت “بريكس” من تعبيد الطريق والسير فيه جنبًا إلى جنب، مع أنها لا تملك روابط تاريخية، ولا تقاربًا أيديولوجيًا، ناهيك عن وجود دولها في أماكن مختلفة جدًا في سلسلة الإنتاج العالمية، لذلك “يبدو تشكليها مثل قصة سريالية.. وهي مجموعة قليلة من البلدان ذات معدلات نمو اقتصادي كبيرة، اتحدت معًا لتشكيل ما يسمى الآن مجتمع المصير”.

والقول بأن بريكس يعتبر “مجتمع المصير”، يتأتى من كونه قابلًا للتوسع في المستقبل المنظور، وأيضًا لأنه يمثل 40% من سكان العالم، وما يزيد قليلًا عن ربع الناتج المحلي الإجمالي العالمي، ويعمل على تشجيع التعاون التجاري والسياسي والثقافي بين الدول المنضوية تحت لوائه، كما يسعى قادته إلى تعزيز تعاونهم الدولي في كل فرصة بحماس، مع أنهم لم يخترعوا اسم بريكس، إنما جاءت مبادرة تشكيل مجموعة تعاونية بين هذه البلدان القليلة عن طريق التنظير الغربي على النحو الذي صاغة جيم أونيل، كما سبق ذكره.

وتسعى بريكس إلى هدف واضح وعلني وهو إقامة نظام عالمي “متعدد الأقطاب” ويظهر مسعى “الصين – التي تستحوذ على 70% من الناتج القومي للمجموعة – واضحًا في طرح استراتيجية اقتصادية جديدة تخدم هدف المجموعة. ومع ذلك فإن التجارة بين دول بريكس، خلال السنوات الماضية، لم تكن على قدر من الأهمية مثلما هي خلال السنة الجارية، الأمر الذي جعل التجارة البيْنية بين دولها تلعب دورًا استراتيجيًا.

وبعد تطور الأحداث على المستوى العالمي، وخصوصًا الحرب في أوكرانيا وما تبعها من انقسام، ظهرت “رغبة مزودجة“، لدى بريكس من جهة، ولدى بعض الدول، التي ترغب في الانضمام إليها من جهة أخرى، وعلى هذا الأساس اقترحت الصين بدء عملية توسيع مجموعة “بريكس”، حيث انضم إلى مشاورات “بريكس بلس” ممثلون عن الأرجنتين ومصر وإندونيسيا وكازاخستان ونيجيريا والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والسنغال وتايلند، وجميع هذه الدول، قد تكون أعضاء محتملين في المنظمة مستقبلًا.

العرب.. و”الهجرة إلى بريكس”:

والواقع، أن مجموعة بريكس منذ ظهورها، أعطت إشارات واضحة لمستقبل الاقتصاد العالمي، حتى قبل أن تصبح على النحو الذي هي عليه اليوم، لذلك اهتمت التجمعات الدولية الكبرى بنشأتها أولًا، وبدورها المستقبلي ثانيًا، من ذلك دعوة مؤتمر وزراء مالية مجموعة السبع لأول مرة ممثلين عن مجموعة بريكس للحضور في عام 2005، إضافة إلى إعادة الشركات متعددة الجنسيات الكبيرة هيكلة استراتيجياتها السوقية بما يتماشى مع أسواق المجموعة.

وخلال السنوات الماضية أصبحت محل اهتمام من دول كثيرة، وزادت الرغبة في الالتحاق بها، واليوم هناك ثلاث دول عربية بصدد تحضير ملفاتها أو دعوتها للانضمام إلى مجموعة بريكس خلال القمة التي ستنعقد في جنوب أفريقيا السنة المقبلة (2023)، هي (الجزائر والسعودية ومصر)، في سعي منها هو أقرب إلى”موسم الهجرة إلى بريكس”، قد يحقق رغبة مزدوجة، الأمر الذي سنقوم ببحثه هنا، من خلال الإجابة عن التساؤلات الآتية:

- ما هي الفوائد التي ستجنيها الدول العربية الثلاث من الانضمام إلى بريكس، في حال قبولها، وكذلك الدول الداعية؟

- هل تسعى تلك الدول، وهي ذات ارتباطات وعلاقات مختلفة، إلى إيجاد فضاء جديد للتعاون ينهي القطبية الأحادية، وبالتالي تغير تحالفاتها؟

- كيف للدول العربية الثلاث أن تخرج من تكتلاتها الصغيرة، وعلاقاتها الإقليمية المستقرة والمتوترة؟

- ما هو مستقبل علاقة الدول العربية الثلاث مع بريكس في ظل وجود “رغبة مزدوجة”؟

الإجابات عن الأسئلة السابقة ستتضمن ثلاث قضايا كبرى، الأولى: فوائد الدول العربية من الانضمام إلى بريكس، والثانية: البحث عن فضاء جديد لعلاقة مع أقطاب متعددة وتأثير ذلك على تحالفات العرب وعلاقاتهم الراهنة، والثالثة: سناريوهات الانضمام من عدمه، وتبعات ذلك.

ولأن الدول العربية الثلاث (الجزائر، مصر، السعودية) لم تتقدم بملف واحد مشترك، وتسعى كل منها إلى الانضمام منفردة، أو هي مدعوة لذلك، حاملة معها تجربتها الخاصة لجهة التعامل مع التكتلات والمجموعات الاقتصادية إقليميًا وعالميًا، فإن هذه الورقة ستركز على مسعى كل واحدة من الدول العربية الثلاث إلى الانضمام للبريكس على النحو الآتي:

أولًا – الجزائر.. ابتعاد عن تجاذب القطبين:

في قمة بريكس هذا العام (2022)، التي عقدت على الإنترنت في شهر يونيو الماضي، تم توسيع التنسيق ليشمل 13 دولة إضافيةـ كان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أول ضيف تحدث، داعيًا إلى “نظام اقتصادي جديد يسود فيه التكافؤ والإنصاف بين الدول”.

ولم يكن متوقعًا أن يتبع تبون – بعد أيام قليلة – مشاركته تلك بتلميح إلى إمكانية انضمام بلاده إلى دول مجموعة بريكس، فقد قال في لقائه الدوري مع الصحافة الوطنية (الجزائرية) في نهاية يوليو الماضي: “إن مجموعة بريكس تهم الجزائر بالنظر لكونها قوة اقتصادية وسياسية.. وأن الالتحاق بهذه المجموعة سيبعد الجزائر عن تجاذب القطبين، مضيفًا: “الجزائر تتوفر على معظم الشروط المطلوبة للانضمام إلى مجموعة بريكس.. لا نستبق الأمور لكن إن شاء الله ستكون هناك أخبار سارة بشأن هذا الموضوع“، وبدوره صرح وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة، في مؤتمر صحفي عقده في 9 أكتوبر الماضي: “إن للجزائر القدرة على تقديم قيمة مضافة إلى مجموعة بريكس“.

وفي السادس من نوفمبر الفائت أعلنت ليلى زروقي، المبعوثة الخاصة المكلفة بالشراكات الدولية الكبرى بوزارة الخارجية الجزائرية، في مقابلة مع الإذاعة الجزائرية الرسمية: “أن الجزائر قدمت طلبًا رسميًا للانضمام إلى مجموعة بريكس“(12)، وبذلك تكون الجزائر قد اتخذت خطوة عملية بعد أن تأكدت من دعم بعض دول المجموعة، خاصة روسيا والصين، والسؤال هنا: ما الذي يمكن أن تقدمه دول البريكس للجزائر؟

على الرغم من إعلان الجزائر صراحة، كما جاء على لسان رئيسها، أنها تهدف من الانضمام إلى مجموعة بريكس إلى أمرين: الأول اقتصادي، والثاني سياسي، فإنها تُولي الأول اهتمامًا أكبر من الثاني، ذلك أن هذا التحالف يتيح لها إمكانية إقامة مشاريع بنية تحتية مهمة، من أجل تعزيز التجارة الدولية، مثل تمويل الصين لتطوير ميناء بجاية، وهو مشروع احتياطي منذ عام 2017.

كما تراهن الجزائر على النموذج الاقتصادي لمجموعة بريكس السريعة النمو في تحقيق إقلاع اقتصادي، “سيحسن من مستوى المعيشة والأمن لدى لسكان، حيث ستشغل المشاريع اليد العاملة؛ ما يؤدي إلى انخفاض معدل البطالة وإيجاد ثروة. كما يمكن للوظائف الجديدة التي توفرها المجموعة أن تحد – ولو جزئيًا – من مسألة الهجرة التي تظل بلاءً حقيقيًا في الجزائر”.

ومن الفوائد الأخرى التي قد تجنيها الجزائر هي حصولها على تسهيلات تجارية واقتصادية، وتعميق علاقاتها البينية داخل المجموعة، خاصة مع الصين التي هي أكبر مستورد للطاقة في العالم، وهذا يعني أنها قادرة على استيعاب كل صادرات الجزائر من الغاز والنفط، كما أنه بإمكانها أن تخصص جزءًا من استثماراتها لصناعة النفط والغاز الجزائريين.

وهناك فائدة أخرى، وهي “تعلُّم الجزائر من روسيا كيف تمكنت من أن تحول نفسها من مستورد رئيسي للقمح والمواد الغذائية، أيام الاتحاد السوفيتي، إلى أكبر مصدر لهما في العالم، تحت زعامة الرئيس فلاديمير بوتين”، ما يجعلها ستستفيد في المستقبل من تأمين أمنها الغذائي وتصدير الفائض، خاصة بعد ازدياد الأزمة الغذائية في العالم.

وفي ظل نظام عالمي آخذ في التحول بسرعة من الأحادية، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، إلى نظام متعدد الأقطاب قد تقوده الصين وروسيا ودول أخرى، تعتقد الجزائر اليوم أنها قادرة على أن تحول نفسها إلى أكثر من مجرد دولة مصدرة للنفط والغاز، في إطار آفاق جديدة ومزايا كبيرة من خلال التحاقها بمجموعة بريكس، وإن كان بعض المراقبين يرى في طلب انضمامها تعبيرًا عن حالة “نظام متعثر يتحكم في اقتصاد كان على وشك الانهيار لولا الحرب الروسية -الأوكرانية، التي دفعت أسعار الطاقة إلى الارتفاع الصاروخي، مما أعطى النظام الجزائري بعض المساحة لتأخير الانهيار الاقتصادي”.

الرأي السابق، يؤسسه أصحابه من منطلق أن “الجزائر ليس لديها شيء تصدّره سوى النفط والغاز، وقدرتها على تصدير المواد الهيدوكربونية تتضاءل على خلفية ارتفاع الاستهلاك المحلي. والأفضل وصفها بدولة ريعية تمثل أسوأ جانب مما يسميه الخبراء الاقتصاديون بالمرض الهولندي .. واقتصادها لا يزال ناشئًا“، لكن ما كان للجزائر أن تتقدم بطلب الانضمام إلى مجموعة بريكس لولا رهانها على التغير ضمن الشروط التي وضعتها، واقتناعها بتحقيق فوائد كثيرة، لا ترى فيها تعارضًا مع مصالحها الراهنة مع الدول الغربية.

ثانيًا – مصر.. البحث عن حليف واعد:

بدأت مصر بمحاولة استكشاف لدور مجموعة البريكس وفهمه في وقت مبكر مقارنة بالجزائر والسعودية، وذلك من خلال مشاركة الرئيس عبد الفتاح السيسي في القمة التاسعة للبريكس، التي انعقدت بالصين في سبتمبر 2017، حيث ذكر في كلمته: “إن هذه القمة التاسعة ينبغي أن تُسْهم في فهم أفضل للقضايا الرئيسية التي تهم البلدان النامية، فضلًا عن التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها”، وقد اعتبر بعض الخبراء والباحثين المصريين مشاركة بلادهم في اجتماعات بريكس “نوعًا من ثقة المجتمع الدولي في المستقبل الواعد للاقتصاد المصري”، كما أتبعت تلك الزيارة بخطاب إعلامي مصري اهتم بالبحث في “مدى إمكانية انضمام مصر إلى بريكس عبر أسئلة جادة ومشروعة.

مرت خمس سنوات على تلك المشاركة المصرية في قمة بريكس، مع دول أخرى مراقبة (تايلند، المكسيك، غينيا، طاجيكستان) وذلك لمناقشة خطة “بريكس بلس”، ثم واصلت مصر حضورها بعد ذلك، وآخره مشاركتها في 19 مايو الماضي في “مؤتمر مجموعة بريكس بلس كجزء من الاجتماع الرئيسي مع وزراء كل من: الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، وكازاخستان وإندونيسيا، والأرجنتين، ونيجيريا، والسنغال، وتايلند”.

في التجربة المصرية الاقتصادية منذ العام 2014، هناك ما يُوحي بأنها تعمقت، من خلال دراسة نماذج الإصلاح الاقتصادي الناجح في بعض من دول مجموعة بريكس، خصوصًا البرازيل والهند لكونهما قد تمكنا من احتواء التضخم عن طريق زيادة الإنتاج وتحسين الاقتصاد، مع توسيع تدابير الحماية الاجتماعية. وتلك كانت بداية الطريق نحو بريكس، مع أنها لم تتقدم بملف للانضمام، كما لا توجد تصريحات رسمية من قيادتها بهذا الشأن، وإن كانت تقارير صحفية محلية قد كشفت عن رغبتها في الانضمام، من خلال مناقشات “تمت بالفعل مع رجال أعمال من الهند والصين والبرازيل وجنوب أفريقيا، على مدار الأشهر الماضية، لبحث فرص الاستثمار والتجارة والصناعة المشتركة بين البلاد، والعوائد التي تستفيد منها الدول أعضاء بريكس من دخول مصر للتحالف، والاستفادة التي سوف تتحقق لمصر من انضمامها إلى التحالف الدولي”.

 وذلك سعيًا من مصر لتحقيق هدفين: الأول، التعاون مع حليف جديد يمثل تكتلًا اقتصاديًا متنوعًا وقويًا، والثاني، الذهاب إلى المستقبل برؤية استراتيجية ضمن التحالف مع قوى تشكل “القطبية المتعددة”.

من ناحية أخرى، فإن “مصر ترتبط مع دول بريكس اقتصاديًا من خلال الاستيراد والتصدير، إذ بلغ حجم تجارتها معها عام 2016 نحو 20 مليار دولار، استحوذت الصين على المرتبة الأولى منها بنحو 11 مليار دولار، واستمر حجم التبادل التجاري بين الجانبين فى الارتفاع ليتجاوز الـ 46 مليار دولار عام 2020“.

 يضاف إلى هذا دخولها بشكل عملي في مؤسسات البريكس المالية؛ ما يجعل حضورها أمرًا واقعًا ضمن هذا التكتل الاقتصادي الواعد، من ذلك إعلان بنك التنمية الجديد لـ بريكس “في 29 ديسمبر 2021، عن استضافته مصر كعضو جديد فيه، وهي العضو الجديد الرابع الذي يتم قبوله في بنك التنمية الوطني، بعد بنغلاديش والإمارات العربية المتحدة وأوروجواي”، وتعوّل مصر عليه بأن يكون في المستقبل بديلًا أفضل من البنك الدولي، وبذلك تتحرر من سلطة الغرب في المجالين المالي والاقتصادي، وتحقق جانبًا من مصلحتها الخاصة بتعزيز التعاون بين الأسواق الناشئة والبلدان النامية من خلال منصة بريكس.

ويأتي الحديث المتداول عن انضمام مصر لمجموعة بريكس “لوجود مكاسب من عضوية القاهرة في هذه المجموعة القوية.. وأن أي دولة عربية غير نفطية من مصلحتها الانضمام لهذا التحالف الضخم والقوي، ذلك أن دول بريكس واعدة، وفارقت العالم الثاني ووصلت إلى العالم الأول”، ومن جانبها تدرك مجموعة بريكس، وخاصة الصين، أهمية مصر؛ نظرًا إلى ما تتمتع به من قدرات اقتصادية كبيرة وموقع جغرافي واستراتيجي فريد يسمح لها بأن تكون نقطة عبور مهمة بين الشرق والغرب، وكذلك بين الجنوب والشمال عبر قناة السويس، ناهيك عن وزنها السياسي العالمي، وتأثيرها في محيطها الإقليمي والقاري، وجميع هذه العوامل تساعدها على دعم مجموعة البريكس وأولوياتها بشكل فعال.

ثالثًا ـ السعودية.. اللاعب المستقل:

في مايو الماضي، تمت دعوة المملكة العربية السعودية، إلى جانب دول أخرى، إلى إجراء مناقشة ضمن مجموعة (بريكس +) مع أعضاء مجموعة بريكس، “وقد أعلن وقتها وزير الخارجية الصيني – القوة الداعية – أن أعضاءها قد توصلوا إلى توافق في الآراء بشأن عملية توسيع البريكس، وكان نظيره الروسي قد حدد أن المملكة العربية السعودية تدرس التقدم للانضمام إلى المجموعة، كما فعلت الأرجنتين”، ثم أبدت الرياض في وقت لاحق اهتمامها بالانضمام إلى مجموعة البريكس.

وبين القول بدراسة السعودية لمسألة الانضمام وإبداء رغبتها في ذلك، سعت مجموعة بريكس إلى كسب ودها من خلال دعوتها إلى الانضمام إلى “بريكس بلس” سواء بالقول: “إن السعودية مهتمة بذلك، كما أعلن رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا، يوم 18 أكتوبر الماضي، أو “دعم انضمامها”، كما عبر عن ذلك الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين”، في 27 أكتوبر الماضي.

الترحيب المسبق من بريكس بانضمام السعودية، يعود إلى عدد من الحقائق الموضوعية، منها: الثقل الاقتصادي والاستراتيجي للسعودية، ووجودها في مجموعة العشرين، وكونها اللاعب الرئيسي في أسواق الطاقة، وملكيتها لاحتياطات مالية ضخمة. والسؤال هنا: هل ستنضم السعودية إلى بريكس؟

من غير الواضح بعد، إن كانت السعودية ستتقدم بملف للانضمام إلى مجموعة بريكس قبل انعقاد قمتها السنوية العام المقبل في جنوب أفريقيا، ومن غير المعروف أيضًا إن كان إبداء المشاركة مجرد تكتيك مرحلي في علاقتها الدولية، وخاصة مع الولايات المتحدة الأمريكية، لكن المؤكد أنها إن أقدمت عمليًا على الانضمام، فسيكون ذلك “متماشيًا مع طموحها في تعزيز مكانتها الدولية، ومن خلاله يمكن أن تصبح لاعبًا مستقلًا على المسرح العالمي”.

الطموح السعودي مشروع، لكنه لا يعني تخليها عن شراكاتها الاستراتيجية مع حلفائها، خاصة الولايات المتحدة، وإنما يهدف إلى زيادة استقلاليتها، وتنويع شركائها، وتعزيز علاقاتها الاقتصادية مع دول الجنوب، التي تتطور علاقتها بشكل متزايد معها، كما أن السعودية ترى في بريكس منظمة اقتصادية تركز على نظام مالي يوازي سويفت، وتهتم بسلاسل التوريد العالمية.

لا شك أن السعودية ستحقق جملة من الفوائد في حال انضمامها إلى مجموعة بريكس، منها على سبيل المثال: فتح أسواق جديدة للواردات النفطية، وهذا سيفتح المجال واسعًا أمام زيادة حجم التعاون الاقتصادي بين المملكة ودول بريكس وتعزيزه، كما سيعزز من النمو الاقتصادي للسعودية في المستقبل، والاستفادة من أسواق دول بريكس وقدراتها ومواردها في دعم خطط التنمية، والتحرر من استخدام سلاح العقوبات الاقتصادية.

سيناريوهات “الانضمام”.. خصوصية المصالح:

لا شك أن هناك جملة من الفوائد ستحققها كل من: الجزائر ومصر والسعودية في حال انضمامها إلى مجموعة بريكس، تختلف من دولة إلى أخرى، معظمها ذات طابع اقتصادي، وهي تشي بسعي الدول الثلاث إلى التأقلم مع التغيرات الراهنة، وخاصة الحرب الروسية – الأوكرانية، والعمل من أجل أن تكون جزءًا من المستقبل ضمن أفق تشُّكل عالم “متعدد الأقطاب” تقوم فيه روسيا والصين – العضوان الأساسيان في بريكس – بالدور الأكبر، مع الحفاظ في الوقت نفسه على العلاقات الاستراتيجية القديمة مع الغرب.

ومن الواضح، حسب المعطيات الراهنة للدول الثلاث لجهة انضمامها لبريكس – الجزائر بتقديمها لملف الانضمام، ومصر بدخولها العملي عبر مؤسسات المجموعة، والسعودية بعرض الانضمام عليها – أنها لا ترى تعارضًا بين انخراطها المستقبلي في مجموعة بريكس، ووجودها في تكتلات اقتصادية أخرى، إقليمية أو عالمية، لكن مع ذلك ستكون أمام سيناريوهات ثلاثة، هي:

السيناريوالأول: أن تستوفي الشروط، وتتم موافقة أعضاء المجموعة عليها، وبالتالي تندمج كليًا في المجموعة، وينطبق هذا السيناريو بوجه خاص على الجزائر، التي تقدمت رسميًا بملف للانضمام.

السيناريو الثاني: أن يتم الاكتفاء بالانضمام إلى بعض مؤسسات بريكس، خاصة البنوك، ويمكن أن نعتبره انضمامًا جزئيًا، كما هو الأمر حاليًا بالنسبة إلى مصر، ويتوقع أن تستمر على هذه الحال، حتى يتضح مصير قيادة العالم، إن كانت ستظل تحت زعامة الولايات المتحدة، أو ستحكمه “قطبية متعددة“، بعد أن تضع الحرب الروسية – الأوكرانية أوزارها.

السيناريو الثالث: أن يكون الانضمام إلى مجموعة بريكس “وعدًا مستقبليًا“، يتحدد مصيره بناء على رد فعل الحلفاء القدامى، وعلى تطور الأحداث على الصعيد العالمي في المستقبل المنظور، وينطبق هذا على السعودية، بحيث ستظل محافظة على علاقتها القديمة مع القوى الدولية الفاعلة، وفي الوقت نفسه تعمل على بناء علاقات مع القوى الجديدة.

هكذا إذن، تبدو الدول العربية الثلاث في علاقتها الراهنة والمستقبلية مع مجموعة بريكس، لكن تلك العلاقة ليست مرهونة فقط بالشق الاقتصادي لجهة التوسع والمكاسب، وإنما لها علاقة أيضًا بالمواقف السياسية، من ذلك احتمال انضمام دول أخرى لبريكس، وهي على خلاف مع الدول العربية الثلاث، على النحو الذي سيظهر فيه موقف الجزائر من انضمام المغرب، ومصر من انضمام تركيا، والسعودية من انضمام إيران.