مجزرة مخيم جنين التي ارتكبتها قوات الاحتلال، صبيحة هذا اليوم، وأسفرت عن استشهاد تسعة شهداء، بينهم سيدة وعدد كبير من الإصابات، من بينها إصابات حرجة؛ هي ليست مجرد عملية قتل أخرى تنفذها قوات الاحتلال ضمن ما يسمى بعملية "كاسر الأمواج" التي أطلقتها الحكومة السابقة منذ قرابة العام، ردًا تزايد زخم المقاومة، لا من حيث الحجم ولا من حيث التوقيت، وتم تبرير العدوان القاتل بتوفر معلومات عن نية المجموعة المستهدفة التابعة لسرايا القدس تنفيذ عملية كبيرة، وأطلق عليهم "القنبلة المتكتكة"، وهو تبرير دائم لكل عمليات القتل، لشرعنة القتل والاغتيال بدم بارد.
لكن هذه المرة، حجم التغول وسفك الدماء، وما ارتكب من مجزرة حقيقية وتدمير همجي للممتلكات من سيارات ومبانٍ؛ يشير إلى رغبة حقيقية من قِبل الفاشيين لإظهار بصمتهم بالتنافس على من يسفك دماءنا ويتجرأ علينا أكثر، ومن ينافس في تطبيق شعار "لا ملاذ آمن" للمقاومين. العملية بلا شك تحمل رسالة استفزاز واستدراج للفلسطينيين، ربما للهروب من الأزمة الداخلية الكبيرة التي تعصف بحكومة نتنياهو - سموتريتش وبن غبير.
استدعاء العامل الأمني وأيديولوجيا التخويف هي جزء ثابت من عقيدة إدارة نتنياهو السياسية، للهروب أحيانًا من التحديات السياسية الداخلية، وتماشيًا مع الفكرة السائدة من أن اليمين هو الأكثر قوة، وهو محط الثقة عندما يتعلق الأمر بمحاربة "الإرهاب". ورغم أن نتنياهو يتصف بالحذر فيما يتعلق بسياسات التصعيد ويميل دومًا لتكتيكات الرد المحسوب والاحتواء، وقد كان أول أمس في زيارة للمملكة الأردنية، ووعد الملك بالمحافظة على سياسة الوضع الراهن في المسجد الأقصى؛ لكنه في ظل أزمة حكومته المتفجرة، فإن مجزرة جنين بنتائجها وما تبثه وسائل الإعلام الإسرائيلية من أشرطة مصورة عن العملية، وتصريحات وزير الأمن الاستعراضية؛ تعزز مكانته وتسيطر على الفضاء الإعلامي، كما أن أيّ تصعيد فلسطيني، سواء في الضفة أو القطاع سيساعده في اكتساب المزيد من الوقت للتهرب من الأزمة الداخلية.
هول المجزرة وما حدث من اغتيال جماعي وهجوم دموي وهمجي على المخيم في وضح النهار، في محاولة لكسر شوكة المقاومة وكسر إرادتها وتدفيعها ثمنًا غاليًا؛ هو أمر لا يُمكن للمقاومة المرور عليه مرور الكرام، وليس المقصود هنا تحديدًا المقاومة في القطاع؛ بل إن الرد عبر أراضي الضفة والقدس هو أكثر وجوبًا وأكثر تأثيرًا، وينطوي على رسائل قوية للمجتمع الصهيوني ومنظوماته الأمنية. كما أن وحدة الإرادة الفلسطينية ووحدة الرد الشعبي بالأدوات الشعبية هو عمل نحتاجه الآن بشكل كبير، فالتصعيد يجب أن يُقابل برد فلسطيني شعبي وفصائلي موحد، يجعل الاحتلال مكلفًا ويجعل قتل أبنائنا والتغول في دمائنا مُكلف أيضًا وله ثمنه.