عمّ الإضراب الشامل يوم الأحد 19-2-2023 عدداً من البلدات في محافظة القدس المحتلة تنفيذاً لأولى خطوات العصيان المدني الذي دعت إليه القوى الوطنية والإسلامية والحراك الشبابي والكتائب المقاتلة تنديداً بسياسة وجرائم الاحتلال. فقد أعلنت بلدات شعفاط وجبل المكبر والرام وعناتا والعيسوية في القدس المحتلة العصيان المدني ضد الاحتلال الصهيوني ومؤسساته. وأُغلقت مداخل مخيم شعفاط وعناتا وجبل المكبر والرام، بدءاً من الساعة الثالثة فجر يوم الأحد/الاثنين، فيما دعت القوى إلى مقاطعة الاحتلال بشتى الطرق، وأهابت بالعمال الفلسطينيين بعدم التوجه إلى أماكن عملهم داخل الأراضي المحتلة عام 1948.
ولأهمية هذه القضية، تضع الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين بين أيدي السادة الاعضاء عددًا من المقترحات للتعامل معها في الخطاب الإعلامي، ضمن النقاط التالية:
أولًا ـ تأكيد أن العصيان المدني الذي تنفذه أحياء ومخيمات وبلدات القدس هو شكل من أشكال المقاومة ويتكامل معها، وأنّه وسيلة مقاومة جديدة وخطوة متقدمة في مقاومة الاحتلال، والتصدي لجرائمه وانتهاكاته المتواصلة في القدس كما يقول رئيس مركز القدس الدولي حسن خاطر في حديثه لوكالة "صفا"؛ مؤكدًا " أن هذه الوسيلة النضالية ستكون مؤثرة وفاعلة إذا ما اتسعت لتشمل بلدات وضواحي جديدة في المدينة المقدسة، وحتى بالأراضي الفلسطينية ضد الاحتلال، ما سينعكس سلبًا على سياساته التي يحاول فرضها على المقدسيين... وسيظهر أثره واضحًا خلال الساعات والأيام المقبلة.
ثانيًا ـ استحضار تاريخ النضال عبر العصيان ومدى تأثير هذا التحرك في النجاح بدعم القضية التي نشأ من أجلها، فالعصيان المدني هو الرفض المتعمَّد والعلني والسلمي لطاعة الأوامر أو القوانين الظالمة التي تسنها أو تطبقها سلطة تنتهك الحقوق العامة للشعب، أو تقصر في تحقيق مصالحه، أو تنتهك الأهداف الأساسية والقيم الحاكمة لنظامه الدستوري. ويحيل المفهوم إلى جملة من المعاني التي تلازم طبيعته وهدفه، مثل ضرورة اتسام رفض طاعة القوانين الظالمة بكل خصائص التمدّن من كياسة مع الخصم واستعداد للحوار معه، وأن يكون العصيان غير مسلح ولا عنيفا، وتجنب مناهضة قوانين عادلة أو توخي غايات إجرامية من وراء عصيانها. وقد يكون رفض طاعة القوانين شاملا أو محدودا في مكانه وزمانه ومجاله.
وهكذا فإن العصيان المدني على الصعيد الفردي موقف مبني على جملة من القيم أساسها رفض الظلم والخضوع للطغيان، ويصب على الصعيد الجماعي في تحرك سياسي يتسم بالوقوف الثابت والمنظم والعلني والمتواصل في وجه كل القوانين المضادة للحقوق الشرعية للفرد والمجتمع. والعمل على تعطيل هذه القوانين الجائرة وإزالتها بكل الوسائل السلمية دون غيرها، من خلال الامتناع عن تنفيذ أوامر السلطة والتوقف عن دفع الضرائب ورسوم الجمارك والموارد المالية الأخرى.
ويرى دارسون لنشأة مفهوم "العصيان المدني" وتطوره أنه مرّ بثلاث محطات رئيسية: المحطة الأولى؛ هي ولادة المصطلح على يد الفيلسوف والشاعر الأميركي هنري ديفد تورو (1817-1862)، الذي كان من أكبر المناهضين للعبودية في بلاده وسخّر حياته للدفاع عن العبيد الفارين. ففي عام 1846 سُجن لرفضه دفع الضرائب محتجا بمعارضته للسياسة الأميركية ومنها الحرب ضد المكسيك. وتورو هو أول من استعمل المصطلح ونظّر له في كتابه الشهير "العصيان المدني" الذي يقول فيه: "لو رفض ألف دفع ضرائبهم، فلن يكون هذا عملا دمويا خلافا للدفع الذي سيمكّن الحكومة من مواصلة الحروب وإراقة الدم البريء. ها قد أصبحت الثورة السلمية ممكنة. وإن سألني جابي الضرائب ماذا أفعل؟ فسأقول له: استقل. وعندما يرفض المواطن الطاعة ويستقيل الموظف فإن الثورة تكون قد نجحت".
المحطة الثانية؛ هي تأثرُ الزعيم الهندي المهاتما غاندي بأفكار ديفد تورو ومحاولته تطبيقها عبر ملاحم مقاومة معروفة، منها مطالبته عام 1906 العمال الهنود في جنوب أفريقيا برفض إعطاء بصماتهم تطبيقًا لقانون عنصري. ومن ذلك أيضا دعوته عام 1930 مواطنيه الهنود إلى مقاطعة الملح الذي كانت جبايته مصدرا هاما لخزانة السلطات الاستعمارية البريطانية، فقاد الجماهير نحو البحر ليستخرجوا منه ملحهم، ثم أتبع ذلك بصرخته المعروفة: "غادروا الهند" التي انتقل بها من رفض القوانين الاستعمارية إلى المناهضة السلمية للاستعمار نفسه.
المحطة الثالثة؛ هي معركة الحريات المدنية التي قادها الزعيم الأميركي الأسود مارتن لوثر كنغ في ستينيات القرن العشرين برفض الانصياع للقوانين العنصرية للولايات الجنوبية في أميركا.
تعددت مظاهر وتطبيقات العصيان المدني منذ بداية القرن العشرين في بلدان كثيرة خاصة في الدول الغربية، من بينها فرنسا وإيطاليا وبريطانيا وألمانيا، سواء تعلّق الأمر برفض القوات المتحاربة مواصلة إطلاق النار في الحرب العالمية الأولى، أو في فرنسا حيث دعم البعض استقلال الجزائر، أو في ألمانيا حين منع العصاة المدنيون تحرك النفايات النووية. كما استخدِم في جنوب أفريقيا لمقاومة الفصل العنصري، وانتهجته حركات السلام في أنحاء العالم. العصيان المدني هو أحد الطرق التي ثار بها الناس على القوانين غير العادلة. كما استخدم في حركات مقاومة سلمية عديدة موثقة؛ في الهند (مثل حملات غاندي من أجل العدالة الاجتماعية وحملاته من أجل استقلال الهند عن الإمبراطورية البريطانية)، وفي جنوب أفريقيا في مقاومة الفصل العنصري، وفي حركة الحقوق المدنية الأمريكية. وبالرغم من اشتراك العصيان المدني مع الإضراب ـ خصوصا الإضراب العام ـ في كونهما وسيلتان تستخدمهما الجماهير للمطالبة برفع ظلم أصابها، إلا أن الإضراب متعلق بحقوق العمال في مواجهة صاحب العمل الذي يمكن أن يكون هو الحكومة. وتمثلت إحدى أكبر تطبيقات العصيان المدني وأوسعها نطاقا في لجوء المصريين إليه ضد الاحتلال البريطاني في ثورة 1919 السلمية.
ثالثًا ـ تأكيد أن العصيان رسالة قوية من الشعب الفلسطيني في القدس أن إرادته لا يُمكن أن تُكسر، ولن يرفع الراية البيضاء، ولن يسمح بفرض سياسات الاحتلال مهما كان الثمن، بل لديه القدرة على الاستمرار في المواجهة.
رابعًا ـ العصيان المدني يعني حالة قطع نهائي مع الاحتلال، وعدم التعاطي معه في كل القضايا المدنية، مثل دفع الضرائب والرسوم، والفواتير، والتراخيص، وعدم التوجه إلى العمل في الداخل المحتل، والتخلي عن الهوية الإسرائيلية.؛ وبالتالي فإن العصيان المدني الذي شهدته بعض أحياء وبلدات القدس اليوم يمثل بداية لعصيان وطني شامل يعم الأراضي الفلسطينية خاصة أن العدوان الإسرائيلي لا يطال القدس وحدها، بل عموم الأرض الفلسطينية.
خامسًا ـ الالفات إلى أن نجاح العصيان يحتاج إلى دعم حقيقي ومؤازرة فلسطينية وعربية وإسلامية لدعم مثل هذه الخطوات، وتعزيز صمود المقدسيين في مواجهة إجراءات الاحتلال، وفضح ممارساته وتحميله المسؤولية الكاملة عما يجري.
سادسًا ـ إن العصيان خطوة مهمة لصد عدوان الاحتلال وتصاعد جرائمه وانتهاكاته بحقّ المقدسيين، وآخرها قرارات حكومة الاحتلال بتصعيد وتيرة هدم المنازل والتضييق على السكان بكل السبل بهدف تهجيرهم والسيطرة التامة على المدينة المقدسة. وهو ما واجهه أهل القدس بإعلان العصيان المدني، ما يعني أننا أمام حالة نهوض نُقابل فيها التصعيد بالتصعيد، ويدلل على أنّ الشعب الفلسطيني لديه مخزون عالٍ وإرادة لا حدود لها وأصالة وانتماء وأنه قادر على تقديم التضحيات.
سابعًا ـ الإشارة إلى أنّ عدم خروج العمال للعمل سيؤثر في القطاعات الاقتصادية للاحتلال خاصة قطاعات البناء والخدمات والزراعة، لأنها تعتمد على العمالة الفلسطينية بالقدس اعتمادًا كبيرًا ما يؤدي إلى شلّ الاقتصاد الإسرائيلي.
ثامنًا ـ الإلفات إلى أن تصاعد الخطوات والمواجهة بين الشعب الفلسطيني والاحتلال، يؤشر لانفجار الأوضاع مع اقتراب حلول شهر رمضان، وهو ما يخشاه العدو، وعبّر عن قلقه العميق من قدوم شهر رمضان، فتحت عنوان "غليان" في الساحة الفلسطينية وضربات في الجبهة الإيرانية" كتب تل ليف رام في صحيفة معاريف" تشكل وتيرة الأحداث الأمنية الشاذة في نهاية الأسبوع السابق نموذج ناجعاً لمصالح إسرائيل المعقدة: وقف التصعيد في الساحة الفلسطينية وموجة "الإرهاب" بعد عمليتين قاسيتين في القدس، السبت الماضي، وفي المقابل ارتفاع درجة أخرى في المعركة الجارية مع إيران...الساحة الفلسطينية تغلي، لكن لا يزال ممكنا تبريد الميول ومحاولة تخفيض مستوى اللهيب. ولإسرائيل أيضاً ما تفعله في هذا الموضوع. لكن اختيار هذا التوقيت بالذات من جانب وزير الامن القومي، ايتمار بن غفير، للربط بين هدم منازل فلسطينية غير قانونية، على أي حال في خطة هدم مستقبلية في بلدية القدس وادارة حملة علاقات عامة وكأنه هو الذي يغير الواقع من الاقصى الى الاقصى في شروط السجناء الامنيين، يسرع ميل التصعيد.
وكتب عاموس هرئيل في صحيفة هآرتس تحت عنوان: "تسخين تدريجي في الجبهة الفلسطينية: على أعتاب مواجهة عسكرية؟" منذ سنتين تقريباً، منذ انتهاء عملية "حارس الأسوار" في القطاع، الأجواء في الضفة الغربية وفي شرقي القدس آخذة في السخونة بالتدريج. منذ آذار الماضي بدأ ارتفاع واضح في عدد العمليات، وفي أعقابها أعلن الجيش الإسرائيلي عن عملية "كاسر الأمواج"، التي في إطارها وسع جداً نشاطاته في شمال الضفة. والآن مع العمليتين الأخيرتين في القدس، نهاية الأسبوع الماضي، اللتين قتل فيهما سبعة إسرائيليين وأصيب خمسة أشخاص، فإن ذلك يعتبر في جهاز الأمن انعطافة محتملة. استمرار التصعيد في الأسابيع القادمة ونحن نتجه الى شهر رمضان، الذي سيبدأ قبل نهاية آذار، يمكن أن يضع إسرائيل والفلسطينيين في بداية مواجهة عسكرية لم يُشهد لها مثيل منذ سنين.
وجد كبار ضباط القيادة العامة أنفسهم، أول من أمس، مثل أسلافهم في الانتفاضة الأولى، التي تجندوا فيها هم أنفسهم فقط للجيش، يرسلون نظرة عصبية الى توقعات النشرة الجوية. وإذا امتد الشتاء فقط الى نهاية الأسبوع ورُدع الشباب الفلسطينيون من الخروج والبحث عن مواجهات، ومرت صلاة يوم الجمعة في الحرم بهدوء، فربما سيكون بالإمكان البدء في التحدث عن تهدئة النفوس. ولكن إذا سجل المزيد من أحداث العنف فإن التوتر يمكن أن يطول، وحتى أن يرتدي طابعاً دينياً صاخباً كلما اقترب شهر رمضان. في إسرائيل يصفون هجوم التحريض الذي تشنه "حماس" في وسائل اعلامها، وبالإساس في الشبكات الاجتماعية، بأن هدفه ضعضعة استقرار السلطة في الضفة وتشجيع المواجهات العنيفة. الأكثر من كل ذلك هو أن الأمور ترتبط بالميزان الدموي: المزيد من القتلى الإسرائيليين وبدرجة معينة أيضا قتلى فلسطينيين سيحث على المزيد من العنف. كل نجاح في قتل إسرائيليين ينتج عنه بصورة واضحة ظاهرتان كامتداد فوري – محاولة تقليد لفلسطينيين ومحاولات انتقام من قبل إسرائيل. بعد عملية نفيه يعقوب سجلت على الفور محاولات أخرى. ولكن في هذا الأسبوع قام مستوطنون متطرفون بأعمال شغب، واحرقوا سيارات لفلسطينيين في عدة قرى في "السامرة". الارتفاع في هجمات المستوطنين، بالمناسبة، سجل في بداية كانون الثاني قبل العمليات الأخيرة. أيضا حول البؤرة الاستيطانية، أور حاييم، التي أخليت في السابق وتم عرضها كبادرة حسن نية مثيرة لذكرى الحاخام حاييم دروكمان، خرج "شبيبة التلال" لاحراق سيارات الفلسطينيين في المحيط.
في روح النضال المسلح الفلسطيني يوجد للسجناء مكان محترم. لا يوجد تقريبا أي عائلة في "المناطق" ليس لها أو على الأقل كان لها في السابق، ممثل قضى سنوات كثيرة في السجون الإسرائيلية. ليس بالصدفة أنهم في "الشاباك" وفي مصلحة السجون تحفظوا دائماً على مبادرات شعبوية استهدفت تشديد حياة السجناء الأمنيين. الوزير الجديد، الذي كما يبدو لا يستوعب معنى دوره ومسؤوليته، كانت لديه الوقاحة ليهاجم، أول من أمس، علناً سياسة رد الحكومة في غزة، والاعلان بأنه سيطالب بنقاش مستعجل في الكابنت لتشديد الردود. ..الآن في إسرائيل يخافون من انقطاعات محلية في الاتصالات التي يمكن أن تؤدي الى احتكاك زائد. الخطر الأكثر ملموسية هو أن رجال الشرطة الفلسطينية يخرجون لمواجهة جنود الجيش الإسرائيلي الذين يدخلون الى مناطق أ لأن أحداً في قيادة السلطة سيقرر عدم إعطائهم أوامر بالبقاء في المعسكرات أثناء عملية إسرائيلية، كما هو متفق عليه بين الطرفين منذ 2007.
ونشر موقع “ماكو” الصهيوني الشهر الماضي تقريرًا حذر من أن المسجد الأقصى على فوهة بركان يمكن أن ينفجر بسبب اقتحام المستوطنين وتغيير الوضع الراهن خصوصاً مع اقتراب شهر رمضان. وبحسب التقرير التقى رئيس بنيامين نتنياهو والملك عبد الله الثاني ملك الأردن، لمناقشة القلق المشترك من التصعيد قبل شهر رمضان،
وحذر رئيس منتدى الدراسات الفلسطينية في جامعة تل أبيب، ورئيس الساحة الفلسطينية في جهاز أمان مايكل ميلشتاين: ونحن نقترب من رمضان وهو شهر مشحون في الإسلام، وبعد ذلك مباشرة عيد الفطر الذي يصادف عيد الفصح، وهذا الأمر برمته يمكن أن يؤدي إلى الكثير من التوترات الأمنية..." كما كتب عاموس هرئيل في هآرتس تحت عنوان: "ضباط متقاعدون لرئيس الأركان: الجيش الإسرائيلي مقبل على حرب استنزاف في الضفة الغربية "تحذير رئيس وكالة الاستخبارات الأمريكية” وليام بيرنز حول احتمال اندلاع انتفاضة ثالثة في المناطق [الضفة الغربية] يعكس ما سمعه بيرنز في زيارته هنا قبل أسبوع. حتى لو لم توافق جميع الأجهزة الأمنية في إسرائيل على مفهوم انتفاضة كتنبؤ قاطع، إلا أنهم جميعاً يدركون بأن تدهوراً ملحوظاً بدأ في الساحة الفلسطينية، وثمة توقع بحدوث تصعيد آخر قبل بداية رمضان أو حتى قبل ذلك. ويضيف بيرنز إلى هذه الأقوال منظوراً لدبلوماسي مخضرم، الذي هو الآن رجل مخابرات والذي سبق وكان في صورة ما حدث هنا عندما اندلعت الانتفاضة الثانية في العام 2000...الأرض في الضفة تهتز، خصوصاً من نابلس وشمالها. حتى الطرف الفلسطيني ليس فيه فترة هدوء خصوصاً في تواصل أعداد القتلى بنار الجيش الإسرائيلي، حيث أكثر من 40 قتيلاً منذ بداية السنة، معظمهم من المسلحين...".
وتحت عنوان: "انفجار الضفة: الأيام القادمة "حبلى" بالتصعيد" كتب تل ليف رام في صحيفة معاريف: "لم يأتِ خطاب بيرنز فقط لغرض محاضرة ثقافية في جامعة وإبداء معرفة في موضوع الشرق الأوسط. يبدو أن هذه رسالة حادة اختار الأميركيون أن ينقلها علنا قبل كل شيء للحكومة في إسرائيل، وربما أيضا للفلسطينيين، بشأن الاقتراب من حافة الهوة، مواجهة عنيفة سيكون من الصعب جدا التراجع عنها. لم يصدر قول حاد كهذا، يكاد يتوقع نشوب انتفاضة أخرى في "المناطق" عن أي مسؤول أميركي منذ سنوات عديدة، وبالتأكيد ليس في هذا الشكل الحاد.
أربعة عوامل مركزية تشكل بشكل تقليدي محفزات للتصعيد في جهاز الأمن: الأول هو عدد قتلى عال في الجانب الفلسطيني؛ والثاني هو الصراعات على الأراضي في المنطقة "ج"؛ والثالث السجناء الأمنيون؛ والرابع التوتر في الحرم. بكل المقاييس يشخص جهاز الأمن ميولا سلبية تؤثر على الميدان....تحت السطح، يعتمل غضب الشباب الفلسطيني ممن لا يثقون بقيادة السلطة، ويعتقدون أنه يجب العودة إلى انتفاضة عنيفة. والى هذا ينبغي أن تضاف القطيعة المطلقة في المستوى السياسي بين القدس ورام الله والتنسيق الأمني الجاري بشكل جزئي جدا من تحت السطح. هذا الخليط المتفجر من شأنه أن يعبر عن نفسه في رمضان القريب، سواء أكان بعمليات أم بانتفاضة شعبية... ومن المهم الإشارة إلى أنه على مدى السنين يحذر جهاز الأمن من وضع آخذ بالتدهور في "المناطق". فترة الأعياد، رمضان، والفصح لليهود تعد على نحو شبه دائم نقطة اختبار للاستقرار الأمني. مثلما في كل سنة يصلون في جهاز الأمن لتمر هذه الفترة بهدوء نسبي".
بدوره كتب يهوشع برايمر في هآرتس تحت عنوان: "خلافات بين بن غفير وشبتاي.. والأمن الإسرائيلي: سيكون رمضان المقبل هو الأعنف": يتصاعد التوتر اليوم بين وزير الأمن الوطني ايتمار بن غفير والمفتش العام للشرطة كوبي شبتاي، وحسب عدد من المصادر في جهاز إنفاذ القانون فإن العلاقات بينهما على وشك الانفجار، لأن شهر رمضان يلوح في الأفق الذي سيكون حسب كل تقديرات الاستخبارات شهراً متوتراً وعنيفاً... نحن عشية شهر رمضان والجميع يحاولون التهدئة ولكنه جاء للإشعال" قال ضباط كبار في الشرطة.
وأشار الاعلام الصهيوني أيضًا إلى أن الكيان المؤقت يستعد لاحتمال الانتفاضة الجديدة التي يشنها الفلسطينيون في الضفة الغربية والقدس المحتلة في إطار المبدأ الذي أسسته في أيار/ مايو 2021 المسمى "توحيد الجبهات".
وفي هذا السياق كتب الضابط السابق في جهاز الاستخبارات العسكرية "أمان" يوني بن مناحيم في مقال نشره موقع زمن إسرائيل " تتمثل استراتيجية قوى المقاومة في دفع المقدسيين وفلسطينيي الضفة الغربية ومناطق 48 لانتفاضة مسلحة في الأسابيع المقبلة، وبالتالي فسيكون لهم دور في المقاومة المسلحة، ما سيدفع بقوات أمن الاحتلال لمزيد من الانتشار في التجمعات العربية والمدن المختلطة... ويؤدي، فيها فلسطينيو 48 دورًا مهمًا، رغم الاستيعاد بالفعل لهذا الاحتمال، وبدأ بإنشاء "الحرس الوطني" للتعامل مع حوادث العنف بين فلسطينيي الداخل... والأحداث الميدانية في الأراضي المحتلة تشبه "قنبلة موقوتة"، حيث برز واقع أمني خطير في الضفة الغربية وشرق القدس عقب ظاهرة الجماعات المسلحة والمقاومين المنفردين وحملة التحريض على وسائل التواصل الاجتماعي، فالمنطقة على وشك الانفجار، ويواجه الاحتلال تحديًا أمنيًا كبيرًا في الأسابيع المقبلة حتى شهر رمضان، وما زال الاحتلال غير متعاف بعد من الهجمات المميتة الأخيرة... ظاهرة المسلحين المنفردين تضرب مرة أخرى، ولا يوجد لدى جهاز الأمن الإسرائيلي أي رد عليها، ورغم أن الحكومة اليمينية الجديدة تتجنب عملية عسكرية كبيرة في شمال الضفة الغربية في الوقت الحالي، فإن الجيش والشاباك يواصلان الاعتقالات اليومية الكبيرة، دون القدرة على اقتلاع البنية التحتية للمقاومة من جذورها، ما يتطلب احتلال المنطقة، واعتقال جميع المطلوبين، وتطهيرها بالكامل منهم، فيما تمارس إدارة بايدن ضغوطا كبيرة على حكومة نتنياهو لتجنب عملية عسكرية كبيرة، خوفا من أن يؤدي ذلك إلى التصعيد مع حلول شهر رمضان".
تاسعًا ـ التنويه بقدرة المقدسين الباهرة على تعبئة قطاعات كاملة من السكان المدنيين ضد واحدة من أعتى الآلات العسكرية في العالم؛ وتحديهم لقدرة الكيان المؤقت على الاستمرار في إجراءاته المجنونة.
عاشرًا ـ التنويه إلى أنه في ظل التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطيني والعدو وتخلي عدد من الدول العربية عن قضية القدس فإن اعتماد المقدسيين ومن ورائهم الفلسطينيين على الذات وتحكمهم بأنماط مقاومة العدو بين عمليات مسلحة وعصيان مدني وصولاً إلى صراع شوارع يومي مع جنود العدو وآلته القمعية سيوجه ضربة معنوية، لجبروت الجيش الصهيوني وقياداته اليمينية المتطرفة.
حادي عشر ـ الإشارة إلى أن العدو الذي يعيش داخلياً أزمة كيانية مع تصاعد مقدمات الحرب الأهلية بين اليهود أنفسهم قد وضع نفسه بتحدي المقدسيين في مأزق لا مخرج منه، سيؤدي حتماً إلى تصاعد حرب الاستنزاف الدائرة بين أصحاب الأرض ومحتليها ولن يستطيع العدو تحمل كلفتها لأن المنطق يهدد باتساعها إلى جميع مناطق الوجود الفلسطيني مع اقتراب شهر رمضان المبارك.
ثاني عشر ـ التركيز على الظواهر الحاسمة التي استجدّت على صعيد الوعي الجمعي المقدسي التي يمكن اختصارها في بروز جيل جديد من المناضلين والمقاومين الشبان غير عابئ بمعايير السلوك التي أقامتها القوى السياسية الفلسطينية القائمة بعد أوسلو. وهو ما عكسه قلق الكيان المؤقت من تحول "عرين الأسود" التي يؤكد رئيس منتدى الدراسات الفلسطينية بمركز دايان في جامعة تل أبيب مايكل ميلشتاين أن "ظاهرة عرين الأسود انفجرت في الأراضي الفلسطينية، وتحديدا في نابلس، قبل أكثر من شهر بقليل، وباتت تشكل تهديدًا أمنيًا... وقبل كل شيء تحمل مزيدًا من التأثير للجيل الفلسطيني الشاب الذي يتمتع بخصائص فريدة، على الرغم من أنها تشبه مجموعات أقل حجمًا وعلى نطاق أضيق، مثل كتيبة جنين وعش الدبابير في جنين".
وكتب في مقال نشره موقع القناة 12"نشوء هذه المجموعات في مخيمات اللاجئين أمر طبيعي لأنها مناطق ذات تاريخ طويل من التحريض ضد أي نوع من الاحتلال، لكن تحليل صور نشطاء "عرين الأسود" يظهر عددًا من الخطوط البارزة، فمعظمهم ولدوا عام 2000، أي أن ذكرياتهم محدودة نسبيًا من الانتفاضة الثانية، لكنهم يذكرون أحداث انتفاضة السكاكين في 2015، وبدلا من السلاح الأبيض، فقد باتوا يحملون أسلحة نارية، ويظهرون ازدراء للسلطة الفلسطينية، ورغم أنها لا تضم سوى بضع عشرات، لكنها تتمتع بصدى واسع في الشارع الفلسطيني، خاصة بين الشباب... واستطاعت عرين الأسود أن تتصدر فضاء الإنترنت، ومقاطع Tiktok على الرغم من أنهم يعملون بشكل مستقل، وليس من خلال تنظيمات مؤسسية أو هرمية، ويمثل استمرار نشاطهم ثلاثة تهديدات رئيسة، أولها: إلحاق الأذى بقوات الجيش والمستوطنين في مدن الشمال، وثانيه:ا تقليدهم المحتمل في مراكز أخرى من الضفة الغربية من الشباب الذين يتوقون لهذا العمل، مما سيعزز التهديد الأمني للاحتلال، وثالثها وأخطرها احتمال أن ترعى حماس هذه المجموعات، وتزودها بالدعم المالي واللوجستي والعسكري، وتوجه أنشطتها".
ثالث عشر ـ التنويه بأن اعلان عصيان مدني في قلب القدس هو جعل جمهور فعال وناشط يتعدى عدده عشرات الآلاف على جهوزية دائمة لرفع مستوى التحدي من عصيان إلى هبة شعبية إلى انتفاضة وفي هذا انتصار للنزعة الشعبية وتحوُّلها إلى الشكل السائد من أشكال السياسة والثقافة التي حاول العدو فرضها من خلال السلطة الفلسطينية.